عمار الزريقي يلج القصيدة بكراً2
د.عبدالمنعم الشيباني
د.عبدالمنعم الشيباني

هذه هي الحلقة الثانية من مقالة نقدية عابرة -غير مفصَّلة- وعنوانها "عمار الزريقي يلج القصيدة بكراً"..فاتحة النقد وكلمة الشِّعر، ليس كل شاعر إنسان، ومن الشعراء من يتسول على عتبات حكام التوريث والهزيمة، يريق بقايا آدميته من أجل بقايا فتات تساقط من مائدة حاكم هو نفسه يقتات من دم شعب مغلوب منهوب امتطاه عسكر السلاطين بفتاوي فقهاء سوء يحرفون كلام الله ويذبحون آيات الذكر الحكيم من أجل السلطان في سالف العصور وحاضر الأزمان..

عرفتُ عمار الزريقي إنساناَ شهماَ نبيلاً وفياً أوفى من السموأل قبل أن أقرأه قصيدةَ ونصاَ،هو أنبل من عرفتُ وأوفى من قرأتُ وهو أشعر مني وأفضل مني شعراً وإنساناً، وهو أحب الشعراء الي - ما عدا شعراء تهامة فهم الي أحب وشعرهم الى قلبي أنبل وأصدق، ويستحق عمار الزريقي مكاناً سامقاً في قلمي وموقعاً رائداً في قلبي وهو لكل ذلك أهلٌ وزيادة..

غير أن الدراسة النقدية مبرأة من نتائج الشخصنة والإنطباعية الذاتية ومتجردة من دواعي الصداقة وعلائق القرابة والحزبية، فهي علمية محضة وموضوعية أكاديمية صرفة، لا مجال فيها للمجاملة، ولا مكان فيها للمحاباه والمحسوبية وأغراض التلميع الحزبي ومنزهة من شوائب المصلحة المرتقبة أو المقايضة المادية الزائلة وهذه هي شروط النقد الموضوعي العلمي..

عمار الزريقي شاعر شاب يمني من محافظة تعز (الحُجَرية)مهد الفكر ومهبط الشعر ومنارة الأدب، تكتبه القصيدة ولا يكتبها، وتخطبه ولا يخطبها، وتحل من أجله رباط أسرارها ليلجها بكراّ ثم تعود بكراً، ويعود هو بكراً تخطبه قصيدة أخرى وتغازله فتاة شعر أخرى ثم لا يلبث أن يلج القصيدة بكرا ويرجع بكرا وهكذا هو ديدنه مع الشعر ...

قصيدة عمار الزريقي (تحقيق في كتاب ممنوع) أو (براءة الذئب للعلامة البدوي) من أبكار ما ولج الى الشعر وما كتب من القصيد، لا يشبه هذه القصيدة الا أشعار الراحل عبد الله البردوني عملاق القصيدة العربية ومجددها..

الخطاب السلطوي العسكري والخطاب الديني الممتطى صهوة الفتوى لتبرير ظلم السلاطين اليوم متلازمان حيث غدا الدين في خدمة السلطة، وأنزه بموضوعية وأمانة خطاب الحركة الإسلامية ذات الفكر العريق والتنظيم الضارب جذوره في أعماق المجتمع بوسطية وجمال واعتدال،لا يحابي الحاكم ولا يركب الفتاوى ليذللها لشهوات السلطان،ولا أنزه عمائماً سقطت في وحل الفتوى السلطانية الحزبية الدنيوية الماكرة تلعب بالدين وتتخذه لهواً تشرع للحاكم مالم يأذن به الله ليدوس على رقاب العباد، يسرق أقواتهم ويستبيح دماءهم..

