اصطفاف يمني يستحق الإشادة!
رياض الأحمدي
رياض الأحمدي

ظن العالم أن اليمن أضعف ما يكون، وأنه عبارة عن حكومة هشة فاقدة السيطرة، ومعارضة ضعيفة، ومطالبين بالانفصال، وقاعدة ، ومتمردين حوثيين، وصحفيين يتلقفون إشاعات الصحف الغربية ، وشعب يبحث عن قوت يومه..

لكن حادثة الطرود المشبوهة التي تصدرت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لأيام متتالية، والتي قيل إنها صدرت من اليمن إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وما تبعها من تصريحات لأوباما عن عزمه القضاء على القاعدة في اليمن، وغيرها من التصريحات والإجراءات التي اتخذتها بعض البلدان كفرنسا وألمانيا.. تفاجئ العالم بأن الشعب اليمني حي وعصي على أي مؤامرات خارجية، وإن كان يئن من ألف جرح في جسده..

وقد كان لصدق الرئيس علي عبدالله صالح وهو يعقد مؤتمره الصحفي عن الحادثة دورا كبيرا في توضيح ما حدث للشعب وللنخب الوطنية البعيدة عن المصالح الحزبية الضيقة.. ما أدى إلى جعل الكثير من الغيورين يفكرون بمسؤولية فيعمل كل من موقعه..

فشكراً للرئيس ، ومطلوب منه أن يوضح دائماً بهذه الطريقة، لكي يعي الجميع ما عليه، ويضع رأيه، وشكراً للحراك الذي لم يستطع ناشطوه وإعلاميوه إخفاء معدنهم القومي الأصيل، ومسؤوليتهم الوطنية، وشكراً للمعارضة، وشكراً لمجلس النواب وخصوصاً للنائب علي العنسي.. بغض النطر هل كانت مؤامرة كبيرة أم حدث مفاجئ يراد استثماره..

شكراً لوسائل الإعلام اليمنية وخصوصاً المستقلة والمعارضة، وشكراً للكتاب والصحفيين اليمنيين وغير اليمنيين، الذين سخروا من الطرود سواء كانت حقيقة أم مفتعلة، فحركوا اهتمام الشعب ونخبته السياسية نحو التفاف وطني في زمن المماحكات، فاجئ أوباما الذي خرج بتصريح يشبه التهديد بعد الحادثة.. وإن كان البعض استغلوها لنفث سمومهم في العلاقات اليمنية السعودية، بطريقة تخدم المخطط الحوثي الإيراني.. بقصد أو بطيش..

وكلنا تفاجئنا من عدم التسيق الأمني بين اليمن والسعودية في هذه الحادثة وانتقدنا الطرفين، لكن مع ازياد عدد الطرود في العالم كما حدث في اليونان، بدت الحادثة كـ"موضة" أو مسرحية يراد أن تأخذ اهتمام كل وسائل الإعلام للتعتيم على أحداث أخرى، كإغلاق ملف فضائح ويليكيس عن جرائم أمريكا وحلفائها في العراق، وليس بعيداً في مسرحية كهذه، أن تكون السعودية وهي تؤكد قول أمريكا إنها أبلغت عن الطرود، كانت في موقف المثل الشعبي اليمني "عزب الويل يِفرح بالتُهم"..

وشكراً لليمنيين الذين فاجئوا عبدالرحمن الراشد فاستل قلمه غاضباً يصف المشككين بالقاعدة بـ"العاجرين".. ومع احترامنا وتقديرنا للكاتب الكبير عبدالرحمن الراشد وكذلك طارق الحميد، إلا أننا نصر على أن القاعدة جزء من لعبة استخباراتية دولية، والقاعدة تخدم مصالح أمريكا بقصد أو بغير قصد.. وليس مهماً هل تريد واشنطن ومعها لندن، عرقنة اليمن أم تريد من وراء ذلك السيطرة على الجزر اليمنية ومضيق باب المندب.. المهم أن هذه القاعدة مشبوهة.. وأن أمريكا صاحبت التاريخ الدموي في العراق بحجة النووي ليست بريئة...

وليس أدل على ذلك من أن أمريكا وعبر بوابة القاعدة والإرهاب أصبحت تتدخل في بناء الأجهزة الأمنية في كثير من الدول العربية وغيرها، وأصبحت تشرف على كثير من مطارات وموانئ العالم بحجة القاعدة، وأصبحت تتجسس وتنتهك معظم الأجواء بحثاً عن القاعدة، إلى أن أصبحت أمريكا شبيهة بحكومة مركزية للكثير من دول العالم..

وعودة إلى الالتفاف اليمني.. الشعب اليمني شعب نبيل حي، وهو أقدم شعب وأقدم حضارة.. وهو منبت الديمقراطية وكل خصلة حميدة عرفتها البشرية.. والإنسان ما زال نفس الإنسان.. وهذا ما تثبته الأيام.. وأنا هنا لا أسبح بعيداً.. فاليمني يعاني اليوم من الفقر ومخلفات عهود الإمامة والجهل والتمزيق، ويعاني عشرات المصائب والدواهي لكنها معاناة تدفعه إلى التغيير.. وكنت قد ذكرت في مقالة قبل نحو شهر، أنه ومع كل هذه الصعوبات والمعاناة لا يزال اليمن كشعب هو الأقوى في الوطن العربي بعد مصر..

الشعب اليمني شعب حي يريد أن ينجز ويبتكر ويعمل ويتحرك، وعندما لا يكون في مكانه الصحيح فإنه ينشغل بنفسه كما هو حادث اليوم ، لذلك وجدنا اليمنيين ملتفين وهم يفكرون بعدو خارجي مفترض، يريد الانقضاض على اليمن بحجة مطاردة القاعدة وضعف الحكومة.. وأعتقد أن الكثير ممن فتحوا ألسنتهم على اليمن بسبب الطرود احترموا الموقف اليمني العام كثيراً، واكتشفوا أن مقاييسهم التي توقعت موت اليمن ، نظرت إلى البنك المركزي وآبار النفط، وإلى التناحر السياسي وغيره.. لكنهم تجاهلوا أغلى ما في هذه الأرض وهو الإنسان..

من روائع الفضول رحمه الله:

كم عليها من جذوع عانقت.. جسم شهم فوقها قد صُلبا

والشهادات بها كم شاهدت.. جدثاً قد ضم ابناً وأبا

يا بسالات الفداءِ.. إننا شعب فدا.. أحلامنا.. نبتت فوق قبور الشهداءِ

يا جلالات العطاءِ.. إننا شعب ندى.. أيامنا.. لم تلد غير نفوس الكرماءِ

يا رسالات السماءِ.. إننا شعب هُدى.. إسلامنا.. أزهرت فيه أماني الأنبياء

أنت يا أرض السماحات التي.. أنفقت أرواحنا بذلاً وجودا

لن يضيع الفجر من آفاقنا.. فيك لن نرجع للّيل عبيدا


في الخميس 04 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 05:55:50 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=8250