أوباما والعرب السُنَّة
حبيب العزي
حبيب العزي
"العرب السُنَّة يتعرضون لتهديدات خارجية، لكن التحديات الكبرى التي تواجههم، تنبع من الداخل، وليس من احتمال غزو إيراني"، هذا ما قاله الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في مقابلة أجراها معه الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، ونُشرت في صحيفة نيويورك تايمز، يوم الأحد بتاريخ 6 / 4 / 2015م، أي بعد مرور عشرة أيام تقريباً على انطلاق عاصفة الحزم، ما يعني أن تلك العبارة من طرف أوباما قبل أربعة أشهر، كانت موجهة للمملكة العربية السعودية تحديداً.
عندما نعيد قراءة تلك الجملة بنوع من التركيز، نجد أنها قد تعرَّضت لأمرين هامين وخطيرين، يتعلقان بسياسة الولايات المتحدة "الجديدة إذا صح التعبير" في تعاطيها مع حلفائها التقليديين العرب، وبمقدمتهم المملكة العربية السعودية ودول الخليج، تلك السياسة القائمة أساساً، على إذكاء النعرات الطائفية، والصراع الديني والمذهبي في المنطقة، وبخاصة بين السنة والشيعة، وهذان الأمران هما:
الأول: وصفهم" أي الأنظمة الخليجية" بـ" العرب السُنَّة"، في دلالة واضحة على إبراز البُعد المذهبي والطائفي، الذي ينتمون إليه، ما يعني أن الولايات المتحدة، باتت تتعامل مع حلفاءها العرب، من منطلق كونهم يمثلون كيانات طائفية محددة في المنطقة، وليسوا دولاً وأنظمة، تمثل شعوبها بمختلف مذاهبهم الدينية، وانتماءاتهم السياسية، وتوجهاتهم الفكرية.
الثاني: القول بأن التحدي الأكبر الذي يواجه العرب منبعه من الداخل، وليس من جهة إيران بدرجة رئيسية، ما يعني أن باراك أوباما أراد القول "وبنوع من التعريض" أن تلك الأنظمة "الخليجية تحديداً"، هي أنظمة قمعية وغير ديمقراطية، وتمارس التمييز بين شعوبها، على أساس طائفي، وهو يقصد بذلك التهميش الحاصل للشيعة في تلك الدول.
أوباما قال أيضاً –وبذات المقابلة -" إن أكبر التهديدات التي تواجه "العرب السُنَّة" قد لا تأتي من غزو إيراني، وإنما من السخط الذي يعتريهم داخل بلدانهم، والمتمثلة في سكان تم إقصاءهم في بعض الحالات، وشباب عاطلين عن العمل، وأيديولوجية هدامة، وإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم"، على حد وصفه. 
بالمجمل .. أراد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، من خلال كل حديثه ذاك، أن يقلل من أهمية تلك التخوفات، التي تبديها المملكة العربية السعودية تجاه إيران، بل أكثر من ذلك، بدا وكأنه يُدافع عنها، ولم يشأ تحميلها المسئولية عن كل الأحداث التي تجري في المنطقة، وبمقدمتها اليمن، فكل ما يشغله في ذلك الوقت، هو توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ولا يريد إغضاب الإيرانيين بأي تصريحات قد تعيق ذاك التوقيع، هذا من جهة.
 ومن جهة أخرى وهي الأهم، والتي تُعد بمثابة الصفعة القوية لحلفائه في الخليج، أنه أراد أن يوجه لهم رسالة شديدة، مفادها أنكم أنتم السبب وراء كل مشاكلكم في المنطقة، وليس إيران، وذلك بسبب سياساتكم الخاطئة، في أقصاء بعض الأقليات والطوائف في بلدانكم، في إشارة واضحة إلى الأقليات الشيعية في السعودية والكويت وقبلهما البحرين.
كذلك أراد أوباما أن يقول لحلفائه، الذين وصفهم بـ "العرب السُنَّة"، وهو يقصد بذلك حلفاءه الخليجيين، بأن الإرهاب في المنطقة، المتمثل –من وجهة نظره- بالمتطرفين الإسلاميين، والحركات الجهادية والتكفيرية، كـ داعش وأخواتها، والمحسوبة على الطائفة السنية، هي السبب في الصراعات الدائرة بالمنطقة، وليست إيران، وبأن منابع وبؤر تلك الجماعات، تتواجد في بلدانكم أنتم، وليست قادمة من إيران، وعلى العكس من ذلك، أنتم من يمارس القمع والإقصاء والتهميش على الأقليات الشيعية في بلدانكم.
بجملة واحدة .. "الشيعة العرب" هم أقليات مستضعفة ومهمشة، و"العرب السُنّة" هم مصدر الإرهاب ومنبعه، هذا ما تراه واشنطن في اللحظة الراهنة، وإذكاء الصراع الديني والمذهبي بينهم، مصلحة حيوية، وهدف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن، ولذلك يجب أن يستمر هذا الصراع، حتى إشعار آخر. 


في السبت 01 أغسطس-آب 2015 04:44:21 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=41647