3 أحداث جعلت من نظام صالح نصعاً للصحافة والتقارير الأمريكية
بقلم/ عبدالحكيم هلال
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر
الجمعة 20 فبراير-شباط 2009 07:50 م

الجمعة الماضية، وفي اجتماع مغلق للرئيس الأمريكي الجديد "أوباما" مع عائلات البحارة الذين قتلوا في اليمن في الهجوم على الباخرة الأمريكية "كول" 2000، واجه الرئيس ضغطاً شديداً لتشكيل لجنة تحقيق في الحادث.. جاء ذلك حينما أراد "أوباما" طمأنتهم بشرح فكرته الخاصة بالتعامل مع المعتقلين في جوانتنامو بعد أن وقع قرار إغلاقه خلال عام..

لقد باتت اليمن الدولة الأكثر ذكراً في التقارير الدولية – خلال الأسبوعين الأخيرين - في مسألة الإرهاب. وفي الحقيقة كانت هناك أحداث ثلاثة متتابعة، سحبتها إلى الواجهة..

تحركات الرئيس الأخيرة – مطلع فبراير الحالي - بين أعتا وأشد القبائل اليمنية بأساً (مأرب، شبوة، الجوف) أوحت - إلى حد ما – أنه أدرك إلى أين اتجهت بوصلة التركيز الغربية، وبالتحديد "الأمريكية"، خلال الفترة الماضية، لاستخلاص الحكم النهائي حول ضعف النظام اليمني في مواجهة الإرهاب. كانت معظم التقارير الغربية تشير إلى أن الضعف الحقيقي للنظام اليمني في مواجهة الإرهاب يأتي من الجانب القبلي و بعض مشائخ القبائل الذين يحمون المطلوبين أمنياً.

لكن فيما يبدو أن الوقت المناسب لتفادي سيل هجوم التقارير الاستخباراتية والصحافة الغربية، قد مر قبل القيام بما كان يجب القيام به. لقد انتقلت تلك التقارير – فيما يشبه الإجماع – من الحديث عن ضعف قدرات الحكومة المركزية، لأسباب عشائرية وتضاريسية، إلى الهجوم على النظام نفسه، واعتباره غير جدي في تعاونه مع المجتمع الغربي ضمن معركة الحرب على الإرهاب، بحسب مجموعة من التقارير، وأحد تلك التقارير – نشر مؤخراً في "الويكلي ستاندر" - قال إن الوثائق المرسلة من جوانتنامو تشير إلى أن "نظام الرئيس صالح ليس حليفاً حقيقياً" في محاربة الإرهاب.

بل وأكثر من ذلك، هناك من بات يعتبر النظام الحالي في اليمن – مؤخراً - هو المشكلة بحد ذاتها. واستندت تلك التقارير إلى عدة حالات، ومنها: حالة المعتقل اليمني بجوانتنامو، عبد السلام الحيلة، الذي كان يعمل في جهاز الأمن السياسي، المرتبط مباشرة بالرئيس، والذي ثبت أنه كان على علم بأحداث 11/9 قبل وقوعها. وبحسب تقرير "الويكلي ستاندر"، فقد صرحت حكومة الولايات المتحدة، أن "الحيلة" أقر بأنه كان يعمل "عيناً" للدولة، لمراقبة تحركات القاعدة، ولكن – يقول التقرير - تأكد للولايات المتحدة أن الحيلة كان بالفعل عضواً في تنظيم القاعدة.

وحالة أخرى تم الاستناد إليها – في السياق ذاته – هي حالة المطلوب جمال البدوي، والمتهم بتورطه في الهجوم وتفجير المدمرة الأمريكية (يو إس إس كول) في أكتوبر 2001 في ميناء عدن، والذي أطلقت الحكومة اليمنية سراحه في أكتوبر 2007. وفي حين أنها رفضت تسليمه إلى الولايات المتحدة، فقد أعادت اعتقاله مرة أخرى بعد إصرار الولايات المتحدة بأنه مازال يشكل خطراً يقلقها، كما ورفضت اليمن طلباً بمتابعة الجانب الأمني الأمريكي لمسألة بقائه في السجن بين الحين والآخر، حيث ما تزال أمريكا غير متأكدة - حتى الآن – ما إذا كان معتقلاً في السجن أم لا.

* أحداث ثلاثية متتابعة، سحبت اليمن إلى الواجهة :

ثلاثة أحداث متتالية، وربما مترابطة، خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، جعلت من اليمن "هدفاً" مكشوفاً ومغرياً لتقارير المسئولين الأمريكيين والصحافيين الباحثين عما يمكن تناوله كحدث رئيسي بارز.

