هل لدول الجوار دور في تعثر خطى ثورة اليمن ؟
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر
الخميس 31 مارس - آذار 2011 06:36 م

إن مجريات المشهد العربي - عموما- واليمني - على وجه الخصوص - لا يمكن قراءتها أو تفسيرها بمعزل عن لغة المصالح ولعبة السياسة للدول سواء كانت قريبة أو بعيدة من ساحة أحداث الثورات، فهناك ارتباط شديد بين مصالح وسياسات الدول وبين ما يحدث من ثورات في المحيط العربي؛ بمعنى آخر: إن تسارع أحداث الثورات أو تباطؤها مرتبط بتلك المصالح المتشابكة، فما حدث - فمثلا - من تناقض بين تصريحات كل من السفير الأمريكي ووزير الدفاع للدولة نفسها؛ له علاقة كبيرة بصدد هذا السياق إذ كان الأول مع ثورة الشعب ومع انتقال السلطة إليه سلميا، في حين كان موقف الثاني على النقيض؛ حيث ارتأى بأن بقاء صالح وقواه النافذة مهم؛ لتعاونه مع أمريكا ضد تنظيم القاعدة؛ والدعوة إلى سقوطه تعني توفير جو ملائم لتنظيم القاعدة في اليمن. وموقف إيران المتناقض مما حصل في البحرين وما يحصل في سوريا لا يذهب بعيدا عن هذا السياق؛ فقد كانت إيران مع ثورة (شيعة) البحرين وضد ثورة شعبسوريا، وسوريا الرسمية نفسها كانت مع ثورة الشعب المصري ولم ترض عن ثورة شعبها. وموقف دول مجلس التعاون الخليجي من ثورات شعوب البحرين ومصر وسوريا، لا يبعد أيضا عن هذا السياق، فهي إذا كانت غير راضية عن ثورتي البحرين ومصر فإنها راضية تمام الرضا عما يحدث في سوريا.

وما تنبغي الإشارة إليه هنا أن رضا أو سخط القوى - على اختلافها - عن ثورة ما، لن يغير في الأمر شيء خاصة إذا ما كانت الثورة شعبية أصيلة ضد نظام طاغٍ أو قوى نافذة، فإن عجلتها ستمضي إلى هدفها ولن يستطيع أحد إيقافها مهما بلغ من القوة والمكر، لكن لا ننكر أيضا أنه بمقدار تلك القوى التأثير على مجريات أحداث الثورات سلبا أو إيجابا، لكنها وفي كل الأحوال غير قادرة على إيقاف عجلتها ودحر أهدافها وما تنبغي الإشارة إليه أيضا أن ما حصل في البحرين لا يقاس عليه؛ وذلك لأن ثورة البحرين في حقيقة أمرها لم تكن شعبية بقدر ما كانت (شيعية)؛ بمعنى آخر: إنها سيطرت عليها النزعة الطائفية، لهذا كان مصيرها الفشل بسبب نزعتها التي انبنت عليها وليس بسبب قوة ردع درع الخليج، فالثورات الشعبية الأصيلة لا تستطيع أن تقف أمامها حتى قوى الأرض مجتمعة، ولو استطاعت القوة الوقوف أمام ثورة شعب أصيلة لكانت استطاعت قوى الغرب وأد ثورة المصريين، وكلنا يعي ماذا يعني سقوط النظام المصري لدول الغرب ولدولة إسرائيل. ولعل محاولة إجراء أو إمضاء سيناريو البحرين في اليمن، على المعتصمين في ميدان التغيير، كان تصرفا غبيا بامتياز، وهو الذي حسم المعركة لصالح الشعب، لأنه غاب عن ذهن من خطط لذلك السيناريو الدموي الفارق الكبير بين طبيعة الثورتين - البحرينية واليمنية.

إذا دعونا نتفق على أشياء من أهمها أنه لا قدرة لأي قوى مهما بلغت غطرستها العسكرية والمالية أن توقف عجلة ثورة شعبية أصيلة، بيد أنها تستطيع التأثير على مجريات أحداثها سرعة وبطأً. وما دمنا قد أقرينا بجدوى تأثير مصالح وسياسات القوى على الثورات، فإن ما يحصل في المشهد اليمني ليس ببعيد عن هذا السياق، إذ تناقضات الرئيس اليمني وانقلابه الأخير والمفاجئ على كل المبادرات - التي قدمها وتم رفضها من قبل الشعب لا المشترك وحده - لن تقرأ أو تفسر إلا في ضوء لعبة المصالح والسياسات للقوى الخارجية القريبة والبعيدة، وما حصل من تجارب سابقة مثلا لزين العابدين ومبارك كانت مبادرات انطبق عليها العد التنازلي الذي انتهى بتنحي كلا الرئيسين، لكن نموذج صالح كان فريدا من نوعه، وغريبا كغرابة الرجل نفسه، إذ بدأ العد التنازلي ثم فاجأنا بالصعود ثانية ليرجع الجميع إلى المربع الأول، وهذا ليس له تبرير منطقي، ولا يستطيع أحد تفسيره إلا في ضوء لعبة السياسات والمصالح للدول وخاصة دول الجوار، فهي المستفيد الأول من إخماد ثورة اليمن أو حتى على الأقل تأخير حصولها في الوقت الراهن التي تلتهب فيه البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة، فمكان الثورة في اليمن وزمانها لم يكن مساعدا البتة لدول الجوار، وقد يكون هناك تبرير آخر؛ وهو أن هذا الرجل يعاني من مراهقة متأخرة، خاصة عندما تحدث عن أنه رجل [شغلات] من الطراز الأول، وهو لا يكف عن هذه الشغلات التي استمرأها سواء كان رئيسا للدولة أو رئيسا لحزب، كلام في غاية السخافة ولا يليق أن يصدر عن من يسمي نفسه رئيس دولة لكنه حصل للأسف.

