سمات المقالة السياسية عند أحمد عائض2-4
د.عبدالمنعم الشيباني
د.عبدالمنعم الشيباني

مرةً أخرى أرحب بالقراء الكرام وأقول لهم نحن معكم بالموضوعية إن شاء الله احتراماً للكلمة وتقديراً للحرف يا أنصار الحرف. ولا يفوتني هنا أن أثني على ( الحاج معروف) الكاتب والداعية يذكرنا بالرحيل وبإنصاف الناس ، وإني واللهِ لأشيد بالكاتب محمد الصالحي وغيره، وأن دراستنا للكاتب أحمد عائض لا ينقص من قدر الصالحي وأنداه الكتاب الفطاحل شيئا ً( إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر ، هل ينقص منه شيئاً؟).

في هذه الحلقة تحت شعار ( بدائع العسل والفتة لا ستنباط ست عشرة لفتة ) نغترف من شاطئ فتتنا بالعسل ست سماتٍ جديدة من مقالة الكاتب والصحفي ابن عائض الموسومة بـ ( المشترك والجنوب عواصف في وجه الرئيس ) والمنشورة على صفحة الموقع مارب برس بتاريخ 8 ديسمبر 200 وأول هذه اللفتات :-

1- ولوعه بفكرة التضاد والتصادم:

في المقالة يسرد الكاتب بالتفصيل قصة ما يسمى بـ ( الحراك الجنوبي ومطالب المتقاعدين العسكريين)، يسردها من مبتداها وحتى هذه اللحظة وكيف تعامل المشترك معها ( تشجيعها والدفاع عنها ، تغذيتها ، التعاطف معها، استثمارها ، تبنيها ، توجيهها ...الخ )ضمن خطةٍ سياسيةٍ للمشترك وصولاً إلى الأهداف التغييرية عبر النضال السلمي الطويل مع الجماهير تنفيذاً لشعار ( تدحرجت كرة التغيير ولن تعود إلى الوراء ) حسب شعارات المشترك.وتدور فكرة المقالة حول (اتجاه الرأي الواحد ) والوعود الآنية للرئيس وأن الخطاب الرئاسي إنفعالي ومعالجاته إرتجالية وغير مدروسة وتدور حول تطمينات ووعود لا يتم الوفاء بها- حسب فهمنا للمقالة. اللفتة الأولى إذاً نلخصها ب( أحادية الرأي المرتجل الرئيس ) في مواجهة جماعية النضال المنظم ( المشترك) وكيف أنه كلما ضاقت دائرة السياسة لدى( الرئيس) في التعامل مع هذه العواصف كلما اتسعت آمال ( المشترك والحراك والمعارضة في الشارع )، هكذا صور لنا الكاتب اتجاهين متصادمين الأول أحادي منفعل والثاني جماهيري مخطٍط ، يضيق الخناق بالأول ( الرئيس ) وينفرج للثاني ( المشترك).

قد يكون أشد الموقف حرجا على الرئيس في حال شعوره بأي تهدد حقيقي قادم على كرسي الرئاسة , لحظتها سينحاز إلى من سيكون حاميا لذالك الكرسي وليس لخيار الشعب الذي يقوده المشترك , في حينها يمكن أن تظهر وبوضوح صارخ نبوءة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بدخول اليمن إلى النفق المظلم وليس الدخول فقط بل والسقوط فيه .

2- المحرٍض والمحلل:

هذه اللفته ( تفضح ) نوايا وخبايا الكاتب الذي لا يستطيع كبح جماح تعاطفه مع المشترك والحراك المعارض، فهو بالتأكيد من أنصار التغيير والحرية والسلام ولا يحب العنف من طرف الحاكم خاصةً ،لأن الحاكم بيده وسائل القوة ولكن المعارضة حمائم وليس معهم سوى ( الشميز والفوطه والهتاف جائعين عراة من أجل الغيير )، لم يقل الكاتب هذه العبارة بالنص ، لكنه يتتبع سيناريو الحراك بثوب المحلل المنصف وقلبه معهم، وهو في الوقت نفسه لم يقل كلمة سوء واحدة بحق الحاكم، إنما هو كاتبٌ تهمه الحقيقة الوطنية، ولكنه لا يتمنى أبداً أن ينتصر الحاكم على الشارع، وكم يتمنى وهو المحلل( وليس المحرض الخفي) أن تكلل نضالات الجماهير بنصرٍ حاسمٍ يشفي صدور المواطنين :

