عندما تتوعد أمريكا اليمن
أحمد عايض
أحمد عايض

مارب برس – خاص

يتصدر عمدة مدينة نيويورك السابق رودي جولياني المرشحين الجمهوريين للانتخابات
الرئاسية الامريكية القادمة وهو شخصية عُرف بتطرفها الكبير وتحامله على العالم العربي والإسلامي , وقد ظهر ذالك جليا خلال تصريحاته ومقابلاته الصحفية وكان أخر ذالك مقالة الذي نشر في مجلة فورين أفيرز الأمريكية في عدد سبتمبر – اكتوبر الماضي , والذي كان تحت عنوان " حول السلام الواقعي " والذي أظهر من خلاله عقيدة «المحافظين الجدد والتي ستكون بملامح ملونة هي الأسود والأبيض فقط .

وحتى لا نذهب بعيدا فأن رودي جوليانيهو الذي طالب الإدارة الأمريكية بمعاقبة اليمن وإلغاء المساعدات الأمريكية المقدمة لها وقدرها 20 مليون دولار.

جاء هذا التهديد بعد إقدام السلطات اليمنية على إطلاق جمال البدوي الذي قام بتسليم نفسه, ذالك التصرف الذي كان سببا في فتح " أبواب الغضب " على الحكومة اليمنية مع حلفاء الحرب على الإرهاب " الأمريكان .

حيث تتالت التهديدات الأمريكية بصورة صريحة وعنيفة فهذا جوردون جوهندر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي يقول أن : "قرار الحكومة اليمنية يتناقض مع التعاون بين البلدين في مكافحة الارهاب...كما أكد صراحة عن عدم ارتياحه للمسئولين اليمنيين .

أما القائد السابق للمدمرة كول، الأدميرال كيرك ليبولد، فقد وصف خطوة اليمن بأنها مخيبة للآمال. ونوه قائلا: "في الحرب علي الإرهاب الأفعال تقول أكثر من الكلمات، وتصرف الحكومة اليمنية برهان واضح علي أنهم ليسوا جديرين بالثقة أو بالشركاء الموثوق بهم في الحرب علي الإرهاب".

وعقب إعلان صنعاء استلامها البدوي أحد أهم الشخصيات المطلوبة أمنيا للولايات المتحدة الأمريكية قامت 
مساعدة الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب نانسي تاونسند بزيارة عاجلة لليمن بعد يومين فقط من تسليم البدوي نفسه. وسلمت تاونسند الرئيس علي عبدالله صالح رسالة من الرئيس بوش تتعلق بتعاون البلدين في مجال الحرب علي الإرهاب. وذكرت مصادر سياسية متعددة ان رسالة بوش تضمنت طلبا من صنعاء بتسليم البدوي إليها حسب بعض المصادر الغربية .

هذه السرعة من قبل الجانب الأمريكي وتعاملهم مع الملف الأمني في اليمن خاصة المرتبط بتنظيم القاعدة , يكشف مدى الجدية الأمريكية في تعاملها مع ملف القاعدة بخلاف التصورات اليمنية القائمة على مبدأ " ما بدى بدينا علية " .

حيث كشفت الوقائع الميدانية قيام السلطات الأمنية اليمنية بعقد صفقات مع شخصيات القاعدة , دون اللجوء إلى كشف حقيقة تلك ألاتفاقيات مع الإدارة الأمريكية.

التوبيخ الأمريكي للحكومة اليمنية وصل هذه المرة إلى أسماع العالم وعبر عدد من الجهات الأمريكية, الأمر الذي يكشف مدى الغيظ الأمريكي تجاه المواقف اليمنية في الآونة الأخيرة وتعالمها مع العديد من القضايا الأمنية.

فالأمريكان لم يلجئوا كالعادة إلى القنوات الدبلوماسية في التعامل مع الحكومة اليمنية بل أظن أنهم شعروا أن الأخطاء الصادرة من الحكومة اليمنية لم يعد احتمالها وقد بلغ " السيل الزبي " فلا بد من التعنيف قليلا ولو كان جارحا , لأنهم تعودا أيضا أن الحكومة اليمنية سرعان ما تنسى أي توبيخ.

كما أن عمدة مدينة نيويورك السابق رودي جولياني وهو من أوائل من وجه سخطه على اليمن وهو مرشح الجمهوريين للانتخابات
الرئاسية الأمريكية القادمة لينذر بعلاقات يمنية أمريكية متوترة في حال فوزه .

حسابات الحكومة اليمنية وتعاملها مع ملف الإرهاب في اليمن جعلها تتخبط في الكثير من تصرفاتها وحلولها التي تطرحها لحل تلك الملفات بعيدا عن الحسابات الثنائية والاتفاقات الدولية .

موضوع الإرهاب الذي تقف اليمن على أطلاله مواقف محرجه في تعاملها مع شخوص وملفات تلك القضايا الحساسة , جعلها لا تستطيع حسم قراراتها داخليا لضبابية الرؤية , وهو الأمر الذي جعل اليمن تطالب عبر مندوبها في مجلس الأمن الدولي منتصف الشهر الماضي بسرعة وضع معايير وقرائن واضحة وضوابط قانونية دقيقة بشان اختيار وإدراج أسماء الأفراد والكيانات في القوائم الموحدة التابعة للجان الجزاءات التابعة للمجلس بما في ذلك قائمة مجلس الأمن للكيانات والأفراد المتهمين بصلتهم بالإرهاب.

