يمانيون على ضفاف النيل7: ضحايا عصابات استئصال الكلى وتجارة الأعضاء البشرية
بقلم/ ابراهيم الجهمي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 7 أيام
الخميس 20 يناير-كانون الثاني 2011 07:43 م

الإتجار بالبشر ظاهرة "ومشكلة" داخل المجتمع اليمني وليست محدودة هذا ما يؤكده القائمون على مكافحة هذه الظاهرة والتي تنامت في الفترة الأخيرة لأسباب إقتصادية وبشكل ملحوظ وملموس ... ومنها التجارة بالاعضاء البشرية . وتجارة وبيع الأعضاء البشرية تشمل الكلى والعين والركبة وفص الكبد وحتى السائل المنوي .

ويهمني في هذا المقال التطرق لحالات بيع الكلى وقدوم كثير من فتيان وشباب اليمن إلى مصر لغرض بيع أعضائهم البشرية خاصة الكلى , بعد وقوعهم فريسة سهلة أمام عصابات الإتجار بالأعضاء البشرية ...

ولقد سعيت منذ أن عرفت الحكاية إلى تنبيه الجهات المختصة هنا في السفارة اليمنية وإبلاغ الشرطة المصرية والتي قامت بالتعاون مع الجالية اليمنية في الكشف عن تلك العصابات والقبض على بعض الفتيان حديثي السن وهم من الضحايا , وكانوا قد تعرضوا لعمليات استأصلت فيها ( كلاهم )

زارني حينها بمكتبي صحفي يمني وهو طالب يدرس دراسات عليا وعرف مني الخبر وسارع إلى نشره عبر موقع (المؤتمر نت) وتناقلته وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية كذلك , بما فيها قناة الجزيرة نقلاً عني .

واتصل بي كثير من الصحفيين والإعلاميين من اليمن وخارجها وطلبوا مني معلومات وتفاصيل أكثر ... وامتنعت عن الإدلاء بأي حوار صحفي حينها ... خاصة بعد التوبيخ الذي لاقيته ..!

وناقش مجلس النواب اليمني الظاهرة التي أحدثت تساؤلات عديدة من هنا وهناك واثارتها منظمات عديدة ومنها منظمة سياج وقد إتصل بي رئيسها الاستاذ أحمد القرشي وطلب معلومات وتوضيحات ... ولا أخفي أنني لاقيت حينها تأنيباً ولوماً على ما حدث !

وفي صنعاء حين قابلت رئيس مجلس النواب وبعض أعضاء المجلس في إجتماع رسمي وكان منهم في لجنة الحقوق والحريات وسألوني عن الموضوع وبدأت التحدث فيه وتكلمت عن تورط البعض (احتفظ بأسمائهم) سارع رئيس المجلس لقطع حديثي وحثني على عدم التحدث بالأسماء وانهى الموضوع وحاول بعض أعضاء المجلس إستفساري لكني رأيت من المصلحة تأجيل الحديث حينها ! والحليم تكفيه الإشارة !

كان معي ملف كامل عن الموضوع قدمته للجهات المختصة والحق يقال بأني لاقيت تجاوبا كبيرا واهتماما غير مسبوق من قبل المختصين ..

ولي الحق بأن أدعي بأني أول من أثرت هذا الموضوع .. ولقد سبب لي كثير من المتاعب .. وعوقبت عليه من قبل جهات عليا في موضوع خاص بي سأرجئ الحديث عنه في هذا المقام ..

البداية :

وتبدأ الحكاية في قيام عصابة متخصصة في الإتجار بالأعضاء البشرية , وأفراد العصابة من الأردن وفلسطين واليمن بالتعاون مع أطباء مصريين … تقوم العصابة بواسطة أفرادها في اليمن بإستقطاب الشباب اليمنيين خاصة من ذوي الدخل المحدود … وللأسف أن أغلب الضحايا من صغار السن … ومنهم مجندين في الأمن المركزي …

