ملامح الشاعرة السورية هيفاء فويتي الثنائية والمواجهة
د.عبدالمنعم الشيباني
د.عبدالمنعم الشيباني

هيفاء فويتي شاعرة وقاصة سوريًة من اللاذقية، قرأتُها ذات مساء قرأةً تأمليةً ونصًا أنثويًا جبًاراً، قرأتُ طفلةً شاميةً تلعب بها أحزان الحروف.. شكرتني هيفاء لأني أجيد قراءة الحزن ولم تكن تعلم أني أجيد الضحك أيضاً.. قال لي الشاعر والقاص اليمني الشاب هشام محمد معلقاً على قراءةٍ لي لقصيدة عبد الكريم الرازحي " أنثى الضحك " أجدتَ الضحكَ كثيراً...قرأتُ الشاعرة هيفاء فويتي ذات لحظةٍ حزينةٍ بلون حروفها الموشاة بالنزيف وطالما تحولت هيفاء من " طفلةٍ بباقة أحلامٍ " الى " عبوًةٍ مفخخةٍ تنسف " زيف رجولةٍ من ورقٍ بأسيافٍ من ورقٍ يتبادلون أنخاب هزائمهم يسمونها نصراً "..

سوف نطلُ في هذه القراءة على قصيدتين للشاعرة وهما ( عالمٌ من ورق) و (صلاة أخيرة في معبد الحزن) لنعرض أهم الملامح للشاعرة هيفاء .. القصيدتان من نوع قصيدة النثر التي تعتمد على الصور والأفكار ولا تلقي بالاً كثيراً للإيقاع والبحر وهو مذهب شعري بات يفرض نفسه اليوم ويقول بعضهم أن قصيدة النثر " شعر حر خالص " وينبغي أن يُقرأ على هذا الأساس...

ملامح للشاعرة هيفاء فويتي

" باقة الأحلام في مواجهة الدروب المفخخة " و" الإبتسامة في مواجهة سكاكين الإغتيال "

" طفلة بباقةِ أحلام تلجُ دروباً مفخخة

تبتسم لسكاكين تهيأت لاغتيال الحلم

طفلة..ترتّق ثوب الأمان بخيوط البراءة..

وفوق أرض البراكين

تمضي مع بيادر عمرٍ موشوم بندى الفجر وصبرِ النخيل..

في المفَارق تُبتَر أصابع الحلم ،

وفي كلّ خطوة جنازة فرح لكنها تمضي

وتبتسم بأمل يولد كل نزيف.."

******

المواجهة بين " الزهور البريًة والورود الصناعية " وبين " ذاكرة العبير وفضاء العفن" وبين " أنوثة من ألق وفحولة من ورق"

" على ضفة المسير أسماءٌ تهوي وأبراج تنهار

لقد عرفتْ الطفلة أخيراً أنَّ الزهور البرية

لا مكان لها في عالم وردٍ صناعي

أبكم الروح لكنه يتقنُ الغواية

عرفتْ أنّ ذاكرة العبير ضاعت في فضاء العفن ..

وحين تتفقد أريج القلب ،تعلن الولاء من جديد

و تمضي غير آبهةٍ بصوتِ السقوط خلفها

للغارقين بحبرِ الزيف وقصصِ الورق

ظهرَ الحكاية البريّة

يسرّحون بأصابع الوهم جدائل العمر

ويركضون بحدائق لا وجود لها

يتبادلون أنخاب هزائم سموها نصراً

ثم ينامون بوهمِ بطولةٍ هاجرت ذات عارٍ

لهم سيفُ من ورق وانتصار من ورق بأنوثةُ من ورق ورجولةُ من ورق

و أوراقُ نعوةٍ لحلمٍ لا وطن له سوى الورق "...

********

ثنائية " الحزن الشهيِ والحزن الفوضويِ"

كان الحزن سفراً شهياً في سراديب العمر

تعمّداً في معابد اللون ..

