هامشية الحساب الخليجي!! ومخاطر الأطماع الإيرانية في اليمن!!
د.عبدالحي علي قاسم
د.عبدالحي علي قاسم

  تظل محددات التدخل السلبي الإيراني في اليمن ذات أثر عميق في زيادة تهديد الأمن الخليجي، في حين لا تعطي كثيرا من دول الخليج ذات الأهمية لأبعاد الخطر الإيراني على البوابة اليمنية، أو تتعامل معه كمجرد تكتيكات يمكن الاقتراب منها، والاستفادة من لعبتها لتقرير بعض الحقائق في الساحة السياسية، كأن ترجح كفة "الفلول" على "القوى الثورية"، وهي بذلك لا تدرك مدى الخطر الإستراتيجي الذي تشكله إيران وأنصارها على حاضر ومستقبل المنطقة.

     إيران المشروع القومي الأكثر طمعا في مقدرات المنطقة وإستراتيجيتها، والحاضرة بدثار ديني مزور في المنطقة، تحاول بكل أدواتها المغلفة بالطائفية أن تنفذ إلى قلب المنطقة، وتحكم سيطرتها على بواباتها المتعددة، دون أن تحرك هاجس المقاومة الفعلية عند دول الخليج بعد، فهذه الأخيرة غارقة في هاجس رعب ثوري وهمي، وليست في وادي الخطر الإيراني المحدق في حضوره على بوابتها الجنوبية"اليمن".

  تستمتع بعض دول الخليج هذه الأيام بدوامة الأزمة الخانقة التي تعيشها القيادة السياسية في اليمن ضنا منها بأن سلعة البضاعة الثورية أضحت بائرة في الرأي العام الخليجي، ليكن لها ذلك، سوى أنها سوف تمسي على رعب المخاطر الحقيقية الإيرانية وحلفائها التابعين عاجلا، ولن تمهلها كثيرا في حال استتب الأمر لأنصار الحوزة"عبدالملك" حليف إيران، وتكشفت كذبة الحضور العفاشي في اليمن.

  إيران اختارت بعناية إستراتيجية فائقة البوابة اليمنية، وجمدت مرحليا جيوبها وخلاياها النائمة في شرق المملكة وبقية دول الخليج، اختارت البوابة "الأكثر فقرا"، و"الأوسع والأكثر مددا"، و"الأعمق اختراقا" لمنظومة النسيج المجتمعي الخليجي، والخليج يعيش وهم استعادة جثة الرجل المريض علي صالح لتحقيق الثأر الثوري في اليمن، وعبثا هي وعود علي صالح الذي يحاول جاهدا تسويق الوضع في اليمن بأنه تحت تأثيره وسيطرته، وما الحوثي وجنوده وأشياعه وأتباعه سوى أدوات لتصفية خصوماته، وتذليل الرجوع إلى سدة الحكم، وللأسف بأن بعض دول الخليج تراهن على هذا الوهم. وهو في الحقيقة ليس أكثر من ورقة رابحة للحوثيين ومشروعهم الإيراني الكبير. القادم ليس سوى إيران لو سقط الرئيس عبدربه وحكومته، وهزات السقوط سوف تلقى رداتها المفزعة في كل دولة خليجية.

  اليمن هي الخيار الأنسب وفق التصور الإيراني لفك تماسك البوابة الخليجية، لدرايتها بأن اليمن هي الحديقة الخلفية للخليج، والحزام الأكثر أثرا في شل جهود الخليج لاختراقات البنى "الاجتماعية التقليدية" و"الدينية". ناهيك عن ميزة هذه البوابة أمنيا في اختراق تحصينات المنظومة الأمنية لدول الخليج.

  حيث رأت إيران مبكرة بأن بيئة الفقر اليمنية الواسعة هي الأسهل وفي المتناول، وليست بذات التكلفة والصعوبة مما لو يممت وجهها مباشرة إلى بقية جيوبها في الخليج، لمعرفتها بأن نفوذها لمجتمعات محصنة بالرفاهية، كما هو حال المواطن في الإمارات والكويت يليها السعودية صعب المنال، وسف يواجه بردة فعل خليجية ودولية لن تحتمل خسائرها الباهظة، وبالتالي فهي تعمل بقوة، وتدفع بسخاء لذراعها الحوثي وحلفائه لفك بنية السلطة المريضة، والمحملة بأعباء عقود من الفساد، وقطعان من المخربين الممولين بسخاء من بعض دول الجوار.

