أيام الخزي والعار
احمد منصور
احمد منصور

فى تاريخ الأمم أيام للأمجاد والعزة وأيام للخزي والعار والأمة العربية والأسلامية تمر فى هذه المرحلة بأسوأ أيام الخزي والعار فى تاريخها ، ذلك لأن الأيام المشابهة حتى عهد قريب والتى كانت تحدث فيها مثل تلك المخازي والمجازر والخيانات والتواطؤ والـتآمر كانت تتم بعيدا عن الأعين ولا يتم اكتشافها إلا بعد أيام أو أسابيع أو أشهر أو سنوات ، لكن المؤامرات والقرارات والمبادارت المسمومة و المذابح والمجازر والجرائم ترتكب الآن تحت سمع العالم وبصره بالصوت والصورة عيانا بيانا دون مواربة أو التواء فلا أحد يروي عن أحد ولكن كل يقدم نفسه من خلال تصريحاته وصوره وقراراته ومبادراته .

لقد كانت الخيانة في بلاد المسلمين علي مدار التاريخ تتم فى الخفاء ولا يعرف الناس بتفصيلاتها إلا بعد مرور الأيام والسنين حيث قام المؤرخون بجمع الروايات ومقارنتها من أفواه الرواة وشهود العيان ولم تصلنا تفصيلات ذلك إلا عبر الكتب وما روي فيها ، ومنها ما حدث لأهل بغداد علي يد التتار عام 655 للهجرة وهو ما وافق 1258 للميلاد ..

ففي طريق هولاكو زعيم التتار إلي بغداد خضع له كثير من أمراء المسلمين وولاتهم فيما أصر بعضهم علي مواجهته لكن حجم الخيانة كان أكبر حتى أن كثيرين من أمراء المسلمين انضموا إلي هولاكو وأصبحوا مستشارين له وخونه لدينهم وأمتهم من أبرزهم حسام الدين الفلكي ونصير الدين الطوسي وابن العلقمي فكانوا يقدمون له النصائح والأستشارات حتى يقضي علي دولة الخلافة علاوة علي ذلك فإن الخليفة الهزيل آنذاك كان قد أحاط نفسه بالرافضة والباطنية وأراذل الناس فسهل هؤلاء للتتار قتل العلماء والأمراء والحجاب وكانوا أعين التتار علي المسلمين وعلي قصر الخلافة وما يدور فيه حتى أنهم نصحوا الخليفة بأن يترك قصره ويذهب ذليلا إلي خيمة هولاكو حيث طلب منه هولاكو أن يأمر أهل بغداد بإلقاء السلاح فأمر الخليفة الهزيل المنهزم أهل بغداد بإلقاء السلاح فألقوه فاستباح هولاكوا المدينة ومارس وجنده كافة أشكال الجرائم من السلب والنهب وقتل النساء والأطفال والشيوخ حتى بلغ عدد الذين قتلوا علي يد هولاكو وجنده خلال أربعين يوما ألف ألف إنسان كما تقول كتب التاريخ أي مليون مسلم حتى كانت الميازيب تجري بدماء الناس فى الشوارع كما يقول ابن كثير فى تاريخه ، بعد ذلك سير هولاكو خليفة المسلمين ذليلا إلي بغداد ومعه نصير الدين الطوسي وابن العلقمي حتى يدلوا جند هولاكوا علي خزائن الذهب و المجوهرات والنفائس بعدما حصلوا عليها قتلوا الخليفة الذليل رفسا بالأرجل والأحذية ،و لم يترك التتار بعد ذلك قصرا ولا مسجدا ولا مكتبة ولا بيتا دون أن يخربوه ـ تماما كما يحدث فى غزة الآن ـ حتى أنهم ملئوا نهر دجلة بالكتب المخطوطة التى كانت تشكل تراث الأمة وعلومها وجعلوها جسورا لخليهم حتي يعبروا النهر ، هذا ما كان فى أيام الخزي والعار فى العام 655 هجرية الموافق 1258 .

وفي أيام الخزي والعار التى نعيشها فى محرم 1430 هجرية الموافق يناير 2009 ميلادية ، قبل أن يقوم اليهود بالهجوم علي غزة قاموا بما قام به هولاكو فقد دان لهم معظم أمراء وملوك ورؤساء المسلمين حتى أصبح كثير منهم من المستشارين لهم وقاموا بنفس الأدوار التى قام بها ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي وحسام الدين الفلكي وغيرهم تماما مثل الذين ساعدوا هولاكوا والتتار علي ما قاموا به فى بغداد ، شارك بعض أمراء المسلمين فى حصار بغداد وتواطئوا مع هولاكوا تماما مثلما بعض رؤساء وملوك وأمراء المسلمين فى حصار غزة وأهلها منذ منتصف العام 2006 وحتى الهجوم الوحشي اليهودي عليها الذي بدأ نهاية العام 2008 ولا يعرف أحد متي سينتهي .

في أيام الخزي والعارالتى نعيشها فى شهر المحرم من العام 1430 هجرية الموافق شهر يناير من العام 2009 ميلادية بينما يقوم اليهود باستخدام كافة أنواع الأسلحة المحرمة دوليا حيث يقومون بحرق الشجر والحجر وكافة مظاهر وأشكال الحياة فى غزة يقوم زعماء اليهود بزيارة بعض العواصم العربية لأخذ المشورة والنصيحة من مستشاريهم ووزرائهم خلفاء ابن العلقمي وحسام الدين الفلكي ونصير الدين الطوسي حيث يشجعون هؤلاء اليهود علي الأجهاز علي كل ما في غزة تماما كما شجع نصير الدين الطوسي هولاكو علي المضي فى محاصرة بغداد بل وشارك فى قيادة جانب من جيش هولاكو علي حربه ، ولم يتضح لنا بعد إن كان بعض هؤلاء يشاركون جيش إسرائيل فى هجماته الوحشية وجرائمه القذرة ضد الأنسانية أو يقودون جناحا منه مثلما فعل الطوسي .

