سائح أجنبي يبحث عن خاطف محلي!!
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 8 أيام
السبت 21 أغسطس-آب 2010 10:31 م

لم يكن الإيطالي "كيث دايل" يعلم ما تخبئه له الأقدار عندما وقف مبهوراً أمام جناح اليمن في معرض دولي بروما ، صوراً متنوعة لمعالم أثرية يمنية تعود لعصور غابرة تبدو مكتظة بالسياح من كل العالم وشاشة تلفزيونية تبث شهادات لسائحون يتحدثون عن جمال اليمن وثراءها التاريخي وروعة معالمها الأثرية وكرم أهلها مع الأجانب مصحوبة برقصات فلكلوية يمنية وعادات وتقاليد غريبة في اليمن ، هذا البلد الذي يسمع به على الإطلاق ولم يرى هذا العالم الغريب الذي أكتشفه ذلك اليوم حتى في الأفلام دفع به كصحفي تحت التدريب لأن يقرر أن كريستوفر كولمبس الإيطالي ويسافر لاكتشاف اليمن وقضاء إجازته هناك .

في البداية نصحه مدربه الصحفي المتابع لأخبار الشرق الأوسط بعدم لليمن بسبب تزايد حالات اختطاف الأجانب وهذه النصيحة جاءت نتيجتها عكسية وزادته إصرارا وأعطت لسفره طابع المغامرة وكما يقول المثل اليمني " مجنون وزادوا بندقوه" شعَب صاحبنا وركب رأسه وأقبل .

في بادئ الأمر لم يشاهد كيث اليمن كما توقعها ولا كما شاهدها في البرنامج الوثائقي حتى انه شعر بخيبة أمل ويا فرحة ما تمت " لقد صبحت اللقية سود" لا اليمن كأمريكا ولا هو ككريستوفر كولمبس لقد داهمه الملل وشرع يفكر بالعودة في أقرب وقت .

في اليوم التالي حدث ما لم يكن يتوقعه لقد أصبح " كيث" ضيفاً رغم أنفه لدى إحدى القبائل اليمنية التي أكرمته كرما جعله ينسى أنه مخطوفاً لدى قبيلة يطالب شيخها الدولة بالإفراج عن نجله المعتقل ومليون دولار فديه حتى يطلق سراحه .

حادثة اختطاف "كيث" تصدرت الأخبار في إيطاليا وشغلت اهتمام السلطة في اليمن وسجلها الدكتور محمد الظاهري في كتابه " المجتمع والدولة" كدليل على حفاوة اليمني بالأجنبي وإكرامه ولو باختطافه رغم أنفه .

وبعد أيام قضاها كيث معززاً مكرما في القبيلة اليمنية تم تسليمه للسفارة الإيطالية بعد مفاوضات مضنية مع السلطة التي أفرجت عن نجل الشيخ المعتقل والتزمت بضمانة شيخ آخر بدفع المليون الدولار للشيخ بالتقسيط غير المريح وتخصيص منحه دراسية بالخارج لنجله المفرج عنه .!!

كيث من جهته عاش تجربة رائعة وممتعة وقضى أياماً مثيرة تعرف فيها عن قرب على العادات والتقاليد اليمنية وذاق الكرم اليمني على أصوله فقد كان خاطفوه يذبحون له كل خروف ( يا بخته) ويقدمون له أفضل الطعام ( أرزاق وحظوظ ما نفعل؟!) وإن تظاهر بالقلق تجمعوا حوله وقاموا برقصات فلكلوية شعبية لتسليته لقد جاءوا له بمترجم ودفعوا له أجرا بالدولار وحكوا له الحكايات وقصوا عليه السير الشعبية وعند سفره أمطروه بوابل من الهدايا الثمينة خناجر تقليدية وبنادق قديمة وتحف من التراث اليمني وحلي نساء وعاد كيث لبلده "واثق الخطوة يمشي ملكا" تسبقه أخباره لقد أشتهر الرجل ولدى وصوله المطار أستقبله عمدة روما شخصياً ورفض كيث إجراء حوار موسع لوسائل الإعلام لكنه أشار إلى انه بصحة جيدة وأن الخاطفون عاملوه بكرم بالغ وحفاوة منقطعة النظير وتمنى أن يتم تنظيم رحلات خطف إلى اليمن .

  وفتح لصاحبنا باب رزق لم يخطر له على بال فقد تم ترقيته ودفعت الصحيفة له مبلغاً ضخماً مقابل قيامه بكتابه ما حدث له في اليمن على شكل قصة مثيرة تنفرد بنشرها الصحيفة فقام بكتابة قصته بشكل أثار القراء فارتفعت مبيعات الصحيفة بشكل خيالي ثم توسع الأمر لدى كيث الذي ألف كتاباً بعنوان " كنت مخطوفاً باليمن" والذي حقق مبيعات قياسية في عموم أوربا .

الخلاصة: خطف الأجانب باليمن قصة طريفة فيها أرزاق للأجنبي المخطوف وقضاء لمصالح الخاطف والعبد لله يستغرب كيف يغفل صناع الأفلام الوثائقية والسينمائية عن هذا الموضوع المثير ؟ !!

بل لا نستغرب يوما إن قرأنا يوما في بعض الصحف إعلانا من سائح أجنبي يبحث عن خاطف محلي ومستعد لتقديم تنازلات مثل: سنرضى بخروف واحد كل يومين بدلا من خروف في كل يوم، مستعدون للنتازل عن المياة المعدنية وحلي النساء عند السفر .!!

Amrany22@hotmail.com