   ففي حين اختارت إيران البوابة اليمنية لغزو الساحة الخليجية الحيوية استعاضة بعض دول الخليج ببوابة صالح الخربة، والتي ليست سوى بوابة الحوثي الإيرانية. ببساطة اختارت إيران أبعاد إستراتيجية واكتفت بعض دول الخليج بفتات الحسابات الهامشية، جل اهتمامها بأشخاص وقوى ليست في وادي الأطماع أو أي من حسابات التغيير في الخليج.

   أعباء التدخل الإيراني وخسائره الحالية والمتوقعة سوف تكون باهظة في الأمد البعيد على استقرار وأمن دول الخليج من حيث الحفاظ على تكاليف التدخل، وخسائره، ووضوح رؤيتها التدخلية من واقع فهمها لمصالحها الوطنية، وغياب حضور رؤية ومصالح الآخرين، عدا عن عدم وجود إستراتيجية واضحة للجيران الخليجيين، لكبح أطماع إيران في اليمن، أو الحد من تدخلها بكل مظاهرها السلبية التي تمليها أطماعها، والأنكى من ذلك أن بعض دول الخليج ضالعة في مغامرات دعم المشروع الإيراني الحوثي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لوجستيا وتخطيطا، وهذا هو عين العمى الإستراتيجي بكل أبعاده.

  إن عدم شعور صانع القرار الخليجي بالالتزام الأمني المصالحي الإستراتيجي يعد كارثة كبرى في إطار الخارطة الجيوستراتيجية، بعيدا عن تفسير المصالح السياسية فقط لصانع القرار، فعدم الوعي السياسي بأزمة مخاطر التمدد الإيراني في اليمن سوف يلحق بأمن الخليج كوارث لا حصر لها، ولن تسلم ذاتها الممالك من التهديد.

   إيران تعلم أن النفاذ إلى المنطقة لا يمكن أن يأتي من دول مثل الإمارات أو قطر والكويت يليها السعودية لمعوقات وكوابح الظروف الاقتصادية، وصعوبة اختراقها وفي ضوء ذلك صوبة وجهتها الدول الأكثر فقرا لبوابة نفوذها وتغلغلها نحو العمق الإستراتيجي الخليجي بحسابات قيمية صرفة في ظاهرها مصالحية الجوهر.     

  إيران تنظر إلى ما هو أبعد من الحسابات الهامشية لدول الخليج، فهي تنظر إلى نفوذها في اليمن في ضوء الأبعاد الإستراتيجية الآتية:

 الخطر الإيديولوجي لإيران في المنطقة

المسار المذهبي الطائفي الإيراني المزور يمثل أداة لتهديد معتقدات الناس وأفكارهم، وما يمكن أن يشكل من كارثة ليس فقط على معتقد الناس بل عروش دول المنطقة الخليجية في حال سقطت الساحة اليمنية في قبضة إيران القائمة على أفكار متناقضة والتوجه الشيعي الإيراني.

  وفي ضوء هذه المخاطر، يجب على دول الخليج أن تخرج عن سياسة اللافعل السلبي، والتورط في سياسة غض الطرف عن خطر التدخل الإيراني وفق حسابات هامشية أقرب إلى حالة لا تسندها مؤشرات حقيقية، لتترك اليمن لقمة سائغة لإيران، كما يجب أن تقف بقوة في صف القيادة السياسية اليمنية المتمثلة في الرئيس عبدربه وحكومته، التي لا تكن أي نوايا خبيثة للخليج بقدر ما تنشد الخير، وتحمل حسن النوايا للجيران، الذي نتمنى أن لا يكونوا أشقياء.


في الخميس 26 يونيو-حزيران 2014 10:45:32 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=30056