نعم سيغنّي إيهود باراك أغاني صباح فخري ... ولكن متى وكيف؟!
بقلم/ سمير عبيد
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 4 أيام
السبت 23 يونيو-حزيران 2007 12:02 م

مأرب برس ـ بروكسل ـ خاص

في مقابلة أجرتها صحيفة الشرق الأوسط في عام 2001 مع السيدة الأنيقة زوجة السياسي الإسرائيلي إيهود باراك قالت فيها:

 (أنني أجيد الطبخ العربي وأن باراك يحبه ، وأعتبر الرئيس ياسر عرفات بمثابة والدي، فهو يزورنا في بيتنا بين فترة وأخرى ،وهو رجل وقور وحنون وأشعر أنه أبي، وأن السيد عامر موسى صديقا شخصيا لنا، وعندما نسهر معا يتمايل السيد موسى وباراك طربا على أغاني أم كلثوم، فباراك يحب أغانيها كثيرا).

لذا فلو جئنا لموضوع السلام بين العرب وإسرائيل بشكل عام، وبين سوريا وإسرائيل بشكل خاص ،فهو يحتاج الى شجاعة من نوع خاص و من الجانبين، ولكن يجب أن تكون الشجاعة مضاعفة من الجانب الإسرائيلي .

فمثلما التشدّد موجود عند العرب، وهذا حقهم كونهم أصحاب الأرض الأصليين، فهناك تشدّدا لا مشروعية له في الجانب الإسرائيلي، وهو على نوعين ديني وديموغرافي، إذ أن هناك العقلية الإسرائيلية ،وخاصة الإشكنازية التي تطبق نظرية ( لا تطلب الصفح أبدا، فعليك دائما إنكار كل شئ ، وإلا فسيطلبون منك دفع التعويض والمال).

أنهم يخافون الإعتراف بأنهم سلبوا الأرض، وألحقوا الضرر الجسيم ، أي هم يريدون إنكار التاريخ من الألف الى الياء،بل يريدون من العرب والآخرين نسيان الأمر البتة، وعلى أميركا والغرب دفع التعويض نيابة عنهم وضمن إستراتيجية التعويض خارج فلسطين المحتلة، أي من خلال إسكان الفلسطينيين في الشتات وفي الدول العربية.

فهناك من يعرض ويطبّق أبسط الحلول من وجهة نظرهم ،وهو ( طرد العرب من البلاد أي من إسرائيل ) وهذا ما تجرأ على قوله المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس عندما قال ( أن من سوء الحظ أن بن غوريون لم يفعل ذلك في عام 1948 ) ويقصد طرد جميع العرب من فلسطين، وهذا يعني أن إسرائيل دولة ديموغرافية بإمتياز ،فهي دولة عنصرية على طراز الأبارثهايد في جنوب أفريقيا أي دولة عنصرية تعدت العنصرية العِرقية نحو الجيتو والعنصرية معا، أي تبرير كل شيء وإعتباره مدرسة ونهج وسياسة وأخلاق ودين ومنطق.

وهذا يعني أن الجدل العقيم سيستمر الى قرون إن لم تتغيّر العقليّة الإسرائيلية الإشكنازية التي تقود إسرائيل وتعسكر المجتمع الإسرائيلي، وتجعله مستنفرا على الدوام ،وضمن قناعات أنهم من يكتب التاريخ للعرب وللآخرين، وأنهم من يعرّف الصدق والكذب ، ولو جئنا للحقيقة والتي يعرفها عقلاء إسرائيل من المتدينيين والمفكرين فأن من يدمر اليهود والمجتمع الإسرائيلي ويفنيهما هي العقليّة الإشكنازية نفسها ،لأن من المستحيل أن تقبل منطق ونظام فرعون في هذا الزمان وهذه الأيام.

ولكن لا لليأس، فعلى العرب تشجيع القادة الإسرائيليين الذين يؤمنون بالسلام، لأن من أخطاء العرب الكبرى أنهم أهملوا العمل على تكوين لوبي داخل إسرائيل، ويكون من أحزاب اليسار واليساريين، ومعهم التيارات الدينية غير المتشدّدة ،والتي قرأت التوراة والعهد القديم والقرآن وعرفت بأن السلام مع العرب هو الذي يؤمن كرامة وأمان اليهود بين العرب والمسلمين.

فالإعلام العربي كان ولا زال كسيحا لتعريف المجتمع اليهودي في إسرائيل بالتاريخ الحقيقي، وبخطر المنطق الإشكنازي العنصري، والإستراتيجية الديموغرافية التي يتبعها الساسة في إسرائيل، والتي من أجلها يستوردون البشر ليكونوا يهودا في المستوطنات التي تستنزف المجتمع الإسرائيلي، وضمن إستراتيجية ديموغرافية تقودها عقول إشكنازية لا تقبل النقد ، بل الذي حصل عو تعرض إعلامنا العربي الى الهيمنة الصهيونية والإشكنازية.

