الايدولوجيا الدينية ومصالح إيران الوطنية
بقلم/ نجيب غلاب
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 30 يوماً
الإثنين 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 12:33 م

تعتبر الأفكار والعقائد من الأدوات التي تستخدمها الدول في السياسة الخارجية لتنفيذ أهدافها، وإيران دولة طائفية بامتياز، والطائفية ممتزجة بعقائد سياسية جديدة على المذهب الاثنى عشري طورها الخميني وأصبحت السياسة والدين شيء واحدة تتجسد في الفقيه صاحب الولاية الدينية والسياسية، والدستور الإيراني ينص ان مذهب الدولة هو المذهب الاثنى عشري وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تنص على مذهب الدولة، وفوق كل ذلك أصبح الاجتهاد الخميني الذي ادخله على المذهب عقيدة دينية ثابتة فالإيمان بولاية الفقيه من الشروط الحاسمة في تولي الوظائف العامة فالشيعي الذي لا يؤمن بولاية الفقيه لا يحق له مثلا الترشح لعضوية مجلس الشورى.

تصدير الثورة منصوص عليه في الدستور الإيراني ورغم تركيزه على المستضعفين ومقاومة الطغاة إلا أن هذه المادة مؤسسة على الجوهر المحرك للدستور والذي أرتكز كليا على فكر الإمام الخميني بنزوعه الطائفي والعرقي الذي يدمج بين الجعفرية أي المذهب وبين القومية الفارسية، والحرب الأهلية التي حدثت في بداية الثورة توضح هذا الدمج فقد قهرت العرقية الفارسية الأقليات الموجودة داخل إيران من عربية وتركمانية وكردية وبلوشية والتي تشكل أكثر من 40% من مجموع سكان إيران.

مع ملاحظة أن تصدير الايدولوجيا الدينية هي فكرة جديدة كليا على التقاليد الشيعية الاثنى عشرية وارتبطت بالنظام السياسي الذي أسس له الإمام الخميني في إيران استنادا على نظرية ولاية الفقيه التي هي الأخرى لم تكن جزء من التقاليد الشيعة وقد ظهرت في بداية الأمر في القرن السابع عشر وتطورت في القرن التاسع عشر وأخذت مداها النهائي مع الخميني ليصبح الفقيه نائب للإمام وهو ملهم من الله سبحانه وتعالي وهو صاحب السلطة العليا على الدولة والمجتمع.

حاولت الثورة في بداية الأمر تصدير أفكارها وقيمها وعقيدتها عبر الدعاية والاتصال المباشر مع القوى الإسلامية المعارضة والقوى الشيعة الموجودة في العالم من خلال تحريك عواطفهم ودفعهم نحو مقاومة الأنظمة السياسية وأعداء الثورة من قوى الاستكبار العالمي، وكانت مؤسسات الدولة الرسمية تقوم بمهام تصدير الثورة.. وقد فشلت الدولة الإيرانية في تصدير ثورتها بل كانت النتائج سلبية عليها لانها جلبت على إيران عداء إقليمي وعالمي وتم فرض حصار قوي على النظام الجديد ولم تنجح إلا في لبنان لأسباب عديدة ربما نتناولها في مقالة منفردة، واستفادت من التجربة اللبنانية ومن تجاربها السابقة وبدأت في تطوير آليات جديدة سنحاول شرحها بعموميات دون الدخول في تفاصيل. 

بتتبع فكر وسلوك الثورة الإيرانية نجد ان فكرة تصدير الايدولوجيا تطورت مع الوقت من التبني الرسمي لتصدير الثورة من قبل مؤسسات الدولة إلى انسحاب المؤسسات الرسمية من الدعم العلني والمباشر إلى المؤسسات الأهلية داخل إيران والتنسيق مع القوى الشيعية خارج إيران التي تم إعادة ادلجتها لصالح الفكر الخميني سواء كانت قوى سياسية أو مراجع شيعة دينية مع أشراف مخابرتي أيراني حذر.

