كهرباء الجاهليَّة ل أحمد غراب2
د.عبدالمنعم الشيباني
د.عبدالمنعم الشيباني

هذه هي الحلقة الثانية من "كهرباء الجاهليَّة" للكاتب أحمد غراب..شدني في هذا النص الإستعمال المبدع للغة وأعني به لغة النص كأداة تعبير أدبي، ثم لغة النص على ألسنة المتحاورَيْن، شخصيتي النص الرئيستين، أبي جهل وأبي لهب....مزج الكاتب -بجمال لا نظير له- بين لغة تكنولوجيا العصر الحديث ولغة عرب البادية قريش محققاً بذكاء وإبداع وتوظيف أغراض النقد للفساد السياسي المتجذر في عروق ودماء عرب اليوم في حكومة (طفِّي لصِّي)...

لن يشبع القارئ من جمالية إستعمال الكاتب للغة بأسلوب فني يخدم بنية الحوار بين البطلين أبي جهل وأبي لهب.... لغة حبلى بالهجاء السياسي والسخرية والنقد للمتاجرين بقوت وديزل وغاز شعب اليمن اليوم، يبيعونه ((بيعة سارق)) ولغة ساخرة من وعود (الكهرباء النووية في اليمن)..، حيث لا كهرباء اصلاً في اليمن- كما يوحي السياق العام للنص وفكرته الرئيسة -سوى مهرِّبين وتجار ومتاجرين متنفذين ومدعومين)...

شخصية المهرِّب ((محارب بن فهر)) اختيار فولكولوري فني دقيق وموفق

تعالوا نعيد القراءة لنرى كيف نجح الكاتب باختراع شخصية المهرِّب الكبير (محارب بن فهر) وكذا شخصية (حمّالة الحطب) التي تم توظيفها هنا فقط- لا اختراعها- في بنية النص، ربطهما الكاتب بصور عتاولة النهب والتهريب وشركاء الفساد من المتنفذين في السلطة...بدقة متناهية أحسن الكاتب اختيار اسم المهرِّب((محارب بن فهر))اسم ينطبق على جلاوزة "الفيد" والتهريب..،((محارب بن فهر)) اسم عربي قُح ليس من هذا الزمان استعاره الكاتب أو اخترعه من عنده لينطبق على زعيم المهربين وكبير السرق... هذا نجاح مؤكد في ربط شخصيات تاريخية لتحل محل شخصيات من زمننا اليوم ..وأما ((حمّالة الحطب))-التي ورد ذكرها في القرآن الكريم- هي أبداً شريكة تآمر حقيقي مع بعلها الفاسد (أبي لهب) لم يشبعا من كيدهما ولا تآمرهما على قوت الشعب وغازه وديزله ولم ينههما ضميرهما أن يتركوا الشعب بلا كهرباء وفي ظلام دامس...

امرأة ابي لهب (حمّالة الحطب) توظيف رمزي من الكاتب لتصوير شراكة تآمرية يتم تدبيرها بليل بين أبي لهب "وامرأته حمّالة الحطب": مستشارة السُّوء بقبح تآمري لا غتيال دعوة محمد بن عبد الله واتباعه، توقد الفتن وتشجع على الخُبث..، رمزية سرمدية لمستشاريي السُّوء من اعداء الشعوب...

لغة داخل لغة

تبسيطاً للقارئ والقارئة استعمل الكاتب اللغة كبنية تركيبية عامة للنص بشكل جميل وجذاب مشحون بمفردات سياسية وشعبية ولغة يومية يتداولها الناس كمقالة أو نص مستقل بذاته ...بعد ذلك، لو حاولنا ((تفكيك))اللغة كبنية للحوار سنخرج مثقلين بعناقيد اللغة المخصصة للحوار بطرافة شعبية وفكاهة إجتماعية وسخرية سياسية تمزج لغة (أعراب اليوم) في عصر التلفزيونات والثلاجات بلغة( أعراب الأمس) رعاة الشاه والإبل...المزج كان موفقاً وناجحاً با ستعمال مفردات أعراب قريش ومفردات ضحايا أعراب فساد القرن الواحد العشرين في اليمن...تعالوا نقرأ ونبتسم قليلاً كيف مزج الكاتب اللغة العربية الصِّرفة لأقحاح قريش مع مفردات عصر التكنولوجيا:

عمت صباحاً يا أبا لهب! إلى أين تمض يا أخا العرب؟

- سأذهب لجلب دبة غاز من كوريا الجنوبية.

