كاريزما الزعيم العربي..... وما جرته علينا
كاتب/مهدي الهجر
كاتب/مهدي الهجر

 

 

" خاص - مأرب برس "

(إن قالوا بكاريزما حقيقية فلا كاريزما اليوم بعد نصر الله )

عندما تسمع مصطلح الزعيم القائد أو الكاريزما الفلتة ,فضع يدك على قلبك ,وتحسس كا الأعشى خطاك ,وردد في قلبك نشيجا دون أن تنبس لك شفة ..آه عليك يا وطن ..

هذا اللقب الخالد حكرا على الحاكم العربي بمفرده ,ماركة مسجلة ,كما لتلك الدول حق احتكار الفيتو والنادي النووي والصناعي ,فلأنظمتنا العربية هي الأخرى حق احتكار الزعيم القائد ,ومصطلح الكاريزما التاريخية .

الحاكم عندهم يسمونه الرئيس أو المستشار ,أو ما سوى ذلك ,يقسم لشعبه أثناء توقيعه على صك العقد الاجتماعي المشروط والمحدد بسقف على أن يكون خادمهم ,وان يفتدي بروحه ودمه شعبه وأمته ,وان يلتزم بتحقيق برنامجه الذي شارطوه وعاقدوه عليه ,ثم يسير على ذلك ,وفي أثناء السير قد يتبرمون منه ,فيحملون له صورا ,أو دمى شخصية له لا ليعمقوا ويزيدوا من كرازميته ,وإنما ليمتهنوها تعبيرا عن سخطهم ,إما بحرقها أو بتعبير كراكيتوري مذل ومهين ,وقد يصل بهم الأمر إلى أن يقذفوه ببعض الطماط او البيض الفاسد ,أو تمتد يد احدهم إليه فتصفعه ,على ملا من حوله ,وأمام عدسات الفضائيات ,فلا يزيد عن أن يبتسم ولكن بامتعاض .  

 

هناك لا ترى صورة للرئيس تعلق في الشوارع ,أو في المؤسسات العامة ,ربما لا يراها هو نفسه إلا إذا وجد فرصة ووقت في ألبومه الخاص ,أو مصاحبة لصور صاحبنا الزعيم مرتشة مضخمة تملا الشوارع وذلك إذا دعته مروءة وكرم صاحبنا العربي للديار العربية ضيفا وزائر ..

أما عندنا نحن اليعاريب ,فان أمر صاحب الفخامة أو الجلالة أو العظمة ,أو...أو...جد مختلف .

فإنهم وان جاؤا على ذكر اسمه بتبتل وخشوع ,فلا يصلون إليه إلا بعد سلسلة من الألقاب المعظمة ,قد تتجاوز العشرة ,منها المؤسس ,والصانع ,والرمز ,والفلتة ,والمحقق ...الخ ...والذي لولاه ...

الكاريزما السياسية للزعيم أو القائد عندنا ,تماهت في كل شيء ,وأتت على كل شيء ,صوره في كل حيز ومتاح ,عام أو خاص ,على السيارات والعربات ,في القرى والحارات ,أنى توجهت أو يممت وجدتها معك ,اقتنائها وزخرفتها يعد أهم معايير الانتماء والولاء الوطني .

اسمه الأول والآخر والأكثر ولأدوم في المحافل الرسمية والشعبية ,ما أن يذكر حتى تضج الأيدي با لتصفيق والأفواه بالهتافات ,في وسائل الإعلام الرسمية المختلفة يحتل اسمه وخبره ما نسبته ال90% من المجالات الأخرى ,لا يذكر فيها الله سبحانه وتعالى إلا بما يساوي ال1%نسبة ما للزعيم ..

