اليمن الموحد فرصة ثمينة لنهاية عقود من التسلط
د.عبدالحي علي قاسم
د.عبدالحي علي قاسم

"الناخبي رؤية ناضجة"

لا غرابة أن نرى ذلك التقارب الحميمي الخادع والمضلل في وجهات النظر بين رعاة المشاريع الصغيرة الطائفية والمناطقية والفئوية التي تعيش وهم التقاسم التاريخي العليل في اليمن، وأطماع العودة والبقاء المستديم في السلطة، والاستئثار بالمكاسب والمزايا تحت مزاعم النضال الوطني، والوصاية الفكرية والسياسية للجماعة التي يقوم كلا على أمرها. ومسلم بأن من شأن تلك المصالح المشتركة أن تترتب على أثرها تكامل الأدوار لتلك القوى في الشمال والجنوب، وأن تشارك وتجمل مطالب بعضها البعض، وتتقاسم حتى همومها وتحدياتها، فالكل يتنفس المصالح، وينفث الخبث والأذى في وجه المشروع الوحدوي اليمني، الذي لا ترى فيه سوى تهديدا لآمالها ونهاية لأطماعها، ومسمارا أخيرا في نعش تسلطها وأنانيتها.

وتحت هواجس الإفلاس السياسي والقيمي لتلك القيادات وليس المجتمع، وغياب الكفاءة لا ترى في الوحدة سوى ذلك الغول الذي يلتهم مصالحها، ومرتعا غير مناسب، وبيئة ناسفة لكل بنائها التسلطي، فتلجأ إلى أقصر الطرق، وأكثرها وعورة وأشواك للحفاظ على مكاسبها بعيدا عن حسابات التكلفة المجتمعية، وتحت مزاعم النضال الممقوت تناور أملا منها في قشة المنافع المستديمة التي لا يفقه التعامل معها سوى تجار الحروب، والقوى التي تحن إلى وراثة المجتمع تحت طائلة الطائفية والمناطقية والسلالية والسلطانية، وكثيرا هي المسميات ومتوفرة وميسورة خصوصا في السوق السياسي اليمني، فبعض دول الجوار لديها مصانع جاهزة لتوريد كل الهوايات المجتمعية، المهم ألا ترى اليمن النور، وأن تبقى مراوحه في مربع التخلف والفقر تتشفى منه الأمم الحاسدة.

وهؤلاء لا يعلموا بأن مثل هكذا مشاريع هي ملغومة بدوافع الجشع وسهلة الاختراق والابتزاز من قوى الخارج المتربصة باليمن، فهناك مصنع للسلاطين والأمراء تعلب في دول الجوار، وتنتظر الفرص لتنتهز أطماعها حالما حانت الفرص، وسوف تجد الجماعة المناصرة للبيض حينها بأنها خدعة، وكانت تبني على وهم. وربما هذه هي رؤية كل أبناء الجنوب العقلاء من ذوي الرأي، وأصحاب الخبرة السياسية الوطنية أمثال الرجل الوطني الأستاذ ياسين سعيد نعمان والأستاذة حورية مشهور وبن مبارك وعلي عشال والأستاذ صالح مثنى ناصر، وغيرهم من الرموز الجنوبية الشريفة التي لا تبحث عن الحطام البخس، وتهمها بصدق مصالح أبناء الجنوب بعيدا عن تجاوز الواقع بكل معطياته، وبيع الوهم في سوق النخاسة الجنوبي.

فعوضا عن أن نلتفت إلى البناء المؤسسي في الهامش السياسي الذي أهدته لنا أيادي الثورة النظيفة، وتخلصنا ببركتها من كوابيس الظلم والتسلط والمناطقية العقيمة، نجد أنفسنا من جديد في مآسير الجهل وتجار السياسة المكيافيلية المريضة، والطامعة لبقاء وعودة المشاريع الصغيرة والسلالية والعائلية، فلو قدر الله أن يدمر هؤلاء مداميك الوحدة المباركة فلن تستعاض سوى بدويلات كثيرة، ومشاريع سلطانية وإقطاعية وسلالية بعد أن يتخلصوا من شبح الحصار المؤسسي الذي تطوقهم به استحقاقات الوحدة والتوازن، ولن يكون أي حضور للمؤسسية والحرية والعدالة بل الظلم والظلم فقط وليس سواه. هذا كل ما يمكن تقدمه أيادي الفساد والتسلط.

