لعبة خسيسة تسعى للفتنة بين كرش وردفان
بقلم/ نشوان محمد العثماني
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 5 أيام
الأربعاء 22 سبتمبر-أيلول 2010 12:38 م
منذ الرابع من سبتمبر الجاري, أي منذ قتل الجنديين "صدام فيصل علي عماد", و"فيصل عبد محمد", في مديرية الحبيلين إثر مواجهات بين عناصر مسلحة يعتقد أنها من الحراك الجنوبي وقوات الأمن والجيش, ومنطقة كرش تشهد سخونة ربما تبدو الأولى من نوعها هناك, ليتطور الأمر إلى قيام مسلحين من قبائل الصبيحة في كرش بالاستيلاء السلمي على مبنى إدارة أمن مديرية القبيطة الواقع في منطقة كرش, وغير ذلك أن تلك القبائل نصبت الشيخ حازم طمبح, وهو عقيد في الأمن, مديرا عرفيا على المنطقة, وبقت تنتظر الإيفاء بالمطالب التي حددتها إثر مقتل الجنديين والتي على رأسها تعيين طمبح مديرا لأمن القبيطة.
كما قام المسلحون بطرد الجنود المنتمين لردفان, ولا أدري كم عددهم ولا إن كانوا متواجدين أم لا, لكني أعلم أن المدير الحالي للأمن هناك, وهو العقيد عباس مهدي, ينتمي, جغرافيا, إلى ردفان, وهو الآخر أصبح غير قادر على الاقتراب من مبنى إدارته الأمنية للمديرية ليتخذ من منطقة الشريجة المجاورة مكانا بديلا, ريثما يتم حلحلة الوضع, مع أنه طالب, في تصريحات صحفية, بنقل مكان عمله إلى الشريجة, وقال إنه مديرا على أمن مديرية القبيطة الواسعة والمقسمة إلى أكثر من دائرتين انتخابيتين, وإن قبائل الصبيحة لا تشكل أي رقم.
ومع أن وكيل أول محافظة لحج ياسر اليماني كان قد زار المنطقة والتقى بالقبائل المستولية على إدارة الأمن, كما التقى بالعقيد حازم طمبح, وكانت زيارته الأولى, الجمعة 17/9/2010, من أجل سماع مطالب القبائل ونقلها إلى قيادة المحافظة, لكنه حين عاد بعد يومين, الأحد 19/9/2010م, قال إن قيادة المحافظة رفضت مطلب تعيين طمبح مديرا لأمن القبيطة, وهذا الكلام المنقول باسم قيادة محافظة لحج وُوجه برفض مطلق, إذ رفض طمبح منصبا آخر مقابل التخلي عن المطلب السابق, ما يعني تهيئة المنطقة للالتهاب.
ولقد بقيتُ متابعا للوضع هناك من الوهلة الأولى, وأجريت اتصالات بجميع الأطراف, ومع أن جميعهم يؤكد ميوله للحل السلمي للقضية, لكنما يحس الإنسان أن هناك نوعا من الاستعداد لأي طارئ, وإن حدث ذلك لتسيلنَّ دماء, ولتضاف لجروح الوطن جروح أخرى, خصوصا مع الوضع الملتهب في مناطق ردفان والضالع.
إلا أنه يتضح, بجلاء, أن هناك دسا رخيصا يجري على قدم وساق, وبشكل حثيث, لإيقاع فتنة أهلية بين أهالي كرش, وأهالي ردفان, ولقد وجد هذا الدس الرخيص ثغرة استغلها بما تمليه عليه أهدافه المقيتة, يسعى هذا الدس إلى اغتنام الحالة الشعورية المعادية, ومن البديهي أن تكون كذلك؛ لحجم ما فقدته, عند أولياء دم الجنديين ضد أبناء ردفان التي سقط فيها كل من "فيصل", و"صدام", ليخرج بجر القبائل في كرش, وهي متعاطفة مع أولياء الدم, إلى اتخاذ موقف لا أظنه عادلا بأي حال من الأحوال, إذ ليس من المنطقي اتهام أهل ردفان, بالتعميم والجملة, وبالتالي التحريض ضدهم, وكان الأمر سهلا وبسيطا لهذه الدرجة من الميوعة, بسبب جماعة مارقة, حد ما تُوصف.