وبتتبع الحركات الشيعية المرتبطة بإيران نجد أن فكرة بناء قوى سياسية مؤيدة للثورة تمر بمراحل عديدة ومتداخلة تقوم في بداية الأمر على نخبة قليلة العدد يتم إعدادها وتدريبها بشكل جيد تقوم في بداية الأمر بنشر الفكر السياسي المناضل ضد الأعداء كما تصفهم أدبيات الثورة الإيرانية والعمل على إعادة بناء المذهب الجعفري في الأوساط الشيعية وفق الرؤية الخمينية ثم نشر الأفكار والعقائد المرتبطة بها ويتم لاحقا تكوين وبناء حركات دينية حزبية لها اذرع عسكرية وإعلامية وفكرية تعمل في بداية تكوينها على التأسيس لصراع قوي مركب يأخذ أبعاد دينية طائفية، وأخرى إيديولوجية سياسية برؤية ثورية انقلابية، ويشكل العنف بجانبه الفكري والمادي وسيلة فاعلة بهدف تطوير البناء الذاتي على المستوى الحركي وتعبئة الأعضاء وخلق التماسك وبهدف تفعيل وبناء التصورات الفكرية المؤسسة للمظلومية في بنية الفكر الاثنى عشري بصورة متوافقة مع الواقع المعاصر، وتركز على الصراع في مناطق التواجد الشيعي باعتباره قوة تضعف الأعداء وتقوي من فاعلية الحركة وتوسيع مناصريها خصوصا من الشيعة، وفارق القوة لا يؤخذ في الاعتبار فالتضحيات كلما زادت فأن ذلك يؤدي إلى تكوين النخبة القوية القادرة على القيادة ويكسبها تعاطف أبناء الطائفة الشيعية المهيئين فكريا للانخراط في الحركة وهذه الفلسفة مؤسسة على رؤية كربلائية للصراع فلطالما أنتصر الدم على السيف.

وفي مرحلة لاحقة عندما تصبح الحركة الطائفية من القوة فأنها تعتمد على خطاب عقلاني متزن عندما تخاطب الرأي العام ولكن خطابها يحمل نزوع ثوري في مواجهة الأعداء كما تحددهم الثورة الإيرانية وتجاه القوى الوطنية التي ترى ان مصالح أوطانها يمكن تحقيقها بإقامة علاقات مع من تراهم إيران أعداء لها، ومن جانب ثاني تقوم باعتماد خطاب طائفي متعصب غير متداول إلا بين أبناء الطائفة، هذا الخطاب عادة ما يعلي من دور إيران في حماية الطائفة وتحقيق مصالحها.

التطور الجديد الذي تعمل ايران من أجله يقوم على فكرة ان تصبح القوى العربية الشيعية المرتبطة بولاية الفقيه (التي يتم دعمها ماليا من خلال المؤسسات الأهلية الدينية في إيران) هي أداة الثورة لتصدير أفكارها إلى العالم العربي.

والحركات الشيعة العربية الأكثر نضجا والتي تتمتع بحرية كبيرة في حركتها تمثل أداة مثلى لتصدير الثورة وحمايتها في الوقت نفسه فمثلا استطاع حزب الله ان يسند قوة إيران ويحسن من صورتها في المنطقة العربية وشكل نموذج للقوى الشيعة خصوصا للشيعة العرب وتلعب أذرعه الإعلامية دورا فاعلا مدعومة بقوة إعلامية أخرى مدعومة من إيران ان تشكل أوعية ثقافية وفكرية داعمة للثورة الإيرانية ولفكرها السياسي والديني.. أما الدعم الحقيقي للثورة فسيكون من العراق مما يجعلنا نؤكد ان العراق ربما يمثل المركز القادم لتصدير إيديولوجية الثورة إلى العالم العربي من ناحية فكرية وثقافية وحتى عسكرية على مستوى التدريب والدعم اللوجستي، لذلك فالفدرالية كما يطرحها عبد العزيز الحكيم احد أهدافها الحصول على منطقة شيعية خالصة لتتحول إلى قاعدة لحماية النظام الإيراني ونشر أيديولوجيته في العالم العربي.

