أسباب غياب تفاعل الشارع اليمني مع الأحداث
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 16 يوماً
السبت 10 إبريل-نيسان 2010 04:54 م

مثل أمواج البحر التي لا تتوقف عن مدها وجزرها وحركتها الصاخبة هكذا هو الشارع في البلدان المتقدمة حيث يتفاعل المواطن مع الأحداث ويشكل طرفاً أساسياً في صناعة القرار يصعب تغييبه وإذا حدث نوعاً من التعتيم الإعلامي على قرار حكومي فإنه سرعان ما يتم تسريب المعلومات للإعلام الذي يسابق الزمن بحثاً عن سبق صحفي وإنفراد مدوٍ يقلب الموازين ويغير الأحداث ويطيح بوزارات ومؤسسات وحكومات ويقود وزراء ومسئولين من العيار الثقيل للمحاكمة رغم أنوفهم وهذه القضايا نشاهدها في الفضائيات ونقرأها في الصحف ولكن في العالم وليس في اليمن. 

اليمن خارج السرب:

نحن في اليمن خارج السرب تماماً فكم من أحداث وقرارات ومواقف وكوارث ترتكبها الحكومة ويقترفها النظام لو إنها حدثت في بلد أخر فستكون كفيلة بإسقاط الحكومة والإطاحة بالنظام خلال أيام قلائل إن لم نقل ساعات معدودة أما في اليمن فتمر مرور الكرام دون أن تستوقف المواطن أو تثير أدنى اهتمامه أو تدفعه لأي شكل من أشكال الاحتجاج كالتظاهر أو حملات التوقيعات أو الاعتصام أو الإضراب وغيره فالمواطن مشغول بلقمة عيشه مغيب تماماً عن الأحداث غير واع ومدرك لخطورة ما يحدث بكل أبعادة وتأثيراته والمعارضة الذي يفترض أن تقود زمام المبادرة وتحرك الشارع بلا منابر إعلامية مؤثرة وليست في المستوى المطلوب.

قبل أيام كنت برفقة أحد الأكاديميين المصريين الذي جاء في زيارة لليمن وعندما تطرقنا لبعض القضايا التي تحدث في اليمن لم يستوعب الرجل ما يحدث وفشل العبد لله أن يوضح له مثلاً قضية واحدة كقضية مهجري الجعاشن صرخ الرجل: أنت بتقول إيه ؟! أنت عاوز تجنني!! إزاي الراجل دا يشرد الناس من بيوتها فين الأمن ؟! فين الدولة ؟! فين الناس؟! هو إيه اللي بيحصل؟ هو في إيه عندكو؟!!

نماذج من أحداث للمقارنة:

وأتذكر في العام الماضي عندما قتلت الشرطة في اليونان أحد المتظاهرين كيف خرج الشارع هناك وتواصلت المظاهرات لأسابيع في طابع إنساني يعلي شأن النفس البشرية ويكرمها فالإنسان هو رأس المال وهو الثروة الأعظم والتي أهدرت في بلادنا ولم تستغل.

وللمقارنة أتذكر عندما قصف الطيران الأمريكي قبل سنوات مواطنين يمنيين مشتبه بهم في مأرب وقتلهم كيف اندلعت المظاهرات في شوارع واشنطن ونيويورك وميتشيجن وتكساس وشيكاجو وغيرها من المدن الأمريكية واليمنيين "داكيين ومخزنين" وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد وهذه الحادثة هي مجرد نموذج لقائمة تطول من الانتهاكات التي لم تجد من الشارع اليمني أي تفاعل يذكر سوى مقالات وتناولات صحفية لا تحرك ساكناً.

الإشكاليات القانونية أمام تفاعل الشارع:

ولعل من أسباب غياب تفاعل الشارع اليمني مع الأحداث ذلك التفاعل الذي يتجاوز حديث المقايل إلى الخروج للشارع وجود تلك الإشكاليات القانونية التي تعقد عملية الاحتجاج بالمسيرات والمظاهرات فتنظيم مظاهرة يحتاج لإذن وترخيص من وزارة الداخلية وتحديد مكان المظاهرة وسببها وحجمها وتفاصيل تجعل نجاح أي احتجاج سلمي حول أحداث محلية تتصل بقضايا الناس وهمومهم عملية صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة كما أن وجود بعض المتهورين والمدسوسين الذين يقومون بالاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة شكل إساءة بالغة لعمليات الاحتجاج السلمي وجعل البعض ينظر للاحتجاج كشيء مطلوب ولكنه يتخوف من سلوك المحتجين وتصرف الشرطة ورجال الأمن الذين لم يستوعبوا بالشكل المطلوب أن التظاهر والاحتجاج السلمي من حقوق المواطن التي تندرج تحت بند حق المواطن في التعبير عن آرائه بكافة الأشكال السلمية وإنما ينظرون للأمر على أنه إثارة للشغب والفوضى وعملية تخريب مقصودة يجب منعها بكافة الأشكال والأساليب.