ولا يفوتني أن أؤكد على التالي:
أولا: شخصيا أنا متعاطف مع أولياء دم الجنديين, ومهما كان موقفهم, فمن الطبيعي أن نلتمس لهم العذر؛ لأن فلذات أكبادهم ذهبت عن هذه الحياة بدم بارد لا يحترم إنسانية ولا حرمة ولا دين, وهذا الذي لا يحترم كل ذلك, تتوسع مسئولية تحمل بشاعة نتائجه طرفي السلطة والحراك الجنوبي, فالأولى نعرف أهدافها وما تؤول إليه وبالتالي ليست غريبة علينا, إنما الثاني لأنه يقف موقف المتفرج من بعض المواقف التي ترتكب باسمه دون خجل أو ذرة حياء, فالعناصر التي تقول السلطة إنها تابعة للحراك الجنوبي, لا نجد لهذا الحراك أي موقف مشجع وجريء يرقى لإبعاد هذه التلفيقات عنه, إن كانت حقا تلفيقات, وكل ما في الأمر أنه تارة يخرج ببيان إدانة ركيك اللغة, وتارة بنداء شجب ضعيف الصيغة, هذا إن لم يخرج بتهديد ووعيد وهو في حالة لا تؤهله لذلك, فكلنا يعلم أنه مخترق حتى العظم, وعدد غير قليل من عناصره تعمل لصالح أهداف لا أود ذكرها.. وهذا ما يؤدي إلى أحقية اتخاذ موقف مناهض لبعض رموزه وقيادته؛ للأسباب الموردة مسبقا. وكم هو أسفي أن يصبح الحراك الجنوبي هكذا, وهو الحركة الشعبوية الاحتجاجية التي استبشرنا كلنا بانطلاقتها ومشروعها السلمي, لكنما الأمنيات علمتنا كم نحن شعب عاطفي نكاد لا نفقه حتى حسن إدارة حياتنا اليومية.
ثانيا: ثمة رأي يقول, وهو مسموع بوضوح: أبناؤنا يقتلون في ردفان, وفوق هذا يولون علينا أناسا من ردفان. وبصراحة فإنه قول ألتمس له العذر في مثل هذه الظروف؛ لأن السلطة, وبلعبتها الخبيثة, تتبع وبشكل ممنهج السياسة البريطانية "فرق تسد", مع اختلاف أن الحكم البريطاني لعدن حينها كان يتمتع بدرجة كبيرة من الأخلاق, فإعطاء المناصب لأهالي منطقة بدرجة أكبر من منطقة اخرى, وقد تكون مجاورة, يثير تساؤلا محقا: لماذا؟, إلا أن الإجابة تقود إلى اتباع المثل المأثور: الطم الدولة تعرفك؛ من أجل الحصول على مثل تلك الامتيازات. ومعروف للجميع أن منطقة كرش, وما جاورها كالمسيمير وطور الباحة, عائشة على الفتات, فيما مناطق ردفان تنعم, بشكل أفضل من مناطق جنوبية مجاورة, وأدنى بكثير من صنعاء, بالكثير من الامتيازات, في حين أن العقل الشعبي في تلك المناطق, أو في عموم اليمن, سيقودنا إلى الإجابة التي يقول فيها: إن ردفان قضّت مضاجع الدولة بالعنف حتى حصلت على تلك مكاسب, على قلتها, ما يعني: قومي يا كرش والطمي هذه الدولة حتى تجدي لنفسك موطئ قدم, وإلا فستظلي على الهامش.