يمكننا أجمال إستراتيجية تدعيم حركات سياسية شيعية في النقاط التالية:

تقوم القوى الشيعية المرتبطة بإيران بتبني إستراتيجية المواجهة مع القوى المعادية للأمة من خلال الشعارات بهدف تعبئة الأنصار وكسب المؤيدين والعمل على ربط النظام السياسي في حالة وقوفه ضد أنشطة الحركة في توسيع قاعدتها الفكرية والبشرية بالقوى الخارجية وتصبح الإحكام التكفيرية والمعادية للقوى الخارجية منطبقة عليه ويصبح النظام السياسي رأس الطغيان والشيطان الأصغر. من جانب آخر استغلال ضغط القوى الخارجية والداخلية على الأنظمة والتعاون معها في تفكيك الأنظمة وإضعافها ثم الانقلاب علي تلك القوى لاحقا بما يخدم مصالح الحركة ومرجعيتها في إيران.

إضعاف الدولة التي تعمل فيها الحركة فالدولة القوية تمثل عائق أساسي وحاسم، والدولة هنا تأخذ أبعاد مادية ومعنوية فكرية ففي الجانب المادي يشكل النظام السياسي الخط الأول في سلسلة العوائق ويتم إضعافه بتشتيت طاقته في حل قضايا التنمية وتوجيهها في الصراع، وتأليب المجتمع عليه باستغلال مشاكل الواقع أما الخط الثاني فيتمثل في تشتيت طاقة القوى السياسية الفاعلة في المجتمع من خلال عزلها عن الصراع ومحاولة توظيف قوتها لصالح خدمة قضايا الحركة الشيعية، والخط الثالث تأسيس صراع يقوم على أساس طائفي ومواجهة الأفكار المختلفة والمناقضة لفكر الثورة الإيرانية.

استغلال المجتمع وتدمير تماسكه والعمل على تفتيته بتوظيف مشاكله كقوة مساعدة في مواجهة النظام السياسي وخلق صراع طائفي بين تكويناته المتعددة.

والهدف من إضعاف الأنظمة السياسية والقوى الأخرى تسهيل بناء تكوينات حزبية مرتبطة بإيران لتصبح قوة اجتماعية وسياسية ودينية قوية كما ان الصراع الطائفي يسمح بعملية الفرز الطائفي داخل المجتمع وهذا يسهل للقوى الشيعية الحركة والعمل بحرية في الوسط الاجتماعي المؤيد، ويحدث الفرز الطائفي من خلال المواجهة مع الآخر وتعبئة الأنصار، وهذا يجبر المجتمع على حماية نفسه من خلال الأداة نفسها هنا تنتهي الدولة وتصبح الطائفية هي الأصل وتتحول الدولة إلى أداة تديرها الطوائف من خلال زعاماتها.. فالحركة الشيعية التابعة لمنهجية الخميني لا تهتم بالدولة الوطنية بالمفهوم المتعارف عليه بالفكر السياسي الحديث فالأولوية للطائفة ودفاعها عن الدولة التي تنتمي إليها مرتبط بمدى توافقها مع مصالح أبناء الطائفة ومع مصالح الدولة الشرعية دولة نائب الإمام في طهران.

إيران والحركات الشيعة ولاء أم تبعية

الهدف من خلق قوى داخل الدول العربية قادرة على السيطرة على مناطقها بمعزل عن الدولة الوطنية التي ينتمون إليها وتنمية قوتهم هو جعل تلك القوى مشاركين فعليين في صناعة القرارات داخل دولهم ولهم قوة ثقافية ومالية وعسكرية بحيث تكون قادرة على تهديد النظام في أي وقت قد تحاول النخب تهديد مصالح القوى الشيعية أو مصالح الدولة الإيرانية، وهذا يجعل من إيران لاعب رئيسي في الدول العربية بما يعني امتلاك إيران لنفوذ حقيقي ويمنحها القدرة على فرض إرادتها على الدول أو في أقل تقدير إجبار الدول على أخذ مصالح إيران على محمل الجد.

ومن جانب آخر تشكل تلك التكوينات حماية لنظام الثورة الإيرانية من أي هجوم خارجي من خلال التهديد بتفجير المنطقة في حالة تحدي أمنها القومي من قبل الدول العربية أو الدول الأجنبية، وهذه المسألة في الوقت الحالي مهمة جدا فالنخبة الإيرانية الحاكمة بحكم تكوينها الفكري وتجربة إيران التاريخية جعلت الهاجس الأمني يسيطر على كل تفكيرها وله الأولوية على أي قضايا أخرى.

