البيضاء بطولات منسية وتاريخ ممهور بالدم
عارف علي العمري
عارف علي العمري
هكذا شاءت الاقدار ان تسمى فهي بيضاء الفعال كما هي بيضاء المواقف والاقوال ، فلها من اسمها نصيب فلم تتغير مواقف ابطالها ولم يتلطخ بالشؤوم رجالها ، وقد يكون هناك شذوذ من بعض مرتزقة المال وعبدة الدينار الا ان الماء اذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث ويظل النادر لاحكم له في قاموس التاريخ والنظال.
دفعت محافظة البيضاء ثمن مواقفها البيضاء، وكانت الثمن غاليا والتكلفة باهظة، فلم تتزعزع مواقف الاحرار ولم تلين قناة الابطال ، وسير التاريخ وسفر البطولات خير شاهد علي ذلك.
وخلال القرن الاخير تعرضت محافظة البيضاء لابشع الهجمات البربرية في ظل حكم الائمة ونظام المخلوع علي عبدالله صالح ويمكن ايجازها في أربع مراحل متتالية.
كانت اولي الجرائم القادمة من الهضبة الشمالية تمتد من الفترة 1920 م وحتي 1926م حيث جهز الامام يحيى حميد الدين جيش عرمرم لاخضاع البيضاء وضمها الي مملكته المتوكلية والتي كانت سلطنة مستقلة غير تابعة للحكم البريطاني في الجنوب او الائمة في الشمال ، فقاتل ابناء البيضاء ذلك الجيش قتال الابطال وشهدت منطقة كبد ومشعبه بمديرية البيضاء بطولات لعدد من قبايل البيضاء وعلي رأسها قبيلة ال حميقان ودبان وعدد من القبائل المجاورة، فلم يكن لهم من ناصر غير الله ومن ملجأ سوي اسلحتهم البدائية، ووثق شاعر البيضاء ذلك الحدث بزامل شعبي مشهور يقول فيه 
يادرب ذي ناعم وياحيد السماء 
بااتخبرك كم جات من القبلة زيود
خمسة وسبعين الف ذي عديت انا
من عسكر الشامي توطي يالحيود
ومع الفارق بين الفريقين في عدد الرجال ونوع السلاح الا ان ابناء البيضاء سجلوا تاريخ مشرف يكتب بماء الذهب يرفض حكم الامامة وذلك قبل قيام الثورة باربعين عاما تقريبا.
وخلال اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين عمد ولاة الامام الي اذلال ابناء المحافظة ففرضت الجبايات الباهضة واودع الكثير من الشباب في المعتقلات تحت مسمي ( رهائن ) ، وأسالوا عن معارك ( السرباء ) التي شهدتها مديرية الشرية والتي كان قايد الجيش الامامي فيها علي عبدالله صالح .
ولكن تلك الجرائم لم تكن لتمر لدي ابناء البيضاء مرور الكرام بل كانت تلك المظلوميات تتراكم في ذاكرة تلك القبايل التي لم تهادن الذل او تتصالح مع الموت او ترضي بالخراب ، وما ان تفجرت نيران الثورة واسرجت مشاعل الحرية حتي خرج ابناء البيضاء يقاتلون الي جوار الثوار الاحرار ووصلت طلائعهم الي معاقل الائمة فقدموا المئات من الشهداء من خيرة ابناء المحافظة.
ولم تكن الثورة الوليدة ترتب صفوفها وتلتقط انفاسها حتي عادت الامامة من جديد من خلال حصار العاصمة الذي استمر سبعين يوما تقريبا، فكان ابناء محافظة البيضاء هم اصحاب السبق في فك ذلك الحصار الجائر وكان الشهيد البطل احمد عبدربه العواضي بلا منازع هو بطل ذلك الموقف ومعه المئات من مشائخ وافراد محافظة البيضاء.
