إثيوبيا التي لا نعرفها ...  العملاق القادم -1

الأربعاء 20 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 04 مساءً / مأرب برس - محمد مصطفى جامع
عدد القراءات 11462

 

  

لا يعرف الناس عن إثيوبيا إلا القليل رغم ثورة المعلومات والانفتاح الرقمي، وهي دولة ذات حضارة عريقة

لا يعرف الناس عن إثيوبيا إلا القليل رغم ثورة المعلومات والانفتاح الرقمي، وهي دولة ذات حضارة عريقة حيث وُجد فيها أقدم هيكل بشري "عمره 4.4 مليون سنة"، ولديها أطول سجل تاريخي للاستقلال في إفريقيا، إذ لم تخضع للاستعمار إلا لفترة 4 سنوات فقط من 1936 حتى 1941م، عندما اجتاحتها الحملة الإيطالية التي غزت شرق إفريقيا آنذاك. كما أنها موطن مملكة "أكسوم" القديمة (980 عامًا قبل الميلاد)، فضلًا عن كونها تعتبر موقع ظهور الإنسان الأول العاقل (هومو سابين) Homo Sapiens قبل نحو 200.000 سنة تقريبًا خلال العصر الحجري القديم الأوسط.

رأيت أن أكتب عن هذا البلد الجميل بعد أن لاحظت قلة المعلومات المتوفرة عنه لدى الإعلام العربي، فأول ما تُذكر إثيوبيا يتبادر للأذهان الحروب والمجاعات والكوارث، ربما كان ذلك صحيحًا في وقتٍ سابق، لكنها اليوم نجحت في قلب الصورة لتنتقل من قائمة أكثر دول العالم فقرًا إلى أسرعها في معدل النمو بعدما سجلت 8.1% في العام الماضي لتكون الدولة الأولى من حيث النمو الاقتصادي.

تُعرف رسميًا باسم جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، وتقع في منطقة القرن الإفريقي، عاصمتها أديس أبابا وتعني (الزهرة الجديدة) باللغة الأمهرية المستخدمة هناك على نطاق واسع، وهي ثاني أكبر دول إفريقيا من حيث عدد السكان والعاشرة من حيث المساحة، يحدها من جهة الشرق كل من جيبوتي والصومال ومن الشمال إريتريا ومن الشمال الغربي السودان ومن ناحية الغرب جنوب السودان والجنوب الغربي كينيا.

الحبشة والإسلام

أما في التاريخ الإسلامي والعربي فتعرف بأرض الحبشة التي هاجر إليها صحابة الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)، بعد أن ضيّق عليهم أهل قريش في حربهم ضد الإسلام في بداية الرسالة المحمدية، مع ملاحظة أن الحبشة القديمة تختلف عن إثيوبيا الحالية حيث كانت تضم أجزاءً من إريتريا وجيبوتي والسودان، لكن مسجد النجاشي (الملك العادل الذي استقبل الصحابة) لا يزال موجودًا حتى اليوم في البلدة التي تحمل اسمه بالقرب من مدينة مقلي عاصمة إقليم تيجراي، وتوجد في المنطقة ذاتها قبور الصحابة الذين هاجروا إلى أرض الحبشة على فترتين، ولذلك فإن الإسلام دخل إثيوبيا قبل أن يصل المدينة المنورة!

يزيد عدد سكان إثيوبيا على 100 مليون نسمة، وتتضارب الإحصائيات عن أعداد المسيحيين والمسلمين في الدولة، إلا إنه يمكن ملاحظة التعايش والمحبة بين الطوائف والأديان كافة، إذ تجد المساجد بجوار الكنائس والعكس، رغم احتجاجات متفرقة أحيانًا لقومية الأورومو "ذات أغلبية مسلمة" تقول إن الحكومة الفيدرالية تمارس التهميش تجاهها.

السياسة والحكم

تتبع إثيوبيا نظام الجمهورية البرلمانية الفيدرالية، حيث إن رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، وتنقسم الهيئة التشريعية التي تسمى (المجلس الاتحادي البرلماني) إلى مجلسين هما المجلس الاتحادي ومجلس النواب، وتضم الفيدرالية الإثيوبية تسعة أقاليم هي: (عفار، أمهرة، بنى شنقول/قماز، جامبيلا، هرر، أوروميا، تيجراي، الأمم الجنوبية، أوجادين)، بالإضافة إلى مدينتين لهما وضع خاص "أديس أبابا وديري داوا"، وتتمتع الأقاليم الإثويبية بحكم شبه ذاتي إضافة إلى مشاركتها في الحكومة الفيدرالية.

طقس معتدل طول العام.. لا حاجة لمكيفات الهواء!

تتمتع إثيوبيا بطقسٍ فريد خصوصًا في فترة الصيف من يونيو/حزيران حتى أكتوبر/تشرين الأول، حيث تشهد هذه الفترة هطول الأمطار الغزيرة في أنحاء البلاد كافة التي تقع ضمن ما يعرف بالهضبة الإثيوبية (2400 متر فوق سطح البحر)، موسم الجفاف هناك قصير يبدأ من نوفمبر/تشرين الثاني إلى فبراير/شباط، وفي كل الأحوال فإن متوسط درجة الحرارة في إثيوبيا لا يزيد على 16 درجة مئوية، ولا تتجاوز درجات الحرارة 20 ـ 25 درجة مئوية كحد أعلى، لذلك لن تجد في إثيوبيا مكيفات الهواء ولا المراوح لأن الأجواء معتدلة وباردة طوال العام.

الاقتصاد الإثيوبي.. إشادة صندوق النقد

صندوق النقد الدولي أشاد بتجربة إثيوبيا في التنمية الاقتصادية، متوقعًا احتلالها المركز الأول في معدل نمو الاقتصاد في القارة السمراء خلال 2017 الحاليّ بنحو 8.1% بعد أن حققت 8.7% العام الماضي، لتتفوق على جميع الاقتصاديات العالمية، إذ سجل الناتج القومي لإثيوبيا ارتفاعًا مطردًا ليبلغ عام 2015 نحو 61.5 مليار دولار، مقابل 32.4 مليار في 2009، و19.7 مليار في 2007، و6.9 مليار في 1994، و7.3 مليار عام 1981.

ووفقًا لتقارير البنك الدولي، فإن أديس بابا حافظت على نمو اقتصادي بنحو 10.9% بين عامي 2004 و2014، وهو ما رفع البلاد من ثاني أفقر بلدان العالم في عام 2000، لتصبح دولة متوسطة الدخل بحلول عام 2025.

وبحسب وكالة بلومبرج الاقتصادية، فإن إثيوبيا خالفت معظم دول إفريقيا التي تعاني من انهيار عملاتها، فهيمنة الحكومة على الاقتصاد وسيطرتها على سعر عملتها الـBIRR جنّبها الانخفاضات التي تعرضت لها عملات كثير من دول القارة، كما زادت الشركات والبنوك المملوكة للحكومة الإنفاق على استثمارات رأس المال بنحو ٧٠%، خلال السنوات الثلاثة الماضية لتتجاوز 155 مليار "بر"، خصوصًا مشروعات بناء مصانع السكر ومحطات الطاقة.

يعتمد الاقتصاد الإثيوبي على الزراعة بشكلٍ كبير، إذ يسهم القطاع بنحو 40% من جملة الصادرات، ويستوعب ما يقارب 80% من إجمالي القوى العاملة، إلا أن الحكومة تسعى لتقليل مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٤% في السنوات الخمسة المقبلة لصالح قطاعات أخرى (الصناعة، السياحة، تصدير الكهرباء).