اختزل الشعوب والأوطان في ذاته ,فأصبح الشعب كله له وهو عليه ,يفتديه بروحه ودمه ,وينشج نشيدا نموت نموت ويحيا الزعيم ,.حتى أن وسائل الإعلام الغربية والمحللون إذا أرادوا ذكر دولة عربية ,فإنهم لا يأتون في الأغلب على ذكر اسم هذه الدولة صريحا ,وإنما بإضافتها إلى اسم زعيمها ,فيقولون مثلا مصر عبد الناصر ,أو سوريا الأسد ,أو ليبيا القذافي ,أو يمن الصالح ..الخ..

في الشعوب الأخرى يأتي إليهم حاكمهم مطأطئ الرأس ,يخاطبهم بتواضع وبنغمة استعطاف ,قائلا سأكون خادمكم وسأعمل من أجلكم ومن اجل امتنا ..

وعندنا يجمع الشعب ممثلا بفئاته المختلفة وجغرافيته ,في مهرجان أو احتفال ,او اوبريت فني راقص ,له -–للحاكم--يغني ,وله يرقص ,وله يتبتل نثرا وقصائد ,من اجل أن يسري على الزعيم ويدخل البهجة على قلبه ,حتى ولو كان الثمن جزء كبيرا من الموارد وعلى حساب قضايا عاجلة ,..

المصيبة هنا فيما يسمونه الكاريزما ,في ظلها تضخم الحاكم العربي حتى امتلأ به فضاءنا ,وتصاغرنا نحن في المقابل حتى لا يرانا هو بل ولا نرى أنفسنا ..

في البلاد العربية يظل الحاكم العربي ويدوم منزها ومعصوما عن الخطأ والخطايا ,وهو العالم والعليم بكل شيء ,لا يخطئ فيما قال ويقول ,وما جره قلمه ,رغم أن خطاباته وكلماته مرتجله وفي لحظتها ,حيث لا يحتاج الأمرعنده إلى مستشارين ومعدين وذوي خبرات ,فان وقعت له سقطات وكلها سقطات ,انبرى الأكاديمي والمثقف والمتخصص في كتابة المقالات والدراسات وعقد الندوات,كلها تعمل بين يدي خطاب الزعيم ,منقبة عن الحكم الجواهر ,والبديع من المعنى,والقول المبين الفصل في القضايا ذات الجوانب المختلفة ,وتفسير كل كلمة ,والوقوف عند كل عبارة ,قراءة للظاهر والباطن ,ثم تأتي النتائج والتوصيات بضرورة جمع المسانيد في كتب وإعادة استنساخها بما يحفظ للأمة قيمها وديمومتها ونقاءها الوطني ,على أن تعتبر وثائق تاريخية ووطنية منها يستقي الحاضر ,ويستهدي المستقبل ..

وان عجبت فلا تعجب من احدهم –حاديهم-المفكر الزعيم والقائد ,وحده في التاريخ والحاضر الذي وضع نظريته الجذرية والشاملة لمناحي الإنسان والحياة ,ثم اعملها تطبيقا ,بل ودعا العالم اجمع إلى تطبيق النظرية العالمية الثالثة ,إذا أراد هذا العالم أن يسعد فلا يضل ولا يشقى ,.

ليست مبالغة القول إن تفسيرات النظرية الخضراء.. تفوق بكثير التفسيرات المشتهرة للقران الكريم,وان كل الموارد البشرية والمادية قد سخرت في خدمة وتوظيف هذه النظرية .,

لم يكتف الزعيم العربي المفكر في الوقوف عند هذا الحد بل وصل به الحال إلى التعرض للنقد والتقييم بل والتعديل للنص القرآني الكريم ,والثوابت القطعية الأخرى ,فان أبيت إلا التدقيق ,فعند مالك الجماهيرية العظمى ,وبورقيبة أمير المؤمنين في زمانه ,وسادات المحروسة الرئيس المؤمن الخبر اليقين .

 ألا قبح الله الكاريزما ومسمى الزعامة

لو سمعت بعد اليوم مصطلح الكاريزما للحاكم العربي ,فانفث عن يمينك ثلاثا واستعذ بالله ,ثم .....و....


في الأحد 13 أغسطس-آب 2006 08:56:23 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=418