الاصرار على الفساد في اليمن .. صفقة دبي أنموذجا ( 1-2 )
لطفي شطارة

لم يذهلني خبر توصل اليمن إلى تسوية مع المجموعة التي تسيطر على ميناء جيبوتي ويعملون وكلاء لموانئ دبي العالمية في المنطقة ( بقشان والعمودي ) أفضى إلى تسليم ميناء عدن لدبي ليكتمل لها احتكارها لأهم ممر مائي في العالم يربط بين الشرق والغرب وهو مضيق باب المندب ، ولم تذهلني الطريقة الفهلوية التي مارسها سماسرة دبي مع الفاسدين في السلطة لتمرير الصفقة الأصل والتي ضحك الرئيس علي عبد الله صالح على الجميع بإعلانه بتجميدها قبل انتخابات الرئاسة العام الماضي منذ أكثر من عام ، بل الذي أذهلني حقا أن الآخرين من غير اليمنيين ، وأقصد هنا الطرف الأخر الإماراتيين الذين باتوا واثقين ومن خلال تعاملهم مع رؤوس الفساد في اليمن في قمة هرم السلطة ، من أن كل المؤسسات التشريعية والتنفيذية في البلد تدار بالريموت كونترول من داخل إمبراطورية الفساد في قصر الستين ، وه ذا ما أكده مصدر في شركة موانئ دبي ما نشرته جريدة "البيان" الإماراتية عن مصدر حكومي إماراتي قبل يومين "أن الاتفاقية ستدخل حيز التنفيذ فورا ، لأنها لا تحتاج إلى موافقة البرلمان " .

من خلال هذا التصريح للمصدر الإماراتي الواثق من أن ميناء عدن قد صار في متناول دبي التي تحقق لها ما أرادت يتبين لأي عاقل أن الصفقة ستمرر أو هكذا وعدوا من قبل من سيمررها لهم بحكم الأغلبية العددية ، ورغم كل التأكيدات والدلائل والبراهين التي أثبتناها في المجموعة اليمنية المعارضة لإتمام هذه الصفقة وبالوثائق للرأي العام في الداخل والدول المانحة في الخارج ، والتي تشير إلى تضارب واضح في المصالح بين الميناءين أولا، والإجحاف الذي سيلحق بهذا المرفق السيادي الهام عبر التنازل عن كثير من الحقوق المالية أيضا لصالح ( البائع للميناء وهم شلة المتنفذين في السلطة والسماسرة بقشان والعمودي والمشتري شركة موانئ دبي ) .. فتصريح المسئول الإماراتي الذي نشرته أمس صحيفة " الاقتصادية " السعودية يعكس مدى الارتياح والاطمئنان من الوعود التي حصلوا عليها ، بل والتأكيدات التي حصلت عليها دبي من حيتان الفساد في السلطة بعدم عرض الاتفاقية على البرلمان خوفا من أن يتم عرقلتها من قبل الشرفاء بداخله الذين سيفضحون بدون شك نصوص التفريط بمؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية .. إذن تجاوزت دبي ما كانت تعتبره عقبة قد تصطدم بها بعد صمت ممثلو الشعب الذين لم نسمع لهم رأيا حول ما يجري خلف الكواليس وبوثيرة سريعة لتمرير هذه الاتفاقية والتي يمكن وصفها بأنها اتفاقية خيانة ونصب أكيد يتم في وضح النهار.

ففي الوقت الذي أكد فيه خالد الوزير وزير النقل لصحيفة " الثورة " الحكومية في 1 ديسمبر الجاري بأن "مذكرة التفاهم " مع موانئ تعد ( اتفاقا أوليا ) ، يؤكد المسئولون في موانئ دبي قبل يومين حسب ما نشرته صحيفة الاقتصادية بأنه سيدخل ( حيز التنفيذ فورا ) ، على الرغم من عدم الانتهاء من وضع التشريعات التي تعطي أي اتفاق الصبغة القانونية ، وبعد مرورها على البرلمان كشرط أساسي للمصادقة على أية اتفاقيات تكون الدولة شريكة او لها التزامات مالية وقانونية فيها ، فكيف باتفاقية لو عرضت على الشعب وأطلع على تفاصيل بنودها إن وجدت أصلا بنود فيها ، سيصاب بالإحباط من عملية التفريط بالميناء وبهذه الطريقة التي يتم فيها كلفتت الأمور ، كما سيتأكد الجميع من أن اليمن لا يوجد فيها مفاوضين ومتخصصين مستقلين يجيدون التفاوض الذي يجلب أفضل العروض والعائدات المالية للبلد ، ولرفد الاقتصاد الوطني وتقويته ، بمن فيهم وزير النقل الذي ظهرت تصريحاته ضعيفة مقارنة مع ممثل شركة ، وهذا يدل أن الصفقة أكبر من أن يتحمس إلى إلغائها شاب مثل الوزير خالد الذي أراد إعادة المناقصة فور إعلان اسمه في ضمن حكومة مجور ، ولكن من رشحه للمنصب سرعان ما أعاده إلى واقعه الحقيقي وقزم دوره وجعله يسير على نفس خطى سلفه عمر العمودي وإقرار اتفاقية "المهزلة " مع دبي .

