عمار الزريقي يلج القصيدة بكراً 3
د.عبدالمنعم الشيباني
د.عبدالمنعم الشيباني

هذه هي الحلقة الثالثة من مقالة نقدية:(عمار الزريقي يلج القصيدة بكراً)..إنه عمار حسن الزريقي، شاعر شاب من محافظة تعز (الحُجَرية) مهبط الشعر ومنارة الفكر وأصل الثقافة وملتقى الأدب، تخطبه القصيدة ولا يخطبها وتكتبه ولا يكتبها، وتطلبه لحديث أسرار الليل، تحل رباط أسرارها من أجله وتكشف المخبأ له وحده ، تفتنه، تراوده، وتقول: (هيتَ لكْ)..

إنه نزار قباني اليمن بنسخة جديدة وشِعر جديد وثوب أجد ولغة شعرية أكثر تجديداً ، مسؤولٌ أنا عن كلامي لأن الشاعر يعرف الشاعر والعاشق يعرف العاشق و(الخباز يعرف وجه المتغدي)-- كما نقول نحن في مطاعم بني شيبة، مقولة عمرها ثلاثمائة عام أو يزيد، راجعوا تاريخ وتراث وأمثال مطاعم بني شيبة في الحبشة ومدغشقر وكينيا وفيتنام وعدن منذ مطلع القرن التاسع عشر...

هذا الشاعر يقرأني ناقداً ويفضحني شاعراً وعاشقاً ،هذا الشاعر الشاب كل كلمة شعرية وكل شطر بيتٍ شعري وكل سطرٍ شعري يعيشه قصة حب حقيقية أو رعشة خوف من المواجهة، كل سطر في قصيدته يرتعش وكل حرف ٍ في أشعاره يثور ويرتجف، يثور على سياسة القمع العربي مرةً وعلى سياسة الحب العربي مرةً أخرى..

أعرفه خجولاً وأعرفه حزيناً وغاضباً ثائراً،يعرِّي بشعره الثائر سياساسة الهزيمة العربية، وتتعرَّى في حضرته شبق القصيدة بكل غلمتها واشتهاءاتها وأنثويتها وبوحها العلني الناضج، تطلبه وهو يخاف و(تقد قميصه من دبرٍ) وهو يأبى ،شاعرُ نبيل يخاف من الفتنة النائمة، ومن ثورة (الحلمة) النائمة و(الخلايا) النائمة، نبيل ٌ في الحزن وخوافٌ عند المواجهة،يستدرج الأنثى قصيدةً بين يديه ثم يخاف من قراءة تفاصيلها وتخيفه إن هي دعته الى فراش مصارحتها أو سرير مطارحتها،ثم فجأة ً يثور على نفسه ويثور على قومه ويثور على أساطين الدجل السياسي وفقهاء البيع والشراء،يثور على قصص العشاق الكذابين ومنجزات السياسيين المنافقين وفتاوى الفقهاء المزيفين...

هذا نزار قباني اليمن بكل تفاصيل انفعالاته العاطفية والسياسية، وبينه وبين الأنثى ثأر لمًا ينته بعد،وشبقُ لم تشفه كل قصائد الأرض،وبينه وبين تجار الدٍّين والسياسة دمٌ مسفوحٌ هيهات أن يبرد، هذا هو نزار قباني كفَّروه حياً ولعنوه ميتاً ...،وهذا هو عمار الزريقي يسلُّ سيف الثأر على من كفَّر نزار قباني وخذل امرأ القيس وعاند علقمة الفحل وتجنَّى على عمر بن ربيعة..

عمار الزريقي لا يكتب الكلمات يرصها ولا الأشعار ينمقها، فكل حرف له ظلٌّ في قلبه، وشكلٌ من دمه ودفقةٌ من نبضه وخلجةٌ من روحه، تقرأ لهيب قلب ثائر وحروف عشق نابض يكلمك من نفسه بإ يقاع وموسيقا عروضية عربية أصيلة منسجمة مع نفسها من غير (مطبات) ولا (خلل) في الوزن،فشعره موزون من أول حرف وحتى آخر طلقة..

