هناك الخوف من أمريكا… وهناك الخوف على أمريكا
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 4 سنوات و شهر و 20 يوماً
الأربعاء 07 أكتوبر-تشرين الأول 2020 07:01 م
 

الأول لا نجده سوى عند العرب والمستضعفين في هذه الأرض.. أما الثاني فهو ما بدأت بعض الديمقراطيات في العالم ولاسيما في أوروبا تفكر فيه جديا.

الأول مهموم بالعروش فلا قيمة له، أما الثاني فبالخوف على النموذج والقيادة الأمريكيين، وبالتالي يستحق التوقف.

أمس الأول نشرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية مقالا للمؤرخ والاقتصادي الفرنسي نيكولا بافيريز من جامعة «السوربون» العريقة عبّر فيه عن تخوفات عديدة على مستقبل الولايات المتحدة منطلقا من أن «الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 هي، في نفس الوقت، من أكثر الانتخابات مصيرية وخواء وقلقا في تاريخ الولايات المتحدة» معتبرا أن ما عكس ذلك بجلاء هي المناظرة التلفزيونية بين المرشحين الرئاسيين ترامب وبايدن التي «لم يخرج منها أي فائز بل ضحيتان اثنتان: الولايات المتحدة والديمقراطية».

لم يكتف الكاتب بذلك بل حدد 6 أزمات مصيرية تعيشها حاليا الولايات المتحدة سردها كالتالي:

أزمة كورونا، ركود اقتصادي تسبب بموجة بطالة كبرى مع عجز تجاري قياسي ودين عمومي يصل إلى 104 في المئة من الناتج الداخلي الخام عام 2021، كارثة مناخية مع تعدد الأعاصير والفياضانات والجفاف والحرائق، أزمة سياسية حادة أدت إلى استقطاب في الرأي العام وتنامي العنف وأجواء حرب أهلية باردة، مأزق مؤسساتي جراء فشل نظام السلطة المضادة (أو الموازية)، تفسخ استراتيجي بنهاية زعامة الولايات المتحدة وتراجعها وعزلتها التي تركت المجال واسعا أمام الطموحات الصينية والروسية والتركية.

ويرى الكاتب أن الهام، حاليا وبعيدا عن الولايات المتحدة، هو أن الديمقراطية هي من تجد نفسها عرضة لنزع الشرعية والمصداقية في وقت تنفجر فيه العولمة وتمسي عرضة للضغط الكامل للرأسمالية الصينية. وبعد أن استعرض مختلف مظاهر «تفكك الأمة والانهيار السائد في واشنطن» والتي تضفي شرعية على الانتقادات التي تسوقها ضد الحرية السياسية قيادات استبدادية، خلص الكاتب، الذي له مساهمات مميزة كذلك في مجلة «لوبوان» إلى أنه في صورة ما إذا تم التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر – تشرين الثاني المقبل فإن ذلك قد يؤدي إلى «انهيار أمريكا وإنهاء مرحلة الديمقراطية».

«ترامب عوض أن يعيد عظمة أمريكا فإنه سرّع بقوة في تراجعها ولا يمكن لإعادة انتخابه سوى أن يؤدي بالبلاد إلى الفوضى المدنية وإكمال تفكك النظام التعددي، وكذلك التحالفات التي أسست للديمقراطيات الغربية وتفوقها»…هكذا يرى الكاتب الذي يعتقد أنه مهما كان الفائز في الانتخابات المقبلة فإن ثلاث حقائق تفرض نفسها:

الحقيقة الأولى: الأولوية ستكون للقضايا الداخلية المتعلقة بنهضة الاقتصاد والانسجام داخل المجتمع.

الحقيقة الثانية: إعطاء الصدارة للتنافس الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري مع الصين.

الحقيقة الثالثة: الانعطاف الدائم نحو الحمائية والانعزالية، وهو ما سيخدم الصين وروسيا وتركيا وإيران التي ستعمد إلى ملء الفراغ المترتب عن ذلك لتوسيع أراضيها ونفوذها.

الخلاصة التي ينهي بها نيكولا بافيريز مقاله أن الولايات المتحدة رغم تراجعها النسبي ستبقى القوة العالمية الأولى بالنظر لأوراقها القوية المتمثلة في حيوية مجتمعها وقدراته التكنولوجية وقوتها العسكرية، غير أن التجربة القومية الشعبوية التي عرفتها مع ترامب أدت إلى انفصام عميق للرابط الذي يربطها بالحرية السياسية وأنهى مكانتها كأمة لا غنى عنها لبقاء هذه الحرية. وبناء على كل ما سبق يخرج الكاتب بأن على أوروبا أن تستخلص النتائج بالحفاظ على قيم هذه الحرية لاسيما الدفاع عن الحريات الفردية والسعي كذلك لضمان أمنها.

ما يهمنا مباشرة في كل ما سبق بأن كثيرين في العالم تشغلهم هذه الفترة التغيرات الكبيرة التي تشهدها الولايات المتحدة حاليا والتي طفت على السطح بشكل واضح منذ اعتلاء دونالد ترامب سدة الرئاسة قبل أربع سنوات. هذه فترة توترت فيها علاقات واشنطن مع الجميع تقريبا ولم تعد لها تلك الريادة في قيادة «العالم الحر» وهو ما انعكس بشكل واضح في علاقتها مع أوروبا والحلف الأطلسي في ملفات سياسية وعسكرية أساسية. لم تعد واشنطن على خلاف مع «أعدائها» التقليديين بل كذلك مع أقرب حلفائها الغربيين وهو ما تجلى بشكل فاقع في مجلس الأمن الدولي الذي بدت فيه الولايات المتحدة معزولة بالكامل في أغلب الملفات المطروحة.

في هذا الوقت، ينشغل كثير من العرب، وخاصة في الخليج، بالانتخابات الأمريكية بالمعنى الضيق للكلمة أي كنزال بين مرشحين لا غير، مع ميل دفين ومعلن لاستمرار ترامب في البيت الأبيض ليس لاعتبارات تتعلق بمصلحة وطنية أو إقليمية ولكن لاعتبار ضيق للغاية يرى أن وصول زيد أو عمرو إلى العرش في هذا البلد أو ذاك، والبقاء فيه وضمان الحصانة مما اقترف أو يقترف، إنما هو مرتبط أشد الارتباط ببقاء ترامب في منصبه، وبقاء نتنياهو كذلك رغم ما تلاحقه من قضايا فساد ورشوة فاحت رائحتها أكثر من اللازم.

المشكل ليس فقط في هؤلاء السياسيين الذين لا ينظرون إلى ما أبعد من أنوفهم، كما يقول المثل الفرنسي، بل وكذلك في نوعية «المفكرين» المحيطة بهم. هؤلاء، على عكس الباحث الفرنسي كمثال، يسعدون بوضع البخور عوض نشر البحوث.