الريال.. بين دعم مجور المطلوب وجور الدعم المسلوب
بقلم/ عبدالله الثلايا
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 30 يوماً
السبت 31 يوليو-تموز 2010 06:44 م

تحت تأثير التوجهات السياسية والاقتصادية عديمة الرؤية والهدف وفي ظل التأزمات التي أخفقت الحكومة ومن فوقها في الإمساك بلجامها، كان من الطبيعي تدهور صحة الريال الهزيل سريعاً الى أدني مستوياته. وما زاد الطين بله، لجوء الحكومة الى علاج بنكها المريض عند العطار الذي استبدل رأسه المحتضر برأس ميت. ولشد ما يثير التعجب والحنق جرأة محافظ البنك المركزي الجديد القديم في التصريح بأن سبب تدهور الريال الأخير هو زيادة استيراد مواد رمضان، وكأن رمضان رئيس أمريكي ثقيل يزور اليمن مع جحافله لأول مرة ويأكل مدخرات شعبنا. وكأن هذا المحافظ لم يكن يوماً مسئولاً عن إدارة الإعتمادات المستندية وإدارة الاستثمار وادارة البحوث، حيث كان قلمه يخط توقيه على أوامر إعتمادات مستندية بمئات ملايين الدولارات تبلغ ذروتها في شهر يوليو وأغسطس من كل عام! ناهيك عن السحوبات من الاحتياطي العام لتغطية مصاريف الحرب السابقة واللاحقة وتجارها.

واذكِّر الهمام بأن مستلزمات رمضان ما هي إلا شُرية وزبادي وزيت ودقيق وسكر لا يزيد مجملها عن 40% من احتياجات الأسرة العادية. كما ان اجمالي استيراد الغذاء لا يتجاوز 5% من نسبة مستوردات بقية السلع لاسيما المشتروات الحكومية! فلماذا الكذب على البسطاء! كما ذهب رئيس الوزراء أمام البرلمان ليتهم الدعم (عدو الحكومة الأوحد ومبرره لكل الأزمات) بأنه وراء الأزمة الجديدة، بينما يصرح لاحقاً في نفس اليوم وفي مكان آخر ان أذون الخزانة هي وراء ذلك في الوقت الذي أصر أنا أن الإدارة الاقتصادية الفاشلة للبلاد وعدم تنسيق أدوار كافة المؤسسات ذات الصلة بالاصلاحات النقدية المطلوبة هي العدو الأوحد للاقتصاد. لقد ذكرت في مقال سابق أن بقالات الصرافة وخاصة الكبرى ما هي الا وكالات تعمل لحساب البنوك لاسيما الأجنبية لامتصاص السيولة من السوق ومن مشترياتها من تدخلات البنك المركزي لصالح فروعها في الخارج التي تعدت ثمان تدخلات بقيمة مليار دولار، ولذا فاننا نرى الانشطة الاقراضية والاستثمارية لتلك البنوك الاجنبية في اليمن لا تتجاوز 9% من اجمالي محفظة أنشطتها في أحسن أحوالها. الجدير ذكره أن غباء البنك المركزي أو هكذا أفهم يقوم بالتدخل في السوق بعشرات ملايين الدولارات وتبيعها دفعة واحدة لمن يدفع مقابلها بالريال أكبر مبلغ ثم يتوقع المركزي من الصراف أو البنك المشتري أن يضخ ما اشتراه في السوق بسعر أقل مما اشتراه! ويتوارث محافظو البنك المركزي المتوالون هذا الغباء جينياً ويصرحون إثر كل تدخل بأن المركزي لن يألوا جهداً في التدخل حتى \"يرجع السعر كما كان\".

وتجدر الاشارة الى تصريحات نائب وزير المالية نهاية الاسبوع الماضي حيث أفاق من سباته الذي دام أكثر من تسع سنوات ويكاد الناس ينسون اسمه ورسمه. وذكر ان أذون الخزانة ممارسة خاطئة وتصريح محافظ البنك تصريح سخيف وذكر عدداً من الممارسات النقدية والمالية الخاطئة التي هي السبب في الانهيار الاقتصادي الواضح في البلاد. واعتقد أن عليه الاكتفاء بالصراخ وانتقاد الوضع وهو من راسمي ومطبقي السياسات. وكنت قد ذكرت في ذات المقال سابق الذكر أيضا أن المحافظ الهمام في منصبه السابق لم يكن ليعارض أي سياسة نقدية انتهجها سلفه ما عدا أذون الخزانة الرأي الذي اقتنع به مجور اليوم (لأول مرة في حياته) الذي حاول بدوره اقناع البرلمان بذلك. ربما لم يدر بخلد الاقتصادي مجور وحكومته محاولة اتخاذ تدابير أولية مثل التحكم بزمام ميزان المدفوعات التجاري واتخاذ اجراءات لمصلحة الشعب ضد حيتان العملة وتعزيز الاستثمار والعمالة عبر ايقاف أذون الخزانة واعلان التقشف وشد الحزام على البطون الممتلئة كما يشدها بمهارة على البطون الجائعة هي أهم من مبررات رفع الدعم التي شرب منها المجتمع الفقير وشبع حتى الثمالة. فهل المجور وفريقه أكفاء كفاية لأداء هذا الدور المشرف، أو أنه سيفضل لعنة الشعب الجائع وغضب الله لتمالؤهم على معالجة جيفتهم بمعاناة الفقراء.

الأمر في غاية البساطة ولا يحتاج إلا الى \"عمل\" و \"بهررة\" ضد أعداء الشعب، وليس استعداء الشعب. فالتفنن في ارهاب الناس بسن ضريبة مبيعات ودفع رسوم ضريبية اضافية لعشرات السلع الضرورية ودعم فواتير حيتان الكهرباء الخيالية وأضرار محطاتها المعطلة ومسلسل رفع الدعم الممل..الخ كل ذلك سهْلُ التطبيق بمجرد امضاء بسيط من مجور، لكنني اعتقد ان هذا الشعب المغرر به والذي يدفع رواتب مجور ومن جاوره يستحق خبراً ساراً لصالحه وحملات أمنية ضد أعدائه في حوانيت العملة وتنسيق السياسات وتطبيقها معاً لكي يعرف أولئك الفقراء أن فلل بيت بوس الجديدة ومشاريع الصالح السكنية تستحق ولو قليلاً أن يسكنها من عمل لأجلهم ولو قليلاً.