الشوكاني والشامي وثلاث رسائل:
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 3 أيام
الخميس 23 سبتمبر-أيلول 2010 06:44 م

أما الرسالة الأولى فهي إلى الموقع المتميز والرائد الذي لا يكذب أهل (مأرب برس) ومفاد رسالتي إليه هي لا تعدو أن تكون تنويها مفاده أن في مقال الشوكاني عبارة كانت كافية لرفض نشر المقال في موقعكم المتميز ولا أدري كيف فاتكم ذلك وهذه العبارة التي تقول أو يقول فيها كاتب المقال: "وبسبب هذا الخلاف إنقسم العالم إلى ميدان للصراع السياسي بين الله والشيطان"

إن طبيعة الصراح أخوتي تقتضي وجود أرضية للصراع ووجود فريقين متصارعين كل منهم يملك القوة نفسها، وما عدا ذلك فلا يمكن أن يكون صراع؛ بل استسلام فريق لآخر، وهو ما يسمى –خطئا- الآن بالصراع العربي الإسرائيلي إذ هو – بتصوري - ليس صراع بل خنوع الأول للثاني؛ إذ إن مقتضى هذه العبارة يفهم بأن الكاتب جعل الشيطان ندا لله يصارعه، ولا نفهم منها غير ذلك وقد كانت هذه العبارة لوحدها تكفي لعدم نشر المقال وتكفي لأن يشطب بعد نشره إذ الموضوع متعلق بقلة أدب مع الله وعدم تقدير الله حق قدره. وليس في هذا مجال للتعبير عن حرية الرأي وهذا بغض النظر عن التناقض الذي وقع فيه الكاتب، وكذلك ما في المقال من تأجيج النزعة الطائفية أو العنصرية والمجتمع اليمني لا ينقصه ذلك إذ فيه ما يكفيه.

ومن هنا أنقل الرسالة الثانية إلى كاتب المقال شوكاني عصره وفقيه دهره، لأقول له إن هوس السياسة – كونك كنت مسئولا سياسيا في تجمع الإصلاح كما ذكرت - قد جعلك تهرف بما لا تعرف، إذ رأيت أن مسألة العصيان تكمن في المشكلة السياسة وليست لها علاقة بالإيمان؛ إذ قلت: "أن مشكلة الشيطان ليست في عدم إيمانه بالله فهو مؤمن بالله بصريح القرآن ... الخ " وعجيب كيف يجتمع الإيمان وعدم التصديق بقرارات الرحمان فما هو مفهوم الإيمان لديك ؟ إنه لعجيب أمرك وعجيب أكثر أمر من مجد مقالك وشهد لك بحسن الاستنباط وما أراه إلا غاية الزلل والتوهان والهوس السياسي ؟ فما سمعنا أن المؤمن يرفض أمر ربه ويبقى مؤمنا يا أيها المتدرب [لا المتدبر لآيات القرآن]. وأنصح الكاتب بألا يتدرب عبر نصوص الوحي وأن يترك المجال لأهل العلم، إذ سوء استنتاجك جرك إلى القول - بكل سهولة ويسر ومن دون ذرة خجل أو استحياء: "بما يؤكد أن موضوع الخلافة والولاية العامة من أصول الدين بخلاف ما ذهب إليه الكثير من علماء السنة" حق لنا أن نمد أرجلنا ونوسح وحق لنا أن نضحك حتى تبدو نواجذنا من كلام فقيه عصره شوكاني 2010؛ إذ جعل نفسه في كفة وكل العلماء في كفة وفي النهاية رجح كفته إذ هو متأكد تأكيدا لا يصلح معه الأخذ والرد ولا داعي فيه للنقاش وعلينا أن ندع الله عز وجل لجمهور العلماء أن يسامحهم ربهم لما ذهبوا إليه. فالكاتب متأكد - إذ لم يدع مجالا حتى ليبقى رأيه في عداد الفروض الذي ينبغي التحقق من صحتها- بأن علماء الأمة وقعوا في خطأ.

ألم أقل لك أيها الشوكاني إنه هوس السياسة الذي جعلك تفسر كل شيء تفسيرا سياسيا وها أنت – كما ذكرت في آخر مقالك- بأنك كنت مسئولا سياسيا سابقا في الإصلاح وجموحك السياسي هو من جعل سابقا فلم تستمر لاحقا. فما هو موقعك الآن أو لاحقا. انتبه على نفسك من الانتقال إلى المصحة النفسية؛ حيث وضعت نفسك من خلال مقالك في صورة المتناقض تمام التناقض؛ إذ تقول: "هو خلافه مع الله سبحانه وتعالى حول الخلافة السياسية والولاية العامة وتكبره واستعلائه برفضه لخلافة " ثم تقول في مقالك إن إبليس مؤمن بالله بصريح القرآن لأنه قال (ربي) وما دام أنه قد قال ربي إذا هو يرتقي إلى درجة الإيمان وأن يكون مؤمنا بحسب قول شوكاني زمانه.

إذا – وبناء على هذا التأويل الغريب والعجيب- فإن كفار قريش أيضا كانوا مؤمنين؛ إذ هم الآخرون اعترفوا لله بالربوبية مثلهم في ذلك مثل إبليس فقد نزل فيهم: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (61العنكبوت) {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (العنكبوت63) {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (لقمان25) {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (الزمر38)

فأقول للشوكاني: هل هذه الآيات أو الاعترافات من قريش تجعلنا نذهب إلى ما ذهبت إليه من أنهم مؤمنين والمشكلة بينهم وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم – سياسية لا أكثر. وبناء عليه – وبحسب تأويلك - فما الداعي إذا من خلق النار إذ أن مشاكل الاختلاف كلها سياسية لا تتعلق بالإيمان والتصديق، فقريش أنفسهم ذهبوا مذهب إبليس إذ لم يوافقوا على أن تكون النبوة في بني هاشم، وهو ما يفهم من قوله تعالى - على لسانهم: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف31) فهم حبذوا أن تكون النبوة لرجل من القريتين عظيم، ويقصدون أبا جهل أو أبو الحكم ابن هشام أو غيره من صناديد الكفر - استغفر الله الشوكاني سيغضب مني – فهم برأيه مؤمنون لكن القضية سياسية لا أكثر. والقضايا السياسية يمكن فيها الأخذ والرد. بخلاف القضايا الإيمانية والعقدية.