وما يدفع الحركات الشيعية في الدول العربية التابعة لولاية الفقيه الى مولاة الدولة الإيرانية هو الاعتقاد الذي أسست له المرجعية الخمينية بان إيران هي الدولة الأم الشرعية المعبرة عن عقائد الشيعة وهي دولة الإمام الغائب ودور القوى المنتشرة خارجها من المؤمنين هو دعم وحماية المركز ، وهذا ما يجعل تشتيت قوة الدول المحيطة بالدولة الأم وتحويلها إلى مجال حيوي لدولة الإمام وحمايتها من الأعداء أشبه بالسلوك التعبدي.

إيران وإسرائيل والولايات المتحدة صراع على الكعكة

 بصرف النظر عن الرؤية الوطنية ولو بحدها الأدنى التي قد تحملها الحركات الشيعية التابعة لإيران تتشابه الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية مع الإستراتيجية الإيرانية فيما يخص تفكيك الدول والمجتمعات العربية وجعلها منطقة رخوة ضعيفة تحكمها دول هشة ومجتمعات مفككه وغير قادرة على تجميع قوتها للحفاظ على مصالحها الوطنية والقومية، بهدف السيطرة على المنطقة وتحقيق مصالحها الوطنية بصرف النظر عن مصالح العرب بل الهدف استغلال كل إمكانياتهم.

فإسرائيل ترى أن أمنها القومي مرهون بدول عربية مشتته ضعيفة ومجتمعات متصارعة مع بعضها حتى تتمكن من اختراق الدول والمجتمعات وتصبح لاعب رئيسي في الصراعات الداخلية، وفي سلوك الدول العربية الخارجي وأمريكا ترى أن بروز قوة في المنطقة يتناقض مع مصالحها وهيمنتها العالمية، لذا فتشتيت قوة العرب وجعل دوله ضعيفة وملحقة بإستراتيجيتها من الأمور التي لا جدال فيها.

وإيران من جانب آخر ترى ان مجالها الحيوي هو المنطقة العربية المشرقية وأن أمنها القومي مرتبط بقدرتها على أضعاف دولها، والطريق الوحيد أمامها والأكثر جدوى في ظل وجود قوى عظماء تتصارع على المنطقة هو خلق قوى مؤيده لها في تلك الدولة لمحاصرة ومقاومة أي تحالفات مع القوى الدولية ضدها والعمل على تهديد مصالح الدول العربية والقوى الأجنبية في حالة عدم تفهمها للمصالح الإيرانية في المنطقة، أما في حالة تهديد النظام الإيراني فأنها قادرة على تحريك حلفائها في المجتمعات والدول العربية لتدمير مصالح الجميع، والهدف الوصول إلى اتفاق للتقاسم.

الاختلاف بين إيران وقوى الهيمنة الدولية ينبع من تناقض المصالح فكلاهما يتصارعان على نفس الكعكة أي على الدول العربية وكلاهما يستخدم كل الوسائل والطرق المتاحة والممكنة لفرض هيمنته وأرادته على الآخر حتى يكون قادر على تحقيق مصالحه الوطنية، فإيران ترى من أمريكا وإسرائيل تهديد لوجودها وعائق في فرض هيمنتها على العرب.. وأمريكا وإسرائيل ترى في إيران تهديد حقيقي لمصالحهم والنتائج إما ان يتصارعوا ويخسر طرف فيكسب الآخر أو ان يتفقوا ويتقاسموا الغنيمة والخاسر الوحيد هم العرب في كل الحالات والحل الثالث وهو المستبعد أن يتحرر العرب من مشاكلهم ويصبحوا قادرين على حماية مصالحهم الوطنية وأمنهم القومي وقادرين على إقامة علاقات متوازنة مع الجميع بما يخدم مصالح الإطراف جميعها وهذه هي الطريقة الوحيدة لاستقرار المنطقة وبدون ذلك فان الصراع هو النتيجة المحتمة وعلى القوى المتصارعة ان تدرك ان الدول العربية يمكنها ان تفهم مصالح الآخرين بطريقة عقلانية كلما كانت أكثر قوة وقادرة على حماية وحفظ مصالحها.