وبعد ذلك التاريخ الطويل من البطولات والممهور بالدم ضاعت حقوق ابناء محافطة البيضاء وعمل نظام علي عبدالله صالح علي اقصاء الشرفاءوتهميش الاحرار من ابناء المحافظة، فلم تشهد البيضاء تطورا في البنية التحتية ولاتقدم ملموسا في الخدمات ، بل ظلت المحافظة تعيش في عصور ماقبل الثورة ، والادهي من ذلك كله هو تغذية نظام علي عبدالله صالح للثأرات بين ابناء المحافظة، وكان حضور ابناء محافظة البيضاء في المناصب التنفيذية تمثيل باهتا لم يتجاوز في احسن حالاته 4%من اجمالي المكاتب التنفيذية في المحافظة.
البيضاني لديه غريزة البذل والعطاء ولدية عقيدة الولاء قبل بريق المصلحة يتقدم حين يكون الاقدام خطرا ، ويتواري حين يكون الحضور نزهه وترفا ، ولذلك كل من تولي مقاليد المحافظة كان من خارجها حتى 2008 ، فلم يتذمروا او يسخطوا مادامت الجمهورية التي ضحوا من اجلها في مأمن من تقلبات الزمن.
لم يحترم علي عبدالله صالح تضحيات الثوار فذهب ينسج مملكته الخاصه تحت رداء الجمهورية، واصبح نظام التوريث قاب قوسين او ادني لولا هبة الشعب التي التي احالت ذلك المشروع الي مجرد سراب من الوهم.
كانت ثورة 2011 التي قام بها الشباب ضرورة وطنية وغاية عظمي للحفاظ علي مكتسبات ثورة 26 سبتمبر الخالدة فكانت محافظة البيضاء حاضرها بقوة في تلك الملحمة النضالية التي جسدت اروع مظاهر السلمية والتمدن في آن واحد.
واجه علي عبدالله صالح تلك الثورة بالنار فدفعت البيضاء ضريبة ذلك النضال من خيرة شبابها في ساحة ابناء الثوار بالبيضاء ومجزرة جمعة الكرامة والقاع وكنتاكي والتلفزيون وغيرها من المجازر التي ارتكبها نظام علي عبدالله صالح ، وصمد شباب البيضاء في ساحاتهم حتي نهاية العام 2012م.
مثل هكذا موقف للبيضاء كان يجب الا يمر دون حساب اطلاقا فسجل علي عبدالله صالح ذلك الموقف في سجلات الانتقام واعد عدته والتي انتهت بالانقلاب الذي تولي كبره صالح والحوثيين في 21 سبتمبر 2014م.
لم يمضي سوي شهر واحد حتي انطلقت جحافل الانقلاب ومليشيات الموت الي محافظة البيضاء ، وكان لكل طرف دوافعه في غزوا البيضاء وتدمير كل شي جميل فيها.
كان علي عبدالله صالح يريد ان ينتقم من مواقف البيضاء وابائها إبان ثورة الشباب ، ويريد الحوثيون ان ينتقموا من البيضاء نظير مواقف ابائها من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
قدر للبيضاء أن تواجه مشروع الموت والانتقام منفرده في ظل صمت مطبق وخذلان من الداخل والخارج فهدمت المنازل وفجرت المساجد وقتل الرجال وشردت الاسر ، ولايزال مشروع الموت مستمر حتي هذه اللحظه ، الا ان هناك رجال كالجبال في الثبات يقاتلون بما يملكون يفضلون الموت رافعيي الرؤس، لاينحنون الا لله لاتهزهم قوة ولا يرعبهم بطش ، يستمدون قوتهم من قوة الحق الذي يمتلكونه في الدفاع عن ارضهم وعرضهم.
ثمة حقيقة يجب ان يدركها الساسة وان يعرفها اصحاب القرار انه لن تكون الشرعية قوية الا بقوة البيضاء ، والحديث عن دخول صنعاء قبل تحرير البيضاء ضربا من الخيال، فالبيضاء هي القلب النابض للجمهورية ، وستنتصر البيضاء عاجلا ام اجلا ، وبقاء المليشيات فيها ليس سوي مشروع موت لاتباعهم .
نعم قد تنكسر البيضاء ولكنها لاتعرف الهزيمة،

في الجمعة 29 إبريل-نيسان 2016 10:29:18 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=42276