مقتل الصماد.. في معادلة التسوية عند الحوثيين
بقلم/ دكتور/د: ياسين سعيد نعمان
نشر منذ: 5 سنوات و 11 شهراً
الجمعة 27 إبريل-نيسان 2018 02:21 م
 

في اللقاء الذي دعا إليه الرئيس هادي بعد دخول الحوثيين إلى عمران بيوم واحد وجمع الحكومة والمستشارين وقيادات الأحزاب وهيئة رئاستي البرلمان والحوار الوطني والقى فيه كلمة قوية طالب الحوثيين بالخروج فوراً من عمران انسحب من الاجتماع شخص بدا من هيئته ومن الطريقة التي عبر بها عن رد فعله وانسحابه أنه يشق طريقه في المهمة التي أوكلت إليه من قبل الجماعة وسط ألغام ليس أقلها خطورة العيون التي تراقب ردود فعله في مثل هذه المواقف . 
كان ذلك الشخص هو صالح الصماد الذي كان قد حل محل صالح هبرة في تمثيل الجماعة على أكثر من صعيد ومن ذلك هيئة المستشارين . 
ثم تتالت الأحداث وظل مأخوذاً بهاجس المراقبة الدائمة في كل المهمات التي أوكلت إليه بما ذلك رئاسة "المجلس السياسي" . 
لم يشكل الصماد بمنصبه الشكلي الذي مات تحت عنوانه قيمة حقيقية بالنسبة لجماعة الحوثي اللهم إلا إذا أخذنا بعين الإعتبار حاجتهم في تلك المرحلة المبكرة لتنويع قاعدتهم الاجتماعية خارج السلالة . 
بمقتله يمكن القول إن الذين يصرون على نقاوة نفوذ الجماعة قد رصدوا وهم يعبرون عن مغادرته بالإرتياح ، على الرغم مما يعنيه ذلك من مخاطر تعكس تحولا في أسلوب المواجهة على أرض المعركة .
وحتى لا يتعثروا بشخصية أخرى من خارجهم يتكرر معها تعريض نفوذ الجماعة لمخاطر التشتيت ، فقد بادروا وعلى نحو سريع بإحلال مهدي المشاط محله بصورة اختفت معها مهارتهم القديمة في استخدام الآخرين لخدمة السلالة، مع كل ما يبعثه ذلك التصرف من إشارات سلبية تؤجج الصراع الذي برز إلى السطح في أكثر من مناسبة بين حلقتي الجماعة : الحلقة المركزية التي تجمع السلالة بمكونها العقائدي، والحلقة الموالية والتي تتنوع بتعبيراتها ومكوناتها الاجتماعية ومصالحها وحساباتها الخاصة . 
بعيد مقتله مباشرة ، طويت صفحة الصماد بهدوء وبدم بارد من قبل الجماعة التي انتسب إليها دون إدراك منه ومن أمثاله لحقيقة أنه لا يوجد ما يعرف به الانتساب الى هذه الجماعة من خارجها سوى الولاء ، والولاء الذي لا تشوبه شائبة . فالإنتماء هنا لا يعكس أي صيغة من صيغ الروابط السياسية كما هو الحال في الأحزاب والمكونات والتجمعات المدنية ، ذلك أن الجماعة التي رفضت أن تتحول الى مكون سياسي ظلت تعمل بصيغة الإنتماء السلالي ومرجعياتها الفكرية في نطاق الحلقة المركزية التي تدير وتتحكم فيما عداها من الملتحقين بها على أساس الولاء أو الإنتفاع . وتشكل الحلقة التي يتكون منها الموالون المخزون الذي يستخدم لأكثر من غرض والتي تعد السياج الذي يحمي الجماعة . وتبقى وظيفتها محصورة في هذا النطاق ، دون أن يسمح لمنتسبيها التسلل إلى مراكز القرار إلا عند الضرورة ولأسباب آنية تقررها قيادة الجماعة . 
أبرز التناقضات التي دفعت بالصراع داخل حلقات الجماعة هي أن الشعارات السياسية التعبوية التي تستخدم في الاحتشاد اليومي لا تجد لها حاملاً سياسياً معبراً عنها في أرض الواقع غير حركة عقائدية مغلقة ومستغرقة في ذاتها وخطاب رغائبي لزعامة لا يجمعها بالناس سوى الفيديولنك . 
حالة التصادم بين الحلقتين ، والتي غالباً ما أسفرت عن تقليص المزيد من نفوذ الحلقة الثانية في البناء العام لمركز القرار داخل الجماعة ، ناشئ عن هذه الحقيقة وحقيقة هامة أخرى مشتقة منها وهي أن التسوية السياسية ، من وجهة نظرهم ، يجب أن تتركز في عدم التفريط بالمكسب "الطائفي" الذي سيسعون إلى تحقيقه من التسوية المرتقبة بحيث يبقى حكراً على الحلقة الاساسية دون أن ينازعها في ذلك أحد من خارجها .
ولتحقيق ذلك فإنه لا بد من إعادة بناء وتحضير الجماعة بالصورة التي تظهر فيها كطرف "نقي"ووحيد في معادلة التسوية مقابل الطرف الآخر الذي يمثل الشرعية ، خاصة بعد أن بدأت تسريبات تتحدث عن بنود مشروع التسوية للمبعوث الأممي السيد "جريفيث" ومنها أن المفاوضات المرتقبة ستكون بين الحكومة والانقلابيين .
ولذلك لا نستغرب السرعة التي جيء فيها بالمشاط الى رئاسة "المجلس " دون أن تحسب الجماعة أي حساب لحلقة الموالين الذين يفترض أنهم لا زالوا يشكلون في معادلة الصراع والحرب رقماً مهماً بالنسبة لهم . 
الحوثيون أكثر ما يشغلهم في اللحظة الراهنة هو إعادة تجميع أوراق ومراكز النفوذ بأيدي جماعتهم حتى لا ينازعهم أحد في نصيبهم من مكاسب التسوية المرتقبة ، وبصورة إجمالية لا بد من النظر إلى أن تصفية حليفهم السابق صالح ، ومعه المؤتمر الشعبي ، قد انطلق في الأساس من هذه المعادلة الخطية التي يتهيأون أن يكونوا فيها الطرف الأوحد في مكون تحالف الانقلابيين المفاوض . 
لم يعودوا يفكروا في تنويع وتوسيع القاعدة الاجتماعية لحركتهم ، مثلما كانوا في بداية أمرهم ، ولو من باب التمويه في ظرف لا تزال فيه الحرب تدق أبواب أكثر مناطقهم نفوذاً . باتوا يدركون أن مشروعهم الذي كان يملي عليهم اشتراطات ودوافع العمل مع الآخرين ، ناهيك عن استفادتهم مما أفرزته مرحلة الاستقطاب الاجتماعي وثأرات الصراعات الدامية والإفقار وإخفاقات الأنظمة في بناء الدولة الوطنية من مناخات وتربة خصبة للعمل ، قد سقط إلى غير رجعة . ولذلك فإنهم يعيدون ترتيب البيت الداخلي باستعادة حلقات النفوذ إلى أيديهم استعداداً لمرحلة التسوية التي لن يكون فيها الآخرون من حلفاء الأمس إلى جانبهم سوى أوراقاً من غير رصيد ، حتى أن الداعي المذهبي الأكبر الذي يتجاوز السلالة لن يكون غير ورقة محروقة أمام النزق الطائفي الذي يتبلور داخل جماعة تعتقد أنها تحمي نفسها بنقاوة الدم.