إشكالية الأمة في دين الرأي وليس في دين الله.
د. عبده سعيد مغلس


تكمن إشكالية الأمة العربية والإسلامية وتخلفها ونكبتها بسبب الخلط بين دين الله والفقه (الفهم-الرأي) الإنساني لهذا الدين .
فدين الله أتى من الله مطلق المعرفة الذي لا يحده زمان ولا مكان، فهو خالد وثابت بنصه متغير بمفهومه ليستوعب التطور المعرفي الإنساني وأدواته المعرفية في كل فروع المعرفة والعلوم عبر الزمان والمكان وهو لذلك صالح لكل زمان ومكان، وهذا سر إعجازه وإعجاز رسالة رسوله الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام وأنه مرسل من الله، بينما الفقه هو اجتهاد بشري لفهم النص الديني مرتبط بزمانه ومكانه وأرضيتة المعرفية وسقفها وأدواتها وبالتالي هو من إنسان نسبي المعرفة يحده زمانه ومكانه وتحكمه أرضيته المعرفية وسقفها وأدواتها وبيئته الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والمعرفية.
ولهذا قدم أئمة الفقه رأيهم لمعالجة زمانهم وإشكالاته، وحددوا بوضوح أن قولهم هو رأي يحتمل الصواب والخطأ نشأ عن تفاعلهم المعرفي والإنساني مع كتاب الله وصحيح سنة رسوله، وهو ليس بدين.
ونشأت معضلة الأمة بغلق باب الإجتهاد وتحويل الفقه إلى دين وعدم مقدرة الأمة على التفريق بين ما هو ديني وما هو فقه وخلطها بين ما هو دين من الله وما هو فهم بشري لهذا الدين من الناس، وتحول هذا الفقه الإنساني(الفهم والرأي) المحدود بزمانه ومكانه ومعارفه وأدواتها المتأثر بثقافة وبيئة ومجتمع تلك الفترة الزمنية لدين يتعبد به أصحابه بديلاً لدين الله، وتراكمت الحواشي على مخرجات ذلك الفقه وتأسس عنه فقه مغلوط بعيد عن دين الله الحق مثل مفهوم فقه "الإمامة" الذي عمل على تفريق الأمة وبذر الشقاق والحروب بينها، وكما قال الشهرستاني "ما سُل سيف ولا سفك دم في تاريخ الأمة كما سُل وسفك بسبب الإمامة" وبهذا الخلط ألغت الأمة تطورها عن طريق تفاعلها الحي والمستمر مع كتاب الله وتوقفت في زمن إمام الفقه وشيخ الطريقة ومكانه ومعارفه وأدواتها وبذلك تم تكبيل الأمة وعقلها ومعارفها في تلك اللحظة الزمنية، بينما الوجود الإنساني مستمر في سيرورته ومعارفه وعلومه وفق قوانين الله نحو صيرورته دون توقف، ولذلك لم تعد الأمة قادرة على التفاعل مع عصرها الذي تعيشه ومعارفه وعلومه وإشكالاته، ولم تعد قادرة على إنجاب أئمة مجتهدين يُقدمون اجتهاداً جديداً وفقهاً متجدداً بكل المعارف والعلوم الإنسانية تعالج به أوضاعها الدينية والدنوية، وتوقفت بتأثير الفقه المغلوط عن تأدية دورها، فتخلف ركبها الحضاري عن الحضارة الإنسانية ومعارفها وعلومها، ولم تعد قادرة على تأدية دورها الذي كرمها الله به بالعبادية لله والإستخلاف بتعمير الأرض والشهادة على الناس وحمل رسالة الرحمة للناس كافة، وواجبنا اليوم لنخرج من هذه الإشكالية العمل على:
١-تصحيح فهمنا والتفريق بين ما هو دين وما هو فقه.
٢-عدم الإحتكام لذلك الفقه لأنه يعالج زمانه ومكانه وأهله واعتباره تاريخ وعبر، فعلى سبيل المثال أسباب ونتائج معارك الجمل وصفين وكربلاء عبر وقصص واعظة لنا وليست ديناً يحكمنا حتى اليوم وحكمها حكم القصص القرآني للأمم السابقة.
٣-تصحيح الفقه المغلوط الذي تحول إلى دين باطل -بديل لدين الله الحق- رافعاً راية التطرف وشاهراً سيف الموت والإرهاب فوق رؤوس الأمة.
٤-إعادة القراءة لدين الله وكتابه وفهمه وفق زماننا ومكاننا ومعارفنا وعلومنا بأرضيتها وسقوفها وأدواتها المعرفية، لننتج بذلك فهماً وفقهاً معاصراً لمشاكلنا وأزماتنا التي نعيشها الدينية والدنوية.
بذلك نخرج من أسر الفقه المغلوط وقيوده وسيفه ودمه، ونستعيد دورنا في الحياة بالعبادية لله والإستخلاف والشهادة على الناس والرحمة لنا والإنسانية فذلك دورنا وقدرنا كمسلمين مؤمنين وهو الدور الذي غيبه الفقه المغلوط وحولنا إلى أمة تكره وتقتل بعضها البعض والأخر باسم الله ودينه ورسوله بينما الحقيقة هي أنه لا علاقة لله سبحانه ولا لدينه ولا لرسوله ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام بكل هذه الأعمال .
د عبده سعيد المغلس


في الأربعاء 28 مارس - آذار 2018 10:19:30 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=43571