آخر الاخبار
القاعدة ( اقتلوا المسلمين في جزيرة العرب ) في حوار مع صديقي القاعدي ( 2 )
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و يومين
الأحد 25 مارس - آذار 2012 04:54 م

قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ:

" العامل علي غير علم كالسالك علي غير طريق ، والعامل علي غير علم ، ما يفسد أكثر مما يصلح فطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة، و اطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم ، فإن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم ، حتى خرجوا بأسيافهم علي أمة محمد صلي الله علية وسلم ولو طلبوا العلم لم يدلهم علي ما فعلوه "

بين المسلمين اليوم فريقان كليهما مغال ومفرط قد تجاوز حده .

 الأول : مثقف مهزوم ، وعلماني أحمق ، سارت نظرتهما للجهاد بالرفض والقطيعة ، بل والمطالبة في الاعتذار للآخر من وزر حمله علينا آباءنا إبان الفتوحات الاسلامية ، والفعل الجهادي العظيم في فترات عدة ..

عند هؤلاء احذر وحاذر في كلامك وحوارك ان تذكر مفردة الجهاد في ذاكرة الامس او في وعي اللحظة ، بل وسارع الى الفرمتة تماما إن استطعت .

الفريق المغال الآخر وهو على النقيض ..

 تمثله القاعدة وبعض الجماعات الجهادية الأخرى ، وهذه مع تلك لم تشأ ان تفهم الاسلام سوى أنه جهاد فحسب ، وجهاد بمفهوم ومضامين أخرى تختلف عن الجهاد بصورته الحق الصافية في الاسلام ..

جهادٌ عند هذه الجماعات مجتزأ عن السياق العام للإسلام مستقل بذاته يقرأ هكذا دون ان يعاد الى أحكام الاسلام ومضامينه الأخرى كمنهج شمولي تتكامل وتتسق خطوطه ومفرداته وابعاده .

فصار الجهاد عند هؤلاء ، (اقتلوهم حيث ثقفتموهم ) فمادام كافرا فهو محارب حتى وإن جاء معاهدا ، أو كان بيننا ذميا ، أو صاحب دين يحيي طقوسه ، والويل الف ويل له لو وطأة إحدى قدميه جزيرة العرب .

ولا فرق هنا بينه وبين من يحميه أو ينسق معه ، أو يشاركه في مصلحة ما ، فلا ثم هناك الا منافقا يتولاه ، فحكمه حكمه ، وجزاؤه جزاؤه سواء سواء ، بل إن الغلظة تزداد اكثر على من تصنفه هذه الجماعات منافقا ولو كانوا بالعدد آلاف ، إنهم عند هؤلاء النظام السياسي لهذه الدولة المرتدة بأكمله من عند الرئيس الى الغفير وتدخل فيه جحافل الموظفين لا استثناء .

وهنا وفي ظل هذا الفهم الحسير والحبيس بل واللا فقه جملة ارتكب هذا الفريق جرائم بشعة ، ومجازر فظيعة في حق حملة لا اله الا الله محمد رسول الله قبل غيرهم والذين هم ايضا لا يجوز بحقهم.

بل إننا لو قمنا بعملية حسابية لعدد المسلمين الذين قتلتهم اسرائيل مذ تشكلت وحتى الآن ثم العدد من المسلمين انفسهم الذين قتلتهم القاعدة بصفة مباشرة او تسببت في قتلهم سنجد وانا على يقين ان القاعدة ستتفوق بكثير على اليهود ، فضلا عن الكلفة الاقتصادية ، وضياع الفرص ، وتخريب العلاقات الانسانية بين المسلمين والامم الاخرى مما جعل ويجعل الارض مزروعة بالألغام والشوك والحفر والعوائق الجمة أمام تبليغ الاسلام للإنسانية .

المسألة هنا انحراف في الفهم والتصور ، وفتنة شبهات وهذه اخطر من فتنة الشهوات ، ومادام الناس يقولون أن محركهم هو القرآن والسنة ، وأن الغاية هي الله سبحانه وتعالى .. فسنتوقف لفهم المحرك وكيف نبتغي الغاية ..

علينا ابتداء الاقرار والتسليم بـ الإسلام كله، ولا نكون كمجتمع بني إسرائيل الذين أخذوا ببعض أحكام التوراة، ولم يأخذوا ببعض، فقرعهم الله تعالى بقوله:

(( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدّنيا، ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب )) (البقرة: 85 ).

ومن مقتضى عقد الإيمان ((فلا وربِّك لا يؤمنون حتّى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلِّموا تسليماً )) (النساء: 65 ).

((إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون )) (النور: 51 ).ثم لنلج الى :

حرمة دم المسلم عند المسلم ..

