إلى أين سيمضي بنا ( اللقاء المشترك ) 4-4
بقلم/ احمد الحبيشي
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 22 يوماً
الجمعة 04 فبراير-شباط 2011 03:52 م

يتضح مما تقدم أن المشهد السياسي الراهن في البلاد يثير قلقاً مشروعاً بسبب نزوع بعض القوى المحركة للمجتمع السياسي نحو تصعيد حالة التجاذبات والتناقضات والاستقطابات التي تعكس تنوع واختلاف الأهداف والبرامج والمشاريع والخيارات والمرجعيات الداخلية والخارجية في ظل نظام سياسي يقوم على أسس دستورية تضمن الديمقراطية التعددية والحريات المدنية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ومباشرة يختار فيها المواطنون على قدم المساواة حكامهم وممثليهم في هيئات السلطة التنفيذية والتشريعية والمحلية.

قد تبدو مفاعيل هذا المشهد طبيعية عند النظر إليها كمظهر لتنوع المصالح والإرادات التي تتبارى في سياق العلمية الديمقراطية الجارية منذ توحيد الوطن اليمني في الثاني والعشرين من مايو 1990م بالوسائل السلمية والديمقراطية ، والتي بلغت ذروتها في إقرار دستور دولة الوحدة واتفاق إعلان الجمهورية اليمنية من خلال السلطتين التشريعيتين المنتخبتين في شطري اليمن قبل الوحدة، وصولاً إلى الاستفتاء على الدستور من قبل الشعب . لكن ما يثير القلق بروز ظواهر خطيرة في هذا المشهد لجهة الميول التي تنزع إلى دفع المجال السياسي للدولة والمجتمع المدني نحو زوايا حادة من شأنها توليد أزمات عاصفة ومخاطرغير محسوبة العواقب.

ثمة أبعاد متعددة لمفاعيل المشهد السياسي الراهن الذي يتسم بحراك لا يخلو من التجاذبات والتناقضات بين السلطة والمعارضة مع وجود مساحة مشتركة للحوار والتكامل على أساس قواسم مشتركة يحميها دستور الجمهورية اليمنية ونظامها السياسي الديمقراطي التعددي القائم على التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات ، في ظل ضمانات دستورية تكفل التعددية الحزبية وحرية الصحافة وحرية التعبير، وتؤكد على مبادئ المساواة بين المواطنين رجالاً ونساء في الحقوق السياسية والمدنية .

من نافل القول إن التجاذبات السياسية أصبحت سمة بارزة في المشهد السياسي للبلاد قبل وبعد كل محطة انتحابية منذ الانتخابات البرلمانية التي شهدها اليمن الموحد في عام 1993م وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م على نحو ما تناولناه في الحلقات الثلاث السابقة . وبوسع المحلل الموضوعي تحليل أبعاد الحراك السياسي الراهن للسلطة والمعارضة من خلال رصد اتجاهات المباراة القائمة بين الخطابين السياسيين لكل من الحزب الحاكم الذي فاز بأغلبية أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية لعام 2003م والانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م، وأحزاب المعارضة التي يضمها تكتل " اللقاء المشترك " .

في هذه السياق يركز الخطاب السياسي للحزب الحاكم على إبراز النجاحات التي تحققت في مجال تطوير العملية الديمقراطية ومواصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجهود المبذولة في مجال الإصلاحات المالية والإدارية والقانونية ، على طريق تعزيز الديمقراطية واستكمال شروط وأسس بناء الدولة الوطنية الحديثة ، وزيادة مشاركة المجتمع المدني في إدارة شؤون الدولة والمجتمع . ويبدو جلياً من الخطاب السياسي للحزب الحاكم الذي فاز بأغلبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية تركيزه على الاهتمام بدعم وتطوير دور مؤسسات المجتمع المدني، بما يضمن تحويلها إلى مدارس ديمقراطية تنتصر لقيم الحوار وترفض الإقصاء والإلغاء والمكايدة والإنفراد.