لذا فإن قادم الأيام سيكون مرا على الرئيس شخصيا وعلى كل قيادات اليمن الأمنية , وذالك لثورة شعبية - إن صح التعبير - قادمة ستنطلق تحت مسمى " المطالب والحقوق " وقد بدأت بدايات تلك التحركات في عدد من محافظات الجمهورية , سواء في الشمال أو الجنوب.

وعلى صعيد تلك التحركات الشعبية والمطالب التي ستعلن من كل محافظة وقبيلة ستجعل السلطة في موقف لا تحسد علية , كما ستمنح تركيبة اليمن الاجتماعية دورا معززا للتك المطالب والتي ستغذى من قبل اللقاء المشترك أو من سار في فلك تلك المطالب من متقاعدين وعاطلين وغيرهم .

3- لغة الإ ستنفار:

في المقالة تقرأ كثيراً من العبارات بمعنى النفير والا ستنفار ضد الحاكم، عبارات أسقطها الكاتب بتلقائية بقصد الحشد والتحشيد والتصعيد والتجييش ومن هذه العبارات

( الحراك المبرمج )

( تصعيد اعتصاماتهم واحتجاجاتهم حتى النهاية)

( الثورة الشعبية )

(التحركات في محافظات الشمال والجنوب )

(شعار النضال السلمي في الشارع اليمني )

وحين تقرأ مثل تلك المفردات الحشدية يُصوًر لك أن الكاتب نفسه بين الجموع العاصفة حاملاً رايةً كتب عليها (زحف التغيير قادم).

4- الغريم الشاهد:

وهي سمةٌ متصلةٌ بما قبلها ولا يتفرد بها الكاتب عائض وحده ، فالكاتب يسقط كل صفات ( التمنع والتشدد ) على الحاكم لأنه في موقع القوة والسلطة، فهو يدلي بشهادة أن الحاكم ( يتعجرف ويتمنع ويتصلب بل ويتطرف ) في حين أن المعارضة السلمية المدنية ( تتحاور وتتنازل ووتستجيب ) فهل يعاب على الكاتب أن أدلى بشهادة منصفة كما رأى بعينيه وسمع بأذنيه تعنت الحاكم تجاه معارضة ( الشميز والفوطة)؟؟ ألم أقل لكم أنه كاتبٌ موضوعيٌ ومحللٌ محايدٌ ؟؟ فلماذا يُطلب منه ( غصباً ) أن يحب الحاكم ؟ كونوا أنتم موضوعيين مع الرجل ومنصفين له.

ما دام النظام في اليمن يفكر بعقليات ما قبل الثورة في التعامل مع الأخر فأنة يحفر لنفسه حفرا سيكون أول الساقطين فيها , وفي كل يوم يؤكد لشعب والعالم أنه أكثر فشلا واقل خبرة في التعامل مع قضايا الناس , وفي كل موقف يرسم لوحات تظهر مدى فقرة السياسي والحضاري في لتعامل مع قطاعات الشعب المختلفة ..

 هذه المرة لم تكن من الضالع أو الحبيلين أو غيرها من محافظات الجنوب وإنما من قلب اليمن النابض بالحرية والثقافة والكرامة ... من محافظة تعز الأبية .

