|
لا تكاد تخلو نشرات الأخبار المرئية والمسموعة والمقروءة من خبر أو تصريح " لمصدر مسئول هنا أو هناك " بفشل الحلول الدبلوماسية لأزمة الملف النووي الإيراني، وأن توجيه أميركا ضربـة عسكرية لإيران أصبح أمرا حتميا. ولا تكاد تخلو صحيفة أو مجلة أو موقع إعلامي إلكتروني من مقالة أو تحليل لكتاب أو سياسيين أطلقوا العنان لبنات أفكارهم محددين سيناريوهات معينة لتلك الضربة الحتمية !! .. وفي نفس الوقت لا تكاد تخلو نشرات الأخبار من خبر عن لقاءات " سرية أو علنية " بين الجانبين الأميركي والإيراني بشأن قضايا معينه ، ولعل آخرها ما تناقلته وسائل الإعلام بالأمس القريب عن قبول كل من طهران وواشنطن إجراء مباحثات مباشرة بشأن الوضع في العراق فـي الوقت الذي تناقلت فيه وسائل الإعلام ذاتها أخبار جولة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في المنطقة العربية وما يتردد من أنها تأتي كمقدمة للضربة العسكرية الحتمية لإيران !..
في ظل تلك الأخبار، التي هي تارة أخبار عداء وقطيعة بين إيران وأميركا، وتارة أخرى هي أخبار تعاون وتنسيق فإن الإنسان يصاب بالحيرة. بيد أن المتابع الدقيق للعلاقات الإيرانية الأميركية يدرك أن ظاهر تلك العلاقات غير باطنهـا ، فهي وإن كانت تبدو علاقات عداء مطلق إلا إنها في الحقيقة عكس ذلك تمامـا. فهي علاقات تعاون وتنسيق وما نسمعه غير ذلك ما هو إلا جزء من الأعيب السياسة ودهاليزها.
لا شك أن الدهشة ستعتري البعض عند سماع هذه الحقيقة ، ولكن قبل أن تتملكهم الدهشة عليهم أن لا يلتفتوا إلى الخطاب السياسي الإيراني تجاه أمريكا ووصفه لها " بالشيطان الأكبر " أو إلى الخطاب السياسي الأميركي تجاه النظام الإيراني ووصفهم له " براعي الإرهاب الأول "، كما عليهم أن لا يتلفتوا لتلك لمظاهرات التي تحتشد في شوارع طهران منددة بممارسات أمريكا في العالم الإسلامي ، أو إلى تلك التصريحات التي تصدر من واشنطن مهوله ومحذرة من النظام الإيراني .
إن عليهم قبل أن تتملكهم الدهشة أن يقدموا تفسيرا مقبولا للعديد من الحقائق في سجل العلاقات الإيرانية الأميركية ، نذكر منهـا :
* قيام أمريكا في عهد كارتر بتقديم الدعم والمساعدة للثورة الخومينية ضد الشاه.
* قيام أمريكا في عهد بوش الابن بتطبيق قرار فرض ال حظر على نشاط منظمة " مجاهدي خلق " المعارضة للنظام الإيراني وتصنيفها كمنظمة إرهابية.
* قيام إيران بتقديم دعم لوجستي وتكتيكي لأميركا أثناء غزوها لأفغانستان ، وبصورة جعلت الكثير من السياسيين والمحللين الأميركيين يقولون بأنه لولا الدعم والمساندة الإيرانية لمـا كان للغزو الأميركي لأفغانستان أن ينجح بتلك السهولة وبذلك القدر المحدود من الخسائر.
* قيام إيران بدور كبير في إنجاح الغزو الأمريكي للعراق ، فلا يخفى على أحد الدور الذي قامت بـه الأحزاب الشيعية في العراق ( المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ، وحزب الدعوة ) من دعم ومساندة لأمريكا ، وهي الأحزاب التي لا تتحرك قيد أنملة إلا بتوجيه من طهران ، كما لا يخفى على احد ما قام ويقوم به السيستاني (رجل إيران في العراق ) من دور كبير لتكريس الاحتلال الأميركي للعراق ، كما لا يخفى على احد أن شيعة العراق وبتوجيه مباشر من طهران لم يطلقوا رصاصة واحدة في وجه الأميركي المحتل.
إن صور علاقات التعاون والتنسيق الإيراني الأميركي تفوق إشكال وصور العداء ، والمجال هنا ليس للحديث عنها بإسهاب ، بيد أن القول بحتمية الضربة الأميركية لإيران تنقصه الدقة. فإن كان هناك من يؤكد الضربة ويطرح عدة مؤشرات لتدعيم هذا التأكيد ، وإن كان هناك من ذهب به المدى إلى تحديد سيناريوهات تنفيذها استنادا لمعلومات من مصادر قريبة من دوائر صنع القرار الأميركي ، إلا أنهم أغفلوا تبيان سيناريوهات ما بعد الضربة على الرغم من أهمية ذلك قبل القطع والجزم بحتمية الضربة .
إن علينا قبل القطع بحتمية الضربة الأميركية لإيران ، وقبل إشغال وقتنا ببحث سيناريوهات تنفيذها أن ننظر أولا إلى ما قد يترتب عليها إذا ما نُفذت ، بعبارة أخرى علينا أن ننظر إلى الرد الإيراني المحتمل . أليس أقل الاحتمالات أن ترد إيران بضرب البوارج الأمريكية في الخليج العربي وما قد ينتج عنه من إعطاب وتلفيات أو إغراق لا يمكن أن يتقبله الشعب الأميركي ، أو أن ترد بضرب إحدى ناقلات النفط العملاقة عند مرورها بمضيق هرمز بما يتسبب بإغلاقه لفترة طويلة أو قصيرة ستشعل أسعار النفط بصورة كبيرة لا يتحملها الاقتصاد العالمي وخاصة الأوروبي حيث وأن 1/5 من الإنتاج العالمي اليومي (16 مليون برميل ) يمر عبر هذا المضيق يوميا.
كما يجب قبل القول بحتمية الضربة أن لا نغفل حقيقة أن الجيش الأميركي هو تحت رحمة إيران في العراق ، فإذا ما افترضنا جدلا بحتمية الضربة أليس أسهل وأسرع رد إيراني محتمل هو مهاجمة القوات الأميركية المتواجدة في العراق من خلال الفيالق العسكرية الشيعية العراقية.
في ضوء هذه السيناريوهات المحتملة لطبيعة الرد الإيراني على الضربة ألأميركية المحتملة لحل قضية الملف النووي الإيراني تتوارى سيناريوهات حتمية الضربة. فتكاليف الضربة والنتائج المترتبة عليها بالنسبة للأميركيين لا تقارن بالفوائد المرجوة من منع إيران عن السير في مشروعها النووي من خلال مواجهة عسكرية. بيد أنه وفي ضوء عقلية الإدارة الأميركية الحالية لا يمكن نفي أن الضربة تظل احتمالا واردا ، ولكنه احتمالا ضعيفا جدا ، وتظل ما تشهده علاقات البلدين مجرد توترات.
من هذا وذاك فإن السؤال الذي يفرض نفسه :
لماذا إذا هذا التهويل الأميركي لقضية الملف النووي الإيراني ؟.
سنحاول الإجابة على هذا السؤال في مقالة قادمة بحول الله.
br4415@hotmail.com
في الخميس 17 مايو 2007 12:01:21 ص