من نافل القول أن الخطاب السياسي للحزب الحاكم لا يخفي تطلعاته لتوفير بيئة سياسية وقانونية وثقافية واقتصادية توفر ضمانات احترام حقوق الإنسان وحماية السلم الأهلي ، واغلاق منابع العودة إلى عهود الشمولية والصراعات الدموية على السلطة والثروة والنفوذ ، حيث يؤكد الخطاب السياسي للحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام ) على ضرورة التزام القوى السياسية بتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع ومكافحة ثقافة العنف ومحاربة الإرهاب ومعالجة ظاهرة حمل السلاح من خلال الأطر الدستورية والقانونية ، وترسيخ قواعد العدالة في حياة وسلوك هيئات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والأفراد.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف لا يبتعد الخطاب السياسي للحزب الحاكم عن المطالب الافتراضية لأحزاب المعارضة التقليدية لجهة التشديد على ضرورة إصلاح القضاء وسن القوانين والتشريعات اللازمة لمعالجة ظواهر الثأرومكافحة حمل السلاح والاختلالات الأمنية ، وتطوير مناهج التعليم ورعاية ودعم المنظمات والهيئات الوطنية المتخصصة بحماية حقوق الإنسان ومكافحة الفساد والحفاظ على الثروة الوطنية والمال العام وتوظيفها لخدمة أهداف خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

صحيح أن الخطاب السياسي للحزب الحاكم يعطي مساحة كبيرة لإبراز التطور المتنامي في مسار العملية الديمقراطية الجارية في البلاد باتجاه تعزيز وحماية الديمقراطية ، وتأكيد مبدأ الفصل بين السلطات وتطوير نظام السلطة المحلية . لكنه لاينفي الحاجة إلى الإصلاح المؤسسي والإصلاح الاقتصادي والمالي وتحسين بيئة الإدارة الحكومية والممارسة الاقتصادية ومناخ الاستثمار وتعزيز مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية والاستمرار في تطبيق البرنامج الشامل للإصلاح الإداري والوظيفي بما يضمن حيادية الوظيفية العامة وإنهاء الازدواج الوظيفي وإخضاع التعيينات والترقيات والتنقلات لشروط الوظيفة العامة وتوفير تكافؤ الفرص بين جميع الموظفين رجالاً ونساء.

وبقدر ما يتحدث الخطاب السياسي للحزب الحاكم عن النجاح الذي تحقق تحت قيادته للسلطة في مجال تطوير وتحديث البنية التحتية للقطاعات الإنتاجية والخدمية في مجال النفط والمعادن والطرقات والمواصلات والكهرباء والمياه والنقل البحري والبري والجوي والصحة والتربية والتعليم والزراعة والري والسدود والسياحة والموانئ والمطارات وغيرها من المجالات الحيوية التي غيرت صورة الحياة في عموم الوطن الموحد منذ قيام الجمهورية اليمنية والتحول نحو الديمقراطية التعددية في الثاني والعشرين من مايو 1990م حيث كان الحزب الحاكم شريكاً أساسياً وتاريخياً في صنعها ، بقدر ما يتحدث أيضا عن تطلعاته وتوجها ته لمواصلة بناء اليمن الجديد وضمان مستقبل أفضل لابنائه في الداخل والخارج من خلال إدارة حديثة تخدم المواطن وتعزيز دولة المؤسسات، وبناء إدارة اقتصادية تضمن مستوى معيشياً أفضل ، وتنفيذ خطط وبرامج تنموية تستهدف الحد من البطالة ومكافحة الفقر، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي ومكافحة الفساد وإيجاد بيئة استثمارية جاذبة ، وبناء أرضية ملائمة لبناء معرفي وتعليم نوعي جيد وخدمات صحية نوعية أفضل ، وصولا إلى بناء مواطن حر ووطن ديمقراطي مستقر يتوافر على طفولة سعيدة وشباب قادر على المساهمة في مسار التنمية ومشاركة أوسع وتمكين اكبر للمرأة في كافة الميادين.

وإذ يعترف الخطاب السياسي للحزب الحاكم بوجود مصاعب موضوعية واختلالات ذاتية تعترض طريق تطور العملية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلال وجوده في الحكم، فإنه يبلور رؤية متميزة في صياغة مهام قابلة للتحقيق بعيداً عن مخاطرالسياسات التي تنزع نحو القفز على الواقع وإحراق المراحل، حيث لا يخفى الخطاب السياسي للحزب الحاكم نقده الشديد للخطاب السياسي المعارض الذي يتهمه بإدمان تعاطي الشعارات غير الواقعية ، وتسويق مهام غير قابلة للتنفيذ، ناهيك عن وجود اختلافات جوهرية بين الخطابين لجهة الموقف من المرأة وزيادة مشاركتها في الحياة العامة بما يمكنها من الفوز بنصيب اكبر في المقاعد البرلمانية والمحلية وزيادة نصيب المرأة في شغل المناصب الوزارية والدبلوماسية والقيادية في مؤسسات وأجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وتحييد المساجد عن الصراعات السياسية والتجاذبات الحزبية ومنع توظيفها لخدمة العمل الحزبي وممارسة الدعاية الانتخابية ونشر الأفكار المتطرفة والدعوات المذهبية التي تلحق الضرر بالوحدة الوطنية، و تهدد السلم الأهلي وتقوض مبادئ التعاون والتضامن والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والأمم والثقافات والحضارات المختلفة في العالم المعاصر.. ناهيك عن الاتهامات التي يوجهها الحزب الحاكم من خلال خطابه السياسي لمعارضيه بشأن مخاطر الإفراط في استخدام الديمقراطية لأغراض المكايدات السياسية والحزبية ، وتشويه الحقائق أمام الرأي العام الداخلي والخارجي ، وممارسة مختلف أشكال الابتزاز السياسي ، والابتعاد عن الثوابت الدستورية والوطنية في القضايا التي تمس الوحدة والنظام الجمهوري .