بالوحدة نفوت أطماع النفوس الانتهازية، كما نفوت أجندة الخارج التي لا تريد الخير لليمن، وتريد أن تبقى اليمن ضعيفة مريضة ملغومة بالاحتقانات وملغومة بالحيتان، وتحكم برؤوس عديدة، ونأسس لدولة المؤسسات الحقيقية، ونقرر جميعا أسسا للعدالة والمساواة والمحاسبة، إذ ليست هناك بعد اليوم من مزايا ولا حصانة لأحد مهما كانت بطاقته العائلية والفئوية لأن الكل سوف تكون له بطاقة وطنية واحدة، وهذا هو الوضع الذي لا تستصيغه تلك العائلات خصوصا في المحافظات الشمالية، والتي تعودت على الاستئثار بمزايا السلطة العائلية، وتحن للعودة إليها وترى في الوحدة المباركة عدوا لأطماعها، وشبحا لتبديد أحلامها.

الفرصة سانحة مع الحوار البناء لتدشين حقبة من التنمية والمؤسسية خالية من التسلط والظلم، وليس تدشين عصر المتاريس، ونصب الكمائن، وبعث الضغائن، التي لم تجلب لنا سوى الكوارث والتخلف والدماء، الفرصة مواتية يا عقلاء اليمن ونخبه، خصوصا أخوتي في الجنوب للاستفادة من مقدرات اليمن الكبير لخدمة التنمية والنهوض بالشعب اليمني، وليس الزج بكل مقدرات البلد في بناء الجيوش والأمن والمخابرات للمعركة البينية، وحراسة الحدود المصنوعة، وصناعات العداوات المكلفة.

إن اليمن الموحد يكتب هذه الأيام الفصل الأخير لناهية عقود من التسلط والمشاريع الصغيرة، ومن الطبيعي أن تكون هناك ممانعة وتحديدا من القوى المستميتة في الدفاع عن أفيون مصالحها الضيقة، ولن تتردد في وضع العصي في دواليب الحوار الوطني البناء لعرقلته، غير أن الحوار ماضي إلى نهايته، وسوف يتوج بالنجاح في وجود الكثير من الأيادي النظيفة، والعقول المستنيرة والنفوس القوية.

يجب أن يدرك إخواننا في فريق القضية الجنوبية بأن الأمر ليس نزهة ومباراة كلامية، ومزاج عابر بل مسئولية ثقيلة تنوء عن حملها الجبال، وأن ثمنها سوف يدفعه الفريق قبل الشعب، وسوف تذكرهم الأجيال بالخير أو تلعنهم أبد الدهر، وأن يتوقفوا عن تبني الشروط التعجيزية لعرقلة مسار الحوار الوطني مقابل المراهقة السياسية الداخلية أو الخارجية، وحجز مقاعد وهمية في حكومة البيض التائهة والمتخبطة. ولا يعنى ذلك بأن يتنازلوا عن المظالم التي وقعت على أبناء الجنوب بل يجب أن تكون هناك معادلة سياسية تضمن عودة الحقوق لأصحابها ورد المظالم، وعودة الأراضي المنهوبة والمشاركة الفاعلة في السلطة والثروة.

