يمانيون على ضفاف النيل... مواقف ومشاهد
بقلم/ ابراهيم الجهمي
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 8 أيام
السبت 18 سبتمبر-أيلول 2010 05:39 م

المقدمة :

نظراً لوجودي في مصر فترة طويلة قاربت نصف عمري وكذلك للمهام التي أسندت إلي لخدمة أبناء بلدي أثناء تكليفي بمهام الجالية اليمنية بمصر وقبل ذلك أيضاً ..

مماجعلني أكون قريباً من الأحداث والمواقف والقصص التي تحدث لبعض اليمنيين الزائرين إلى مصر

أو المقيمن بها ..

فقد رأيت أنه من المفيد أن أحكي بعضاً منها لتعم الفائدة ولنستخلص منها العبر

خاصة وقد ألح بعض أصدقائي بكتابتها ..

وأؤكد في البداية على أنه لايمكن أبداً أن نطلق على شعب ما أو بلد أياً كان بصفة عامة مطلقة ... بل سنجد أنه في كل مكان وزمان يوجد الحسن والقبيح والطيب والشرير والمحسن والمسيئ ..

وسأثبت ذلك من خلال ما أقصه وأحكيه إن شاء الله في هذا الموضوع ..

وعندي الكثير من الحكايات والذكريات المفيدة والشيقة ..

وسنرى بأن الكثير من المشاكل والحوادث التي تحدث لليمنيين الزائرين الى مصر هي بسبب تقصيرهم وجهلهم بل و طيبتهم التي تصل الى حد السذاجة ..

وسأقسم هذه الذكريات الى جزئين :

الأول : يمانيون على ضفاف النيل ..... مواقف ومشاهد

وهو مايتعلق بحكايات حدثت لمواطنين يمنيين في مصر سواء منهم أو عليهم أو فيما بينهم ... وهي كثيرة وعديدة ومنها ماهو محزن .. أو مضحك.. أو ما يدعوا للتعجب والسخرية .. وبعضاً منها تحكي قصص يمنيين في مصر لهم صفحات مشرقة وإسهامات بارزة .. وكانت مصر محطة إنطلاقهم وتفوقهم ..

الثاني : أيام في مصر .... حكايات وذكريات

وهي حكايات خاصة وذكريات شخصية عايشتها بنفسي من جوانب مختلفة وسأسرد بإذن الله كثير مما تختزنه ذاكرتي عن مصر وأهم ما يميزها عن غيرها .. وطبيعتها .. وأهلها .. والأحداث التي حدثت أثناء وجودي بها .. وأيضاً سأتحدث عن بعض المعالم التاريخية والمزارات السياحية التي زرتها ..

وسأخص تلك الحكايات الموقع المتميز (مأرب برس ) كل أسبوع حلقة إن شاء الله تعالى ..

وأعتذر للقراء الكرام بداية عن أسلوب كتابتي الذي يفتقر الى النمط الأدبي

لأني لست ضليعاً باللغة وعباراتها ... ولكني سأختار الأسلوب الدارج الذي أعرفه ويفهمه غيري دون كلفة أو مشقة ..

وأؤكد بأن ما سأكتبه وأحكيه هو ما شاهدته وأدركته دون مبالغة ولن يكون فيه ما يسئ لأحد بشخصه .. ولإن ذكرت شخصاً بعينه فمن باب المدح لاالقدح والإعتراف له بالفضل ولموقف حميد منه ..

وقد يكون فيما سأكتبه مثاراً للتعليقات أو التعقيبات التي تكون أحياناً غير موضوعية فإني أتمنى أن تكون التعليقات جادة والإضافات مفيدة ومستعد لأي إستفسار أو توضيح ...

والله المستعان ورضاه أرجو ...

الحلقة الأولى :( يمنية تائهة في القاهرة )

حدثت في شهر رمضان الفائت وفي إحدى لياليه بعد الفطار مباشرة ... إتصل بي أحد الطلاب الدارسين يخبرني بأن فتاة يمنية (مريضة نفسياً ) تائهة ولا تعرف أين أهلها وعنوانها ... فسألته كيف وجدتها ... قال أحضرها سائق (تاكس) مصري وبعض أصحابه معه ... وهم وهي الآن بجواري ... فقلت له أحضروها الى مكتبي ... وأعطيته عنوان مكتبي الذي أدير منه شركتي الخاصة .. وكذلك شؤن الجالية اليمنية حيث لا مقر للجالية حتى الآن ...!!