حين كان دمعُ الروح يهمي كمطرٍ نقيّ فوق الحكايا

فاضحاً زيف الحروف..

كانَ جناحاً أطيرُ به فوق البحيرات الموحلة .

أقطفُ من زرقةِ النقاءِ سجادةً لصلاتي القادمة..

وكلّ مرةٍ يأخذني 

كنتُ أتركُ أحلاماً مكسورة …بقايا أمنياتٍ هزيلة .. 

وأشجاراً بدلّتْ جذورها..

أحملُ معي أوراقَ قلبي بيضاء ..

أدّون عليها كلّ ليلةٍ أناشيدَ معرفةٍ جديدة

***

اليوم تبدلّتْ ملامحُ الحزن..

صفعَ روحي بحروفِ الصمت..

فقدتْ أعاصيره مسارها …و استعارتْ روح الموج

ألقتْ بي على حدود الفصول..

وحين أطعتُ المدّ والجزر..

أحرقتني الشمس …صفعني البرد ..

أرّقني الخريف.. وخدّرني الربيع..

فقدتُ لونَ ابتساماتي

صمتتْ تراتيل المعرفة..

و بقيتْ أوراقي البيضاء فارغة

****

و توسدتُ الانتظار ..

.. أكدّسُ صورَ ألمي دون دمع ..ولون غدي دون قلق..

أغني بصمتٍ………. أستجدي ألحاناً عشقتها ذات يوم..

أبدّل أثواب اللحظات بنزق..

أنتظر سكون البحر .. كي أهرب من جنون الفصول..

من فوضى الفرح والحزن في يومي

وتغمرني المحبّة فتنمو عينا غدي

أبصِرُ بها موطن حزني وفرحي

و يذهلني أنَّ حزني لم يعدْ سائحاً في عمري

وأنّه بنى قصوره ليشرّع مكوثه.

فأسارع إلى شتلاتِ الأملِ في ترابي

أرويها بالصبر وأستنهضُ الفرح من رقاده

فتغدو روحي إعصار

يحطم قصور الحزن ..

أعلنُ تمردي ..أعلنُ عشقي لنفسي

فيطوي الحزن سحابته تاركاً أسراره

لفرحٍ جاءَ يعانقني .

******

الملمح الأول " باقة أحلام في مواجهة الدروب المفخخة وابتسامة في مواجهة سكاكين الاغتيال "

ثقافة المواجهة ملمحٌ بارزٌ وأصيلٌ في فكر ولغة وعقيدة الشاعرة ،لا غرو فهي تعشق ثقافة المقاومة وتعتز بهذه الثقافة كمواطنة عربية صامدة في وجه التحدي والإحتلال والغزو الغربي وتفيض مدونات الشاعرة بمقالات وكتابات تؤكد على هذا الملمح ،وتنسحب ثقافة المواجهة من الجبهة العربية الواسعة الى الشأن الذاتي الخاص للشاعرة الأنثى والمرأة ذات الأشواق والأحلام ..

تقرأ في النص الشعري ( عالم من ورق ) ملامح طفلة بريئة أكثر براءة من ملامح باقة الأحلام التي تحملها " ملامح طفلة عربية " بعرف الزهر تبسم في وجه الدرب المفخخ درب أشواك ومتفجرات زرعها مجتمع أناني يحقد على البراءة والزهر والعطر والأنثى ، لهفي عليكِ طفلةً تغتالها المُدى وتدميها وتجرحها سكاكين تكره الزهر والعبير ، من أي طينٍ خلقتْ هذه المُدى؟ سكاكين تترصد درب الطفلة الأنثى وعطرها البريء ..

ثم ينقلنا النص إلى صورة أخرى وجبهة أخرى من جبهات المواجهة أو الثنائية المواجِهة " ...طفلة ترتّق ثوب الأمان بخيوط البراءة..