في أيام الخزي والعار التى نعيشها يظهر خلفاء ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي وهم يستقبلون اليهود بالأحضان والضحكات ويشاركونهم المؤتمرات والآراء بل ينوبون عنهم في طرح المبادرات وتقديم القرارات ويبررون لهم جرائمهم ، ويوصون الأعداء أن يجهزوا علي كل طفل وامرأة وشيخ وشاب وكل حجر وشجر ومدر فى غزة ولا يبقوا من أهلها أحدا

في أيام الخزي والعار التى نعيشها يمنع أحفاد ابن العلقمي الطعام والشراب والماء والدواء والأطباء وكافة أشكال المساعدة والأنقاذ عن مسلمي غزة ويعرقلون وصلها لهم ، ويسخرون قوات أمنهم حتى لمنع عموم الناس من التظاهر أو الأعتراض علي ما يقومون به وبدلا من توجيه الجيوش إلي الأعداء يوجهونها إلي شعوبهم .

في أيام الخزي والعار التى نعيشها حمل أب فلسطيني أطفاله الخمسة وقد قتلوا جميعا علي يد الصهاينة وعرض أجسادهم أمام شاشات التلفزة ليري العالم حجم الجريمة والتواطؤ من اليهود وأحفاد ابن العلقمي ، وينعي للأمة زمن المعتصم ونخوته ، وفي أيام الخزي والعار بقيت مئات العائلات الفلسطينية تحت نيران الصهاينة لا يجدون ماء الشرب ولا الطعام وعاجزين عن مداواة جرحاهم أو دفن موتاهم حتي أن بعض الأطفال الرضع ظلوا حسب تقارير الأمم المتحدة أربعة أيام بين جثث أمهاتهم وتوفي بعضهم حينما نجح بعض المسعفين في الوصول إليهم ، وفي أيام الخزي والعار جمع اليهود أكثر من مائة وعشرة فلسطينيين في الخامس من يناير 2009 في بناية واحدة ثم قاموا بقصفها علي رؤوس من فيها من نساء وأطفال وشيوخ فقتلوا وجرحوا معظم من فيها بينما يمنع أحفاد ابن العلقمي وصول أية إسعافات إلي المصابين .

في أيام الخزي والعار وصل القتلي من أبناء المسلمين فى غزة وجرحاهم خلال أسبوعين إلي ما يقرب من خمسة آلاف غير الجثث التى لازالت تحت الأنقاض والجرحي الذين ينازعون الموت بعيدا عن أيدي المسعفين أو أماكن الحياة أو الجوعي الذين يصارعون الموت جوعا وعطشا علي أطراف غزة بينما يشارك أحفاد ابن العلقمي اليهود والبريطانيين والفرنسيين والأمريكيين البحث عن مخرج مشرف لليهود بدلا من محاولات إنقاذ أبناء المسلمين .

في أيام الخزي والعار أعلنت وزيرة الخارجية اليهودية تسيبي لينفني الحرب علي غزة من قلب القاهرة بعد لقائها بالرئيس المصري وفي حضور وزير خارجيته ، وأعلن الرئيس الفرنسي مبادرته التى تقوم علي أمن إسرائيل أولا وبجواره الرئيس المصري بل ومشاركته فى المبادرة الفرنسية ، وفي أيام الخزي والعار انتقت كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية فى نيويورك من تشاء من الوزراء العرب وتركت من تشاء دون اعتراض أي منهم ، وفي أيام الخزي والعار قامت بريطانيا التى زرعت إسرائيل فى قلب العالم العربي بتقديم مبادرة لمجلس الأمن صادق عليها العرب تقوم علي إنقاذ إسرائيل من الهزيمة وتأمين حدودها وجيشها بينما يتم سجن مليون ونصف المليون مسلم فى غزة فى سجن مدي الحياة ومنع كل أسباب الدفاع عن أنفسهم عنهم .

حينما روي ابن الأثير صاحب كتاب " الكامل فى التاريخ "جانبا من أيام الخزي والعار و مما وقع من خيانات ومؤمرات وتحالفات ومبادارت فى صفوف الأمراء والزعماء والمستشارين والوزراء من المسلمين الذين تواطئوا مع هولاكو حتى استباح بغداد وأهلها في 1258 ميلادية قال فى نهاية روايته " لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها ، فكنت أقدم رجلا وأقدم أخري ، فمن الذين يهون عليه أن يكتب نعي الأسلام والمسلمين ، ومن الذين يهون عليه ذكر ذلك ، فياليت أمي لم تلدني ، ويالتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " .

هذا ما ذكره ابن الأثير بعد روايته لأيام الخزي والعار بعد سقوط بغداد لكننا لن نكرر ما قاله بان الأثير ، ولكننا نقول " اللهم اخز اليهود المجرمين وأعوانهم وأزلامهم من أحفاد ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي و بدل أيام الخزي والعار التى نعيشها بأيام عز ومجد ونصر ، واجعل دماء الشهداء فى غزة من أطفالها ونسائها ورجالها وأبطالها لعنة علي اليهود و أحفاد ابن العلقمي ، واكتب لهذه الأمة أمر رشد وأرسل لها قائدا تبدل علي يديه ذلها عزا ، وعارها مجدا وهزيمتها نصرا ويقولون متي هو " قل عسي أن يكون قريبا " .


في الأربعاء 14 يناير-كانون الثاني 2009 06:30:44 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=4720