الحدث الأول: في 22 يناير الماضي وقع الرئيس الأمريكي الجديد أوباما أمراً قضى بإغلاق المعتقل العسكري في خليج جوانتنامو، خلال عام من تاريخه. وهو المعتقل الذي تبقى فيه حوالي 242 معتقلاً بينهم 94 يمنياً، بحسب تصريحات عليا.

الحدث الثاني: في 23 يناير – بعد يوم واحد من التوقيع – أعلن قياديون في تنظيم القاعدة، دمج فرعي التنظيم في اليمن والسعودية في تنظيم واحد، قالوا إنه قرر أن يتخذ من اليمن مقراً له، ومن بين المعلنين الذين ظهروا على شريط فيديو - بثته بعض المواقع والوسائل الإعلامية - كان هناك سعوديان أطلق سراحهما في وقت سابق من معتقل جوانتنامو..

.( تقارير دولية أخرى أكدت إصدار التنظيم بياناً بالدمج في 20 يناير، غير أن ما تم تداوله عبر الوسائل الإعلامية المختلفة بواسطة شريط الفيديو كان بتاريخ 23 يناير تقريباً).

الحدث الثالث: في 5 فبراير الحالي، سربت معلومات نشرتها وكالات أنباء دولية، ومحلية، تقول إن اليمن أفرجت عن 95 معتقلاً مشتبهاً بصلتهم بتنظيم القاعدة. وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن مسئولا أمنياً – فضل عدم ذكر اسمه – أكد صدور تعليمات عليا عممت بالإفراج عن 176 معتقلاً من المشتبه بصلتهم بالقاعدة.

تلك الأحداث الثلاثة، تتابعت بشكل دراماتيكي، وفي أوقات قياسية متقاربة، لتلفت انتباه المسئولين

الأمريكيين، ومعهم الصحافيين، حتى باتت اليمن – خلال هذه الأيام – أكثر تناولاً من أي وقت مضى فيما يخص مسألة الإرهاب ومتعلقاتها.

* الانتقال من العوامل القاهرة، إلى سلوك النظام نفسه:

- نبدأ من الحدث الأول. حين وقع الرئيس الأمريكي الجديد مذكرته الشهيرة بإغلاق معتقل جوانتنامو، بدأ التركيز على اليمن، كونها تمتلك الحصة الأكبر منهم. وظهرت تساؤلات من مثل: هل ستنجح خطة الرئيس الجديد في التخلص من المعتقلين، وخصوصاً فيما يتعلق باليمنيين؟

في المعتقل يوجد عبد الرحيم الناشري، العقل المدبر في تفجير الباخرة الأمريكية كول 2000. ولقد أعربت عائلات البحارة الأمريكيين الذين قتلوا في الحادثة عن قلقهم من خطة رئيسهم الجديد لإغلاق المعتقل. وفي اجتماع خاص مع الرئيس – الجمعة الماضية – حاول أوباما طمأنتهم بشرح بعض تفاصيل خطته ومنها – حسب فوكس نيوز الإخبارية – أنه يخطط لإلغاء المحاكمات العسكرية ومحاكمة المتهمين الخطرين خارج المحاكم العسكرية. غير أن القناة الأمريكية أكدت أن تلك العائلات طالبت بتشكيل لجنة تحقيق في الحادث، شبيهه بلجنة تحقيق 11/9 . وقالت إن أحد المسئولين الكبار في الإدارة الجديدة، أكد أن أوباما لم يستثن الفكرة، وهي الآن تحت المراجعة.

 لقد بدأ الحديث عن صعوبات تسليم المعتقلين اليمنيين إلى اليمن في بادئ الأمر، من جهة ضعف الإمكانيات وعدم القدرة على عمل برنامج تأهيلي يشبه النموذج السعودي. ثم انتقل بعدها تالياً للحديث عن مشكلة أخرى هي: طبيعة النظام نفسه، في تعامله مع المشتبه بكونهم إرهابيين. ذلك الأسلوب اليمني المبني على المقايضة على أساس: عدم التعرض للمصالح اليمنية أو للمصالح الغربية في الداخل، مع السماح بحرية الحركة في الخارج. وهذا ما بات يؤمن به مجموعة من المسئولين والصحافيين الأمريكيين اليوم.