يستدرجونهم لمصر بحجة إيجاد فرصة عمل لهم بمرتبات مجزية … ويقومون بتجهيزهم للسفر وقطع التذاكر لهم إلى مصر … وحال وصول الضحايا يستقبلهم أفراد العصابة في مصر ومن بوابة المطار يأخذونهم إلى شقق سكنية بعيدة تماماً عن تواجد اليمنيين فيها ويضعونهم في الشقة ويضعون مراقباً عليهم , ولا يتيحون لهم أي فرصة للخروج من الشقة أو حتى الإتصال بأي شخص , ويحجزون جوازات السفر الخاصة بهم منذ وصولهم … ويغدقون عليهم بالمأكل والمشرب أياماً معدودة , ويوهمونهم بأن العمل الذي قدموا من أجله مازال قيد البحث , وأن هناك فرصة للعمل كانت ممتازة ومرتبها مناسب لكن حالت ظروف طارئة دونها ويطلبون منهم أن يتريثوا قليلاً ..

الاستدراج :

تمر عدة أيام حتى يصبح الضحية في ضيق وحيرة … وخلال هذه الفترة يضعون لهم في المأكل أو المشرب بعض الأدوية التي قد تحدث لهم أوجاع وأمراض .. فيذهبون به للمستشفى وعلى حسابهم يدخلونهم لعيادة الطبيب للفحص, فيأمر الطبيب بضرورة أخذ فحوصات وعينات عديدة ! والضحية يظن أنهم يعالجوه !   وهذه الفحوصات والعينات في حقيقة الأمر هي للتأكد من صلاحية كليته ومدى تطابقها مع المواصفات المطلوبة لراغبي الكلى من الباحثين عنها والذين لديهم فشل كلوي ! ويعود الضحية للبيت وهو يشكرهم على علاجه والإهتمام به …

أساليب الإقناع :

يقوم أحد أفراد العصابة بمجاراة الضحية فيقول له عندما فحصوك في المستشفى وجد الأطباء أن كليتيك ممتازتين, وما رأيك أن تبيع احداهما بمقابل كبير والبعض منهم يستغل زوجته لإقناع الضحية بذلك ! وكثير من الضحايا يذهبون بهم للطبيب لإقناعهم بأن ذلك لا يؤثر عليهم صحياً .. وبأن الإنسان له كليتين يستطيع العيش بواحدة منها طوال حياته ويأتي لهم بأمثلة وأشخاص مصورين عنده في جهاز الكمبيوتر !! والبعض يأتون له بالمريض الذي يريد الكلية ويجعلونه يترجى الضحية بكل الوسائل بحق الأخوة الإنسانية .. ويستعطفه بالبكاء إن لزم الأمر بأن يوافق على منحه الحياة والتبرع له وهذا عمل إنساني وهذا معروف ... وهذا....الخ, وقد يكون هذا المريض أيضا ممثلاً بارعاً معهم ليس إلا ..

ويستمروا في إقناعه بشتى الوسائل وأن ذلك تبرع , وإنقاذ للمحتاج وأنه لا يؤثر عليه مستقبلاً أبداً, ويحضرون أشخاص يستشهدون بهم بأنهم تبرعوا بكلاهم .. وهم في أفضل صحة وأحسن حال .. مع وعدهم له باستعدادهم لتحمل أية تبعات أو مشاكل مستقبلاً ..

إبتزاز الضحية :

الضحية يضل يفكر ملياً ولا يجد الناصح الأمين .. وفي البداية يغرونه بمبالغ كبيرة ..تصل الى 30 الف دولار! وبعد أن يوافق يقومون بإجراءات قانونية لتوقيعه على الموافقة ( سأشرحها ) وبعد توقيعه بالموافقة يأتون به للكشف الطبي من جديد ..! ويفاجئونه بأن كليته لا تتطابق مع كلية الشخص المريض الذي كان سيدفع لك المبلغ الكبير الـ30 ألف دولار ..

ويعرضون عليه التبرع لأشخاص آخرين لكن إمكانياتهم المادية بسيطة ويعرضون عليه مبلغ لا يزيد عن 5 ألف دولار … ولا يمتلك الضحية الإعتراض وإلا طالبوه بمصاريف إقامته وغيرها … بل يهددونه بأنهم سيقاضونه بموجب التوقيع السابق والذي ينص على أنه مدين لهم بمبالغ قد ورطوه بها مسبقا, بأن أعطوه جزء منها وقام بانفاقها !

