سلحفاة الزعيم
طارق عثمان
طارق عثمان

مأرب برس - خاص

يقال ان زعيما عربيا كان في جولة داخل حديقة الحيوان في حفل افتتاحها ، حين تقدم منه المسئول الاول في الحديقة والذي كان يرافقة ويعطيه فكرة عن محتوياتها

وقال له :سيدي الرئيس هذه السلحفاة تعمر 400 سنة ..

فرد عليه الزعيم في الحال : طيب حنشوف ..

تذكرت هذه الطرفة عندما سمعت خبر تنحي الرئيس فيدل كاسترو وجولت خاطري بين الرؤساء العرب في المشرق والمغرب فوجدت انه ليس جديدا ان يقال ان معظم الزعماء اطال الله في اعمارهم سيغادروننا دون ان نكون قادرين على ان نطلق علي اي منهم صفة "مقصوف العمر " إذ يبدوا والله أعلم أن معظمهم سيعمرون حتى يدفنون جميع السلاحف ، والزواحف ، والثعالب ، والبرمائيات ، وبقية الكائنات الحية في القفص المسمى وطن .

تنحي الرئيس الكوبي بعد نصف قرن من توليه الحكم حدث تلقفته القنوات الاخبارية بالتحليل ، والتعليق ، والتفسير ، واعطاء نبذه عن الزعيم الكوبي ووريثه الشرعي والوحيد على عرش كوبا ، وعن وضع كوبا قبله وحالها معه و مستقبلها بعده ، والكثير من الكلام الذي يملىء النشرات والبرامج والمواقع والجرايد .

وهي اجواء اعادتني الى اجواء اعلان فخامة الرئيس عن قراره التنحي عن السلطة مما اثارحينها عاصفة من التفاؤل داخل البلد وخارجه في ان الحكمة اليمانية تغلبت على ما جلب عليه الرؤساء من حب الكراسي وهو ما كاد ان يكون بادره ستحدث تغييرا ليس على المستوى المحلي بل والعربي كله ، ولكن !! خاب ظن الجميع .. فقد استجاب الرئيس لشعبه و( اسعدهم ) بقراره العدول عن التنحي وادخل السرور والغبطة على المعمرين من الرؤساء العرب والذين كان قرار التنحي قد ازعجهم، واقلقهم، واحزنهم، فتوالت اتصالاتهم ووفودهم لتثنيه عن التنحي الذي كان سيضعهم في موقف لا يحسدون عليه لو تم ، ولكنهم تمكنوا اخيرا بمؤازرة الشعب اليمني من تغيير موقفه المبدأي الذي لم يكن للمزايده . وتمكن المعمرون من الرؤساء ان يناموا قرري العيون فلن يقف احد من ابناء شعوبهم ليقول لهم انظروا الى الرئيس اليمني قد فعلها فمتى ياتي دوركم ..

وعلى العكس من ذلك فان تنحي الرئيس( الكوبي) سيفرح جميع الرؤساء العرب الذين من حقهم الان ان يلمحوا الى انهم قد يستمرون على الكراسي اكثر من فيدل كاسترو حتى يقودوا بلدانهم الى بر الامان ويجلبوا لها الاستقرار والتنمية ويخرجونها من ازماتها ومن التحديات التي تواجهها فاذا كان الدكتاتور ( الكوبي ) استمر 50 عاما اليس من الطبيعي ان يستمروا وهم (النسخ الاصلية) مدة اطول ...طبعا ومنعا للعين والحسد ،

سيتشدق كثيرا منهم كما جرت العادة بتوسيع المشاركة الشعبية لادارة الحكم ، وهي المسألة التي لا نجد لها تفسيرا على ارض الواقع في ظل الاستئثار بالكراسي سوا ان يكون للشعب كرسي هو الاخر، ولكن كرسي متحرك ...

اما بالنسبة لنا في اليمن فان رئيسنا وشفقة منه بنا فقد حذر الشعب مرارا من ان يطمعوا في هذا الكرسي فهو كرسي من نار على حد قوله ...

وبالفعل هذه الكراسي من نار ولكن لماذا نصطلي نحن فقط بنارها في حين انها بردا وسلاما علي المتربعين عليها ..

لماذا لا يحترقون بها ... الله اعلم !!!! .ولماذا يلتصقون بها كل هذه العقود حتى لا يمكن ازالتهم من عليها الا جثث هامده ؟؟؟ الله اعلم !!!.. هل فعلا سيحل اقتراح صناعة كراسي من ( التيفال ) مشكلة التصاق الرؤساء على مقاعد االسلطة ؟؟ ..

