الوحدة في ذكراها العشرين
ناجي الحنيشي
ناجي الحنيشي

(( أيام قلائل وتحل الذكرى العشرون للوحدة اليمنية، والتي تحققت بشكل سلمي توافقي في 22/مايو 1990 م بين شطري اليمن. وبين الحدث والذكرى سنوات مليئة بالآمال والإخفاقات.سنوات يقول البعض بأنها لم تأتي بما كان يرجى منها ، ويقول البعض الأخر أنها حملت معها أكثر مما كان يتوقعه الناس وبين هذا وذاك توجد حقائق ووقائع لم يحن الوقت بعد كما يبدوالإقرار بها من قبل البعض , ومع ذالك وفي مناسبة كهذه حري بنا التوقف أمامها والتذكير بها ..عله يساعد الأجيال القادمة على معرفة شي من التاريخ يوما ما على نحو صحيح )).

كانت الوحدة الحدث العظيم الذي به ردينا الاعتبار لأنفسنا .. وصنعنا المجد الذي ينقصنا .. والغد الذي يعوزنا. معها شهدت البلاد مرحلة باهيه.. ناصعة متجددة من تاريخها، مرحلة يمكننا إن نسميها مرحلة (اليفاعة الزاخرة). فيها تغيرت الكثير من المفاهيم القديمة واستوطنت فينا مفاهيم جديدة ، لم تكن مالؤفة من قبل. ولأول مرة طعمنا الحرية ، وعرفنا الديمقراطية ومارسناها بطريقة تختلف عن الماضي . تمتعنا بها بعد أن كانت من المستحيلات – بها عمت البلد حركة سياسية اجتماعية ثقافية جبارة، برزت فيها الأحزاب إلى العلن بعد إن كانت ترزح تحت ظروف السرية خوفا من الوبال والتنكيل. فيها تأسست أحزاب جديدة بأهداف وبرامج معلنه ، وتشكلت الاتحادات والنقابات والجمعيات والملتقيات والمؤتمرات على امتداد الساحة. انتعشت الثقافة وتعددت مشاربها وتضاعفت الصحف وتعددت وتلونت ، لقد انسكبت في شريان المجتمع قوة جديدة، باعثه الهمة والحيوية،قوة ملهمة ووضاءة تقزمت أمامها المفاهيم القروية ، والمناطقية ، والمذهبية . وسادت مفاهيم الوطنية ، والشعبية ، والجماهيرية ، والقومية ،والإسلامية ، والإنسانية. تجددت الروح الإنسانية بذاتها وتفتحت على الحياة بنظرة جديدة بنائه ، حافزها الإلهام والتعلم والبناء.تفجرت الطاقات الكامنة لدى الإنسان اليمني ، فإذا بها إسهامات طيبة في مضمار بناء الوطن وصون وتعميق وحدته، وتعبيد طريقه إلى المستقبل الوضاء . تعددت الأطروحات والأفكار والروي فبدت وكأنها تتصادم وتتعارض موحية لناضر أنها(خطر) ينذر المجتمع بكارثة ، فيما الحياة ذاتها تؤكد إن التعارض والتصادم لايعني الامحاولات صحية باحثه عن التفهم والتأصل في الكيان الجديد- منادية أي الحياة- بان الاختلاف لايفسد للود قضيه .

لقد عاش اليمنيون لأول مرة بعد أعوام من الذل واللامساواة تألقا وطنيا وتوحد غير مشهود ، وشعروا أنها قد حلت الحقبة الذهبية لتآخي الوطني وإنهم من صغيرهم إلى كبيرهم أخوة إلى الأبد . وهذا الالق الروحي الفريد الذي ظلوا يبحثون عنه على مدى قرون ووجدوه مع الوحدة ساعد بعدم التفكير في المظالم التي لحقت بقطاعات واسعة من أولئك اللذين ناضلوا من اجل تحقيق الوحدة التي سمت فوق كل ماسوها وجعلت كل قضية خاصة تهون في سبيلها . لكن هذا الشعور وهذا الفعل لم يستمرا طويلا ، فقط حتى صيف 1994 م، حينها صحونا من نشوتنا ، وعدنا من جديد بعيدين عن بعضنا تماما . فماذا حدث ؟ :