لا ريب في إنّ ثمَّة سوابق لمثل هذه النزعات التي سعت في مراحل مضت إلى تأزيم المجال السياسي للدولة والمجتمع المدني ودفعه باتجاه مناطق رمادية تنطوي على مخاطر وإحتمالات غير محسوبة، بيد أنّ ما يميز تلك السوابق أنّها ارتبطت بمحطات حاسمة في مسار تطور العملية الديمقراطية التي تشهدها بلادنا . حيث تجسدت هذه النزعات في إصرار بعض القوى السياسية على إنتاج وإعادة إنتاج خطاب سياسي وإعلامي تحريضي يبدأ بإثارة المكايدات والمزايدات وتوزيع الاتهامات يميناً وشمالاً، وينتهي بافتعال الأزمات بعد أن يصبح النزوع الى تسويد كل ما هو قائم ، سبيلاً إلى دق طبول المواجهات والتلويح بالمشاريع الانقلابية على الديمقراطية بما هي صنو للوحدة التي ناضل من أجلها شعبنا وحركته الوطنية المعاصرة قبل وبعد قيام الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 أكتوبر) ، ثم جاء تحقيقها في الثاني والعشرين مايو 1990م تتويجاً لمسيرة كفاحية طويلة كان لمدينة عدن الباسلة شرف الريادة في رفع بيارقها العظيمة ، حيث انطلق منها وعلى أيدي أبنائها الميامين شعار " نحو يمن حُر ديمقراطي موحد " في خضم الكفاح الوطني ضد النظام الإمامي الاستبدادي والحكم الاستعماري الأنجلو سلاطيني ، كما ارتفع في سمائها وعلى أيدي كوكبة من المناضلين الوطنيين الغيارى علم الجمهورية اليمنية الموحدة ، إيذاناً بإستعادة الوجه الشرعي للوطن الواحد .

مما له دلالة هامة أنّ النزوع إلى تأزيم الحياة السياسية حدث قبل وبعد انتخابات 1993م من خلال خطاب سياسي وإعلامي مأزوم دفع بالبلاد نحو زوايا حادة أفرزت حرب صيف 1994م ومشروع الانفصال الذي كان انقلاباً على الوحدة في شكله، لكنه كان انقلاباً على الديمقراطية ونتائجها بعد انتخابات 1993م في مضمونه الحقيقي.

ولئن كان الحزب الاشتراكي اليمني هو الذي تحمَّل ودفع ثمناً باهظاً جراء دفع الحياة السياسية إلى زوايا حادة قبل وبعد انتخابات 1993م، فقد كان الحزب ضحية لحسابات وتحالفات ومراهنات سياسية خاطئة بسبب عجزه عن قراءة الواقع، والاستغراق في الأوهام التي لم تمكّنه من فهم وتحليل واستيعاب المتغيرات التي تحدث في العالم الواقعي ، حيث اكتشف قادة الحزب في غمرة سقوط مشروع الانفصال الذي ولد ميتاً منذ اليوم الأول لإعلانه بعد ثلاثة أسابيع من حرب 1994 المشؤومة أنّ الذين لعبوا دوراً بارزاً في تأزيم الحياة السياسية ودق طبول المواجهة من داخله وخارجه ، كانوا في مقدمة الذين خذلوهم ، ثم تخلوا عن أخطائهم بعد أن أدخلوهم في مناطق رمادية وزوايا حادة انتهت بالسقوط في الكارثة .