هل عرفت يا شوكاني أنك زللت كثيرا بتأويلك الآية بعيدا عن روح سياقها (آيات القرآن جميعها وكذلك السنة المطهرة) إذ وظيفة السنة هي تفصيل وبيان القرآن. وإلا فما تقول في قوله الله عز وجل عن إبليس - الذي أسعفك استنتاجك بأنه مؤمن : {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (إبراهيم22). وما دام الشيطان مؤمن لماذا إذا هو في النار. {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} (مريم44) {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (الإسراء53 ) {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر 6)

 ولو كان لديك ذرة من فقه لما استطاع لسانك أن ينطق بتلكم العبارة التي تفتقد فيها إلى كثر من اللباقة واللياقة والأدب مع الله عز وجل. إذ تجعل فيها الشيطان الرجيم ندا لله بينهما صراع سياسي، والشيطان في الأصل هو عاص لله كافر به جعله كفره يرفض خلافة آدم على الأرض وعلل سبب عصيانه وكفره بأنه خير منه بفهمه القاصر. يا شوكاني هناك آيات كثيرة في القرآن لا تعد ولا تخصى تثبت كفر الشيطان فلا أدري كيف جعلته مؤمنا والآية التي جعتها دليلا على إيمانه هي من أقوى الأدلة على كفره غير أني لست أفهم كيف استنتجت ذلك وكيف هداك عقلك إليه !!!

يا شوكاني إنني هنا سوف أسوق لك بعضا من أقوال الأصوليين لكي تفهم أنه لا ينبغي لك ولا لأي أحد أن ينتزع آية من القرآن وتأويلها بعيدا عن سياقاتها (القرآن والحديث النبوي)؛ يقول الأصوليون: "وكل عاقل يعلم أن مقصود الخطاب ليس هو التفقه في العبارة؛ بل التفقه في المعبر عنه وما المراد" ( الشاطبي: الموافقات، مج: 4، ط:1، دار ابن عفان، 1997، ص:262 ) "وكلام العرب أبدا -لاتساعه وتصرفه - يحتمل أنحاء كثيرة، لكن يعلم الراسخون المراد منه؛ من أوله وآخره، أو بساط حاله، أو قرائنه، فمن لا يعتبره من أوله إلى آخره ويعتبر ما ابتنى عليه زل فهمه، وهو شأن من يأخذ الأدلة من أطراف العبارة الشرعية، ولا ينظر بعضها ببعض، فيوشك أن يزل". ) الشاطبي: الاعتصام، تـ: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مج: 2، ص:10).

وهذا الزلل هو ما وقع فيه صاحبنا، إذ التقط آية من كتاب الله عز وجل وفسرها بحسب هواه وبنا من خلالها أحكاما واستنتاجات هي بعيدة عن الحقيقة بعد المشرق والمغرب أو السماء والأرض، كالذي جعل غاية الجهاد انتقامية وشفاء للنفس لأنه التقط آية من القرآن الكريم وعزلها عن روحها (السياق) إذ القرآن كله سياق لآية فيه وكذلك الحديث النبوي يعتبر سياقا عاما للقرآن الكريم بحيث لا نستطيع أن نعالج نصا قرآنيا أو نبويا ونستنتج أفكاره بمعزل عن آي القرآن أو الأحاديث النبوية، ومن المستحسن هنا أن استحضر قول الأصوليين "كلفظة واحدة، وخبر واحد، موصول بعضه ببعض، ومضاف بعضه ببعض، ومبني بعضه على بعض" (ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام، تـ : أحمد محمد شاكر، مج:2، دار الأفاق، بيروت، ص: 35).  "فلا يحكم بآية دون أخرى ولا بحديث دون آخر بل بضم كل ذلك بعضه إلى بعض إذ ليس بعض ذلك أولى في الإتباع من بعض ومن فعل غير هذا فقد تحكم بلا دليل". (الإحكام في أصول الأحكام: 3/118).

لذلك تجد الذي جعل –بحسب فهمه القاصر- الغاية من الجهاد انتقامية وشفاء لغليل النفس عندما تناول قول الله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ (التوبة:14). ولو رجع هذا المسكين إلى بقية آيات الجهاد لعرف أن غاية فرض الجهاد لم تكن انتقامية بقدر ما كانت تهدف إلى إتاحة مساحة من الحرية. أي توفير مساحة من الحرية يتمكن المستضعفين الأرض من حرية الاعتقاد ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾ (النساء75) {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة 193) ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الأنفال39).

وهذا الرجل الشوكاني المتدرب [لا المتدبر] جاء ليوقع نفسه بحسن نية وقد يكون بسوء نية في ما لا طاقة له به حيث انتزع الآية القرآنية من روحها (الخطاب القرآني والنبوي) منطلقا في تفسيرها من رؤيته وبحسب هواه وللأسف رأيت كثيرا من المعلقين يشيدون بمقاله واستنتاجاته وكأنهم يتحدثون عن الإمام الشوكاني 2010 بعاطفة فجة بعيدة عن روح الموضوعية العلمية.

الرسالة الثالثة للشامي وآل البيت ... وللحديث بقية أن كان في العمر بقية.