ووصل الأخ الطالب مشكوراً وإسمه الدكتور: خالد النجار وبرفقته الأخ الدكتور : محمد عبد القادر قحطان

ومعهما السائق المصري الذي أراد أن يتأكد بأن لي صفة وصلة بالموضوع ليطمئن على أنه قد أوصل الأمانة الى حيث يجب ...! ولم تكن الفتاة معهم بل كانت بالسيارة ...! فسألتهم عنها ! فأرادوا أن يحدثوني عنها دون ان تعرف هي ... فأخبروني بأنها مريضة (نفسياً ) ولا تتذكر شياً ... بل كل ما تريده أن تسرح وتمرح وترفض التحدث مطلقاً عن أهلها ... وأعطوني جواز سفر كان معها ... ولكنه تبين فيما بعد أنه ليس خاصاً بها ..

وبعد ذلك أحضروا الفتاة يحيط بها مجموعة أخرى خشية فرارها ... وأجلستها الكرسي وكان متواجد معي الأستاذ القدير عبد الرقيب منصور الذي تكبد معي مشقة البحث عن أهلها .. وهو من قدامى المقيمين بمصر ... سأتحدث عنه في العديد من ذكرياتي ...

المهم دخلت الأخت وهي لابسة الخمار .. وبدلاً من أن أسألها بدأت هي التي تسألني وتشتكي لي بأنها تعرضت للسرقة والإستغلال وأنها قد تاهت وضاعت عن أهلها وهناك من عبث بها .. وأشربها المسكرات والمخدرات .. وتأتي لي بأسماء عديدة .. وسألتها على الفور هل هؤلاء الذين جاؤا بكي لهم علاقة بالموضوع ..؟ فقالت لا ...! بل هم من أنقذوني وضلت تشكرهم كثيراً ... فلما تأكد لي بأن السائق وأصدقائه الذين أوصلوها كانوا فاعلي خير .. أخذت أسمائهم وأرقام تلفوناتهم ... وأعطيتهم مقابل ما ضيعوا وقتهم معها ..

وودعناهم انا ومن لدي بالشكر وانصرفوا وهم يؤكدون علي بأن أجلب لها الطعام فقد رفضت الأكل أو النوم

خلال يومين ...

في الحال جلبنا لها الطعام وضللنا نهدئ من روعها وننفس عنها ... ونطمئنها الى أننا إخوانها وأبناء بلدها .. وبدأت شياً فشيئاً تطمئن لنا بعد أن كانت قد أحجمت عن الكلام معنا طالبة منا أن نتركها تخرج للتنزه والتجول فذلك الذي يريحها حسب كلامها ...

أخذت جواز سفرها لأتبين منه ما يفيد في التوصل الى أهلها وسكنهم ... حيث يفرض على أي يمني زائر الى مصر التسجيل بقسم الجوازات خلال أسبوع من تاريخ دخوله وذلك في أقرب مركز شرطة لمقر إقامته .. إتصلت بأحد الزملاء وهو الدكتور منيف الضبياني بمدينة نصر أن يذهب للقسم ويسأل هل هناك بلاغ بضياع يمنية وأعطيته الإسم ولكن ما عكر البحث عن أهلها أنها لم تكن صاحبة الجواز .. وهي قد ضللتنا بأنها إدعت بأن إسمها هوالذي مكتوب بجواز السفر ... ولم نعرف ذلك ابداً إلا وقت التوصل إلى أهلها .. وفي هذا الموقف يتأكد لي حاجة الشرطة النسائية في حياتنا العملية ...

وتواصلت مع السفير وهو في عمرة لبيت الله الحرام وأخبرته بالموضوع وحرص على أن يسألني كل التفاصيل وكلفني بمهمة الحفاظ عليها ... وبالمناسبة سأروي كثيراً من المواقف الرائعة مع السفير والذي لا يتوانى أبداً عن حل مشكلة أي مواطن يقدر عليها فوالله أنه حتى منتصف الليل وفي الفجر وفي أي وقت إذا علم بأي مشكلة لأي مواطن بأنه يتصل ويتابع بل وقد يخرج بنفسه إذا إستعصى على الغير حلها ...

واتصلت بالقنصل وافاد بأنه لا يوجد بلاغ من أهلها ولا حتى إتصال منهم بضياعها ..

