السلوك الانفصالي لهادي ومأساة الشماليين؟
عبدالناصر المودع
عبدالناصر المودع
 

تمارس سلطة الرئيس الشرعي لليمن عبدربة منصور هادي سلوك تمييزي ضد المواطنين اليمنيين المنتمين للمحافظات الشمالية، ويظهر هذا السلوك بشكل واضح في حرمان هؤلاء من حقوقهم الأساسية المتمثلة في الرواتب والوظائف والخدمات الأساسية.

 فمنذ أن تم نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى ما يسمى بالعاصمة المؤقتة عدن لم يستلم الموظفين في المحافظات الشمالية، والذي يزيد عددهم عن 800 ألف موظف –يقدر عدد موظفي الدولة العسكريين والمدنيين في كشوفات رواتب 2014 مليون ومائتين وخمسين ألف موظف، ويعتقد أن ثلثي هذا الرقم متواجدون في المحافظات الشمالية- رواتبهم من البنك المركزي في عدن إلا في مرات قليلة، وأقتصر الأمر على بعض القطاعات كمدرسي جامعة صنعاء وجزء من موظفي محافظة تعز. 

وفي الإجمال فإن معظم الموظفين الحكوميين في المحافظات الشمالية، باستثناء محافظتي مأرب والجوف، لم يستلموا خلال 18 شهر إلا رواتب لأربعة أشهر في أحسن الأحول؛ صرفت الحكومة التابعة للحوثيين في صنعاء معظمها فيما امتنعت حكومة هادي عن صرفها تحت حجج واهية وأكاذيب اختلقتها وتسوقها للعالم على أنها حقائق.

ومن هذه الأكاذيب والحجج ما تقوله بأنها لن تسلم الرواتب للموظفين الشماليين إلا حين يلتزم الحوثيين بتسليمها إيرادات المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وتحديدا إيرادات ميناء الحديدة، على اعتبار أن هذه الموارد ستغطي الجزء الأكبر من رواتب موظفي الدولة، وهو مبرر غير صحيح. فالحكومة تعرف حجم إيرادات ميناء الحديدة قبل الحرب وهي إيرادات قليلة مقارنة بقيمة رواتب موظفي الدولة، وهي ما تؤكده أرقام ميزانية الأعوام التي سبقت الحرب، فميناء الحديدة قبل الحرب كان إجمالي دخله السنوي من الجمارك والضرائب لا تصل إلى 100 مليار ريال (450 مليون دولار حينها 200 مليون دولار حاليا).

وما يؤكد ذلك؛ ما ذكره محافظ البنك المركزي الحالي (محمد زمام)، والذي كان يشغل في عام 2014 رئيس مصلحة الجمارك، من أن إجمالي إيرادات المنافذ اليمنية عام (2013) بلغت 212 مليار ريال موزعة على 104 مليار جمارك، و108 ضرائب والذي تفاخر بأنها أعلى إيرادات تحققها الجمارك في تاريخها. التصريح

 ووفقا لتلك الأرقام فإن إجمالي الإيرادات السنوية لمينا الحديدة، والمنافذ الجديدة في ذمار وغيرها من المناطق التي هي تحت سلطة الحوثيين، والتي ضجت "الحكومة الشرعية" أسماع العالم بها، لا تزيد إيراداتها السنوية في أحسن الأحوال عن 150 مليار ريال على افتراض أن ما يتم استيراده من سلع خلال فترة الحرب هي نفس الكميات التي كان يتم استيرادها قبل الحرب، وهو افتراض مبالغ فيه. وهذا المبلغ يتماشى مع البيانات التي تعلنها وزارة مالية الحوثيين في صنعاء، والتي قدرت إجمالي مواردها السنوية بمبلغ 250 مليار ريال تقريبا. وهي المبالغ الذي يخصص الحوثيين معظمها في الإنفاق الحربي.

وتلك المبالغ لا يمكنها أن تغطي مرتبات موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلا لعدة أشهر، وهو ما تدركه "الحكومة الشرعية" الذي يفترض أنها مطلعة على موارد الدولة في فترة ما قبل الحرب وأثنائها. حيث أن إيرادات الحكومة خلال فترة ما قبل الحرب كانت تتشكل من: 60% إيرادات النفط والغاز، وما يقارب 17% سندات خزينة، وما يقارب 5% مساعدات خارجية، و 18% تقريبا إيرادات محلية (جمارك ، ضرائب بما فيها ضرائب موظفي القطاع الحكومي، وضرائب الاتصالات والرسوم وغيرها من الموارد).