 إن ما يجري خلف الكواليس إنه عمل مقزز وإصرار وقح على منح دبي موطئ قدم في عدن لإخراج مينائها الطبيعي والاستراتيجي عن منافسة ميناء جبل علي إذا وجدت دولة في اليمن ومؤسسات فاعلة وليست دولة شكلية منزوعة القرار ، فقد ابتدعت عقول الأبالسة عبر سماسرة الفساد في الصفقة من مسئولين حكوميين بمعية المفسدين بثوب مستثمرين ( بقشان والعمودي ) ، حجة من مخاوف أن تقوم الشركة الإماراتية من مقاضاة الحكومة اليمنية ، وهو حق لا تملكه دبي قانونيا ، بل أن بدعة كهذه استخدمها الفاسدون وسيلة لإبقاء دبي مستفيدة حتى من تعطيل المناقصة طيلة السنتين الماضيتين وإبقاء ميناء عدن معطلا للضغط على حكومة لا تقرأ حتى نصوص وثائقها التي تكتبها ، فالاتفاقية كما كان نصا صريحا يشير فيها الى أنها لا تعتبر قانونية وفاعلة الا بعد مصادقة البرلمان عليها ، وهذا ما لم يحدث حتى ألان ، فإرساء المناقصة على دبي لا يعني الموافقة آليا على نص الاتفاقية التي كانت ستمنح الشركة الإماراتية مرفقا حيويا هاما وبالملاليم . وبالطرق التي فضحنا بنودها في حينه ، والتي على أساسه جرى تجميدها لأكثر من عامين . 

 ولكن السؤال الذي يجب أن يوجه للحكومة لفضح تورط رؤوس الفساد فيها هو لماذا لم تهرب دبي إذا كان يهمها الحفاظ على سمعتها الدولية بعد الفضائح العلنية للاتفاقية السابقة التي أوقفت قبل التوقيع عليها قبل عامين ؟ ولماذا تصر دبي على البقاء في مناقصة تشوه سمعتها في بلد له مكانة متقدمة بين الدول الفاشلة في العالم ؟ حسب التقارير الدولية ، بينما انسحبت الشركة الإماراتية من دولة كماليزيا إثر خلاف على أحد المشاريع هناك على سبيل المثال فقط ؟ ، ثم لماذا تتشبث الحكومة في اليمن على شركة واحدة وهي دبي رغم تضارب المصالح الواضح ، بينما تجاهلت هروب شركة بحجم " هيتشيسون " العملاقة من المناقصة وهي التي تحتل المركز الثاني في تجارة نقل الحاويات في العالم ؟ .

لقد تبنت المجموعة في بريطانيا والتي أشهرناها فور الإعلان عن فوز غير نزيه لدبي بالمناقصة عام 2005 لمنع تمرير تلك الاتفاقية ونجحنا وبوضوح في إقناع الدول والمؤسسات الدولية المانحة العالم بأن الاتفاقية نخرها الفساد من أولها إلى أخرها .. ولكن الحكومة تصر على تمرير الصفقة لدبي دون سواها، بل تعمدت إلى إيجاد مخارج لتبرير تسليمها ميناء عدن لدبي وتقوم اليوم بخداع الشعب من جديد ولكن عبر خدعة كبيرة اسمها المشاركة بـ( المناصفة ).. في الحلقة القادمة سنبرهن وبالوثائق التفاف الحكومة اليمنية وشركة موانئ دبي والفاسدين من ( المستثمرين الشركاء معها بقشان والعمودي ) لتمرير بنود الاتفاقية السابقة التي تم تجميدها بخدعة الشراكة الجديدة ، وسنكشف للقارئ بنودا مهمة من اتفاقية دبي الموقعة مع سلطة ميناء جدة لإدارة جزء فقط من الميناء السعودي ، ليعرف المواطن أن ( إبليس وعياله ) هم من يديرون اليمن ، فلا حكومة يهمها الحفاظ على مرافق سيادية ، ولا مفاوضين ينتزعون أفضل العوائد لخزينة الدولة ، ولا برلمان له سلطة في وقف مثل هذه الجرائم ، ولا أحزاب تراقب عمل الحكومة وحيتانها ، ولا شعب ينتفض للحفاظ على موارده ومرافقه السيادية من أيدي العابثين في السلطة . فاتفاقية ميناء دبي لإدارة جزء من ميناء جدة ستوضح للجميع بين دولة غنية كالسعودية تحافظ على مرافقها للحصول على أفضل العائدات المالية..وبين دولة تفقر وليست بفقيرة تبيع وتسلب وتفرط بمرافقها الحيوية للحصول على منافع أنية وشخصية ولفئة محدودة وليذهب الشعب إلى الجحيم .. للأسف الشديد.

Lutfi-shatara@yahoo.co.uk


في الثلاثاء 11 ديسمبر-كانون الأول 2007 03:54:25 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=2967