موضة تقبيل الرُكب عند الحوثيين
ناجي منصور نمران
ناجي منصور نمران

عاشت البشرية قبل ظهور الإسلام عصور سوداء ساد فيها تقسيم المجتمعات إلى فئات وطبقات ، فهناك في الأسفل يقبع العبيد كسلع تُباع وتُشترى في أسواق النخاسة كالحمير والبغال ، بينما يتربع في القمة السادة والأشراف ، حتى بزغ فجر الإسلام والذي جعل من الناس سواسية كأسنان المشط ،وجعل من التقوى المعيار الأوحد للمفاضلة بينهم فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، وما اختيار المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام لسيدنا بلال ليرفع الآذان من على أطهر بقاع الأرض يوم فتح مكة إلا دليل على ذلك التوجه السامي لديننا الحنيف ،وتأكيداً منه على هذا المعنى العظيم، ولهذا يمكن القول أن الإسلام قد سبق جميع الديانات الأخرى في التأكيد على صون حقوق البشر واحترام الذات الإنسانية ،حين كفل للفرد جميع حقوقه دونما تمييز في الدين أو العرق أو الجنس ،وخير مثال على ذلك المقولة الخالدة للفاروق الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)

إذا ما قارنا وضع الرق بين الأمس واليوم ، سنجد أنه وعلى الرغم من تلاشي صور العبودية المتمثلة في بيع وشراء الناس كسلع كما كان الوضع عليه في الأزمان الغابرة إمتثالاُ لأحكام الإسلام الذي قضى على التمييز العنصري بين الناس، إلا أن ذلك الرق لايزال موجود في وقتنا الحاضر ولكن بصورة مختلفة نوعاً ما،حيث ظهر من جديد بحلة عصرية تتمثل في إستعباد الإنسان وإذلاله بقوة السلاح من قبل حكام ظلمة تمادوا في قمع الحريات ،وتكميم الأفواه ،وحمل الناس على تقبيل الأيادي والأكتاف ، وامتهان كرامة البشر، حتى ضاق بالناس الحال وانفجرت براكين الغضب مرة واحدة لتجرف حممها الملتهبة في طريقها كل حاكم سولت له نفسه الأمارة بالسوء سلوك ذلك النهج ،وما ثورات الربيع العربي التي نعيشها إلا نتاجاً طبيعياً لمثل تلك الإنتهاكات

وإذا كان هذا هو حال الحكام العرب الذين مارسوا الرق على الناس تحت قوة السلاح بأبشع صوره ، فإن هنالك موضة أخرى من الرق راجت في أوساط بعض المجتمعات الإسلامية ويمارسها علماء دين، تتميز عن عبودية الحكام في نقطة مفصلية واحدة ،وهي أن الناس هنا غير مرغمين على ذلك الفعل، بل يقبلون عليه بمحض إرادتهم وبكامل وعيهم، فتجدهم يتسابقون على تقبيل الرُكب كما تتسابق البهائم على الورد ، ولو تسنح الفرصة لنزل السواد الأعظم منهم أكثر للأسفل لتقبيل الأقدام (الشريفة) علهم يحظوا ببعض البركات التي ستمنحهم صكوك دخول الجنة ،حاسدين في نفس الوقت أولئك المحرومين من نيل تلك المكرمات العظيمة، ومعتقدين في قرارة أنفسهم أنهم سعداء الحظ قد مرت عليهم ليلة القدر لينالوا ذلك الشرف العظيم، وكان من حسن طالعهم أن سنحت لهم تلك الفرصة الذهبية. 

أعتقد أن الغالبية العظمى منكم قد شاهدوا الفيديو الشهير أو على الأقل سمعوا عنه، والذي يظهر فيه عدد من الأشخاص ينحنون أمام محمد عبدالعظيم الحوثي بمحافظة صعدة أثناء تسليمهم عليه، ويتهافتون على تقبيل ركبتيه بطريقة مذلة ومهينة للذات الإنسانية ،والذي بدوره يربت بيديه المباركتين (قدس الله سره) على الرؤوس المطأطأة ليغمر أصحابها بلمساته المباركة ، وهذه تعتبر في إعتقادهم قمة المكرمات التي اختصهم بها الله عز وجل دونما غيرهم من البشر،وصدقوني فقد حاولت جاهداً تفسير ماحدث لعلي أفوز بسبق إكتشاف الدافع الأساسي وراء رواج تلك الموضة المثيرة للإستغراب والإستهجان في آن واحد ،ولكن للأسف لم تسعفني قريحتي المتواضعة لنيل ذلك السبق، ولم أجد تفسيراً منطقياً يقبله العقل لتبرير ذلك السلوك المذل، عدى بعض الإفتراضات الضعيفة التي ذهبت إليها ، ومنها أن السيد عبدالعظيم ربما قد وضع بعض النكهات والمقبلات الخاصة على ركبتيه والتي من شأنها جذب الأتباع ، وتشجيعهم على تحمل عناء الإنحناء والنزول إلى منطقة الركبة وتقبيلها ، أو لعل الموضوع يحمل في طياته بعد إستراتيجي ووطني لاندركه بنظراتنا القاصرة، فلربما أن تلك القبلات تعد من متطلبات اللياقة البدنية التي من شأنها تقويم الجسم وبناء عضلاته ليتعود الشخص على الإنحناء بمرونه عالية إستعداداً للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية القادمة والمزمع إقامتها في ريودي جانيرو البرازيلية عام 2016 لحصد أكبر قدر ممكن من الميداليات الذهبية للبلاد

أياً كانت التفسيرات لرواج موضة تقبيل الركب ذائعة الصيت عند البعض الآن، فلابد لها أن تتلاشى وتندثر يوماً ما لتحل محلها موضة أخرى جديدة تواكب الحداثة والتطور بحسب قوانين السوق اليوم وعلى أساس أن دوام الحال من المحال، وعليه يظل السؤال المحير حول ماهية الموضة القادمة التي ستعقب تقبيل الركب؟ من يدري ربما يشهد السوق حلول موضة تقبيل الأقدام أو الأحذية..لما لا؟؟ فنحن في زمن الصراعات والتقليعات الغريبة


في الأحد 12 أغسطس-آب 2012 12:21:35 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=16859