وفوق أرض البراكين

تمضي مع بيادر عمرٍ موشوم بندى الفجر وصبرِ النخيل..

في المفَارق تُبتَر أصابع الحلم ،.."

تعالوا نتصور طفلة بريئة ترتق ثوب الأمان هل تقدر خيوط برائتها أن ترتق خروق الخوف والرعب والترصد المنظًم لاغتيال حلمها؟ ليس هذا فحسب بل وجالسةٌ على فوهة بركان.. كم تحتاج هذه البريئة الزهرة من القوة والعتاد لصد كل هذه المؤامرات لتعبر الدرب بسلام ؟ ثنائية للشيء ونقيضه ( طفلة حالمة ودروب مفخخة ، براءة عطر أنثوي وسكاكين اغتيال، خيوط براءة وخروق رعب وخوف ، سكون وردة وثوران بركان ).. هل تنتصر الأنثى الزهرة على كل هؤلاء ؟ يجيب علينا النص

"... تمضي مع بيادر عمرٍ موشوم بندى الفجر وصبرِ النخيل..

في المفَارق تُبتَر أصابع الحلم ،

وفي كلّ خطوة جنازة فرح لكنها تمضي

وتبتسم بأمل يولد كل نزيف.."

تمضي البريئةُ واثقةً والمدهش شعريًا هنا نجاة أنثى الأحلام وسقوط كل ألوان المؤامرة عليها ( دروب مفخخة لباقة الاحلام... سكاكين اغتيال للبسمة ...براكين .. مفارق تبتر أصابع الحلم..) ونجد الثنائية ملازمة للنص " ثنائية الجنازة والفرح والأمل يلد النزيف.. " الشاعرة في مسلسل طويل من المواجهة وتحدٍ لباقة أحلامها وعطر أشواقها وعبير ذاكرتها ، لم تنته بعد من بسمتها حتى تر الدروب المفخخة ولم يبدأ وميض الأمل حتى يلد نزيف اليأس...

المقطع الثاني للنص ( عالم من ورق ) يفسر ما قبله في ترابطٍ منطقيٍ وتسلسلٍ شعريٍ موفق كل التوفيق، تمضي الطفلةُ واثقةً مخلِفةً وراءها أشلاء المؤامرة " سقوط أبراج وأسماء وألقاب ..." وهكذا عرفتْ الطفلة

" أنَّ الزهور البرية

لا مكان لها في عالم وردٍ صناعي

أبكم الروح لكنه يتقنُ الغواية

عرفتْ أنّ ذاكرة العبير ضاعت في فضاء العفن .."

فضيحة الذكور

النص يفضحنا معاشر الرجال ( الذكور )، ذكور لم تقرأ من الأنثى سوى " الجسد " قراءةً شبقيةً مصحوبةً بحمَى الغريزة ومسنودةً بالشبهات وسؤ الظن وأحكام مسبقة على الأنثى .. أضرب مثلاً بسيطاً من واقع الذكور، بعضهم لا يعجبه أن يمر على الحديقة ليشم الزهر والعبير بل لا يهدأ له بال ولا يستقر له حال حتى يسحق الزهور ويرمي الطيور، وبعضهم لم يجد لحماً أو صيداً غير لحم الطيور وصيدها وقتل العصافير ..

ثنائية الزهور البرية والورود الصناعية

"....لقد عرفتْ الطفلة أخيراً أنَّ الزهور البرية

لا مكان لها في عالم وردٍ صناعي

أبكم الروح لكنه يتقنُ الغواية

عرفتْ أنّ ذاكرة العبير ضاعت في فضاء العفن .."

