من صنعاء أردناها سلمية.. ومن الرياض يريدها دموية
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 9 أيام
الخميس 18 أغسطس-آب 2011 05:47 ص

مجددا ومن على تراب أرضها وعبر أثير سمائها سمحت الرياض للرئيس اليمني أن يخاطب شريحة معينة من شعبه مؤكدا فيه استعداده لمواجهة كل التحديات ومسفها بقية أبناء الشعب الثائر ومهاجما أحزاب اللقاء المشترك واصفا أياهم بالخيانة والإرهاب والماركسية والحوثية غيرها من الألقاب المميزة..

ولا أدري كيف ارتضت المملكة أن يطلق ضيفها هذه الصفات على كيان تعترف هي بقوته وفاعليته من أجل نجاح مبادراتها لإخراج اليمن من أزمته الحالية!! وكيف تسمح الرياض أن تكون أرضها منبرا لدعوة الفتنة والتحدي بين أبناء الشعب الواحد ولا تقوم بتنبيه ضيفها وتعريفه بثوابت الخطاب السياسي المطلوب الا إذا كان الامر هو من باب (حاجة في نفس يعقوب قضاها), وكنا نتمنى أن تكون الدعوة من الرياض هي لبدء تنفيذ المبادرات الخليجية المتعددة لا لدق طبول الحرب وتوجيه الاتهامات يمنة ويسرة , فمن بلدان تدعم الثورة بالمال إلى تدخلات صينية وروسية ومصرية في مراحل التغيير قديما وحديثا في هذا البلد المستباح لكل الدول من وجهة نظر ضيف المملكة , والغريب أنه لم يأت على ذكر أهم دولتين لعبتا في التاريخ الحديث أدوارا مهمة في رسم ملامح اليمن ومعالم دولته السياسية وهما أمريكا والمملكة السعودية!! وفيما مضى فقد أثبتت التجارب والمواجهات المستمرة في تاريخ اليمن بشطريه أن حسم الصراعات بين الأطراف المتنازعة لم يتم يوما بالسلم إلا فيما ندر ولم يجد الحوار فيما بينهما نفعا فمنذ قحطان وسالمين ويناير الدموي في جنوب اليمن إلى السلال والحمدي والغشمي في الشمال تم الحسم بانقلابات عسكرية أو مواجهات مسلحة وقتال عنيف..

واليوم تأتي الأحداث لتعيد هذه السُنة المرعبة إلى مربع النزاع السياسي في البلاد ففي الوقت الذي رفعت فيه الثورة شعار السلمية وسعت فيه المعارضة إلى الحوار ومبادرات السلام برغم ما فيها من هدر لوقت ثمين تحتاجه الثورة للتقدم قدما نحو النصر , كان النظام يستغل هذه الفترة الزمنية لترتيب صفوفه وتقوية أركانه وتغطية النقص الذي يعانيه في العتاد والرجال ويقوم بالتواصل الجاد مع أطراف مهمة في الداخل والخارج ساعيا لتعويض ما فاته من تأخير في مجاراة خطط خصومه والتغلب عليها .. حتى اذا استشعر من نفسه قوة وتمكنا ودعما خارجيا وتأمينا خرج يعيد على اسماعنا لغة المواجهة والتحدي ويجمع حوله عددا من واجهات المجتمع وأعيانه وهم لا يخرجون عن أحد اثنين إما أصحاب مصلحة يخشون فواتها وتجارة يخافون كسادها وإما أنهم كارهون لرموز المعارضة والثورة فهذا يكره آل الأحمر وذاك يكره الإصلاح وأخر لا يطيق الاشتراكي.. ورب قائل : نار علي ولا جنة حميد..

لقد كسب النظام الوقت اللازم الذي يحتاجه وذاك أمر نبهنا عليه في مقالات سابقه بأن كل يوم يمر بدون حسم انما هو يصب في مصلحة النظام ويجعل الثورة تتقهقر وتفقد شيئا من مميزات قوتها ودعمها.. فكلما ظننا أن الأمر حُسم والتنازل اقترب جاءتنا ريح عاصف اجتثت احلامنا من قرارها لنعيش الواقع الاليم المؤدي الى جحيم الفتنة والدمار..