5- نظرية الإرهاب النفسي بين التقبيل والتصفيق:

يا سلام عليك يا أحمد عائض ( ولد با يسحروووك ). أجمل لفتة للكاتب والصحفي من مقالته بعنوان ( براكين الغضب ) المنشورة على صفحات موقع مأرب برس بتاريخ 9 إبريل 2008. من هذا؟ سيجوند فرويد أم لا كان؟ نظرية جديدة في التحليل النفسي يستحق عليها ابن عائض براءة اكتشاف. كلنا يعلم أن خضوع وتذلل المواطن لمولاه الإمام هو في الأصل شكلٌ من أشكال الإرهاب النفسي للمواطن قبل الثوره ، وليس مواطنٌ صالحٌ من لم يذل نفسه وكرامته ويطأطأ عنقه لمولاه وسيده الإمام ، أليس هذا هو الإرهاب النفسي ؟. لكن المثير هنا والأكثر إثارة ليس ( تقبيل ركبة الإمام الحاكم بأمر الله ) قبل الثورة بل ( التصفيق ) بعد الثورة، لأن الذي لا يصفق ( عدو الوحدة والديموقراطية والوطن وخائن ومتآمر يتسكع في أبواب السفارات الأجنبية )،فالمصفق يذل نفسه ( طائعاً أو كارهاً ) كي لا يُتًهم بالتآمر على الوطن ، أليس هذا هو الإرهاب النفسي ؟ فالمقبٍلون والمصفٍقون إذاً (قبل وبعد الثورة )أسرى للإرهاب النفسي يمارس عليهم من قبل ومن بعد ، فهم يقبٍلون ( خوفاً ) ويصفٍقون ( كرهاً ). يقول الكاتب:

إن اليمن تمر بمرحلة مخاض فكري وتحول نفسي كبير في كسر هيبة المسئول والدولة التي ظلت تمارس " إرهابا نفسيا " ممقوتا على الشعب تلك الثقافة التي تعمقت في نفسية الشعب اليمني منذ مئات السنيين ففي الماضي كان اليمني بقبل ركبة مولاة السيد وأما اليوم فإن التصفيق الغير مبرر والهتافات التي قد لا يفهم بعض الزاعقين بها ولا يعرفوا حتى معانيها هم اليوم على مفترق طرق وبداية مرحلة يستطيع اليمني أن يقف ويقول بملء فيه لا , وهنا تبدأ عجلة التغيير الحقيقي في عقلية شعب يعتبر من أكثر شعوب المنطقة أميةََ ً وتخلفا حسب العديد من التقارير الدولية .

6- أمراض نفسية قيادية:

وهذه الأخرى أجمل من سابقتها ، فالكاتب ينتقل من ( نظرية الإرهاب النفسي ضد المواطن المقبٍل والمصفٍق ) إلى أمراض القيادة السلطوية نفسها ( رُهاب وخوف وإرهاب يقع عليهم من طراز رفيع )، لا يقبلون ولو بمجرد عبارة ( لا للظلم أو لا للفساد ) ، فالقيادة الآن تحت رحمة عبارتين تثير عندها إما الصُراع أو الذعر أو الهستيريا الحادة أو الجنوح العدواني – حسب نظرية المثير الشرطي والاستجابة ، فالمثير الشرطي للقيادة هنا عبارة ( لا للظلم أو لا للفساد ) والاستجابة الشرطية ( الهستيريا الحادة مصحوبة بجنوح عدواني )، هذه اللفتة والتي قبلها تجعل ابن عائض في مصاف علماء النفس التشريحيين باستحقاق. والأكثر طرافةً في هذا السياق أن مسؤلاً كبيراً في رأس السلطة وصف قادة المعارضة ذات يومٍ بالقول أنهم ( مرضى نفسانيون ) فجاء الرد مباشرةً من محمد قحطان : ( نحن نقبل أن ندخل العيادة النفسية كلنا لنرى من هو المريض النفساني حقاً ). نعود إلى عبارات الكاتب ، إذ يقول : لا أدري هل هناك قيادات مصابة بأمراض نفسية تجد راحة عندما تتصدر اليمن نشرات ألأخبار ووصفها بأنها بقعة من بقع التوترات والصراعات , فتسعى دائما لفتح ملفات الماضي والتعامل مع تلك القضايا بخبث سياسي ماكر .

* شاعر يمني وباحث في الأدب الإنجليزي الرواية

Abdulmonim2004@yahoo.com


في الجمعة 12 سبتمبر-أيلول 2008 11:09:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=4161