وزاد من حيرتي أنا ومن معي عن إهمال اهلها لها ... رغم أنها قالت أنها جائت مع أبوها وأمها وأخوها وزجته وأولاده ... وحدثتنا عن نفسها كثيراً وعن اهلها وأنهم من أسرة كبير وميسورة ... وقالت بأن أهلها لن يبحثوا عنها بسبب خوفهم من الفضيحة بسبب مرضها ... ومما قالته عن نفسها بأنها مدرسة وتحفظ القرآن ... وكانت تتلوا بعض آيات القران بخشوع ... وفجأة تنتقل الى الغناء ... وسألتها لأفيد القراء الكرام بفائدة خرجت بها منها

قلت لها الذي أعرفه بأن من يحفظ القرآن الكريم يكون في منعة وحصن من المس أو السحر أو الجنون .. لأنها قالت لنا بأنه مسها جن كما أخبرها شيوخ باليمن واشتكت لتعرضها بالضرب المبرح منهم .. ولكن دون فائدة فجاء أهلها بها للعلاج في مصر

المهم في إجابتها عن سؤالي ..! بأن الشيطان لا يبحث عن البيت الخرب! بل يبحث عن البيت المعمور بالذكر والإيمان ليخربه ...وأنه يبدأ بالتدريج لتدمير اصحابه بداية بالكف عن الذكر والنوافل ثم بالتثبيط عن الفرائض وما الى ذلك ... كان ذلك جوابها بمثابة خطبة أو موعضة لي وللسامعين .. وأنقله إليكم ..

واحترت ومن معي في أمرها كيف نتصرف معها فهي مرهقة ومتعبة ...؟ ونخشى أن نتركها في شقة لتنام فتحدث في نفسها مكروهاً خصوصاً وأنها قد رمت بنفسها من ثالث دور باليمن كما قالت ..!!

خرجت بها ومعي الاستاذ القديرعبد الرقيب منصور قبيل الفجر بساعتين ومعنا العم أحمد مساعدي بالمكتب .. طلبت منهم مرافقتي خشية فرارها مني حيث أنها ترفض مطلقاً العودة إلى أهلها بحجة أنهم يضربونها ضرباً مبرحاً .. فقلنا لها سنخرج في نزهة .. !!

وصعدنا بالسيارة بعد أن أحكمت إغلاق أبوابها ... وفي الطريق كنت أتلوا مما تيسر من القرآن حسب طلبها فذلك يريحها ...

وذهبنا الى مدينة نصر ... نبحث في شوارعها عن سكنها ... وكلما ذكرت إسم شارع توجهت إليه فتقول لا ليس من هنا ... بل هناك ونذهب ونرجع ... وندخل هذا الشارع وذاك ... ثم تعطينا علامات لمحلات بجوارهم ونبحث عنها ونسأل .. ونوقظ البوابين ... وبصراحة تعبنا وهي تريد تضليلنا وهذا ما عرفناه لا حقاً حيث أننا مررنا من جوار العمارة التي تسكن بها مرات عديدة ... وهي تقول ليس هنا بل في مكان آخر ...!

المهم حان وقت صلاة الفجر .... وتركناها بالسيارة برفقة عم احمد ... ودخلنا مسجد الرحمن بمدينة التوفيق نصلي وكنت قد طلبت من بعض الزملاء الساكنين في المنطقة بأن نلتقي في المسجد ...وصلينا الفجر وأنا أدعوا الله في سجودي بأن يفرج عنا وعن الأخت الضائعة ...

وبعد صلاة الفجر اجتمع معنا الشباب وأذكر منهم الدكتور منيف الضبياني والدكتور عبد الملك الحاوري والدكتور زيد صالح سميع الذي كان له الفضل بعد الله في التوصل لإهلها .. فأتصل الأخ زيد سميع ببعض البوابين في المنطقة .. وسررنا حين أفاد أحدهم بأنه توجد أسرة يمنية ساكنة لديه قد ضاعت إبنتهم منذ فترة ... سررنا جميعاً لذلك الخبر وذهبنا نزف الشابة الى أهلها وهي لا تدري ... حتى إذا وصلنا لباب العمارة قالت بتضحكوا علي !! أنتم تسلموني لأهلي لكنهم سيضربونني ...!

وجاء أخوها وترجيناه عدم ضربها ...

ومنه عرفنا بأنها قد خرجت بجواز زوجته وليس بجوازها ... وبعد إلحاح منا عليه بأن يكتب تعهد بالحفاظ عليها ... وقال لنا هذا واجبكم .. ولم نجد منه أي شكر يذكر ...!

وقال لنا أنه من أسرة كبيرة وميسورة وكذا ..

وأخبروني الشباب بأنها حينما سافرت مع أسرتها قالت للبواب أنظر الى ما فعلوه بي من ضرب مبرح قد أحدثوه بي فأخبر الجهمي بأنه هو المسؤل عما حدث بي ...!!!

وبمناسبة ذكر هذه القصة هناك العديد من الضائعين الذين فقدوا في مصر عددهم سبعة أشخاص وجد منهم ثلاثة بعد إختفاء تعدى السنتين... وباقي أربعة.... منهم الطالب أيمن سأذكر قصصهم وقصته في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى ...

الحلقة القادمة / 1- بعد ثلاثون عاماً من بقائه في مصر يكتشف بأن أبويه من اليمن !!

قصة واقعية أقرب للخيال.