مواجهة تفضح ماتبقى من " غزلٍ صناعيٍ وحبٍ صناعي " رجالٌ لا يقرأون الروح ولكن " يتقنون الغواية " وصولاً الى مآرب الجسد ويفسرون النص الأنثوي تفسير الجسد ويدعون أنهم يحبون وأنهم مفتونون بالأنثى

بصنع الصانعون ورداً ولكنْ ** وردة الروضِ لا تُضارع شكلا

ثنائية ذاكرة العبير في فضاء العفن

وهي من أشد أنواع المقابلة التي تفضح الذكور " رجال الورق " تنشر الأنثى عبيرها فيتخطفه " فضاء العفن " ، فضاءات عفنة لم تتعلم بعد أبجد " ذاكرة العبير " ولا هوِز ريح الشذى وعطره .. وفي النص هنا فكرة شاعرية متقدمة " ذاكرة الشعر في مجابهة النسيان " لماذا نتذكر ؟ كي لا ننسى ، تهزم ذاكرة العبير الأنثوي عفن الذكور الشبقيِ المحموم وتنتصر عليه لتنقي الفضاء من عفونته..

رجولة ورقية

فهمتُ عن قربٍ من أفكار الشاعرة أن المرأة لا تحب الرجل المهزوم أو الذي لا يحسن القراءة .. ذكور ورقية وفحولة كرتونية راحوا يرون لأشباههم المهزومين قصصاً في الفتح والبطولة مع المرأة .. حقًا وصدقاً إنها مواجهة بين " أنوثة من ألق ورجولة من ورق وبين ذاكرة العبير وأدعياء الفتح والتحرير "..

للغارقين بحبرِ الزيف وقصصِ الورق

ظهرَ الحكاية البريّة

يسرّحون بأصابع الوهم جدائل العمر

ويركضون بحدائق لا وجود لها

يتبادلون أنخاب هزائم سموها نصراً

ثم ينامون بوهمِ بطولةٍ هاجرت ذات عارٍ

لهم سيفُ من ورق وانتصار من ورق بأنوثةُ من ورق ورجولةُ من ورق

و أوراقُ نعوةٍ لحلمٍ لا وطن له سوى الورق "...

مواجهة بين الحزن الشهي والحزن الفوضوي

من الأشياء التي قد تبدو غريبة أن يقال ( أن الحزن شهيٌ ).. جرِب أيها القارئ الكريم طعم الحزن ، يريد المرء أحياناً أن يحزن لا أن يفرح ومنهم من يميل الى روايات وأفلام تكون نهايتها حزينة تراجيدية لا كوميدية سعيدة " لحظات توحد شهية مع الحزن " وللشاعر اليمني احمد ضيف الله العواضي قصيدةً ( إنَ بي رغبةً للبكاء ).. فكرة النص ( صلاة أخيرة في معبد الحزن) فلسفية عميقة ولكن شرط أن يكون حزناً نبيلاً وجميلاً لا مبعثراً فوضوياً..

للشاعرة حزنان ( حزن الماضي حزن شهي إيجابي وحزن الحاضر حزن فوضوي سلبي ) ومن رحم الحزن الفوضوي تستنهض الشاعرة بالصبر الجميل فرحةً تعانقها .. الثنائية في النص بين الحزن الشهي والحزن الفوضوي وبين الحزن بشقيه وبين الفرح ..

"...أنتظر سكون البحر .. كي أهرب من جنون الفصول..

من فوضى الفرح والحزن في يومي

وتغمرني المحبّة فتنمو عينا غدي

و يذهلني أنَّ حزني لم يعدْ سائحاً في عمري

وأنّه بنى قصوره ليشرّع مكوثه.

فأسارع إلى شتلاتِ الأملِ في ترابي

أرويها بالصبر وأستنهضُ الفرح من رقاده

فتغدو روحي إعصار

يحطم قصور الحزن ..

أعلنُ تمردي ..أعلنُ عشقي لنفسي

فيطوي الحزن سحابته تاركاً أسراره

لفرحٍ جاءَ يعانقني .."

******

شاعر وناقد يمني

Abdulmonim2004@yahoo.com


في الأربعاء 01 إبريل-نيسان 2009 07:01:55 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=5099