واستنادا إلى هذه المعطيات فإن الموارد الخاضعة لسلطة "الحكومة الشرعية" تزيد عن 85% من إيرادات الدولة، من الناحية النظرية على الأقل؛ فمناطق إنتاج النفط والغاز في محافظات مارب وشبوة وحضرموت تقع، نظريا، تحت سلطتها، والبنك المركزي هو تحت سيطرتها، وهي الطرف الشرعي القادر على تلقي المساعدات الخارجية. وهذا يعني بأنها الطرف الرئيسي المسئول عن عدم صرف رواتب الموظفين في المناطق الشمالية، وليس الحوثيين كما تدعي، والذين يتحملون جزء من المسئولية ولكنها على قدر ما يحصلون عليه من موارد. وحتى وإن كان الحوثيين يمتنعون عن دفع الرواتب وهم قادرون، كما تقول "الحكومة الشرعية" فما ذنب الموظفين في المناطق الشمالية، وتحديدا في القطاع المدني، كي يحرموا من حقوقهم والتي هي جزء من مسئولية الحكومة الشرعية التي يعترف بها العالم، وتسيطر على البنك المركزي، والذي ألتزم هادي أمام العالم بأنه سيتكفل بذلك حين قرر نقل البنك المركزي من صنعاء. أما الحوثيين فبكونهم مليشيا اغتصبت السلطة ولا يعترف أحد بشرعية حكمها فإنها غير ملزمه قانونيا بصرف رواتب الموظفين، ولا يجب أن نطالبها بذلك حتى لا نمنحها شرعية الحكم والسيطرة.

تدعي "الحكومة الشرعية" بأنها لا تملك موارد مالية كافية لتغطية رواتب جميع موظفي الدولة، وهذا الأمر قد يكون صحيح إلى حدا ما؛ ولكن العدالة والمسئولية الأخلاقية والقانونية تقتضي أن يتحمل عبء المشكلة جميع موظفي الدولة وليس الموظفين الشماليين فقط.

بالإضافة إلى ذلك فإن إدعاء الحكومة بأنها لا تملك الموارد الكافية ليس صحيحا تماما؛ فالموارد المتاحة لها، والموارد التي تستطيع تحصيلها في حال حسنت أدائها وقللت من فسادها، تكفي لأن تقوم بصرف رواتب الموظفين وتشغيل الخدمات العامة الضرورية في جميع مناطق الدولة.

فالحكومة تسيطر، نظريا، على جميع مناطق إنتاج النفط والغاز منذ أكثر من عامين، وهذه المناطق تنتج حاليا ما بين 60:50 ألف برميل يوميا من النفط، وبالإمكان زيادتها في الظروف الحالية إلى ما يزيد عن 80 ألف برميل، إلى جانب ذلك الغاز المنزلي في محافظة مارب لم يتوقف عن الإنتاج. وكل هذه الموارد يتم التصرف بها بدون أي رقابة من قبل "دويلة" حزب الإصلاح في مارب وسلطة هادي والحكومة المحلية في محافظة حضرموت.

فصادرات النفط من محافظة حضرموت وحدها تصل قيمتها الشهرية إلى أكثر من 80 مليون دولار، وهي الصادرات التي توقفت "الحكومة الشرعية" منذ أكثر من عام عن الإعلان عن مناقصات بيعها، وهو الأمر الذي يثير الكثير من الريبة، خاصة وأن أموال هذه الصادرات لا تورد إلى حساب البنك المركزي وإنما إلى حسابات في بنوك سعودية تدار من قبل هادي وبعض أعضاء حكومته دون رقيب أو حسيب. وموارد النفط والغاز في محافظة مارب تتحكم به الحكومة المحلية في المحافظة ونائب الرئيس دون حسيب أو رقيب أيضا.

كما أن الحكومة التي تدعي نقص الموارد تقوم بشكل يومي بتوظيف الأقارب والمحسوبين عليها في المناصب العليا والسفارات والمؤسسات الجديدة التي تنشئها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وهو ما يشير إلى فسادها وعبثها.