لنأخذ العراق كمثل بارز تم تفكيك العراق كدوله، ومجتمعه يعيش صراع طائفي مقيت، وأصبح العراق دولة ضعيفة هشة رخوة يتقاتل فيه الأمريكان وإيران وكل طرف له حلفائه وكل طرف يريد تحويل العراق الى نموذج يعبر عن الايدولوجيا التي يدافع عنها، وقاعدة لتصدير مشاريعه إلى الجوار، وبملاحظة سريعة سنجد ان العراق لن يستقر ما لم تتفق الدول المتصارعه على أرضه بما يعني ضمان مصالحهم على حساب العراق والعرب.

الحركة الحوثية تقليد أم تبعية

في تصوري أن إذكاء الصراع بالطريقة التي أتبعتها الحركة الحوثية الذي أخذ في البداية أسلوب الهتافات المعادية لأمريكا وإسرائيل والدعاية السوداء ضد النظام السياسي ومقاومة الأفكار التي يؤسس عليها شرعيته كانت نتيجة لإعداد أخذ فترة طويلة بحيث اصبحت الحركة مهيئة للمواجهة، وتلك الشعارات كانت أشبه بإرهاصات لتعبئة الأعضاء والأنصار والتهيئة للمواجهة المسلحة مع النظام السياسي بهدف إنهاكه وإبعاده عن وظائفه الأساسية في خدمة المجتمع وتوجيه طاقاته في الحروب المتقطعة ثم الانقضاض على المركز في فترة لاحقة لا بهدف إسقاط النظام بل إضعافه والعمل على تخويف وإرهاب أنصاره ومؤيديه ودفعه لاحقا لسحب قواته من المناطق الداخلية (صعدة حاليا) إلى المركز حتى تخلو الإطراف من قوة الدولة وهنا يخلو الجو لكي تعمل الحركة على نشر المذهب والإيديولوجية السياسية وتوسيع قاعدتها لتصبح قوة ضاربة بحيث يصبح النظام عاجز عن مواجهتها وبالتالي القبول بها والسماح لها بالعمل في أي مكان من البلاد بالذات في العاصمة.

والحوثية لا تحمل مطالب سياسية واضحة ويمكن استقراء أهدافها من طبيعة حركتها الذي يستهدف إضعاف الدولة وجعل الصراع السياسي في اليمن يأخذ أبعاد طائفية حتى تكون قادرة لاحقا على تكوين حركة سياسية دينية قوية طائفية قادرة على فرض إرادتها على الجميع.

وبمتابعة سلوك الحركة الحوثية بشكل عام وأسلوب عملها وحركتها ونتاجها الفكري نجد أن أهدافها وإيديولوجيتها السياسية تتوافق مع فلسفة تصدير الثورة الإيرانية. وهذا يقودنا إلى استنتاج فحواه أن الحوثية وفق إستراتيجيتها البعيدة المدى لا تهتم ببناء دولة يمنية دينية ولكنها تعمل من أجل دولة يمنية ضعيفة وهشة ومجتمع مفتت بما يسمح لها بتكون قوة موازية للدولة قادرة على السيطرة على مناطق نفوذها وعلى بناء قوة مؤثرة في المراكز الحضرية خصوصا المدن الكبرى مما يسهل لها فرض رؤيتها السياسية علي الجميع.

وعندئذ تصبح قادرة على ضرب وتهديد الدولة والمجتمع في حالة التحرك فيما يتناقض مع رؤية وفلسفة الحركة أو مصالح الدولة الإيرانية في صراعها مع القوى الأخرى للسيطرة على المنطقة العربية بصرف النظر عن المصالح الوطنية.

فالهدف النهائي لإيران من دعم الحركة وبناء قوة طائفية حزبية قوية ومتماسكة لها نفوذ قوى على خيارات النظام السياسي ولها أتباع داخل المجتمع وقوى حليفة غير طائفية ترتبط مصالحهم بالطائفة الشيعية على أن يتم توظيف الجميع بما يخدم نفوذ الدولة الإيرانية.. أما السيطرة على الدولة كليا فليس في أجندة الحركة على الأقل في المدى المنظور لاستحالة ذلك بحكم تركيبة وطبيعة الدولة والمجتمع في اليمن.

أذن تعبئة الجمهور ضد أمريكا وإسرائيل ومحاربة النظام السياسي لا تحكمه رؤية وطنية أو حتى قومية عربية إسلامية ولكنه محكوم بطبيعة الصراع الاستراتيجي في المنطقة على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.