ربما .

تنحي الرئيس الكوبي كما اسلفت لن يحرج احد ، فخمسين سنة في السلطة زمن معقول و مش بطال في الحكم لصناعة منجزات عملاقة اما بعد ذلك فعلى الشعوب ان تتحمل تبعات فقدان الزعيم الذي سيكون زاهدا في الكرسي لانه قريب جدا من النعش ،ومع ذلك فهو لا يحتمل ان يترك شعبه يواجهون التبعات لوحدهم ، وسيترك لهم احد من أقرباءه وورثته ممن يملكون( الخلطة السرية )لإدارة البلد باقتدار كما يصورهم لنا مثقفي السلطة وكأن البلد مخبز حلاوة او مطعم كنتاكي ثم يتحول الزعيم الجديد مع الوقت الى" جني تعرفه " ليكمل مسيرة الجن الطويلة ..

كما انه والى جانب تنحيه بعد ان بلغ من العمر عتيا فان الشىء الاخر المريح في تنحي الدكتاتور (الكوبي)هو تسليمه زمام الامور الى شقيقه راؤول كاسترو ،وهذا امر يرغب به دكتاتوريي (النسخ الاصلية) ويتعلق ببقاء الحكم داخل الاسرة ولكن ربما بشكل افضل فبدلا من ذهابه الى كهل من امثال راؤول لماذا لا يكون شابا مثل ابن الزعيم الاصيل ابن الاصيل ..

هذه الفرحة المكتومة في الصدور من تنحي كاسترو تقابلها تمني اخر في فوز السيدة هيلاري كلينتون في الجزء القريب من القارة الامريكية في بلد الخصوم التاريخيين للرئيس اللكوبي ..

وذلك حتى يكتمل نموذج التوريث الذي ااشار رئيسنا الى انه اصبح جزءا من الثقافة العالمية في انتقال الكراسي فبوش الاب ورث ابنه بوش الابن وهاهي هيلاري ترث زوجها "

عودة الى موضوع السلاحف ، والذي هو موضوع علمي بحت ومفيد ، ولا يقلق الاجهزة الامنية فانا اقترح أن يتم استبدال النسر " شعار الجمهورية " والذي يحلق تحليقا عاليا في ترويسة الأوراق الرسمية ومتوسطا في العملات ، ومنخفضا في الختم الرسمي حين تذيل به التوجيهات ... ارى ان يستبدل هذا النسر المحلق بالسلحفاة الزاحفة فهي الاكثر تعبيرا عن "الجمهورية " وستكون اكثر مناسبة للاوراق السالفة الذكر فالتنمية تحبو كسلحفاة منهكة .

والديمقراطية تطل برأسها كسلحفاة مفزوعة سرعان ما تعود الى الصدفة لتبقى ردحا من الزمن مختبئة كما أن المعاملات تتحرك في الدوائر الرسمية بسرعة سلحفاة عجوز ..

وأيضا تعتبر السلحفاة شعارا مناسبا لجمهورية

يتم قمع المظاهرات المعارضة فيها بقوات النينجا ، ويعمر الزعيم فيها كما تعمر السلحفاة .

وهناك العديد من المبررات لتغيير النسر واستبداله بالسلحفاة وقد يصل عدد هذه المبررات الى المئة او اكثر بعد صدور قرار جمهوري بالتغيير اذ سيقوم حينها مثقفي السلطة بتعداد المبررات التي ستمتلىء بها وسائل الاعلام وسيشيدون بعبقرية الزعيم التي تفتقت عن مثل هذا التغيير ، والتي تشير بذكاء الى الخطوات الحكيمة والمتأده والواثقة والمثابرة للزعيم ومسيرتها لتنموية بعيدا عن الطيش والمغامرة التي من الممكن ان تودي بمستقبل البلد اذا ما قادته معارضة ( ارنبية) متهورة ومستهترة ..

في الاخير نحن لا نمتلك ان نعترض على بقاء الرؤساء حتى يتأكدوا فعلا ان سلحفاة الحديقة التي تكرموا بافتتاحها ستعمر 400 عام لكن ندعو الله ان يكون هذا العمر في طاعته وان يقيض لهم بطانة صالحة ترشدهم الى الخير وان يحي منهم من في حياته صلاح للبلاد والعباد وان يهلك من في هلاكه صلاحهما.

قولوا امين ..


في الإثنين 25 فبراير-شباط 2008 10:28:07 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=3402