لم تكتفي "سلطة هادي" بمعاقبة الموظفين الشماليين بل وصل بها الحال إلى معاقبة المتقاعدين الشماليين أيضا، فمعظم هؤلاء لم يتسلموا مستحقاتهم منذ نقل البنك المركزي من صنعاء رغم أن أموال هذه الفئة لا تخضع لنفس آلية صرف رواتب الموظفين، فأموال صناديق التقاعد لا علاقة لها بالإيرادات العامة للدولة. ومن المحزن أن سلطة هادي تتعامل بحس انفصالي مع المتقاعدين الشماليين، حيث أن المتقاعدين الجنوبيين والذين يبلغ حجمهم ضعفي حجم المتقاعدين الشماليين تقريبا (حوالي 65% من المتقاعدين هم من المحافظات الجنوبية) يستلموا رواتبهم بانتظام.

وإلى جانب الرواتب تنتهج سلطة هادي نهج انفصالي عنصري فيما يتعلق بتقديم الخدمات الأساسية لسكان المحافظات الشمالية والذين يقارب حجمهم 80% من عدد سكان الدولة؛ فكل الأموال التي تنفقها الحكومة على إنشاء محطات كهربائية جديدة أو تشغيل المحطات القائمة تذهب للمحافظات الجنوبية ولا يخصص أية مبالغ للمحافظات الشمالية، بما في ذلك الجزء "المحرر" من محافظة تعز، والتي توقفت خدمة الكهرباء العمومية عنها منذ ثلاثة أعوام تقريبا. أما سكان تهامة فإنهم لم يحصلوا على أي أموال من "الحكومة الشرعية" لمعالجة أوضاع الكهرباء في مناطقهم التي تشهد ظروف مناخية أسوا من المناطق الجنوبية.

لا يمكن تفسير سلوك سلطة هادي تجاه المناطق الشمالية بأنه ناتج عن سوء تخطيط أو عدم كفاءة، والأمر الصحيح هو أنه ناتج عن سلوك تمييزي تجاه الشماليين والذي يبدو أنها لا تعتبرهم جزء من رعاياها ومسئوليتها. وهذا السلوك ليس جديد عليها؛ فقبل الحرب تعاملت السلطة باستهتار وعدم مسئولية مع الحوثيين حين سيطروا على المحافظات الشمالية، بما في ذلك العاصمة صنعاء التي سلموها للحوثيين عبر تفاهمات سرية، ولم تضج هذه السلطة وتطلب العون من الخارج إلا حين وصل الحوثيين إلى مدنهم وقرائهم، وحينها راحوا ينوحون ويتساءلون لماذا ذهب الحوثي إلى عدن أو أبين أو لحج؛ فيما مناطق الشمال، وتحديدا مناطق "الهضبة" سلموها للحوثي ومنحوه صك ملكيتها ولا زالوا، ولم نسمعهم يقولوا لماذا سيطر الحوثي على صعدة أو عمران أو صنعاء أو ذمار أو غيرها من مناطق الهضبة.

الأمر المدهش أن هذه السلطة تمارس نهجها العنصري تجاه الشمال بدعم وغطاء من قوى محسوبة في معظمها على الشمال، والتي باتت تمارس دور أسوى بكثير مما كان يمارسه "الزمرة" (هادي وجماعته) خلال حكم علي عبدالله صالح، حين كان يستخدمهم كغطاء جنوبي لتمرير سلطته الفاسدة تجاه الجنوب، والتي كانت أرحم بكثير مما عمله ويعمله "الزمرة" بالشماليين.

ويأتي على رأس تلك القوى حزب الإصلاح، والذي يقدم لسلطة هادي الغطاء السياسي، مقابل مشاركته في كعكة الفساد التي يتقاسمونها معه، والتي تشمل المصالح الخاصة بقادة التنظيم والوظائف التي تخصص لهم. إلى جانب سكوت هادي عن إنشائهم للدويلة الخاصة بهم في محافظتي مارب والجوف.

وإلى جانب الإصلاح يأتي الحزب الناصري، كقوة سياسية "شمالية" تمنح هادي الغطاء، والذي حصل في مقابلها على مغانم لم يكن يحلم بها تتجاوز حجمه السياسي الذي لا يتعدى عدد من مديريات محافظة تعز.