وحتى هناك تقاعسا سياسيا في الجانب العربي ، والذي فرضه المنطق الخشبي الذي يمنع صنع اللوبيات داخل إسرائيل، وتحت مبدأ ( إن من تحدث ويتحدث مع يهودي وإسرائيلي فهو خائن وجاسوس) علما أن هذا المنطق يخالف سياسة الرسول العظيم محمد صلي الله عليه وسلم ،والذي حاور اليهود بل قبل الهدايا من اليهد أيضا

فهناك شرائح سياسية وإجتماعية وثقافية ودينية في داخل إسرائيل تريد التخلص من نظرية الدولة الديموغرافية المسيّجة بالجيتو اليهودي نحو دولة عصرية وديموقراطية تقبل الحلول الوسط وتساوي بين الإسرائيلي والعربي، وتقرر الإنسحاب نحو ما طلبه ويطلبه منها العرب من أجل طمر الكراهية والحقد والُثأر والكراهية والعداء والحروب ، وهذا يعني أن هناك أرضية صالحة لصنع اللوبيات داخل إسرائيل من أجل فرض السلام ، وكان يفترض هناك صندوقا عربيا لدعم هكذا توجهات وهكذا سياسات، ولكن الذي حصل هم الذين صنعوا اللوبيات في داخل حكوماتنا وومؤسساتنا المهمة ، وداخل شعوبنا ودولنا العربية وهذه حقيقة .

وللأمانة فلقد نجحت نخبة قليلة من القادة العرب من فهم وإدراك أهمية هذه الشرائح الإسرائيلية واليهودية الرافضة للمنطق الإشكنازي ، وكان الرئيس السوري بشارالأسد هو الأول الذي نوه حول فهم وأهمية هذه النقطة ،وباشر ومنذ زمن بإعطاء الضوء الأخض العلني لبعض رجال الدين السوريين ومعهم بعض المفكرين من الحوار مع الحاخامات ومع المفكرين المعتدلين من اليهود وبشكل مكشوف وتحت الضوء، والهدف ليس تخاذلا أو تملقا بل نحو تحريك المشروع الذي يتحرك نحو تثقيف الجانب الإسرائيلي تاريخيا، لأن الجانب الإسرائيلي يعيش فقر الثقافة التاريخية، وخصوصا في المحفل السياسي الذي يخرّج القادة في إسرائيل، وربما بتعمّد مقصود.

لهذا أصبح واجبا أن يعمل العرب ثغرة في جدار إسرائيل، ومن خلال العقلاء من حاخامات ومفكرين ،كي يعقلنوا ويثقفوا قادتهم حول التاريخ والإسلام والعرب، وهذا ما قام به المفتي السوري أخيرا في العاصمة النرويجية أوسلو عندما إجتمع مع الحاخام الأكبر هناك، ومعه بعض المثقفين اليهود وبشكل علني، حيث دار حوارا فكريا ودينيا ، وكانت خطوة في الإتجاه الصحيح.

لذا فأن الخطوات الحالية التي أعادت السيد إيهود باراك ليكون زعيما لحزب العمال تبشر بعهد جديد فيما لو شُجع السيد باراك من العرب، وكذلك لو حُمي من قبل الحاخامات الذين يعرفون الحقيقة التاريخية والتوراتية والإسلامية، ومن قبل شرائح اليسار والمفكرين العقلاء كي يباشر السيد باراك بالشروع نحو السلام.

فالرجل يمتلك شجاعة ومرونة وهذه حقيقة، ولقد سجّل في تاريخه ( الربع الأخير من تاريخه) بعض الإنجازات العقلانية ،وكان شجاعا وصريحا مع السوريين والفلسطينيين، وهو الشخص الوحيد بعد إسحاق رابين الذي يعرف ماذا يريد المفاوض السوري، وهو الذي يعرف جيدا أين توقفت المفاوضات، ولماذا ، وماهي الكلمات التي إحتوتها وديعة رابين.

فالجانب السوري واضح جدا، وسوف يجده السيد باراك فيما لو لبس درع الشجاعة وفكّر بمستقبل شعبه سلسا وواضحا لأن شروطه وطلباته واضحة ومنذ مدريد عام 1991، وأن الكلام الذي قاله وزير الخارجية السوري السيد وليد المعلم أخيرا والذي نصه ( إن على الجانبين السوري والإسرائيلي التقدم نحو المباحثات دون شروط مسبقة، وأن سوريا ستكون شريكا مستعدا لتحقيق السلام إذا قرر الإسرائيليون إستئناف المحادثات) ليس جديدا خصوصا وهو الشاهد والمشارك في مفاوضات مدريد، ويعرف جيدا أين توصلت المفاوضات ،ولماذا توقفت، ناهيك أنه عرف السيد باراك جيدا.