 

عمار الزريقي يخاف المجابهة مع المرأة ولكنه لم يكف عن غزواته ولم تثنه نزواته عن مواصلة الفتوحات وتجييش الغزوات حتى يخلد في النهاية- بعد هزائم وانتصارات وجروح وظفر وانتكاسات -الى القلم والدواة والدفتر شأنه في ذلك شأن نزار قباني، خلاصة مغامراته وفتوحاته النسوية أن يرسم بالكلمات...يقول نزار قباني :-

لا تطلبي مني حساب حياتي

ان الحديث يطول يا مولاتي !

تعبتْ من السفر الطويل حقائبي

و تعبتُ من خيلي و من غزواتي ...

فمكِ المطيَّبُ .. لا يحلُّ قضيتي

فقضيتي في دفتري و داواتي ..

***

ليس غاية الشاعر نزوات حسية ولا مغامرات جنسية فكل هذا لا يروي ظمأ القصيدة ولا تطلعاتها، يظل الشاعر يبحث طول العمرعن امرأة مجهولة وفردوس مفقود وغزال شارد لا يدري ما هو ولا أين يجده؟ ثم يعرف ويدرك ويرى في نهاية المطاف انه انما كان يطارد خيط دخان وطيف حبيبة من غمام، يقول نزار قباني في قصيدته التي كتبها في مطلع ربيع أيامه يرثي فيها نفسه على لسان (قارئة الفنجان):-

وستعلم ُ بعد رحيلِ العُمْرِ بأنكَ كنتَ تطارد خيطَ دخان ْ

وهذا هو عمار الزريقي يلخص لنا خلاصة الرسم بالكلمات -بعد رحلة فتوحات نسوية حسية- تجربته في الحب بلغة تميزه عن أستاذه نزار قباني، أقطف للجمهور قصيدة عمار الزريقي بعنوان (اعترافات جبان) يقول فيها:-

إليكِ اعترافي بأني جبانٌ

 وأرجوكِ ... لا تزدريني ...

أخاف إذا عسعس الليل

من أنني أختلي بالقصيدة

وحدي

لأني ضعيفٌ

ولا أستطيع الصمود طويلاً

أمام مفاتنها

وغواياتها

وانتفاضاتها

وانتقاداتها ...

أدّعي دائماً

أنّ كُلّ خيارات عشقي لها

ليس في صالحي

ثم أعلن فوراً قرار انسحابي

من الفتنة النائمة.

****

لأن القصيدة شيئٌ مثيرٌ

وذنبٌ كبيرٌ

وجرمٌ يؤدي بصاحبه للجحيم

فيركله القائمون

ويشتمه القاعدون

وتلحقه لعنة الله والأنبياء.

****

أخاف إذا ابتسم الحظ لي

واصطفاني إليها

وطهرني من غروري وجهلي وضعفي وذاكرتي

أن أراها

فتسقط عُذْريّتي من أصابع رِجْـلَـيّ

من قبل أن استطيع الفرار.

*****

أجل... إنني أعرف الله

والحب

والموت

والدين

والشعر

والجنس ...

لا شك أني أحب القصيدة ...

لكنني خائفٌ من خروجي عن الصف ...

من شق هذا العصا ...

إن هذا العصا عاش حيناً من الدهر

يجلدنا باسمه الحاكمون

ويجلدنا باسمه الظالمون

ويجلدنا باسمه العاهرون

ويجلدنا باسمه الجاهلون

ويجلدنا باسمه الفقهاء

انتصاراً لأهوائهم

واحتساباً لدين الإله ...

أخاف اقترافي الخيانة والكفر ...

مكتفياً بالتودد سِراً إليها

وإن عَظُم الأمر

ضاجَعْتُها خِلسةً ثَمَّ في غرفة الدردشة.

****

يتبع الحلقة القادمة

شاعر وناقد يمني

a.monim@gmail.com


في الأحد 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 09:20:58 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=8397