من أسرار العظمة المدهشة في القرآن الكريم - قراءة تأملية
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: شهر و 3 أيام
الأحد 24 مارس - آذار 2024 10:23 م
  

من أسرار العظمة في القرآن الكريم أنه ما أهتم به أحدا إلا رفعه الله عزوجل ، وجمع له المجد من أطرافه ، ووضعه في مكانا عليا ، وأبرزه في رحاب الخالدين . 

 

فما أخلص مسلما لوجه في الله في حفظ القرآن وتعليمه وتدبره وتفسيره ونشره إلا أعلى الله قدره في خلقه ، وبعد صيته بين الناس ، وزاد ذكره ومهابته .

هذا إضافة إلى ما يجده من سعادة تتمثل في : انشراح الصدر ، ونور الوجه ، وطمأنينة النفس ، وسعادة القلب وقوة الذاكرة والقدرة على الاستنباط والفهم والصفاء في الذهن والسمو في الروح .

 

 في قراءة القرآن بتدبر وتأمل سعادة تفوق الوصف كأن شلالا من السعادة ينداح على قلبه فيروي ظمأ القلب إلى الطمأنينة والسعادة ، وسيجد نفسه يسمو ويحلق في أفق من الشفافية والنورانية ..

 

وهذا مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي ورد في صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي وكان عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مكة أنه لقيه بعسفان فقال له: 

ــ من استخلفت ؟ 

فقال: 

استخلفت ابن أبزى مولى لنا .

فقال عمر : 

ـ استخلفت مولى؟!

 قال: 

ــ إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض.

 فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ) .

ولذا دعا الله سبحانه وتعالى عباده إلى قراءة القرآن في كل الظروف والأحوال ، قال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) سورة المزمل الآية 20 .

فلا يوجد عذر أكبر من المرض ، أو خوض الحرب ، أو الضرب في الأرض بغية طلب الرزق واكتساب المعيشة ، لكن الله رغم ذلك أمر بقراءة ما تيسر من القرآن في هذه الظروف .!

 

وذلك ليظل المسلم متصلا بحبل الله المتين ، مستنيرا بنوره العظيم ، ليظل كلام الله في قلبه وذهنه ووجدانه يحميه من كل أنواع التهديدات والمخاوف والآفات ، فهذا القرآن شفاء للقلوب التي في الصدور ، والتي صارت موحشة وقاحلة بسبب الإغراق في الدنيا بما فيها من صراع ومماحكات ومواجع وسفاسف ، ولذا فإن القراءة بتأمل وتدبر وخشوع وحضور القلب هي بمثابة غيث يسقي أرض القلب فتنبت السعادة والطمأنينة وراحة البال ، ستزول كل أحزانك وتنتهي مخاوفك وستذهب كل الوساوس والهواجس وستشعر أنك إنسان جديد .

 

ولو أننا تتبعنا القصص المدهشة التي يرويها أهل القرآن عن تيسير الله لهم في كل الظروف والأحوال ، وكيف يفتح الله لهم الأبواب المغلقة ؟ ويسخر لهم القلوب ، وكيف يقذف حبهم في الخلق ، وكيف يخصهم بالقبول والفضل ، ويوسع لهم الرزق ، لرأينا العجب العجاب مما يدهش الألباب.. فتأمل .

 

قراءة القرآن تعيد للقلب براءته وطهارته ونقاءه، كما أنها تقوي ملكة الاستنباط والفهم، وتفتح للمرء فتوحات كثيرة فتتكشف له المعاني وتنزاح أمام ناظريه غشاوة كانت تحجب عيني قلبه عن رؤية معاني مدهشة ورائعة.

ورغم أن بعض العلماء يفسرون قوله تعالى " فأقروا ما تيسر منه " بأنها الصلاة ، وذلك لأن من يصلي سيقرأ حتما الفاتحة ثم ما تيسر له من القرآن ، وإلى هذا ذهب العلامة ابن عاشور فقال " ومعنى فاقرءوا ما تيسر من القرآن فصلوا ما تيسر لكم ، ولما كانت الصلاة لا تخلو عن قراءة القرآن أتبع ذلك بقوله هنا فاقرءوا ما تيسر من القرآن ، أي : صلوا كقوله تعالى ( وقرآن الفجر ) أي : صلاة الفجر ، وفي الكناية عن الصلاة بالقرآن جمع بين الترغيب في القيام والترغيب في تلاوة القرآن فيه بطريقة الإيجاز " .

كون الآيات التي نصت على قراءة ما تيسر من القرآن جاء في سياق الحديث عن قيام الليل ، ثم التخفيف من صلاة القيام لهذه الأعذار الثلاثة. 

وكون هذا الأمر من المجاز المرسل حيث أراد به الصلاة ، فأطلق اسم الجزء على الكل، لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة. 

 

بينما ذهب البعض من المفسرين إلى أن المقصود ليس قراءة القرآن في الصلاة ، وإنما قراءة القرآن مجردا عنها ، فالنص صريح في قراءة القرآن " فأقرأوا ما تيسر منه " ، إضافة إلى أنه تبع الأمر بقراءة القرآن أمر آخر بإقامة الصلاة " فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ " .

ولذا يقول العلامة القرطبي في تفسيره : " وإذا ثبت أن القيام ليس فرضا فقوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر منه معناه اقرؤوا إن تيسر عليكم ذلك ، وصلوا إن شئتم .

فلو كان القصد قراءة القرآن في الصلاة لما جاء بعد ذلك مباشرة الأمر بإقامة الصلاة.

وفي كل الأحوال فالقصد هو قراءة القرآن في صلاة أو غيرها. 

 

هذا القرآن شفاء للقلوب التي في الصدور ، والتي صارت موحشة وقاحلة بسبب الإغراق في الدنيا بما فيها من صراع ومماحكات ومواجع وسفاسف ، ولذا فإن القراءة بتأمل وتدبر وخشوع وحضور القلب هي بمثابة غيث يسقي أرض القلب فتنبت السعادة والطمأنينة وراحة البال ، ستزول كل أحزانك وتنتهي مخاوفك وستذهب كل الوساوس والهواجس وستشعر أنك إنسان جديد ..

سمعته الجن فأسلمت ومضت تدعو إلى الله وسمعه الوليد ابن المغيرة وهو مشرك فسلب لبه وملك قلبه واندهش من حلاوته وبلاغته واستولى كلام الله على ذهنه ووجدانه فقام يحاجج قومه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سمعه يتلو القرآن ويقول : ( ما هو بكاهن، لقد رأيت الكُهَّان، فما هو بِزَمزَمةِ الكاهن وسَجعه ؛ فقالوا : 

- نقول مجنون، فقال: 

- ما هو المجنون، لقد رأينا الجُنون وعرفناه، فما هو تَخنُّقهُ ولا تَخالُجهُ ولا وسوَستهُ، فقالوا: - نقول شاعر ، فقال: 

- ما هو بشاعر ، قد عرفنا الشِّعر بِرَجزِهِ وقَريضهِ، ومَقبوضهِ ومَبسوطهِ، فما هو بالشعر، قالو : - فنقول ساحر ، قال: ما هو بساحر ، قد رأينا السَّحرةَ وسِحرهم، ما هو بِنَفثهِ ولا عُقَدهِ، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: ( والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً؛ ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن؛ والله إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لَمُثمِر، وإنَّ أسفَلهُ لَمُغدِق، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه) .  

 

اللهم حبب إلينا قراءة القرآن وأجعل قلوبنا رياض وحدائق ذات بهجة بقراءة كتابك وتدبره وفهم معانيه .