هكذا تكون عبقرية الكاتب في التشويق والإمتاع والنقد والإضحاك بسخرية العبارة الأولى- لغة عربية لبيئة قريش:

 ابو جهل :((عمت صباحاً يا أبا لهب! إلى أين تمض يا أخا العرب؟))

 والثانية من لغة العرب اليوم :

أبو لهب: ((سأذهب لجلب دبة غاز من كوريا الجنوبية))...

ابو لهب ذاهب الى كوريا الجنوبية لشراء دبة غاز: إسكيتش فكاهي ساخر وكوميدي ناقد...،هذا جزء من دور اللغة في النص لأغراض الكوميديا الساخرة ...أعيدوا بتأمل قراءة أسلوب اللغة في العبارة الأولى لأبي جهل وجوابها من جانب أبي لهب، الأولى عربية قُح والثانية بلغة العربي اليوم...

كذلك استعمل الكاتب عبارات عربية قرشية فصيحة أشتهر بها كفار قريش كقولهم (أصبأتَ عن دين آبائكَ وأجدادك !)) هنا يقول ابوجهل مخاطباً أبا لهب ومنكراً عليه جلبه للغاز من بلاد العجم كوريا الجنوبية، يثور ابو جهل: (( ويحك يا رجل! أصبأت عن غاز آبائنا وأجدادنا؟ تالله لأقلبن بعيرك بترولا بدلا من الغاز!))بدّل الكاتب بـ ((دين))آبائنا ((غاز))آبائنا...تلاعب باللغة وتحريف لغرض الإضحاك والنقد والسخرية من حال عرب اليوم في حكومة (طفِّي لصِّي))..

****

سوف نواصل هذه الحلقات -بعون الله- لنقف على جمالية إستعمال اللغة في النص وسنخصص الحلقة الأخيرة لسرد عيوب النص من وجهة نظر علمية نقدية موضوعية أيضاً..

******

النص

عمت صباحاً يا أبا لهب! إلى أين تمض يا أخا العرب؟

- سأذهب لجلب دبة غاز من كوريا الجنوبية.

- ويحك يا رجل! أصبأت عن غاز آبائنا وأجدادنا؟ تالله لأقلبن بعيرك بترولا بدلا من الغاز!

ـ تبا لك يا أبا جهل! ألم تعلم أن سعر الغاز في كوريا أرخص من سعره في مضاربنا؟!

ـ ولماذا هو أرخص في كوريا؟

ـ لأنها تشتري المتر الغاز بثلاثة دولارات فقط، ومن مضاربنا.

ـ ثكلتك أمك! ولماذا نشتريها بألف ومائتي ريال؟

ـ لأن بأسنا بيننا شديد.

ـ أي بيعة هذه!

ـ بيعة سارق، بعيد عنك.

ـ ثكلتك أمك يا أبا لهب! وما حاجتك إلى الغاز وزوجتك حمالة الحطب!

في ساحة قريش يخرج أبو الحكم على الملأ ويهتف بعلو صوته:

ـ يا قوم! لقد صبأت الكهرباء ورب الكعبة! بين كل هنيهة وهنيهة "طفي لصي"، حتى أحرقت غسالاتنا وثلاجاتنا وتلفزيوناتنا...

ـ إنه الماطور، إذن!

ـ وما الذي جلبك على الكهرباء وفواتيرها وسعر الكيلو الكهرباء قد بلغ مبلغه وديونك لخزاعة صاحب البقالة قد تجاوز كل حد بسبب الشموع.

ـ وماذا أفعل؟!

ـ ألست جارا لأبي لهب؟

ـ بلى.

ـ إذن، وفر على نفسك واربط سلكا من رأسه وولع ببلاش.

ـ ويحك يا شعتنة! ألم تعلم أن البلاش يجيب العمى والطراش!

ـ جل سادة القوم وكبرائهم يولعون ببلاش، وأنت واحد منهم.

يذهب أبو الحكم إلى دار أبي لهب ويطلب منه أن يربط له سلكا من رأسه، فيرد عليه أبو لهب:

- أكلتك أمك يا أبا الحكم! وكيف تريد أن أربط لك سلكا وأنت بلا "عداد"؟

ـ ويحك يا أبا لهب! أنسيت أننا نهرب الديزل معا، ومعنا محارب بن فهر؟!

ـ فلتصمت أيها الأحمق! وسأربط لك سلكا من الضغط العالي.

****

شاعر وناقد يمني

a.monim@gmail.com


في الأحد 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 04:57:04 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=8267