وفي الغالب يكون الضحية قد تورط فيوافق ويتم إستئصال كليته و يدفعون له 5ألف دولار فقط ..

بل إن بعض الضحايا لم يتسلم أي مقابل … وقابلت الكثير وقالوا لي بأنهم إهتموا بنا في البداية وبالغوا في إكرامنا … وعقب عملية إستئصال كلانا رمونا من أول يوم … والكثير منهم يرجعونهم للمطار مباشرة … وتذكرة العودة على حسابه .

ومنهم من يبقى يتسكع بالمبلغ الذي معه هنا وهناك وهو يداري فعلته … ويتستر على خطيئته .. ثم يبدأ في العمل معهم ويبحث عن ضحايا أخرين … يأخذ ألف دولار على كل متبرع أو ( رأس ) كما يسمون الضحية .. وكأنه رأس خروف ..

السندات القانونية :

يقومون بواسطة مندوب لهم بأخذ موافقة من السفارة اليمنية ( الملحقية الطبية ) وهذا المستند لا يعلم الضحية عنه شيئ , ومحتوى السند موافقة السفارة ممثلة بالملحقية الطبية على تبرع المواطن اليمني فلان بكليته للمواطن (الأجنبي) فلان .. وحقيقة لا أدري كيف يتم إستخراج هذه الموافقة ! الملحق الطبي سارع لأخذ الختم من موظفيه بعد ما أثيرت القضية … وتشدد في إستخراج الموافقات بذلك وخاطب جميع المستشفيات بعدم إستئصال الأعضاءالبشرية لأي مواطن يمني إلا بموافقة الملحقية .. ويقال بأن العصابة كانت تستخدم ختماً مزوراً بإسم الملحقية …!

بالإضافة لموافقة السفارة يقومون بتسجيل موافقة الضحية بالصوت والصورة وأنه أقدم على التبرع بكليته بداعي الإنسانية ورغبته في إنقاذ اخ له في الإنسانية ويقر بعدم تلقيه أي مقابل مادي .. وكذلك يؤكد بأن موافقته برضاه وحريته وإقتناعه وأنها خالية من إية ضغوط مورست عليه ..

كذلك هناك إقرار مكتوب يشمل ما ذكر سابقاً ويبصمونه جميع أصابعه العشرة في ذلك الإقرار ..

الأسعار :

تصل قيمة الكلية 120ألف دولار (مائة وعشرون ألف دولار) تؤخذ من المريض طالب الكلية وتقسم كالتالي:

70 الف دولار للطبيب وللمستشفى 25 ألف دولار لعصابة مصر 15 ألف دولار لعصابة اليمن1 ألف دولار للمندوب الذي يأخذ موافقة السفارة 3 ألف دور لمن يقدم الموافقة 2 ألف دولار مصاريف إستجلاب الضحية وإقامته 5 ألف دولار للضحية

المتبرع لهم : من جنسيات مختلفة خاصة الخليج ولبنان والأردن وفلسطين

العدد المتوقع : للضحايا في السنتين الماضيتين 360 حالة

وأخيراً :

أحذر إلى أن القضية تحتاج لوعي وتنبيه وتحذير … وتكاتف من قبل الجهات المختصة … سواء حكومية أو منظمات مجتمع مدني .. والسعي لعقد إتفاقيات دولية لتجريم هذه الظاهرة ومنعها .. ومكافحتها ..

وخاصة حتى الآن لا توجد قوانين أو إتفاقيات تجرم هذه الظاهرة , وهذا ما جعل العصابات تعمل وهي في منعة من الرقابة على أعمالها الخبيثة … وإن كانت بعض الدول كمصر تجرم التبرع بأعضاء مواطن مصري لأجنبي .

وقد نادت اليمن لعقد إتفاقيات دولية تجرم هذه الظاهرة ...

وأتمنى من الجهات المختصة أن تتنبه لمثل هذه الظواهر التي ستنجم عنها مشاكل صحية كبيرة تتحملها الدولة وستعاني منها العديد من الأسر .. وتؤرق المجتمع ... الذي لا تنقصه الفواجع أو المصائب ..

الحلقة القادمة : تاجر يمني سرقته عصابة في اليمن . . ولم يعرفهم حينها .. وتعرف عليهم في مصر .