وفي خطاب رئيس النظام من أرض الحرمين لملتقى القبائل اليمنية مؤخرا ظهر جليا هذا التوجه الدموي .. فبعد التجمعات العشوائية في التحرير والتكتلات المختلطة في السبعين والتي لم تكن صاحبة تأثير قوي مستمر في الساحة الشعبية سياسيا تم الزج اليوم بالقبيلة لتكون ركنا فاعلا وداعما للنظام وحرسه الجمهوري الذي بدأ يستشعر خطورة الوضع وهو يرى انهيار أهم قوة يعتمد عليها تحت وطأة ضربات الرجال في أرحب ونهم .. كما أنه وجد في هذا الملتقى حاجته للتصدي لشباب القبائل الأخرى الداعمة للثورة والذين وصفهم (بالزندنه) وهم شباب منظم وله غاية وقضية لا يهمه أن يذوق الردى ليصل إليها بكل فدائية ورضا.. وبه كذلك يسعى ضيف المملكة لكسب المزيد من الوقت مقنعا نفسه والعالم أنه ما زال قويا وحوله محبون يدافعون عنه تحت مسمى حماية الشرعية الدستورية..

وهذا الملتقى القبلي خطوة لها من الخطورة بمكان وعلى حكماء المعارضة أن تدرسها بجدية وإمعان لأنها ستحفظ لقوات النظام جاهزيتها القتالية حتى لحظة المواجهة الحاسمة الأخيرة وتمنحها مزيدا من الوقت للاستعداد بتغطية جوانب النقص لديه .. وكما أنها في نهاية المطاف ستحقق مراد النظام بتحويل الثورة عن أهدافها واندلاع الحرب الأهلية والمواجهات المناطقية التي كان يسعى لها منذ زمان..

وخلاصة ما أريد قوله وهو من وجهة نظري فقط أن ما كان الجميع يتحاشاه ويخشاه لا بد من مواجهته.. المواجهة المسلحة .. الحسم العسكري .. أردنا جميعا أن تُحسم الأمور سلميا وأن لا تسيل قطرة دم واحدة وقد كانت كل خطوات المعارضة وشبابها تسير في هذا الخط حقنا للدماء ومنعا لحدوث كارثة عنف اللقاء .. ولكنها كانت للاسف كمن يحرث البحر ويبذر الصحراء فانتظرت تفتح أزهار الخير فجاءتها أشواك السدر وثمار الخمط المرير ولتكتشف أنها أحيانا في ملعب السياسة كانت تلعب كطفل هاو أمام محترف عتيد..

ويا للأسف الشديد أنني حينما كنت أكتب منبها على أن هذا النظام ومن خلال التجارب معه لم يكن يوما ممن يحفظ عهدا ولا يرعى ذمة وكان دائما ينقض المواثيق ويفسخ العهود وأنه لا بد من حسم وشدة معه ولو بالتضحيات الجسام كنت أجد هجوما وعتابا لما أكتبه وأنه تجاوزات وشطحات وربما استغله اخرون لأغراضهم الخاصة .. ويتناسى المعاتبون أننا حينما نكتب انما نكتب من اجل الوطن واستقراره والشعب وازدهاره ولا يهمنا من استغل ذلك لغرض في نفسه أو من غضب لحاجة في كيانه .. وها هي الأيام تثبت أنه لا فائدة في حوار وسلم مع من كان العنف والخيانة ديدنه .. وأن التأخير والمماطلة والانجرار وراء أوهام المبادرات قد يؤدي اليوم إلى تحويل المواجهة بين الثورة والنظام إلى مواجهات شعبية بين أبناء الوطن الكرام.. وهو أمر نسأل الله في خواتيم هذا الشهر المبارك أن يجنبنا إياه وأن يحفظنا من كل شر وفتنة .. وحسبنا الله ونعم الوكيل.