في السابق – كما أسلفنا - كانت الانتقادات الرئيسية لليمن توجه إلى التعقيدات في التركيبة السكانية والعشائرية، والتضاريس الطبيعية، والفقر، والفساد..و..و..الخ. وهي تهم لا تمس طبيعة وأسلوب النظام في تعامله الجدي مع الإرهاب، أو بالأحرى تهم لم تكن قد توغلت في عمق سلوك النظام. وأكد أحد الخبراء في الشأن اليمني وهو "جريجوري جونسون"، في أحد تصريحاته –التي نشرت مؤخراً - أن "اليمن، الذي كان ينظر إليه لمدة طويلة كملجأ للجهاديين، بدأ بالتعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في العام 2001 وكان لديه بعض النجاحات البارزة. لكن تركيبته العشائرية، حالته الضعيفة، وتضاريسه الجبلية، برزت كعقبات أمامه".

ولم يكن الجزء الخاص من الاتهام البات لأسلوب تعامل النظام نفسه، مع المتهمين الإرهابيين بنوايا غير جدية، يمتلك الكثير من الإثباتات والقرائن الدامغة، عدى تلك الحالات القليلة التي سبق وأن تم الإشارة إليها سابقاً.. لكنه أصبح اليوم أكثر إلحاحاً في التحليلات الغربية، بعد بروز الحدثين التاليين: ظهور زعماء القاعدة في اليمن وإعلانهم دمج الفرعين (اليمن والسعودية)، واختيارهم اليمن مقراً دائماً لعملياتهم. والآخر قرار اليمن إطلاق سراح مجموعة كبيرة من المشتبه بارتباطهم بالقاعدة من السجون والمعتقلات التابعة لها.

فعقب ظهور قيادات القاعدة في اليمن، وبينهم سعوديان تم إطلاق سراحمها من معتقل جوانتنامو، علق مسئول أمريكي في مكافحة الإرهاب، بالقول "ما زلنا قلقين من قدامى المعتقلين في غوانتنامو الذين أعادوا نسج صلات مع منظمات إرهابية بعد مغادرتهم مركز الاعتقال".

كما أنه وبعد إعلان تلك القيادات لليمن كمنطلق لعملياتهم، نشرت "دينا تامبل راستون" – وهي مراسلة مكتب التحقيقات الفدرالية في "إن. بي. آر". – تقريراً، قالت فيه أن مسئولين في المخابرات الأمريكية أكدوا "أن اليمن أصبحت – خلال العامين الأخيرين – البيت الثاني الأقوى في العالم لعمليات القاعدة".

وهو ما أدى – بحسب المراسلة – إلى أن يعرب خبراء أمريكيون متخصصون في قضايا الإرهاب، عن عدة مخاوف من الممكن أن تنجم عن إطلاق سراح المعتقلين اليمنيين في جوانتنامو وعودتهم إلى اليمن. 

أحد هؤلاء الخبراء هو Johnsen Princeton  - وهو خبير في الشأن اليمني – عدد بعض تلك المخاوف. ومنها على سبيل المثال: أن هناك شك لدى الحكومة الأمريكية حول: ما الذي حقاً سيضمن أن يقضي هؤلاء المساجين عقوبتهم في السجن؟ بينما وأن اليمن عارضت أن تقوم الولايات المتحدة - بشكل دوري – في مراقبة ما إذا كان شخصا مطلوباً – مثل جابر البناء – ما يزال محتجزاً في السجن، أم لا.

وتقول المراسلة أن مشكلة "جابر البناء" المظلمة تسلط الضوء على مشكلة أكبر: أن حكومة اليمن المركزية ضعيفة". وهي تهمة وإن كانت قديمة على ما طرأت عليه الأحداث الأخيرة، إلا أن الكاتبة فضلت سردها ومن ثم المزج مع ما هو جديد، فقد استدركت لتؤكد: "حتى في أفضل الأوقات، لم يسبق أنها [اليمن] كانت شريكاً صريحاً جداً في معركة الحرب على الإرهاب".

واستعرضت مثالا على هذه الحالة "أن اليمن أطلقت - خلال الأسبوعين الأخيرين - سراح 170 مشتبها ً بارتباطه بتنظيم القاعدة". وفي الحقيقة أنها لم تطلق هذا العدد بعد، وبدأت بإطلاق حوالي 108 متهماً، من بين 176 متهماً قررت إطلاق سراحهم.

