أبرز المواقع والمناطق التي سيطرة عليها فصائل المعارضة السورية في حلب وإدلب ما انعكاس ما يحدث في سوريا على اليمن.. هل تعود صنعاء كما عادت حلب؟ تفاصيل مروعة عن جريمة قتل فتاة في صنعاء 18شهيدا بغزة والاحتلال ينسف منازل بشمال القطاع وجنوبه ندوة حقوقية في مأرب تسلط الضوء على أوضاع المرأة اليمنية بعد انقلاب الحوثيين تحقيق 42 ألف مستفيد من خدمات الوحدة الصحية في القطاع العاشر بمخيم الجفينة تفاصيل حصيلة 3 أيام من الحرب و الاشتباكات في سوريا الكشف عن أكبر منجم جديد للذهب في العالم قد يقلب الموازين ويغير التاريخ عاجل: المليشيات الحوثية وتهدد بإعتقال مشائخ ووجهاء محافظة إب المعتصمين بدار سلم وتفرض حصارا بالاطقم المسلحة على مخيمات المعتصمين الباحث اليمني نجيب الشايع يحصل على درجة الدكتوراه بامتياز في مجال جراحة المخ والأعصاب
أشرت في نهاية الحلقة الفائتة إلى أنني ساختم هذه السلسلة من حلقات مقالي في الحلقة القادمة أي هذه الحلقة، لكنني وجدت كثير من الأصدقاء يطالبونني بمواصلتها قليلاً ففيها – على حد قولهم – تشويق ومعلومات كثيرة جديدة مفيدة سياسياً وتاريخياً، وعلى الرغم من أن حالتي الصحية لا تساعدني على الكتابة بل تجعلها شيئاً صعباً بالنسبة لي إلا أنني قررت أن أضيف حلقتين أو ثلاث إكراماً للقراء الذين أعجبتهم السلسلة.. وأهدي هذه الحلقة إلى السياسي والإعلامي المعروف عبده بورجي السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية نائب رئيس تحرير صحيفة "26سبتمبر" الذي وجد في هذه الحلقات تشويقاً وأشار علي بجمعها في كتاب وأنا أعتز برأيه فهو كاتب جيد وقارئ جيد.. كما أهديها إلى رجل من الاتجاه المعاكس وهو عبدالرحمن الوالي القيادي بالحراك والاشتراكي والأستاذ بجامعة عدن الذي يكون أول من يغمرني بعبارات الإطراء فور نشر كل حلقة ولا يتوانى عن إشعاري بأية ملاحظة وهو يجد تشويقاً في هذه الحلقات ويقول بأنه يعجبه أسلوبها "السهل الممتنع". (والوالي من قادة الحراك المتزنين والذين لا يطلعون علينا كل يوم بفرقعة إعلامية لمجرد لفت الأنظار لأنفسهم على نحو مايفعله إثنان منهم, أحدهما بالخارج والآخر بالداخل فهما مصابين بإسهال إعلامي – وبالأصح هوس إعلامي - حتى أنهما تمكنا خلال العام المنصرم وحده من إنتاج تصريحات صحفية مثيرة لم تنتج عشرها الجبهة القومية طوال 4 سنوات من خوضها حرب تحرير جنوب اليمن المحتل, أو جبهة التحرير الوطني طوال 8 سنوات من خوضها حرب تحرير الجزائر!) . والآن إلى ذكريات هذه الحلقة.
في أحد أيام السبعينات من القرن الفائت (1977م) وكنت وشقيقي ناصر قد غادرنا الجنوب نهائياً في العام السابق، وكان هو في ذلك العام 1977م بالسنة النهائية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة (قسم الاقتصاد) فيما كنت أنا قد تخرجت في العام السابق 1976 في نفس الكلية (ولكن بقسم العلوم السياسية) ولم يكن بقية أشقائنا ووالدتنا قد لحقوا بنا بعد (فراراً من الستار الحديدي المضروب حول اليمن الجنوبي والذي أقامه نظام الحكم الماركسي بعدن)، في مساء ذلك اليوم ذهبنا إلى فندق الشيراتون (شيراتون الجيزة، وهو أول فنادق شيراتون العالمية يفتتح بمصر، وأظنه افتتح في 1969م) ذهبنا لنجلس قليلاً في إحدى كافيتريات الفندق لتناول بعض المرطبات على أنغام الموسيقى الكلاسيكية الغربية وكنا نفعل ذلك أسبوعيا مرة أو مرتين على الأكثر.
وصلنا إلى الفندق ولم نكن نعلم بأن اجتماعاً لوزراء الخارجية العرب على وشك الانعقاد فيه، ولدى وصولنا فوجئنا ببعض الأشخاص – ربما هم من موظفي الاستقبال بالفندق وربما هم من مراسيم جامعة الدول العربية – يهرعون إلينا مرحبين ويسيرون أمامنا وبجانبنا يفسحون لنا الطريق من المتواجدين بصالة الفندق ولم يتركونا إلا بعد أن فتحوا أمامنا باباً اجتزناه لنكتشف – شقيقي وأنا – بأننا في قاعة اجتماعات يتواجد فيها بعض وزراء الخارجية العرب ولم يبدأ الاجتماع بعد! فنظرنا لبعضنا بدهشة ثم انطلقت ضحكاتنا.