لذا فعندما نقول أن الكلام ليس جديدا ،فهاكم تصريحات الرئيس المصري مبارك في 22/1/2004 وبلقاء مع المثقفين المصريين ،فلقد قال ( الرئيس الأسد أكد أن موقفه هو إستئناف المفاوضات من حيث إنتهت ، ولكن إذا تعذر ذلك فهو يقبل إستئنافها بلا شروط مسبقة) وللتذكير فأن توقف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل كان في عام 2000 وعندما كان رئيس الوزراء العمالي إيهود باراك في السلطة.

وهذا يعني أن أمام السيد باراك فرصة كبيرة للحصول على جائزة نوبل للسلام، ومن ثم أمامه فرصة ليدخل التاريخ وللأبد ولكن من البوابة السورية، والتي هي مفتوحة له بشرط توفر المصداقية والشجاعة في إتخاذ القرار الذي يعيد الجولان ويرتب ما تبقى من ملفات وأهمها المياه وبذلك يطوي مرحلة الصراع المرير، ويؤسس الى مرحلة السلام.

وأن السيد باراك يعرف الحقيقة بأن العرب ليسوا شعوبا عدوانية، ولا يميلون للشر، لذا نصيحتنا للسيد باراك، ولكبار الساسة في إسرائيل الإسراع بترتيبات أوراقهم نحو الشروع بمباحثات السلام لأن الوقت من ذهب بالنسبة للشعب الإسرائيلي ، لأن المنطقة مقبلة على ثقافة الإيمان بالقوة والتحدي، ولقد صدق الرئيس الأسد عندما قال ( إن الأجيال العربية الحالية هي الوحيدة التي تؤمن بالسلام فسوف تأتي أجيال لا تؤمن به أصلا) وكان يقصد الشعوب والقادة، وهي قراءة دقيقة وحكيمة وأصبحنا نلمس ذلك هذه الأيام.

فأن كان هناك عقل ومنطق عند الجانب الإسرائيلي فيجب أن يتبلور من خلال دعم الذين يؤمنون بالسلام مع سوريا والعرب، وأن الزمن ليس في صالح إسرائيل ،ونحن هنا لسنا من الخائفين، ولا من المتخاذلين، وبنفس الوقت لسنا من العاملين لصالح الكيان الإسرائيلي ،بل نحن نفكر بالأجيال العربية الإسلامية والمسيحية واليهودية معا ،فلابد من وضع حد للحروب والعداء، وذلك من خلال السلام الذي حدده العرب، مرورا على قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي لا يجب القفز عليها.

فنعم ستغني يا سيد باراك من أغاني الفنان السوري صباح فخري، وسوف تجد قائدا عربيا على درجة فائقة من التهذيب وهو الرئيس بشار الأسد، ولكن عليك بالمصداقية وفهم التاريخ، ويجب أن تكون لديك الشجاعة بالتوقيع على سلام دائم يعيد الجولان والأراضي العربية المحتلة، والقبول بما طلبه العرب في قمة بيروت والجزائر وما بعدها ،مع سماع الإعتراضات الجانبية من بعض العرب.

وأخيرا بودنا أن نطرح على الإسرائيليين وفي مقدمتهم الحاخامات العقلاء والسيد باراك سؤالا مهما :

هل تحبذون الفوضى والعنف والدم والإرهاب في سوريا والذي تريده الولايات المتحدة وبعض الحاقدين من الساسة اللبنانيين وبعض العرب، والذي سيكون على مرمى حجر منكم... أم أنكم تحبذون سوريا الأمينة وبقيادتها الحكيمةالحالية التي مدّت وتمد يدها للسلام معكم؟ ..

فنرجو منكم حسابها بشكل دقيق وبلا تكابر، وقبل الحساب والتحليل عليكم معرفة حقيقة مهمة وهي أن سوريا مدّت وتمد يدها للسلام معكم ليس من موقع الضعف إطلاقا ،بل هي قوية وتمتلك أوراقا كثيرة ،وحتى أكثر منكم ،ومن الولايات المتحدة الأميركية نفسها في المنطقة..... فاغتنموا الفرصة قبل فوات الآوان نحو تأسيس العلاقة التاريخية بين المسلمين والمسيحيين الشرقيين من جهة، وبين اليهود من جهة أخرى، ولن يحدث هذا إلا من خلال تحقيق السلام العادل والدائم ، والذي يعيد الجولان والاراضي العربية المحتلة!!!.

كاتب ومحلل سياسي

مركز الشرق للبحوث والدراسات

22/6/2007