ثالثا: لكن حجم التنافس في الحصول على امتيازات في التعيين والخدمات وغيرها, سينعكس هنا, وفقا لمرامي الدولة.. فالحال, عند ذوي الأهداف غير السوية, سانح لاستغلال هذا التنافر للزج بالطرفين في صراع أهلي يقدم للسلطة هدية المساح لها بالخلود للراحة, فهناك من يكفيها عناء تتبع هذا الطرف أو ذاك؛ طالما وجد من يريد سفك دم أخيه بدم بارد إرضاء لنزوات بائسة, أو نتيجة شحنات الكراهية التي تغذى بها دون أن يعرف.
رابعا: أؤكد أن كرش وردفان عاشتا, ولا تزالان, في جو من السلم الأهلي لا يعرف الاحتراب, ولقد فوت هذا التعايش الخلاق فرصة سابقة أشعلتها أيادي السلطة في يوليو 2009 بقتل ثلاثة حلوانيين من أبناء القبيطة على يد المدعو "علي سيف العبدلي", الذي يحمل رتبة عقيد والذي كانت وزارة الداخلية قد أكدت وفاته قبل أيام, في حين تقول مصادر محلية إنه حي يرزق, وفي اعتقادي الجازم, فإن العبدلي قد ربما يكون ضحية لدس رخيص, مع أنه ينكر قتله للحوانيين, كما جاء في مقابلة صحفية أجرتها معه صحيفة "الأمناء" في وقت سابق هذا العام. وليس هذا مجالا للتحدث عن تلك القضية.
إلا أن ما يهمني هو أن يتنبه عقلاء وحكماء كرش وردفان إلى المخطط الذي يعد لهما, وهو من تأليف وإعداد وسينرست وإخراج جهات نعرفها تماما.
خامسا: لا أهتم كثيرا بمن سيكون المدير الأمني لمديرية القبيطة, فكلا الشخصين أهل لذلك, إلا أن ما يهمني هو السلم الأهلي وحقوق وكرامة الناس, على أن الأكثر أهمية من ذلك دماء الأبرياء التي ستذهب هدرا وبدم أكثر برودة مما حدث في ردفان, إذا ما حدث, لا قدر الله, وأن تأزمت الأمور أكثر فأكثر.
ولقد أعجبت كثيرا بالتوسط الذي قاده الشيخ عبد الله عبد الجليل, وهو أحد مشايخ ووجهاء القبيطة, تجاه القضية, مبديا حسن النية, ومؤكدا في الوقت ذاته على حق القبائل في الحصول على مطالبها الشرعية التي حددتها في عشر نقاط تقريبا, وقد اقترح توسطه لدى قيادة المحافظة والسلطات المحلية هناك, عله يعمل شيئا, وإلا فليكفي أنه حاول, في حين كان الشيخ عبد القوي العثماني- شيخ قبيلة العثامنة القاطنة في منطقة الشريجة, القريبة من كرش, قد أبدى أمله في حل المشكلة بطريقة ودية, مبديا تحفظه, في تصريح غير منشور, عن اتخاذ أي موقف تجاه أي طرف.. والشاهد من ذلك كله أن العقلاء والحكماء والمشايخ والأعيان جميعهم يجنح للأخذ بالحلول السلمية حتى الآن, وهذا يعني أنه من الواجب أن يعملوا, بيد واحدة, في سبيل منع وقوع المحظور وتشظي الجمع المنذر بكارثة تمحق ميزة السلم الأهلي الذي ظلت المنطقة تتميز به وتتمتع منذ عهود طويلة.
ولئن فات المخطط الهادف إلى إيقاع الطرفين في فتنة, ونجح في ذلك واجتاز الجميع, فلا يعني هذا, إن عنى شيئا, إلا أن نقول: على الدنيا السلام يا من كنا نظن بأنهم حكماء وعقلاء.