لقد كان مدهشاً أنه لا توجد إجراءات أمنية للتدقيق في شخصيات الداخلين إلى الفندق في ذلك الوقت الذي سينعقد فيه اجتماع الوزراء العرب, أو على الأقل للتدقيق في شخصيات الداخلين إلى قاعة الاجتماعات! بل أن موظفي الفندق أو الجامعة (جامعة الدول العربية) هم الذين يرافقوننا إلى قاعة الاجتماع دون أن يسألنا أحد من أنتم؟ أو أي بلد تمثلون؟
في ذلك المساء كنا – شقيقي وأنا – قد ارتدينا البدلات الأنيقة التي فصلناها مؤخراً لدى ترزي (خياط) شهير بالقاهرة، وارتدينا معها ربطات العنق الفاخرة، وركبنا سيارتنا الجديدة، فموظفي الفندق أو- الجامعة - شاهدونا ونحن نوقف سيارتنا الجديدة عند باب الفندق ونترجل منها ونحن نرتدي الملابس الأنيقة ثم نناول مفاتيح السيارة لأحد العمال بموقف السيارات الخاص بالفندق ليأخذ السيارة إلى الموقف.. فكان ذلك كافياً لأن يظن موظفي الفندق – أو الجامعة – بأننا من المشاركين في الاجتماع فهرعوا لاستقبالنا وكان ما كان.
بالطبع غادرنا قاعة الاجتماع وقررنا أن نذهب إلى صالة الفندق الفاخر حيث تتناثر طاولات من حولها مقاعد، فالجلوس هنا سيكون أفضل من جلوسنا بأي من كافيتريات ومطاعم الفندق فطالما أن هناك اجتماع لوزراء الخارجية العربية إذن فالجلوس بالصالة سيتيح لنا أن نراقب عن كثب وصول من لم يصلوا بعد وبينهم وزير خارجية عدن محمد صالح مطيع.
لقد انتظرنا وصول مطيع لنطرح عليه للمرة العشرون موضوع إطلاق سراح والدنا وخالنا (خالنا الآخر وليس فيصل عبداللطيف فخالنا فيصل اغتيل بالمعتقل بعدن في 1970م) وهو سوف يرد علينا للمرة العشرون بنفس الاسطوانة المشروخة التي يشغلها لنا كل عضو بالمكتب السياسي للتنظيم السياسي الحاكم بعدن وهي "شوفوا باقي الرفاق بالمكتب السياسي فالقرار ليس لي وحدي!".
وفجأة لمحنا عبدالعزيز بوتفليقة وزير خارجية الجزائر (الرئيس حالياً) يسير بمهل في إحدى الطرقات المتفرعة عن صالة الفندق وهو يتجاذب أطراف الحديث مع وزير خارجية البحرين، فتذكرنا بأنه في زيارة قمنا بها لوالدنا في معتقله عندما سمحت لنا السلطة بذلك فأنني أحطته بأنني "التقيت مؤخرا بسالم ربيع - رئيس مجلس الرئاسة - وطالبته بإطلاق سراحك أو محاكمتك كون وضعك الحالي غير قانوني ولا حتى إنساني فالاعتقال طال أمده كثيراً فرد علي بأن القرار ليس بيده ولذلك يجب أن أراجع باقي أعضاء المكتب السياسي، وعندما قلت له: والدي هو الرئيس العربي الوحيد المعتقل، رد بأن بن بللا معتقل أيضاً".
توضيح: بن بللا هو أحمد بن بللا, جزائري المولد, ومن أبوين مغربيين, وهو مناضل كبير ومن مؤسسي جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي خاضت حرب تحرير ضد الفرنسيين الذين كانوا يعتبرون الجزائر إقليماً فرنسيا وراء البحار (حرب التحرير 1954م-1962م) وعقب استقلال الجزائر اختير رئيساً للجمهورية، وفي 1965م أطاح به انقلاب عسكري بقيادة العقيد هواري بومدين الذي صار رئيساً للجمهورية ووضع بن بللا تحت الإقامة الجبرية، وفي 1980م أفرج عن بن بللا في عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد وحينها ظهر بن بللا بمظهر شاب يتحلى بوافر الصحة. عمره الآن نحو 94 عاماً ويقيم بسويسرا.
توضيح: هواري بومدين هو اسم تنظيمي أما الاسم الحقيقي فهو أحمد إبراهيم بو خروبة, وهو من أهم قادة حرب تحرير الجزائر من الاستيطان الفرنسي, وكان أثناء حرب التحرير رئيساً لأركان المنطقة الغربية من الجزائر, وأثناء رئاسة بن بللا للجمهورية كان بومدين نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً الدفاع.