قال تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) (النساء 92,93) قال السعدي رحمه الله في تفسيره: هذه الصيغة من صيغ الامتناع، أي: يمتنع ويستحيل أن يصدر من مؤمن قتل مؤمن.

وهذا يصدقه قوله صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".أ.هـَقَالَ بعض السلف عند قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا ) ذَلِكَ إِيجَابٌ مِنَ اللَّهِ الْوَعِيدِ لِقَاتِلِ الْمُؤْمِنِ مُتَعَمِّدًا كَائِنًا مَنْ كَان الْقَاتِلُ, عَلَى مَا وَصَفَهُ فِي كِتَابِهِ, وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَوْبَةً مِنْ فِعْلِهِ. قَالُوا : فَكُلُّ قَاتِلِ مُؤْمِنٍ عَمْدًا فَلَهُ مَا أَوْعَدَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ وَالْخُلُودِ فِي النَّارِ , وَلاَ تَوْبَةَ لَهُ . وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: لا. قال: فتلوت عليه هذه الآية التي في الفرقان ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) إلى آخر الآية. قال: هذه آية مكية نسختها آية مدنية(ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا )

وقال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) 32المائدة . وقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)(الاسراء33.

. وفي البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا.وفيه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ.

وعَنْ ا بنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا.متفق عليه.

وفي مسلم عن أبي هريرة يقول قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم- « من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه ».

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَال قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ).متفق عليه. وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا).رواه البخاري . وفي الصحيحين قَالَ صلى الله عليه وسلم: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ) وفي البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ غُلاَمًا قُتِلَ غِيلَةً فَقَالَ عُمَرُ :لَوِ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ

النهي عن الغلو :

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التنطع والغلو في الدين. ففي صحيح الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (هلك المتنطعون) قالها ثلاثا. وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ،عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَة) أي: اطلبوا القصد والصواب، واتركوا الغلو والإفراط .

وعن عبد الله بن عباس قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : غداة العقبة وهو على راحلته (هات القط لي فلقطت له حصيات هن حصى الخذف فلما وضعتهن في يده قال بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) رواه النسائي وصححه الألباني..

واتركها لكبار علماء الأمة حول هذا الغلو وأسباب وصول بعض هذه الجماعات الى هذا الحال :ــ

يشير اليها الشيخ القرضاوي في :

ـــ ضعف البصيرة بحقيقة الدين :

(ولا ريب أن من الأسباب الأساسية لهذا الغلو، هو ضعف البصيرة بحقيقة الدين، وقلة البضاعة في فقهه، والتعمق في معرفة أسراره، والوصول إلى فهم مقاصده، واستشفاف روحه.

ولا أعني بهذا السبب: الجهل المطلق بالدين، فهذا في العادة لا يفضي إلى غلو وتطرف، بل إلى نقيضه، وهو الانحلال والتسيب، إنما أعني به: نصف العلم، الذي يظن صاحبه به أنه دخل في زمرة العالِمين، وهو يجهل الكثير والكثير، فهو يعرف نتفاً من العلم من هنا وهناك وهنالك، غير متماسكة، ولا مترابطة، يُعنى بما يطفو على السطح، ولا يهتم بما يرسب في الأعماق، وهو لا يربط الجزئيات بالكليات، ولا يرد المتشابهات إلى المحكمات، ولا يحاكم الظنيات إلى القطعيات، ولا يعرف من فنون التعارض والترجيح ما يستطيع به أن يجمع به بين المختلفات، أو يرجح بين الأدلة والاعتبارات)

ـــ الاتجاه الظاهري في فهم النصوص: ـ

ولا عجب أن رأينا كثيراً من هؤلاء يتمسكون بحرفية النصوص دون تغلغل إلى فهم فحواها ومعرفة مقاصدها، فهم في الحقيقة يعيدون "المدرسة الظاهرية " من جديد، بعد أن فرغت منها الأمة، وهي المدرسة التي ترفض التعليل للأحكام، وتنكر القياس تبعاً لذلك، وترى أن الشريعة تفرق بين المتماثلين، وتجمع بين المختلفين.

وهذه "الظاهرية الحديثة " تتبع المدرسة القديمة في إغفالها للعلل، وإهمالها الالتفات إلى المقاصد والمصالح، وتنظم العادات والعبادات في سِلْك واحد، بحيث يؤخذ كل منهما بالتسليم والامتثال، دون بحث عن العلة الباطنة وراء الحكم الظاهر. وكل الفرق بين القدامى والجدد، أن أولئك أعلنوا عن منهجهم بصراحة، ودافعوا عنه بقوة، والتزموه بلا تحرج، أما هؤلاء فلا يسلّمون بظاهريتهم، على أنهم لم يأخذوا من الظاهرية إلا جانبها السلبي فقط، وهو رفض التعليل مطلقاً، والالتفات إلى المقاصد والأسرار.

