الشيخ والقديس 2-2
طارق عثمان
طارق عثمان

مأرب برس - خاص

بعد انقضاء "ايام التغريب " الثلاثة التي اعقبت عيد الحب والتي انزلها البعض في نفسه منزلة اسمى من " ايام التشريق " في عيد الاضحى فاحتفل بها واحيا لياليها كما يشتهيه القديس فالنتين وكما تمليه ثقافة الغرب كتبنا الحلقة الاولى التي كانت محاولة للاجابة لماذا هاجمنا الشيخ فؤاد دحابة وانتصرنا ( ضمنيا ) للقديس فالنتين معتبرين انهما اي الشيخ والقديس ما هما الا تعبيرا عن ثنائية الذات والاخر .

لن اغرق في العودة الى تناول الصورة الذهنية المرسومة للشيخ والقديس والتي تكونت منذ قرون وساهم في تشكيلها " الاستشراقيين " من ابناء جلدة القديس و "التغريبين " من ابناء جلدتنا والتي هي موضوع المقالة السابقة لكن سأتناول جزئية وردت في السطر الاخير من المقال السابق وهي اننا يجب ان نبرز رموزنا بطريقة مختلفة وعصرية .

وهذه القضية هي واحده من عشرات القضايا التي يتفوق الاخرفيها علينا اذ انه قادر على ابراز خصوصياته الثقافية ورموزه الدينية والتي شهدنا منها على الاقل اثنين خلال الشهرين الماضيين ، شخصية بابا نويل او القديس سانتا كلوز وشخصية بابا نويل ...

هاتان الشخصيتان نجح الغرب في ان يجعلهما جزء من الثقافة الكونية ووصل بهما الى كل منزل مستعينا بهمينته الثقافية ومركزية هذه الثقافة .

 الشخصية الاولى بابا نويل او سانتا كلوز هو اسقف اسيا الصغرى القديس سانت نيكولاس والذي اشتهر عنه كرمه وسخاءه وخاصة مع الصغار . و لكن كيف تحول الى شخصية عالمية ...

الاجابة فتش عن الماده ...

 فالشخصية الحديثة المعروفه على هيئة عجوز ممتلىء باسم الثغر ذو لحية بيضاء يرتدي ملابس حمراء مقلمة بالأبيض ( شعار كوكا كولا ) تقف وراءه هذه الشركة العملاقة والتي اخترعه وصممته وسوقته في حملة ترويجية في 1931 لتبث رسالة ان كوكا كولا مشروبا يصلح للشتاء ( ايام رأس السنة الميلادية) كما هو مشروب للصيف.

هكذا تحولت هذه الشخصية الى شخصية معروفة بل محبوبة لدى كل الناس في انحاء العالم وغرست مفاهيم دينية وعقدية وثقافية ، رغم ان اختراعها في الاصل من اجل بيع عدد اكبر من قناني الكوكا كولا .

اما نحن الذين لدينا من قال فيه الفرزدق

يا سائلي أين حلّ الجود و الكرم؟

عندي بيان إذا طلا به قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم

حتى قال .

ما قال: «لا» قطّ إلاّ في تشهّده

لولا التشهّد كانت لاءه نعم

هذا الذي كان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والاضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان منهم له عيال حمل له إلى عياله من طعامه 

و كان زين العابدين عليه السلام يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به

فلما مات وغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثارذلك في ظهره فقالوا: ما هذا ؟ قيل: كان يحمل جراب الدقيق على ظهره ليلاً ويوصلها إلى فقراء المدينة سرا ولم يعرف اهل المدينة انه من كان يتفقدهم ليلا الا بعد ان مات ...