كما شدد اليمن في كلمته التي ألقاها مندوبه الدائم لدي الأمم المتحدة السفير عبدالله الصايدي يوم 19 / 10 / 2007 م في اجتماع اللجنة القانونية التابعة للجمعية العامة علي ضرورة عدم ترك هذا الأمر مفتوحا لاجتهادات دول بعينها.

 وأكد الصايدي ان نظام الجزاءات الحالي خاصة المطبق بحق الأفراد والكيانات يعتريه الكثير من أوجه القصور .. مبينا أن عملية اختيار وإدراج أسماء الأفراد في القوائم الموحدة التابعة للجان الجزاءات لا تتم وفقا لقرائن واضحة وإنما تخضع فقط لتقديرات الدول التي تقدم تلك الأسماء الي لجان الجزاءات التابعة لمجلس الأمن الدولي.

وأكد الصايدي في كلمته التي تكشف مدى" الحرج اليمني الذي تعيشه داخليا في التعامل مع تلك القضايا ,مما جعل اليمن يتراجع في الكثير من إلتزامته مع بعض الشركاء الدوليين لغياب الرؤية الواضحة .

فالشيخ الزنداني الذي عمدت أجهزة إعلام الحزب الحاكم في وقت ما للترويج لاتهامات قذرة وجهت ضده تتعلق بقضايا الإرهاب , مما جعل أمريكا تضع الزنداني ضمن قوائم المطلوبين , وهو أمرُ مثل إحراجا بليغا خاصة الرئيس لأن كل ألأدلة التي قدمت تمثلت في قصاصات من صحف الحزب الحاكم , ولجئت الرئاسة اليمنية إلى جولة من اللقاءات مع السفارة الأمريكية في صنعاء لتبرير مواقفها ومحاولة إثبات , برائه الشيخ مما نسب إلية , وحتى اللحظة لم نسمع سوى وعود حول مصير الشيخ الزنداني من المطالبة الأمريكية, .

وهذا يكشف مدى استهتار أجهزة إعلام السلطة في التعامل مع قضايا هي من الأهمية بمكان قد تقود أخرين إلى مصير مجهول ومظلم .

لم تكد اليمن تتنفس الصعداء عندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عن اختيار اليمن ضمن الدول المستفيدة من برنامج صندوق الألفية واختيارها أيضا ضمن 6 دول للاستفادة من البرنامج الأمريكي علي مدي خمس سنوات مقبلة, حتى جاء البدوي بشؤمة على الحكومة اليمنية حينما طالبت جهات أمريكية بوقف ذالك الدعم.

إن الراصد للعلاقات اليمنية الأمريكية وغيرها من بلدان الشرق الأوسط ليجد أن واشنطن وهي مركز صناعة القرار الأمريكي لا تؤمن بمبدأ الحليف الدائم او الصديق المقرب بل بمبدأ المصالح المشتركة والدائمة , وهو الدرس الذي لم تتعلمه الحكومة اليمنية طيلة السنوات الماضية .

حيث نجد أن اليمن خضعت خلال فترات متلاحقة طيلة السنوات الماضية للضغوط الأمريكية طمعا في رضاها ,حيث أذعنت اليمن لـ" واشنطن " بترحيل الآلاف من الأفغان العرب الي بلدانهم, وكذالك فرض قيود صارمة على المدارس الدينية في اليمن , وترحيل غالبية الطلاب في تلك المدارس التي كانوا يدرسون فيها بأمان قبل توجيهات الإدارة الأمريكية , وكذالك إعادة النظر في المناهج التعليمية , وإباحة الأرض اليمنية للأمريكان لينفذوا فيها أبشع عمليات الاغتيال كما حصل مع بن سنيان الحارثي .

زيارات الرئيس علي عبد الله صالح الي الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولقاءاته مع مستشارة الأمن القومي في حينها وكل من رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية ورئيس وكالة المخابرات المركزية، كانت لقاءات تتسم بالمساءلة عن حقيقة دور اليمن في دعم الإرهاب باعتبار اليمن نقطة التقاء وعبور الجماعات الإرهابية حسب التوصيف الأمريكي

وعلي الرغم من نفي الرئيس صالح كل ذلك، إلا ان الأمريكان لم يقتنعوا بالحجج والأدلة التي يقدمها .

لأن الحكومة الأمريكية في تعاملها مع اليمن قائمة على نزع الثقة وأخر تلك الفصول هو عدم اقتناع الأمريكان بتأكيدات اليمن على أن جمال البدوي معتقل ولم يتم إطلاق سراحه ,بل قام وفد من السفارة الأمريكية بزيارة البدوي في سجنه ليتأكدوا بأنفسهم .

إن الولايات المتحدة الأمريكية لديها القدرة في إخضاع اليمن لمطالبها, وذالك عبر استخدام ورقة الإرهاب كوسيلة ضغط , خاصة مع الأخطاء التراكمية من أجهزة الأمن اليمنية .

فالمساعدات التي يقدمها الأمريكان للأجهزة الأمن اليمنية في مجال مكافحة الإرهاب والدورات التي تتم خارج اليمن , واللقاءات الدورية بين قيادات أمن يمنية رفيعة مع نظرائهم من الأمريكان في الآونة الأخيرة تحديدا ليكشف العديد من المهام القادمة بين الطرفين .

لذا على الحكومة اليمنية أن تكون أكثر حذرا في تعاملها مع أشد الملفات حساسية والسلاح الأخطر الذي يمكن أن يوجه لليمن في قادم الأيام لتمرير العديد من المطالب التي تخدم الرؤية الأمريكية في الجزيرة والمنطقة بشكل عام .

Mareb2009@hotmail.com

* رئيس تحرير موقع مأرب برس 


في الإثنين 05 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 06:43:40 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=2779