ولكن دعونا نعود إلى المبرر الأول، لأنه على افتراض أننا أمام مراهق فإنه يحتاج إلى موارد مالية كبيرة جدا، وخاصة ما يخص استجلاب عشرات الآلاف من المحافظات إلى صنعاء ومعنى استمرار صالح في استجلاب الناس واستغلال فقرهم - الذي أوقعهم فيه – يؤكد أن صالح لم يعد يناور بمفرده، صحيح إن لديه قدرة فائقة على المناورة؛ فهو – كما قال عن نفسه – أبو الشغلات، وإذا كان استطاع أن يراوغ شعبا طيلة 33 عاما، وأن يخدع دول الغرب مجتمعة مقنعا لهم بأن تنظيم القاعدة قد نقل غرفة عملياته إلى اليمن، ليجني من خلال تلك الأكذوبة الكثير من الدولارات، وليست حرب الحوثيين وكرم المملكة تجاه الحروب الستة من هذا السياق ببعيد، ومن استطاع أن يصنع كل ذلك ويشغل الجميع بشغلاته باستطاعته أن يشاغب أو – حسب تعبيره هو – يشاغل الشعب اليمني أكثر وأكثر. إذا علينا أن نفترض أن يدا سخية مدت صالح بما يحتاجه من المال، حتى نستطيع تفسير موقفه الانقلابي على كل المبادرات، وإذا ما سألنا أنفسنا من المستفيد الثاني من إطالة أمد الثورة بعد صالح وقواه النافذة ؟ لا شك أن أقرب المستفيدين من ذلك هي دول مجلس التعاون الخليجي، ولعل الصمت القطري تجاه ما حدث ويحدث من مجازر في اليمن يؤيد هذا التوقع؛ إذ عرف عن قطر أنها دائما تبادر تجاه ما حدث ويحدث من ثورات، وسياسة دولة قطر الخارجية تحظى بكثير من الاحترام من كل الشعوب، وقد كان المتوقع منها بعد مجزرة جمعة الكرامة أن تبادر مخاطبة صالح بالتنحي، لكنها اكتفت بالنصيحة.

لكن دعونا نحسن الظن بدول الجوار لنقول: إن الخوف من العدوى والقراءات الخاطئة للثورات تحت هذا الغطاء الخادع - هو السبب الوحيد وراء دعم صالح ماليا، بمعنى أنه إذا وجد دعم خليجي فليس حبا في صالح وقواه النافذة، أو بغضا في اليمنيين وفي تطلعاتهم المشروعة، وطموحاتهم وأحلامهم في قيام دولة مدينة يسودها العدل والمساواة والنظام والقانون، بيد أنه لما جاءت ثورة اليمن في التوقيت الخطأ - وهو زمن تداعي الثورات - وفي المكان المجاور لهذه الدول لم تجد بدا من التعاون مع صالح وقواه حتى لا تستنسخ ثورة اليمن في بلدانها وعلى أيدي شعوبها. ولعل ما ساعد صالح هي تلك (الدبلجة) من قناة اليمن الفضائية، التي استطاعت أن تري الرأي العام ما لم يحصل بالفعل، ولم تسمح لأي قناة أخرى داخلية أو خارجية لتغطية الحدث وحتى تري القليل في أعين الناس كثير لا بد من انفرادها وحدها في تصوير المشهد، وإلا فقد كان عدد المتواجدين في ميدان السبعين في جمعة التسامح - التي شر ما ميزها قاموس الشتائم والبذاءات من صالح - لا يزيد عن 135 ألفا بحسابات هندسية منطقية، لكن قدرة قناة صالح على الدبلجة وانفرادها وحدها دون سائر القنوات هي من ساعده على اجتذاب القريبين من اليمن، ليمدوا له يدا العون، فما دام الرجل قادرا على مثل ذلك الحشد المدبلج والخادع فلا بأس أن يجدد له مصدر المال حتى لا تنفد خزائنه وتتسارع أحداث الثورة.