المواطن والمعارضة من يحرك الآخر؟

من الصعب على المعارضة إقناع المواطن العادي بالخروج للتظاهر وتنظيم الاعتصامات والمسيرات من أجل القضايا العامة ذلك أن المواطن العادي إضافة لانشغاله بلقمة عيشه لم يعد يثق بأي طرف فقد مرت جرع سعرية متوالية وقد دارت رحى السياسة الإفقارية منذ سنوات ولم يجد من المعارضة مواقف قوية بحجم طموحه فالمعارضة ومراكز القوى في بلادنا تنتظر من يقود زمام المبادرة في أي تحرك أو مشروع رأي عام ثم تحدد بعدها موقفها منه تدعمه أو تتجاهله فالشارع قد تجاوزها ولعل بداية الحراك الجنوبي خير شاهد على ما نقول فقد بدأ سلميا وعفوياً وتطور وبعد سنوات من ولادته وحينما أصبح يصنع الأحداث ويغير من مسارها حددت قوى المعارضة المنظمة ومراكز القوى موفقها المتأخر منه. 

غياب الإعلام المحلي المؤثر

وأقصد بالإعلام المحلي المؤثر هنا "التلفزيون" فالصحافة في وضعها الحالي المتردي وفي ظل تدني أعداد القراء لا تخرج مظاهرات ولا تصنع مسيرات وفي أحسن الأحوال تنظم اعتصامات وتصدر بيانات وتوضح مواقف ليس أكثر وإذا كانت النخبة قد اتجهت لمشاهدة قناة "الجزيرة" التي تتبنى الرأي والرأي الآخر مما رفع من مستوى وعيها فإن الإعلام المحلي الفضائي المستقل والمؤثر جماهيريا لا يزال غائباً فقناة "السعيدة" صاحبة الشعبية الأوسع في الإعلام الفضائي المستقل ليس لها طرح سياسي وتتبنى النفس التجاري وتطرح خارطة برامجية حافلة بالمنوعات وبعيدة عن نبض الشارع إلا في برامج قليلة وكذلك قناة "العقيق" الأقرب إلى الطابع الرسمي وإن كانت أقل من السعيدة في المستوى بكثير أما قناة "سهيل" التي ولدت بعد ضجة إعلامية فقد واجهت وتواجه جوانب قصور عديدة ليس هذا مقام بيانها وجاءت دون المستوى بكثير ولم تنزل للشارع لتلامس هموم الناس كما كان متوقعاً إلا ما ندر بل هي ظهرت أقرب إلى الفضائيات الإسلامية التي يغلب على خارطتها البرامجية المحاضرات والأناشيد شأنها شأن "الرسالة" و"إقرأ" و"الراية" وغيرها.

منابر مؤثرة لم تحرك الشارع!!

هناك منابر مؤثرة لم تحرك الشارع باتجاه قضايا هامة كقضايا الجرع وسياسة الإفقار المتعمد وضياع الحقوق وغياب الحريات ومن أهم المنابر الإعلامية التي يتجاهلها البعض منبر المسجد فمنبر المسجد يمكن إذا وجد لدى القائمين عليه وعي وحس سياسي أن يشكل مدرسة لصناعة الوعي السياسي والديني ومنه ستصدر المواقف وتخرج المظاهرات والمسيرات ولكن الإشكالية أن خطباء وأئمة الجوامع يحرضون للخروج على قضايا يرون أن لها طابع ديني كقضية فلسطين وقضية الرسوم الدنمركية وتظل قضايا الحقوق والحريات بعيدة عن اهتمام أغلبهم وهذا سبب آخر لغياب تفاعل اليمني مع الأحداث.

الحراك هل يضبط إيقاع الشارع؟

يمثل الحراك السلمي المطالب بالحقوق والحريات في بعض المحافظات الجنوبية مؤشر إيجابي على تعافي الشارع ودليل يقظة المواطن وإن كانت تشوبه بعض السلبيات والسقطات منها تبني بعض قادته للانفصال وعدم ضبط زمام الشارع مما يؤدي لمواقف تنفر الناس منه وتحسب عليه ولعل ما حدث مؤخراً لمواطن من أبناء المحافظات الشمالية أجبروه على التجرد من ملابسه والسير عارياً في الشارع في تصرف همجي بشع أدانه قادة الحراك قبل الآخرون وكذلك ما يقوم به البعض من دعوات كراهية وأحداث فوضى وشغب يذهب ضحيتها المواطن العادي أو ممتلكاته وهذه الأحداث تمثل إساءات يجب أن يرفضها أبناء الجنوب المعروفون بتحضرهم ورقيهم ونصيبهم الوافر من الوعي والفهم والثقافة

ولعل المطلوب من قادة وأنصار الحراك أن يضبطوا إيقاع الشارع حتى يبقى مشروعا سلمياً يمثل بديلاً حضارياً وحتى لا ينفلت ويتحول إلى ردة فعل هوجاء.