أما جرين بيرج – لديها كتاب حول جوانتنامو – فقد ذهبت للقول إن "الإدارة الأمريكية لا يمكنها أن تحل مشكلة المحتجزين قبل أن تعالج أولاً مشكلة اليمن". لكنها لم تحدد ما هي تلك المشكلة: هل هي تلك القديمة/الجديدة، المتعلقة بضعف القدرات الإدارية والتركيبة العشائرية والتضاريسية، أم أنها تلك الحديثة المتعلقة بسلوك النظام نفسه؟!.

* انتقادات ثنائية الهدف:

عموماً يبدو أن أسلوب المزج الثنائي لنوعية الانتقادات الموجهة للنظام في اليمن، هو المفضل لدى المسئولين الأمريكيين، ربما تحسباً لما يمكن أن يقدم عليه النظام اليمني من ردة فعل عكسية في تعامله مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب. وهو الأمر الذي ثبت في أكثر من موقف، لتعامل الإدارة الأمريكية مع النظام اليمني، والمبني على الشدة حيناً، واللين أحياناً أخرى. الشدة لمزيد من الضغط من أجل مزيد من التعاون الجدي. واللين تخوفاً من ردة فعل عكسية، أثبت النظام اليمني بين الفترة والأخرى أنه من الممكن أن يقوم بها مبتعداً عن دائرة التعاون المطلوبة منه (قضية جابر البناء نموجاً).

وللتأكيد، فإن تقرير الاستخبارات الوطنية الأمريكية السنوي – المقدم مؤخراً للكونجرس الأمريكي – أكد مبدئياً أن "اليمن تحولت إلى ساحة حرب جهادية وقاعدة محتملة للعمليات الإقليمية لتنظيم القاعدة للتخطيط لهجمات في الداخل والخارج ، وتدريب الإرهابيين، وتسهيل حركة العملاء".

وهو حديث معمم يمكن أن يستشف منه الأمران معاً. الأمر الأول: أن ذلك يحدث خارج إرادة ورغبة النظام اليمني. والأمر الآخر: إمكانية حدوثه بمساعدته. خصوصاً عند نهاية تلك العبارة التي تقول بـ"تسهيل حركة العملاء".

غير أنه - وكما أشرنا سلفاً إلى أسلوب التعامل الأمريكي المزدوج مع النظام اليمني - فقد جاءت التصريحات الملحقة في التقرير من العميد المتقاعد دنيس بلير – مدير الاستخبارات الوطنية – لتوضح أن "ضعف إمكانيات اليمن" هو الذي " جعلها مركزاً متقدماً للقاعدة في الخليج العربي والمنطقة".

* إطلاق المعتقلين.. لماذا الآن؟:

وقد يتضح الأمر أكثر، حينما نتطرق إلى الحدث الثالث: إطلاق السلطات اليمنية، سراح العشرات من المشتبه ارتباطهم بتنظيم القاعدة.

لقد أثار الخبر انتقادات واسعة من قبل بعض المسئولين، والصحافة الأمريكية، حيث أعرب مسئولون أمريكيون عن قلقهم من تصرف الحكومة اليمنية في هذا الاتجاه، واعتبر البعض أن ذلك دليلاً قاطعاً لأسلوب تعامل النظام مع مثل هؤلاء، مقابل ما يعتقد أنها صفقة أبرمتها السلطة مع بعض قيادات التنظيمات الجهادية في اليمن.

مثل هذه الأخبار وردود الفعل، تم تداولها على نطاق واسع على مستوى العالم. الأمر الذي اضطر سفيرنا في واشنطن لينفي – عبر بيان للسفارة - صحة مثل تلك التناولات، قبل أن تدرك السلطات الأمنية اليمنية في الداخل خطورة الأمر، وتؤكد النفي. وهو ما يوحي أن سفيرنا هناك تلقى الانتقادات بشكل مباشر من الإدارة الأمريكية، أو – ربما – متابعته كثافة التقارير الصحافية المتضمنة تصريحات مسئولين أمريكيين وقلقهم من الأمر، ليوعز بنفيه ذاك إلى الحكومة اليمنية لتقوم بدورها بالنفي. وهو ما حدث بالفعل. 

إذ ومطلع الأسبوع الحالي، نفت الحكومة اليمنية، عبر مصدر مسئول في وزارة الدفاع، الذي قام بدوره في الإعراب عن أسفه من نشر بعض الوسائل الإعلامية معلومات قال إنها كاذبة.