فماذا لو كان ( زين العابدين ) منظمة اغاثة كبرى تعنى بالفقراء والمساكين وتنهج طريق ( ابو الفقراء ) بدلا من تسميتها بمن يقف خلفها من الزعماء مثل جمعية القذافي العالمية الخيرية وجمعية الصالح وجمعية الامير اوالملك اوالشيخ او السلطان والتي تمتلك ميزانيات بالمليارات ثم لا يكون لها اثر يذكر ، ماذا لو ابرزنا هذه الشخصية ( زين العابدين ) وغيرها من الشخصيات الاسلامية بطريقة اخرى مبتكرة تصل الى الناس جمعيا وكانت كل الفعاليات والمهرجانات تسمى باسماءهم حسب مناسبتها للفعاليه واسهاماتها في ذات المجال فتتلقفها وسائل الاعلام دون احتياج الى تشخيص وتجسيم هذه الرموز . ماذا لو كان بلال مثلا جمعية خيرية في اليمن تعنى بشئون المهمشين ( ذوي البشرة السوداء ) فتربطهم بدينهم وتشعرهم بعزة هذا الدين وعظمته وهو الذي كرم من كان قبلهم حتى كان من هو على لونهم من خيرة الصحابة فيدركوا عظمة الدين الذي لا يلقي بالا للالوان والالسن وانما للقلوب وتقواها .

ماذا لو ابرزنا عظمة الاسلام في زكاة الفطر عندما يتحول مئات الملايين من المسلمين ، كل المسلمين الى ( لن اقول بابا نويل ) ولكن الى صوره اروع بكثير منه يتجولون بعد غروب شمس اخر يوم من رمضان حتى صلاة العيد حاملين "صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقِط أو قمح، أو أي طعام آخر من قوت البلد " او على ما يعادلها في بعض الاراء الفقهية من نقود او احتياجات ضرورية يبحثون عن المحتاجين ومنهم فقراء اهل الذمة على رأي ابي حنيفة ليعطوهم هدية الاسلام لهم في عيد الفطر . وتبرز هذه الصورة بطريقة مبتكرة وعصريه و اعلامية .

 لو فعلنا ذالك لهتف الجميع ابي الاسلام لا ابا لي سواه اذا افتخروا بقيس او تميمي ..

اما القديس فالنتين وعيده عيد الحب ، فلدينا الكثير لنقوله لولا ان فينا من يخشى هذه الكلمة ويذعر منها لان القديس ومحبيه حولوها الى صورة واحده وهي حب الجسد والفجور فقط .

في حين ان ديننا هو دين الحب ويعتبره شرطا لدخول الجنه .

"والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ...

ويمتدح المحبين واهل الايثار .

"والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ..."

ويعلي من الاخوة الانسانية ويدعوا الناس كلهم للتأخي والحب . ويقيم دعوته على الحب حب الناس وتمني الخير لهم وتمني اعتاقهم من النار والسعي لاخراجهم من الظلم والظلمات حتى ليجعل اخراج واحد من اهل الاديان الاخرى مما هو فيه من ظلال خير مما طلعت عليه الشمس .

في حين يقول زويمر ابو التبشيريين " ليست مهمتنا هي تنصير المسلمين فهذا شرف ليسوا جديرين به، ولكن مهمتنا هي صرف المسلمين عن التمسك بالإسلام، وفي ذلك نجحنا نجاحا باهرا بفضل مدارسنا التنصيرية .

فقط اترك دينك واذهب الى الجحيم هذه هي رسالة القديس .

لماذا لا نحول لقاءاتنا التصالحية الكبرى الى " روضة للمحبين " ونربطها بمواقف تاريخية تحي جذوة العزة في النفوس وتعطي دافع قوي للنجاح بدلا من الشعارات الجافة التي ليس فيه روح ولا محبة ولا سلام .

الصعوبات كبيرة والتحديات كثيرة ولكن اذا امنا اننا نمتلك الكثير مما هو افضل مما لدى القديس فذلك اول الطريق ولن نعدم بعد ذلك طريقه الى ابرازه ان اردنا اما انتقاد الشيخ وذواتنا فذلك امر سهل وقد درج عليه الكثير من اعياء الثقافة المتاثيرين بثقافة الاخر والمبهورين فيها ..من ذلك قصة عائد من الغرب فيجد الشيخ يشرح في كتاب " الروض المربع " في الفقه .

فقال ياشيخ الناس طلعواعلى سطح القمر وانت تشرح " الروض المربع "

فرد الشيخ :أنت لا صعدت على سطح القمر ولا جلست على الأرض معنا تقرأ " الروض المربع "

وهكذا حال مثقفينا لا افادونا بابتكارات الغرب التي يفاخرون بها ولا قعدوا يدرسون " الروض المربع " بل جل همهم انتقاد الشيخ والانتصار للقديسات اللاتي يتحفن الامة بالفيديو كليب .


في الجمعة 22 فبراير-شباط 2008 12:22:33 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=3382