وبعد انتخابات 1997م التي حقق فيها المؤتمر الشعبي العام فوزاً بأغلبية مريحة أهلته لتطبيق برنامجه الانتخابي عبر حكومة منفردة ، نشأ تحول جديد في المشهد السياسي ، تمثل بخروج حزب التجمع اليمني للإصلاح من السلطة بعد أن أنهى ائتلافه مع المؤتمر الشعبي العام وانتقل إلى ساحة المعارضة، ثم تحالف بعد ذلك مع الحزب الاشتراكي اليمني وحلفائه من خلال "اللقاء المشترك" ، حيث قامت الأحزاب المنضوية في هذا التكتل المعارض باعادة إنتاج ذات الخطاب السياسي والإعلامي الذي استخدمه الحزب الاشتراكي اليمني وحلفاؤه قبل وبعد انتخابات 1993م والأزمة التي نجمت عن نتائجها.

والحال أنّ الخطاب الإعلامي والسياسي لأحزاب اللقاء المشترك تميز طوال الفترة السابقة للانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2003م بتشويه صورة الواقع السياسي وتصعيد المكايدات الحزبية ، وممارسة مختلف أشكال الابتزاز عبر الأبواب الخلفية للسلطة في ظروف كانت البلاد تخوض خلالها مواجهة ضارية مع الإرهاب الذي استهدف زعزعة الأمن والاستقرار والإضرار بالاقتصاد الوطني في مختلف المجالات وتشويه سمعة البلاد وعَلاقاتها الخارجية.

والأخطر من كل ذلك ، فقد لوحظ أنّ الخطاب السياسي والإعلامي المعارض بعد الانتخابات البرلمانية لعام2003م والانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م اتجه لاقتحام مجالات خطيرة من خلال التنظير لإمكانية وضرورة اضطلاع أحزاب المعارضة بمهمة الإعداد لمشروع ( الثورة الشعبية ) و ( الهبّة الشعبية ) على الأوضاع القائمة والعودة إلى (الجماهير) والزعم بأنّ شروط تفجير مثل هذا ( التغيير الثوري ) قد نضجت على نحو ما قرأناه في بعض صحف ( اللقاء المشترك ) ، حيث فات أولئك المنظرون ، أنّ ( التغيير الثوري ) يتحقق عادة من خلال استخدام القوة حتى وإن لم تسفر عن قطرة دم واحدة ، وهو ما لا يضمنه أحد عند التخطيط والدعوة لتفجير( الثورة الشعبية ) أو ( الهبّة الشعبية ) في اليمن حيث تمتلك أحزاب المعارضة وزعماؤها ومشائخها وقبائلها ترسانة ضخمة من الأسلحة المدمرة !!

يقينا أن المشهد السياسي الراهن ينطوي على مخاطر جدية بسبب تصاعد الميول لدق طبول المواجهة وتأزيم الحياة السياسية وتفجير ما تسمى ( الثورة الشعبية ) أو ( الهبّة الشعبية )، بيد أن تجاوز هذه المخاطر لا يمكن تحقيقه بدون معالجة الآثار السلبية للحروب الأهلية والأزمات السياسية الحادة التي شهدتها البلاد ، بدءاً بالصدمة التي أصابت الحزب الاشتراكي وحلفاءه بعد إعلان نتائج انتخابات 1993م ثم وصلت ذروتها في حرب 1994م، مروراً بالصدمة التي أصابت أحزاب المعارضة بعد فشلها في الانتخابات البرلمانية لعام 2003م ، وانتهاء بفشل مراهنات هذه الأحزاب على تحقيق نتائج حاسمة في الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م، بالتزامن مع إستئناف حرب صعدة مجدداً بعد هذه الانتخابات ، و تشغيل ماكنة موازية لها من الاحتجاجات والاعتصامات التي أنتجت بيئة حزبية مأزومة ، وخطابا سياسيا وإعلاميا طافحا بثقافة الكراهية ، وملوثا ً بالأفكار والنزعات المذهبية والسلفية والمناطقية والانفصالية التي يدفع الوطن والمجتمع بسببها ثمن إصابة نخب صغيرة ومعزولة من السياسيين الخائبين والأنجلتنسيا المأزومة بمرض الادمان على الطفولة السياسية والمراهقة الفكرية والتعصب العقائدي والوهن العقلي، الأمر الذي يستلزم التحذير من مخاطر النزعات الرامية إلى دق طبول المواجهة في الزمان الخطأ والمكان الخطأ.. حيث لم يعد ثمة متسع من الزمان والمكان لأن يشرب الضحايا مقالب جديدة سبق لهم أن شربوها من قبل .