ولما كان الأمر حقيقياً على أرض الواقع (حيث تم إطلاق سراح قرابة 108 معتقل، من 176 تقرر الإفراج عنهم)، فقد اضطر المصدر الأمني، إلى توجيه المعلومات للصحافة بطريقة أخرى. وهي تأكيد وقوع الإطلاق - كونه أمراً حقيقياً حدث على أرض الواقع، ولا يمكن إخفاؤه - مع نفي أن يكون من تم إطلاق سراحهم منتمون لتنظيم القاعدة، وقال المصدر إن من أطلق سراحهم كانوا معتقلين على ذمة ارتكاب أعمال مخالفة للقانون، بعضهم ثبت تورطهم فيها وحوكموا بسببها وقضوا فترة عقوبتهم، والبعض الآخر، لم تثبت ضدهم التهم.

ربما كان المصدر الأمني محقاً في الجزء الثاني من التوضيح، حين أكد أن بعض من هؤلاء المطلقون "لم يثبت ارتكابهم جرائم عنف أو إرهاب، وإنما هم من المغرر بهم من قبل بعض المتطرفين، وقد تم إجراء الحوار الفكري معهم من قبل علماء ومشايخ". وقد تم الإفراج عنهم – يقول المصدر – "لإعطائهم الفرصة مجدداً للانخراط في المجتمع والإسهام في مسيرة بناء الوطن بعيداً عن كل أشكال الغلو والتطرف، وعلى أساس العيش كمواطنين صالحين لهم وعليهم كل الحقوق والواجبات التي كفلها الدستور والقانون لكافة أبناء الوطن دون استثناء".

لكن مالم يوضحه المصدر الأمني، ويقضي على التساؤل المشروع، هو: لماذا الآن؟ مع أن بعض هؤلاء المعتقلين قضوا أكثر من سبعة أعوام في السجن بدون ثبوت ارتكابهم أية جريمة..!

وما لم يتنبه إليه المصدر الأمني – ربما – هو أنه لم ينف، أو يتطرق - حتى – إلى حدوث أية صفقة بين الرئيس وبعض قيادات التنظيمات الجهادية، في لقاء كان قد سبق قرار الإفراج، والذي يقال إنه جاء نتيجة لذلك اللقاء. بحسب مصادر صحفية متطابقة.

* ما وراء إطلاق سراح المعتقلين واعتقال آخرين:

لا زال الأمر مبعثاً للتكهنات والتساؤلات التي تفرض نفسها. من مثل: ماذا يعني أن تترافق حملة الاعتقالات الواسعة لمن تقول الدولة أنهم مطلوبون امنياً، في كل مناطق مختلفة من اليمن، مع حملة إطلاق سراح العشرات ممن كان الأمن يشتبه بتورطهم مع تنظيم القاعدة؟

هناك من يتساءل حقاً: هل حصل الرئيس – بعد لقاءه الأخير مع قياديين جهاديين - على معلومات حديثه تفيد أن التنظيم الجديد المعلن عنه مؤخراً، يختلف فكراً وتبعية عن التنظيمات الجهادية السابقة التي كان الأمن يحتجز مجموعة من أعضائها، وبالتالي – وبموجب تلك المعلومات – أبرمت الصفقة بإطلاق سراحهم لمواجهة هذا التنظيم الجديد، لاسيما وأن المعلوم منذ أكثر من عامين – تقريباً - أن خلافات جوهرية حدثت بين قيادات الجهاديين في اليمن، وصلت بعضها إلى حدوث تصفيات داخلية فيما بينها. بحسب بعض الأخبار التي نشرت في أوقات مختلفة.

وفي نفس النسق، هناك من يتساءل أيضاً: هل أن القيادات التي يقال إنها اجتمعت مع الرئيس- على فرض أنها مختلفة مع قيادات التنظيم الجديد – قررت التعاون مع النظام في رصد وتتبع أعضاء التنظيم الجديد، وربما أنها سلمت الرئيس كشفاً بأسماء من يحتمل أن يكونوا أتباعاً للتنظيم الجديد، بحكم معرفتهم بعلاقاتهم وارتباطاتهم وأفكارهم. مقابل كشف آخر سلمته يتضمن أسماء المعتقلين في السجون من الذين يعارضون التنظيم الجديد، ويمكن الاستفادة منهم في مواجهته..!

ربما يدعم هذا الافتراض، تلك الأحداث التي جرت لاحقاً. والتي ترافقت فيها حملة إطلاق سراح المعتقلين، مع حملة أخرى للقبض على مطلوبين آخرين.