مرة أخرى أؤكد أنه إن وجدت جماعة مارقة تستبيح ما أردت وتعمل ما تملي عليها ضمائرها الخالية من الإنسانية والأخلاق, وتنتمي جغرافيا لردفان, فهذا لا يعني أن نحاسب مواطني المديريات الأربع التابعة لردفان بجريرة جماعة لا تُكاد تذكر, وإن كان على الحراك الجنوبي في تلك المناطق ألا يتجاهل ما يجري في كرش, وأن يتخذ موقفا قويا إزاء ما يحدث, كما يجب أن يُوقف أي جماعة تريد أن تسيء له عند حدها؛ حتى يطمئن الجميع أن هناك قضية ومبدأ للحراك ضد ما هو حاصل ويعتمل حاليا, وإلا فإن ما يقال عنه هو ما يلامس عين الصواب. مع أنني متأكد أن الذي يحدث في كرش لو كان يحدث في أبين أو في الضالع لقامت القيامة عند قيادات الحراك في الداخل والخارج, ولأرعدت وضجت الرأي العام المحلي والعالمي بمناشداتها وتصريحاتها, وهذا يدل, إن دلّ, على أن هناك تهميشا لبعض مناطق الجنوب من الجنوبيين أنفسهم, تهميشا تسألني أقذع الكلمات رجاء ألا أستخدمها في وصفه؛ لأني لن أفيه حق التوصيف. ولنا أن نتساءل هنا: ما الفارق في أن تبقى كرش والمسيمير وطور الباحة وغيرها من تلك المناطق مهمشة من السلطة (دحابشة الشمال) أو مما يمكن أن أسميهم (دحابشة الجنوب), فالعيش على الهامش دائما مرفوض مرفوض, والتحرر منه لابد أن يكون على الجميع, فتلك المناطق كانت هي القائدة, ولها سجل ناصع, في ثورة أكتوبر, والاستقلال الوطني, وبرزت منها شخصيات لا تقل أهمية عن الشخصيات الموجودة في الساحة اليوم, أو على تلك التي قضت نحبها, كما تفوق أهميتها أكثر بكثير من بعض من يتنطع حاليا أن الجنوب ملكٌ له وورثة, سواء كان في الداخل أو الخارج..
وختاما, فإني أأمل كل الأمل أن يعيش أفراد شعبنا, أينما كانوا, برخاء وإخاء, بهناء ورواء, بإسلام وسلام,, ويجب علينا أن نفرق بين اختلافنا مع نظام الحكم فيما يتعلق بالحقوق والمطالب, وبين بعض الرؤى والاختلافات مع مواطنين نتحد معهم بالهم, ونشكو معا من فساد الدولة, وننشد بلسان واحدة بضرورة النضال حتى نوجد دولة تحترم النظام والقانون وتجعلهما فوق الجميع, وتجعل الجميع تحتهما سواسية.
ولا أنسى أن أقول إنه على قبائل الصبيحة في كرش أن تسعى جادة في توجيه مطالبها الحقوقية والمطلبية نحو الدولة بشكل سلمي, كما هو موجود حتى الآن, كما أنه من حق العقيد حازم طمبح أن يكون مديرا لأمن القبيطة, كما هو من حق العقيد عباس مهدي, مع نصحي لكلا العقيدين ألا يزيدا الأمور توترا فيما بينهما البين, فمن شأن ذلك انعكاسه على العامة, كما جاء في تصريحاتهما الأخيرة, فكليهما جنديان عند الدولة سيخدمانها أينما أرادت, بشرف وكرامة ورفعة وإباء..
وإني إذ أكتب هذا المقال, لأرجو ألا تتطور الأمور إلى ما لا أتمنى, راجيا أن يصل الجميع إلى قاسم مشترك, من أجل الجميع, ومن أجل السلم والسلام.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
nashwanalothmani@hotmail.com