 وبفضل هذه القوى وبعض الشخصيات الانتهازية الشمالية تدعي سلطة هادي بأنها تمثل الجمهورية اليمنية فيما الواقع يؤكد بأنها لم تستطع أن ترفع سقف اهتمامها ليشمل كل الجنوب، فذهنيتها لا تتجاوز حدودها الجغرافية القرى التي ينتمون لها، وفي أفضل الأحوال محافظاتهم.

أن على أبنا الجمهورية اليمنية، وأبنا الشمال تحديدا (مؤسف أن نضطر لأن نستخدم هذه المصطلحات)، والذين يشكلون أكثر من 80% من عدد سكان الدولة أن يرفعوا أصواتهم ضد هذه السلطة، ويعلنوا للعالم بأنها لا تمثلهم كونها تتعمد أذيتهم في معيشتهم وفي وجودهم. فالحرب أصبحت في المناطق الشمالية ويعاني منها بشكل أساسي سكان هذه المناطق. والسياسة الغير معلنة لهذه السلطة هي إبقاء الحرب في الشمال إلى ما شاء الله، أو كما قال وزير داخلية هادي السابق (حسين عرب)، وهو في حالة "صفاء ذهني" وصدق مع النفس، بأنه يريد الحرب أن تطول في الشمال حتى يرتبوا وضعهم في الجنوب.

وعلى دول التحالف وتحديدا السعودية أن تدرك هذه الحقيقة والتي تعني توريط السعودية في المستنقع اليمني حتى "يرتبوا وضعهم" والذي لن يرتبوه لسبب بسيط وهو أنهم فاشلين ولا يقدروا أن يديروا حتى مشاريعهم السيئة، وخبرتنا معهم خلال السبع سنوات الماضية أن الشيء الوحيد الذي يقدرون عليه هو الفساد الفج والتخريب وصناعة الفوضى.

على السعودية، أن تدرك بأنها هي من تتحمل مسئولية السلوك التمييزي لسلطة هادي تجاه المناطق الشمالية، والذي يوهمونها بأن حرمان المناطق الشمالية من الخدمات ومن رواتب الموظفين سيعجل بسقوط الحوثيين، والعكس هو الصحيح فالأزمة الإنسانية الناتجة عن ذلك السلوك، قوت الحوثيين ومنحتهم مزيد من الفقراء الذي تستخدمهم في حربها، وأعطتهم مبررات إضافية للحرب، والتي يصورونها بأنها حرب ضد اليمنيين وبالتحديد في الشمال. كما أنهم ساهمت في تأليب العالم ضد الحرب بعد أن أدت إلى كارثة إنسانية معظم العالم لا يرى بأن سلطة هادي تتحمل مسئوليتها وإنما السعودية والإمارات.

وعليه فإن على السعودية أن تجري مراجعة شاملة لسياستها في اليمن وأن تعيد النظر في بعض السياسات التي ورطتها فيها سلطة هادي العنصرية، ومنها قضية رواتب الموظفين وانقطاع الخدمات الأساسية في الشمال. وأن تعمل على تغيير هذه السلطة الفاسدة الفاشلة بسلطة جديدة تمتلك حس أدنى من المسئولية تجاه جميع اليمنيين، ومؤمنة باليمن الواحد.

ليس الهدف من هذا المقال تبييض صفحة الحوثيين، واللذين يظلوا بالنسبة لي الخطر الرئيسي على اليمن، وهو الرأي الذي أجاهر به وكنت أجاهر به قبل مؤامرة سقوط صنعاء حين كان هادي وجزء كبير من أركان سلطته الحالية ينسقون مع الحوثيين لسقوطها.

  • قبل أيام أمر رئيس وزراء هادي بصرف مساعدة مالية لرئيس اتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين محمد القعود، حين أعلن أنه سيبيع مكتبته ليوفر لنفسه الحاجات الضرورية بعد توقف رواتبه. وقد أعتبر مطبلي رئيس الوزراء هذه الخطوة بأنها دليل على حس إنساني عالي من قبل رئيس الوزراء، فيما الواقع يشير إلى إنها فضيحة فكيف برئيس وزراء يتحول إلى رئيس جمعية خيرية قام بحل مشكلة شخص وأحد فيما هو مساهم في حرمان 800 ألف موظف ومن ورائهم أكثر من 6 مليون إنسان في الشمال من حقوقهم الأساسية.
 
في الثلاثاء 17 إبريل-نيسان 2018 07:20:14 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=43618