عندما أحطت والدي بردود سالم ربيع قال لي ولأشقائي "عندما تكونوا تطرحوا على المسؤولين موضوع إطلاق سراحي كرروا لهم بأنني الرئيس العربي الوحيد المعتقل، وعندما يردون عليكم بأن بن بللا معتقل أطلبوا منهم أن يسألوا الرئيس هواري بومدين كيف يعامل بن بللا؟ وبعدها قولوا لهم: لا تطلقوا سراح والدنا ولكن عاملوه بمثل ما يعامل الجزائريون الرئيس بن بللا".
ثم حكى لنا ما يلي " عندما زرت الجزائر في عام 1968م وأنا رئيس للجمهورية ناشدت الرئيس بومدين أن يطلق سراح الرئيس بن بللا، وقلت له بأنني مستعد أن أضمن شخصياً عدم ممارسته لأي نشاط سياسي مناهض للسلطة الجزائرية إذا ما أفرجتم عنه، فكل ما أهدف إليه هو أن تتوفر له حياة طيبة تليق بتضحياته ودوره النضالي في سبيل تحرير الجزائر، فأكد لي بومدين بأنهم يوفرون له حياة مريحة وكريمة وكل طلباته مستجابة وقال لي بالحرف الواحد: بن بللا لا يعيش في معتقل ولكن في مزرعة وأؤكد لك يا أخ قحطان بأن بن بللا يعيش حياة أفضل من الحياة التي نعيشها أنت وأنا".
أضاف أبي "سمعت من إذاعة لندن وأنا هنا بالمعتقل بأن بن بللا تزوج بصحفية جزائرية وكونهم يسمحون له بالزواج فهذا يؤكد بأنهم يعاملونه معاملة حسنة جداً مثلما أكد لي بومدين".
وفي زيارة أخرى لوالدنا قال : هؤلاء الجماعة – أي السلطة – يعرفوا بس يتحججوا ببن بللا، وأنا سمعت من إذاعة لندن قبل شهور بأن بومدين استقدم من أوروبا "طبيب أذن" شهير ليفحص ويعالج بن بللا الذي يشكو من متاعب في أذنه, بينما أنا منذ أسبوعين أصبت بآلام شديدة في أذني فأرسلت لسالم ربيع عبر الجنود الذين يحرسوني أطلب أن يحضروا لي أي "طبيب أذن" من أي مستشفى بعدن فتجاهل طلبي، وعندما قلت للجنود بأن الرئيس بومدين أحضر من أوروبا "طبيب أذن" كبير ليعالج أذن الرئيس الجزائري السابق قال لي جندي من بلاد ربيع: وأنت عالج نفسك وأسكب بأذنك جاز، فصحت فوقه وقلت له أنتم أصلكم صعاليك ومجرمين، وحتى الجنود الذين من الضالع زعلوا منه وأهانوه وكانوا سيتقاتلون هم والجنود الذين من منطقته (بزنجبار,محافظة أبين).
توضيح: سمحت السلطة لنا بإحضار مذياع (جهاز راديو ترانزستور) لوالدي ولم يكن لديه تلفاز، وقد منعنا هو من أن نطالب بالسماح له بحيازة تلفاز فقد قال "لا أريد تلفزيون فلا أريد أن أرى صورهم هؤلاء الذين كانوا يتآمرون علينا منذ اليوم الأول للاستقلال" كما كان ممنوعاً عليه الأوراق والأقلام، وحتى أدوات تناول الطعام لم يسمح له إلا بحيازة "ملعقة" فيما منع عنه السكين والشوكة بحجة أنه قد يستخدمها كسلاح!
عندما لمحنا- شقيقي وأنا - بوتفليقة يسير بإحدى ردهات فندق الشيراتون وبرفقته وزير خارجية البحرين, ارتأينا أن نوضح له الوضع السيئ الذي يعيشه والدنا ونناشده أن تطلب الجزائر من عدن معاملته بنفس معاملة الجزائر لبن بللا, فنهضنا من مقاعدنا واتجهنا إليه وصافحناه والوزير البحريني, وقلت له "نرجوا أن نتحدث معك لبضع دقائق..." وقبل أن أعرفه بأنفسنا قاطعني قائلاً "بوليساريو"! (سأوضح بالحلقة القادمة المقصود بتلك الكلمة ولماذا قالها) فقال له شقيقي "لا, نحن ابناء الرئيس قحطان الشعبي المحبوس بعدن منذ استقالته" فأخذ يصافحنا مجدداً وبحرارة, ثم أشار إلى طاولة قريبة حولها مقاعد وقال " أقعدوا هنا وسأحضر إليكم بعد دقيقتين".
تنويه: أجدني مضطراً للتوقف هنا ومواصلة الحديث بإذن الله في الحلقة القادمة، فقد وجدت هذه الحلقة طويلة فهناك الفصل الثاني منها وهو بعنوان "مع بوتفليقة" وهناك الفصل الثالث وهو بعنوان "بين البوليساريو والحراك الجنوبي"، لذلك ارتأيت الاكتفاء بما أوردته هنا حتى لا تطول الحلقة على القارئ وتختلط في ذهنه أحداثها.