ووسط ركام الأزمات تظهر معادن الرجال، وأنا أتابع الأستاذ القدير عبدالله الناخبي، وهو يذب عن وطنه ووحدته بروح المسئولية الوطنية، ومن وحي النضج السياسي والاجتماعي الذي تتمتع به هذه الهامة الوطنية الجسورة، عندما نادى في فريق القضية الجنوبية روحهم الوطنية، وثقل المسئولية الملقاة على عاتقهم مطالبا منهم الخروج من مآسير الحسابات الضيقة، وكوابح العمل الوطني الذي أوكل إليهم ومسئولية الخروج بالوطن من دوامة الأزمات وآفة التناقضات والخلافات، وأكثر من ذلك صناعة الشروط التعجيزية التي تحول وأي توافق، ويمكن أن تعصف بالوطن أرضا وإنسانا وتجر الجميع إلى وضع لا رابح فيه والكل خاسر. وأنا أستمع للأستاذ عبدالله الناخبي في اتصال على قناة السعيدة لم يكن لي إلا أن أقف محيا الروح الشجاعة التي تجردت من نوازع الأثرة والعنصرية، مثلما تحررت من مخاوف الجهل التي تمليها معطيات الواقع بكل تعقيداته، ميمما وجهه صوب المصالح العليا للبلد، ومدركات تبعات أي اعتكافات تبحث عن مآثر بطولية زائفة ووهمية، سرعان ما تتكشف مساوئها عند ما تتضح بجلاء الصورة الواقعية للمصالح العليا لليمن، لقد كان عبدالله الناخبي وهو يتحدث يمتلك الجرأة والشجاعة والبصيرة والمصداقية أكثر من غيره، يجب على إخواننا في فريق القضية الجنوبية ألا يطالعونا بعنتريات بعيدة عن قواسم المؤتمر وطروحاته، وكأنه ما عاش أشهر العسل في ردهات المؤتمر لتنتهي تأملاته الفلسفية عند حدود أكثر الطروحات عقما ومبالغتا، وبعيدا حتى عن الواقع والإجماع، وربما البعض معذورا كونه يريد أن يغسل يده من أي مسئولية وطنية، ويفضل أن يحظر ويظهر، وفي الأخير يتنصل ويبحث عن أي نقاط، ولا يعرف بأن ثمن اعتكافه سوف يكون باهظا ليس على الوطن بل على ذواتهم دونما إدراكا منه بأن المسئولية التي أوكلت له ثقيلة، ولن تسعفه كل حيل اللف السياسي لتبرئة ساحته، وأهم من هذا مصير وطن ينتظر حلولا، وليس اعتكافات ونتائج عدمية كما هو شأن البيض، فهذه الأخيرة غير مقبولة، وليس أمامهم سوى النجاح والنجاح فقط. لتجنيب الوطن ويلات المآسي، وتبعات الصراعات، ودوامة الأزمات التي عاشها وما زال يكتوي بنارها الوطن.

كلنا أمل أن يكون هذا المؤتمر هو بوابة المستقبل إلى يمن مؤسسي يمن العدالة والمساواة والحرية والعيش الكريم لكل أبنائه، كما أن كلنا ثقة في خيرية فريق القضية الجنوبية، فالرائد لا يكذب قومه بل يصدقهم ولو كفروه سياسيا واجتماعيا ومناطقيا، ووصموه بكل أنواع الشر والبهتان فالمستقبل كفيلا بأن يدرك الناس في الجنوب والشمال ثمار الوحدة المباركة. يجب أن تكونوا روادا حقيقيين في هذا المسبار، ولن ينسى اليمنيون جميل صنائعكم ومعروفكم الوطني، ورجاحة عقولكم، وحسن رأيكم وسداد مواقفكم، إن الشعب قد سئم العنتريات والقفز على الواقع بنظريات بعيدة عن المعطيات، ووضع حلول غير منطقية الواقع، ومنافية للمصلحة الوطنية، يجب أن يتوقف كل من يستورد الحلول من القوى التي تتربص الشر بالوطن ووحدته، وتريد لليمن أن يضل ألعوبة بيدها تبني على شقائه سعادة شعوبها ودوممة كراسيها وتسلطها، يجب أن تنبع الحلول فقط من مصالح شعبنا ليس إلا.


في السبت 24 أغسطس-آب 2013 01:33:23 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=21793