حدثت حرب قذرة دمرت الوطن ووحدته وخيراته ، سلبته مقومات نمؤه وازدهاره . حرب عدة لقتل كل جميل كان قد تراكم خلال فترة قليلة ، أهدرت وقت وطاقات وإمكانات البلد ،وأزهقت الأرواح علها تحقق هدفا مريضا ظل يراود من شنوها(جوهره) التخلص من(الشركاء) و(الاستحواذ) على كل شي . والنتيجة حصد الجراح من حرب لم ينتصر من أشعلها إلا على كل ماهو بهي وباعث للأمل في كل مكان. فتعم البلاد حالة من الانكسار والحزن ، وتتشح الحياة بثوب السواد ، وتنبعث من جديد قيم التخلف والعبث والفساد وتسيطر في كل الجهات. ويزهو المؤهوم بالنصر بنتائج حرب شنت افتراء باسم الوطن وباسم الوحدة ، بينما هي في سبيل الاستحواذ المقيت .

استحواذ وتقاسم وثراء وسيطرة على الأرض والممتلكات المنزوعة من أصحابها تحت شعار (الحرب والفيد المقدسين )!!!.ويكرر التاريخ إحداثه المحزنة على مشارف نهاية القرن العشرون ، معيد إلى الذاكرة حروب عديدة شنت بشعارات مزيفه للتظليل والحشد ، بينما هي في الواقع لأهداف أنانيه بحته.

لقد كانت حرب صيف 94م صراع بين ما حلم به ( الشعب) وتلمسه مع تباشير الوحدة وبين (قوى) راءت في الوحدة وما أتت به خطرا عليها ، بين الميل نحو التمدن والتحضر والمضي نحو المستقبل بثبات وبين العودة إلى الوراء والتحصن بقلاع التخلف والأقصى والاستحواذ والسيطرة . والنتيجة هزيمة الأول وانتصار الثاني إلى (حين) و(قتل) الوحدة في الصميم. وتحول الجنوب إلى غنيمة مستساغة بعد إن أجبرت قياداته ومعها مئات الكوادر على النزوح إلى المنافي ، باحثه عن مأوى لها بعد إن طردت من وطنها . وفي الداخل عشرات الآلاف يفصلون ويطردون ويتم إيقافهم عن إعمالهم المدنية والعسكرية في واحده من أبشع جرائم العصر، لا- لذنب اقترفوه(سواء) أنهم حملوا وطن ودوله على أكتافهم وسلموها(لصنعاء) ايمانآ منهم بان الوحدة أغلى من كل شي . ولو اقتصرت معاناتهم على ذالك لهانت ، لكن المعاناة النفسية التي إصابتهم وكل الحاملين للمشروع الحداثي كانت أدهى وأمر، كون الحرب مثلت وبال على الروح وقيمها وشطرتها بحد السيف إلى قسمين احدهما (منتصر) والأخر(مهزوم) مما رسخ شعور الغبن والظلم ، وعمق روح الانعزالية والانكفاء في الواقع وفي النفوس .

واليوم تتكرر عبثية الاحتفالات السنوية المزيفة بذكرى الوحدة في ظل نتائج الحرب وتداعيات أثارها ، وفي ظل فشل الحكم وإدارته للبلد وصراخه الذي ملى الدنيا بكم هائل عن منجزات لاترء ولكن تسمع. ووسط هذا المشهد تتبادر إلى أذهان الناس طائفة واسعة من الاسئله من بينها: لماذا قامت حرب1994م ؟ وهل لازالت الوحدة موجودة ، أم انتهت بهذه الحرب ؟. هل أجراء إصلاحات سياسية عميقة في البلد قادر على إصلاح مسار الوحدة ؟. وهل الفدرالية مناسبة ، أم إن العودة إلى ماقبل 1990م أصبحت قاب قوسين أو أدنى ؟. ولماذا الجنوبيون يجمعون على الانفصال بينما الشماليون متحمسون للوحدة ؟ . اسئله بحاجه ماسه إلى أجوبه شافيه بعيد عن غث القول ، والمكابرة وسو النية . وحتى ذالك الحين يمكننا القول إن الإحداث على الأرض واختمار القضايا هما القادران على صوغ الإجابات المطلوبة..

دعونا ننتظـــــــــر !!


في الأربعاء 19 مايو 2010 05:18:53 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=7138