كل شيء جائز وكل الاحتمالات مفتوحة، طالما وأن تلك الأحداث جاءت متتابعة في بعضها ومتزامنة في بعضها الآخر: من إعلان تنظيم القاعدة الجديد عن نفسه في اليمن، ثم لقاء الرئيس بقيادات جهادية، ثم إطلاق سراح المعتقلين، وتزامن ذلك مع حملة الاعتقالات الواسعة.

لكن البعض يذهب مذهباً آخر، بتفسيره لأسباب قرار السلطة الإفراج عن هذا الكم الكبير من المعتقلين، وهو أمر يحدث لأول مرة منذ أعلنت اليمن تحالفها مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب في 2001. إذ يعتقد هؤلاء أن النظام يحاول أن يبعث برسالة احتجاج للولايات المتحدة الأمريكية بعد أن كانت قررت إطلاق سراح المعتقلين اليمنيين في جوانتنامو واختيارها للمملكة العربية السعودية لإعادة تأهيلهم، ورفض اليمن – بحسب تصريحات الرئيس في احتفال أمني الشهر الماضي – مثل هذا المقترح، ومطالبتها بتسليمهم لها بعد أن تكفلت بإعادة تأهيلهم. وفيما يبدو أن ظهور إعلان القاعدة للتنظيم الجديد في اليمن، أتى ليعيد حسابات الولايات المتحدة من جديد، وربما أظهرت بعض التصريحات الأخيرة تفضيلها تسليمهم لدولة ثالثة.

فهذا "جونسون" - أحد الخبراء بشأن اليمن – وبعد أن أشار إلى بعض مخاوفه من نقل المعتقلين اليمنيين إلى بلادهم، خلص إلى النتيجة التالية: "لهذا فإن إدارة أوباما تنظر إلى خيار آخر: بلاد ثالثة قد تقبل بأخذ المحتجزين وتودعها لديها".

وعلى ضوء تلك الأحداث، يرجح البعض أن إطلاق سراح المعتقلين، إنما جاء نتيجة لتلك الخلافات القائمة بين النظام و الولايات المتحدة. غير أن ما يمكن أن يقلل من هذا الاحتمال هو عدم وجود تفسير مناسب إذا ما ربطنا ذلك بتزامنه مع حملة الاعتقالات الواسعة.

* الرئيس يتحرك لتفادي ضربة أمريكية:

في كل الأحوال..يبدو أن اليمن ستواجه صعوبات كبيرة في إمكانية تسلمها معتقليها المحتجزين في معتقل جوانتنامو، بعد أن حولتها التقارير الدولية - وبالأحرى الأمريكية - إلى أن تكون هي الملجأ البديل للقاعدة بعد الضربات الموجعة التي تلقتها كل من مناطق العشائر في باكستان وأفغانستان خلال العاميين الأخيرين. إذ وبعد أن أستعرض التقرير الاستخباراتي الأخير المقدم للكونجرس، نجاحات الولايات المتحدة الأمريكية في إضعاف جبهة باكستان وأفغانستان، وعلى ضوء ذلك ذهب التقرير للقول: إن القاعدة يمكن أن تنتقل إلى مكان آخر في جنوب آسيا، الخليج، أو أجزاء أفريقيا حيث يمكنها أن تستغل أي حكومة مركزية لإعادة ترتيب بنائها من جديد.

وعلى أية حال، لاحظ العميد المتقاعد دنيس بلير – مدير الاستخبارات الوطنية – في تقرير "أن تهديدات القاعدة بدأت تظهر في مناطق أخرى". وقال إن اليمن تظهر ثانية كساحة حرب جهادية، و قاعدة انطلاق إقليمية محتملة للتخطيط للعمليات الداخلية والخارجية للقاعدة، وتدريب الإرهابيين، وتسهيل حركة المشاركين" في العمليات.

لكن يبدو أن تحرك الرئيس الأخير في المحافظات القبلية الثلاث(مأرب، الجوف، شبوة) كان بغرض إضعاف تلك التكهنات، والإيحاء بسيطرته على مناطق يمنية يقول الغرب إن مشايخها القبليين يساعدون في حماية بعض المطلوبين بتهمة الإرهاب.

وهو بذلك ربما يعمل – حالياً - لتفادي ضربة أمريكية قادمة لتلك المناطق القبلية، كما أكد من قبل أنه عمل بتحركاته لتفادي ضربة كانت أمريكيا تخطط لها في اليمن، مطلع الألفية الجديدة.