فخامة الرئيس ..اغتنمها قبل أن تكون أنت الغنيمة غدا
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 11 يوماً
الأحد 16 يناير-كانون الثاني 2011 05:27 م
 

في البرنامج التلفزيوني (شاهد على العصر) تحدث الدكتور عدنان الباجه جي وزير خارجية العراق الأسبق وعضو مجلس الرئاسة في مجلس الحكم عام 2003 متحدثا عن فترة صدام حسين قائلا : (( فكرت أن صدام صارت له فرص لم يحلم بها أي حاكم من حكام العراق منذ قيام الدولة العراقية وكيف ضيعها، مثلا جاء الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط اللي أعطاه في الحقيقة إمكانيات وثروة ما كان يحلم بها أي حاكم عراقي آخرـ بعدين شاف الوضع الإيراني في الحقيقة مضطربا جدا عشرات الضباط أعدموا ـ جاءته فرص أن ينهي الحرب ولم ينهها مع إيران ـ راح غزا الكويت .. مو إحنا اللي جبنا الاحتلال، اللي جاب الاحتلال صدام، صدام مسئول عن احتلال العراق بسياسته الخرقاء ومغامراته اللي ما لها أي، هذه الحقيقة. إحنا جبنا الاحتلال؟ إحنا قلنا لأميركا تعالوا احتلوا العراق؟ لا، لا )) لقد سنحت للرئيس صدام فرص عديدة ليتفادى بها النهاية ولكنه كان لا يحسن استغلالها .. فكانت النتيجة الأليمة احتلال العراق ومحاكمته وإعدامه وقتل وأبنائه

ـ هذا الكلام تذكرته وأنا انظر إلى حال الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي حكم تونس طوال 23 عاما ثم فجأة وخلال أسبوع واحد أراد أن يحسن التصرف من خلال إحداث تغييرات جوهرية في سياسة الحكم بعدم الترشح لعام 2014 وإيجاد وظائف عديدة للخريجين والحرية لكافة أنواع الصحافة والإعلام وإقالة عدد من المتنفذين والمقربين إليه وعودة المهجرين والمنفيين إلى ربوع الوطن وغيرها من قرارات كان بإمكانه أن يتدرج بالأخذ بها خلال فترة حكمه السابق ليتفادى هذا المصير المشئوم ولكنه فجأة حينما رأى بأم عينيه نهايته المحتومة أراد خلال فترة قصير إصلاح ما أفسده في 23 عاما ولآت ساعة إصلاح وتحسين ..

وعجيب أمره حينما يقول لشعبه الثائر : لقد فهمتكم .. آلأن فهمت شعبك يا زين العابدين ؟! لماذا تطلب الأمر 23 عاما لتفهمهم .. وكيف استطعت في شهر واحد فهمهم وتلمس معاناتهم وآلامهم التي عانوها منك ومن بطانتك .. كم فرصة جأتك وأهملتها .. كم لحظات اكتشفت فيها فساد أقاربك وغضيت الطرف عنها .. كم مواقف تبين لك عقم سياسة حكومتك وظلمها وفسادها ولم تحاسبها .. وحينما انتهت فرصك أردت فعلها كلها في غمضة عين .. وبين عشية وضحاها كانت النتيجة : زوال حكم طال وامتد ولم ينفعه قانون الحكم مدى الحياة ـ القبض على خمسين من حرسه و3000 ألاف من رجال أمنه ـ قتل ابن شقيق زوجته والقبض على عدد من المقربين ـ مهاجمة شركاته ـ رفض عدد من الدول استقباله وفرنسا لا ترحب بوجود أقاربه على أرضها .. في لحظة طار بن علي ولو أنتظر قليلا لألقي القبض عليه ولذاق بعد العز طعم الهوان !!

ـ عجيب أمر حكامنا لا يعتبرون فيما مر بهم من الأحداث والقصص وسنة الله الثابتة في حركة التاريخ .. ويسيرون سراعا على نهج فرعون الذي أراد في لحظة غرقه أن يؤمن إيمانا ( ملتويا ) فلم يقبل منه لأنه أضاع كل فرصة سنحت له لإصلاح وضعه وحرية شعبه ورخاء بلاده .. وكان لمن خلفه آية فهل من معتبر .

لماذا لا يحسن رؤسائنا استغلال الفرص لإصلاح أوضاع أوطانهم وتحسين معيشة شعوبهم .. لماذا يركبهم الغرور والكبر أمام أي صوت نقدي بناء فيصمون أذانهم عن الإنصات إليه .. لماذا هم يسيرون على نفس المنهاج في تولية أقاربهم مناصب هامة في الدولة وعلى نفس وتيرة الظلم والفساد من بطانة المقربين والمتنفذين .. لماذا يرغبون في حكم مدى الحياة ويطمعون في توريث الأبناء له وقد ذاقوا ألامه وسوء خاتمته .. يعتمدون على قوات أمنهم ورجال استخباراتهم فلم يغنوا عنهم شيئا .. بل تركوهم بين انتقام الجماهير وبين التواري والاختباء كالجرذان في جحورها أو تسليم أنفسهم ليحاكموا ويتعفنوا في زنازين طالما حبسوا الناس فيها ظلما وعدوانا .. ورب مواطن تونسي اليوم يبحث عمن أشبعه ركلا ليشبعه طعنا

ـ ونحن كيمنيين كيف يستفيد ولي أمرنا من هذا الأمر ويراجع الخارطة ويعدل القرار ويصحح المسير .. ففي هذا الوقت يطالب بسن قانون ليحكم مدى الحياة ويتردد في الشارع عن توريث للحكم .. والدخول في انتخابات نيابية منفردا غير أبه بكل الكيانات والقوى السياسية في البلاد .. ولا يسمع لأنين الجنوب المتألم .. ناهيك عن أشياء حقيقية عن تقريب الأبناء والأقارب لمهام قوية وحساسة ما بين أمن مركزي .. وقوات خاصة وحرس جمهوري وقيادة طيران وغيرها .. وكذلك عن امتيازات مدنية لبطانة المقربين وشلة المحبين لا تقل حساسية وقوة عن نظائرها الأمنية .. فالمنهاج السائد لدينا هو ما عليه تونس التي خلعت حاكمها وردت عليه حديقته وهو سائد في مصر وليبيا وغيرها .. مع فارق واحد ( ولله الحمد ) أن سيدة اليمن الأولى لا تتدخل في سياسة البلاد من قريب أو بعيد

لهذا سيدي الرئيس / ما زال أمامك متسع من الوقت وفسحة من الأمل لتصحيح أوضاع لا تخفى عليك في فسادها وشططها .. هلم الآن بها فيخرج الشعب مهللا لك .. لأنني أخشى أن تضطر لفعلها وقولها يوما فلا تقبل منك .. افعلها قبل أن تظهر علينا بصوتك المبحوح فتقول : لا حكم مدى الحياة .. سيتم إقرار القائمة النسبية وتصحيح سجل الانتخابات .. تم إقالة عدد من المسئولين وتحويلهم إلى المحاكمة .. و.. و .. و .. فيرفضها الشارع ولا يطلب إلا مطلبا واحدا إزاحتك عن الحكم .. فليس شعب تونس بأقوى من شعب اليمن ومعاناتهم لا تساوي شيئا أمام معانات شعبنا .. فاغتنمها اليوم قبل أن تكون أنت ومن معك الغنيمة غدا ..!