من محاورة مع الناقد والأديب اليمني المتميز الدكتور عبد الحميد الحسامي حول تلازم خطاب السلطان وفتوى الفقيه اليوم يقول:

".....يؤكد ابن خلدون في كتابه( العبر ) وفي المقدمة تحديدًا مبدأ خطيرًا من مبادئ علم الاجتماع حين قال إن الأمة العربية أمة متدينة ويؤثر فيها الدين ولا تقاد إلا به هذا مفهوم كلامه إن لم تخني الذاكرة .. الإنسان العربي ينصاع لصوت الدين وحينما يقال له قال الله قال الرسول لا يجد محيصا ولا يجد في نفسه حرجا مما قضى الله ورسوله ويسلم تسليما .. وقد وعى الحكام في اليمن هذه المسألة فكان الارتباط بين السلطان والفقيه فكان الإئمة يتوسلون بالفقيه لبرر تصرفاتهم لا ليقومها في ضوء الشرع الفقيه غدا محللا للسياسي فعله ولو كان شنيعا . أصبح الفقي سيفا مصلتا في رقاب العباد يثنيها ويخضعها لأمر الحاكم هكذا صورت القصة اليمنية الفقيه وقدمته في صورة ساخرة مريعة تكشف عن التشوه الذي لحق برسالة العالم الرباني الذي تنشده هذه الأمة ليقوم بدوره في فضح كل التشوهات في عالم اليوم ؟..."

ومن مقالة للكاتب الإصلاحي المستنير رشاد الشرعبي بعنوان (بنادق الحاكم) يقول:

"....ليس من حق الشيخ وشلته (التبندق) بالإسلام وإستخدامه في مواجهة المغايرين بالرأي, ولإغلاق باب الإجتهادات, وليس من حقهم إستغلال الله ورسوله في معاركهم الطائشة, وممارسة دور الكهنة في ديننا الذي سخر من أديان أستأثر بها الكهنة والأحبار والرهبان...ليس من حقهم ان ينتفضوا بهذه الصورة التي ظهروا عليها, لإشغال الناس عن إرتفاع الأسعار وإتساع مساحة الفقر والبطالة, وهما أبرز ما يضر بالفضيلة التي يزعمون الدفاع عنها, وليس من حقهم أن يكونوا في كل مرة أداة من أدوات الحاكم المستخدمة في أزماته السياسية لضرب حزب الإصلاح وتكتل اللقاء المشترك المعارض وإشغال الناس بالفروع عن الأساسيات والأولويات...."

قصيدة عمار الزريقي " تحقيق في كتاب ممنوع " من أجمل أنواع الشعر السياسي البديع فالقصيدة تنقد بأسلوب شاعر متمكن من الطرح واللغة كل قوى المجتمع وهيئاته وأحزابه وتحمل بسخرية على القوانين والدساتير ولا تستثني رموز الفكر والفقهاء وهي هجوم على القبيلة والحكومة وشرائح المجتمع اليمني العاجز عن التغيير والمشارك في البلاء الحاصل والفساد المتواصل ... هذه القصيدة نقلة نوعية على مسار تطور كتابة القصيدة عند عمار الزريقي كتبها على طريقة مظفر النواب واحمد مطر وبيرم التونسي يضحك من المجتمع الفاسد ويضحكنا .. تقول القصيدة:

"براءة الـذئب" للعـــلامة البـــدوي أعيــا التراجم في تصفيـفه اللغوي

منذ البـدايــــة يـبدو عزم صــاحبه قيادة الشـــرق نحو المطلب النووي

جــاء المؤلــف في جزأين صـــادرةً عن هيئة الأسـوة الحسنى بكل غوي

قال المذيع : بيــــــانٌ عـاجلٌ و تلا بيانه باسم ســيف الدولـة العلـوي

هذا المسمى ثنــــائيٌ يجــــادل عن سياسـة الغـش ذات الطـابع الكروي

فقد ترى الصــيف معقـوداً بطلعـــته وفجأةً يسـتـبد البـــارق الشتوي

هذا الكتـاب خطـــيرٌ في تنــــاوله براءة النــص من موروثـه النحوي

له غــلافٌ أصــوليٌ كصـــــاحبه خبثاً ومتنٌ شــيوعي الرؤى صفوي

تبدو مفــــاهيمه الأدهى مغـــالطـةً يفتي وينســخ في تخريفـه الشفوي

ويربك الســـادة القراء منطــــقــه فيســـتوي كل معـوجٍّ بكـل سوي

ماذا يســمي رؤى الإرهــاب ؟ سائحـةً نظيفةً تهــتدي بالمنـهج النــبوي

من طلعــها يبـزغ الشيـطــان معتمرا عمامــة الدين يحكي الناسك الدعوي

لفظ "الحضــــارة " رسمــياً بمعجمه يعني الحظيرة – مأوىً في العراء زُوِي

أما المـــنـاخ: ملفٌّ شـــائكٌ و يراه مَبْرَك النــاقة الرمـلي لا الحصـوي

ما الثورة الأمّ ؟ قــال الثور ثــار ضحىً على الدواجـن في غيبـوبة الرّعَوي

وما التـــمرد؟ مَــسٌّ في ثوابتـــنا لا بـارك الله طعـم الفتـنة القـلوي

نقــاط بيع الفــياجرا أضربت فنــوت تمرداً مترفـات الشــارع النسـوي

وبعد: ما الوحـــدة الكبرى ؟ يقول أنــا وحدي أنا فوقـكــم بالمنطق الأبوي

الانفصـــالي من يســـطو على غنمي باسم العـدالة أو بالواجـب الزكـوي

ما الانتخـابـات ؟ أعـوامٌ خـــلت و بها القحـط ثم انهـيار الرابـط الأخـوي

حــرية "الرعــي"- مهمـوزاً بِلَـكْـنَتِه حقٌ لكل خــروفٍ – مبـــدأٌ بدوي

 يقــول عن قــادة الأحـزاب أبيضـهم إرثــا عميـلٌ غبـيٌّ قـاتـلٌ دموي

تسري الأتــاوات ســراً في مصـارفها فيحسم الفرز معدوم الضمــير هوي

والفــقـر ينهـش في أضـلاع حـارتنا تجاوز الألف في مقيــاسـه المئوي

أقســـى من الفــاقـة النكراء مكـرمةٌ تأتيك في الحــال من مستثمرٍ ربوي

 يا ذلك المصــرف الآليُّ كــن حــذراً وافحص عميلك فحص القارئ اليدوي

ما دمـت لســت بطــبلٍ من مشـائخنا يحشو الإطارات شيئاً منتــهاه دويّ

يجــتاز من رعــب آليّــات عُكـْفـته كل الإشـارات في مشـواره الضحوي

قد يضبــطونك يا مسكــين مرتشــياً و يلبسـونك نعـت الغـافـل القروي

ويحبـــسونك ما شــاءت مصـالحهم فلسـت من جلد أبواق الخنا وذوي....

لا تحســـبن عقـــول القـوم جـامدةً فالابتـزاز لديـنا جــانبٌ حـيـوي

هنـا القــوانين – يا دولار – نركـبـها إلى الفضــاء كخيـل الفاتح الأموي

وهيــئة الأمـر بالمـعروف مــا عرفت سطـرا من اللغو في تقريرها السنوي

قيل: الســكوت عن الإنكـار مصــلحةٌ عليــا وليس مجـاراةً لكـل قـوي

حمــاقة النـقـد ليـسـت شـأننا فلكـم تفنى الشعــوب ضحايا موقفٍ عفوي

أما القبــيلة لا تســأل فنـــاصــبةٌ يسـودها المنـطق العرقي و الفـئوي

تهــوى السـلام وتستعـدي أظــافرها وتستجــير بذيـل القـاتل الحمـوي

الجــاهلية في أزهـــى كهــولتــها تَـعَـصـْرَنَتْ باقتناء الهاتف الخلوي

 هـذي الجمـاهير قد تصحـو إذا اعتزلـت رياضـة الغوص تحت الساحل المنوي

سوف نواصل هذه الدراسة في حلقات قادمة بعون الله ومشيئته

شاعر وناقد يمني

a.monim@gmail.com


في الجمعة 19 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 04:34:00 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=8332