ــ اتباع المتشابهات وترك المحكمات :

ولابد لنا أن نشير هنا إلى سبب أساسي وراء الغلو والانحراف في فهم الدين قديماً وحديثاً، وهو: اتباع المتشابهات من النصوص، وترك المحكمات البينات، وهذا لا يصدر من راسخ في العلم، إنما هو شأن الذين في قلوبهم زيغ ((فيتّبعون ما تشابه مِنه ابتِغاء الفتنةِ وابتِغاء تأويله )) [آل عمران:7 ].

وأعني بالمتشابه: ما كان محتمل المعنى، وغير منضبط المدلول، وأعني بالمحكم: البين المعنى، الواضح الدلالة، المحدد المفهوم.

فترى الغلاة والمبتدعين من قديم يجرون وراء المتشابهات، يملئون بها جعبتهم، ويتخذون منها عدتهم، معرضين عن المحكمات وهي التي فيها القول الفصل، والحكم العدل.

وانظر إلى غلاة اليوم تجدهم يعتمدون على المتشابهات في تحديد كثير من المفاهيم الكبيرة التي رتبوا عليها نتائج خطيرة، بل بالغة الخطر، في الحكم على الأفراد والجماعات، وتقويمهم، وتكييف العلاقة بهم من حيث الولاء والعداء، والحب والبغض، واعتبارهم مؤمنين يُتولّون، أو كفاراً يقاتلون.

وهذه السطحية في الفهم، والتسرع في الحكم، وخطف الأحكام من النصوص خطفاً دون تأمل ولا مقارنة - نتيجة لترك المحكمات البينات، واتباع المتشابهات المحتملات - هي التي جعلت طائفة الخوارج قديماً تسقط في ورطة التكفير لمن عداهم من المسلمين، وتقاتل رجل الإسلام العظيم على بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد كانوا جنوداً في جيشه، مستندين إلى أفهام عجيبة، بل أوهام غريبة، في دين الله تعالى.

ويدعو القرضاوي الى ضرورة ..إحسان الظن بالمسلمين فيقول : ـ

(وأنصح أبنائي الشباب أن يخلعوا منظارهم الأسود، عندما ينظرون إلى الناس، وأن يفترضوا الخير في عباد الله، ويقدموا حسن الظن، وأن يعلموا أن الأصل هو البراءة، وحمل حال أهل الإسلام على الخير.

فلا غرابة إذن أن يعثر الناس وينهضوا، وأن يخطئوا ويصيبوا، وعلينا أن نفتح لهم باب الأمل في عفو الله ومغفرته، بجوار تخويفهم من عقاب الله وبأسه، فالعالم كل العالم من لم يوئس عباد الله من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، وحسبنا هنا قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذّنوب جميعاً. إنّه هو الغفور الرّحيم )) (الزمر : 53 ). فانظر إلى إيناسه سبحانه لهم، حين ناداهم "يا عبادي " وأضافهم إلى ذاته المقدسة، تلطفاً بهم، وتقريباً لهم من ساحته، ثم كيف فتح باب المغفرة على مصراعيه لكل الذنوب، فإنها مهما عظمت فعفو الله أعظم منها

أننا أمرنا أن نحكم بالظاهر، وأن ندع إلى الله أمر السرائر، فمن شهد أن "لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله" حكمنا بإسلامه، في ظاهر الأمر، وتركنا سريرته إلى علاّم الغيوب، يحاسبه عليها يوم تظهر الخفايا، وتنكشف الخبايا، وفي الصحيح "أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها، وحسابهم على الله ". 

ولهذا عامل النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين ـ الذين يعلم نفاقهم الباطن ـ حسب ظواهر هم، وأجرى عليهم أحكام الإسلام ، وهم يكيدون له في الخفاء، ولما اقترح عليه بعض الناس أن يقتلهم ويستريح من شرهم ومكرهم، أجابهم بقوله: "أخشى أن يتحدّث الناس أن محمداً يقتل أصحابه!

أن كل من آمن بالله ورسوله، لا يخلو من خير في أعماقه، وإن انغمس ظاهره في المعاصي، وتورط في الكبائر. والمعاصي ـ وإن كبرت ـ تخدش الإيمان وتنقص منه، ولكنها لا تقتلعه أبداً من جذوره، ما لم يفعلها من يفعلها متحدياً لسلطان الله تعالى، أو مستحلاً لحرماته، ومستخفاً بأمره ونهيه.

وأسوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أرفق النّاس بالعصاة، ولا تمنعه معصية أحدهم أن يفتح له قلبه، وينظر له نظرة الطبيب إلى المريض، وليس نظرة الشرطي إلى المجرم.

"جاء فتى من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنى، فثار الصحابة وهموا به، لجرأته على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف منه موقفاً آخر: قال : ادنُه. . فدنا، فقال: أتحبّه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك! قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، ثم قال له مثل ذلك في ابنته وأخته وعمته وخالته.. في كل ذلك يقول: أتحبه لكذا؟ فيقول: لا والله، جعلني الله فداك، فيقول صلى الله عليه وسلم : ولا الناس يحبونه .. فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصن فرجه.. فلم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيء " (رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح، كما في مجمع الزوائد : 1/129 )، وإنما عامله صلى الله عليه وسلم بهذا الرفق، تحسيناً للظن به، وأن الخير كامن فيه، والشر طارئ عليه، فلم يزل يحاوره حتى اقتنع عقله، واطمأن قلبه إلى خبث الزنى وفحشه، وكسب مع ذلك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم . 

ومن روائع الدروس التربوية الإسلامية ما جاء عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في تعليم الناس كيف يتغاضون عن صغائر الذنوب وتوافه العيوب، إذا وقعت ممن يؤدي الفرائض، ويجتنب الكبائر، فليس هناك إنسان معصوم، وكل بني آدم خطاء، ولم يخلق الله البشر ملائكة مطهرين.

روى ابن جرير بسنده عن ابن عون عن الحسن البصري: أن ناساً سألوا عبد الله بن عمر بمصر، فقالوا : نرى أشياء من كتاب الله عزوجل، أمر أن يعمل بها، لا يعمل بها، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك.. فقدم وقدموا معه.. فلقي عمر رضي الله عنه ، فقال: متى قدمت؟

قال : منذ كذا وكذا..

قال : أبإذن قدمت؟

قال الحسن : فلا أدري كيف رد عليه

فقال: يا أمير المؤمنين، إن ناساً لقوني بمصر، فقالوا : إنا نرى أشياء في كتاب الله أمر أن يعمل بها، فلا يعمل بها، فأحبوا أن يلقوك في ذلك .

قال: فاجمعهم لي.

قال: فجمعتهم له (قال ابن عون : في بهو )، فأخذ أدناهم رجلاً

فقال : أنشدك بالله، وبحق الإسلام عليك: أقرأت القرآن كله؟

قال : نعم .

قال : فهل أحصيته في نفسك؟ (يعني : هل استقصيت العمل به في تصحيح نيتك وتطهير قلبك، ومحاسبتك نفسك؟ ).

فقال: اللهم لا. (ولو قال : نعم، لخصمه ) أي: لأفحمه وألزمه الحجة.

قال: فهل أحصيته ببصرك؟ فهل أحصيته في لفظك (أي: كلامك )؟ فهل أحصيته في أثرك (أي : في خطواتك ومشيك )؟

ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم. (يعني : وهو يسألهم : هل استقصيتم العمل بكتاب الله كله في أنفسكم وجوارحكم، وأقوالكم وأعمالكم، وحركاتكم وسكناتكم؟ وهم بالطبع يجيبون : اللهم لا ) فقال: ثكلت عمراً أمه! أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله (أي: بالصورة التي تفهمونها أنتم، ولم تقيموها في أنفسكم باعترافكم ).

قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات.. وتلا : (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفِّر عنكم سيِّئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً ) (النساء : 31 ).

ثم قال : هل علم أهل المدينة ـ أو قال: هل علم أحد ـ بما قدمتم؟

قالوا: لا..

قال: لو علموا لوعظت بكم ! (أي: لجعلتكم عظة ونكالاً لغيركم )

[ذكره ابن كثير في تفسيره عن ابن جرير، قال عقبه : إسناد صحيح، ومتن حسن ].

وبهذا الفقه العمري الواعي لكتاب الله ، حسم أمير المؤمنين رضي الله عنه هذه القضية في بدايتها، وسد باباً للتشدد والتنطع، لو كان تساهل فيه، لربما هبت منه رياح فتنة لا يعلم إلاّ الله مدى عواقبها)

وللأستاذ محمد الراشد حفظه الله :ــ

(والجهاد فن وعلم وتجريب وأداء خططي وسلوك حضاري ، وتحدده شروط وأوصاف شرعية ومعرفية ، وتحكمه أخلاقيات حساسة ، وليس هو مجرد حمل سلاح واقتران صيحة بلعلعة الرصاص ، والنفسُ الجهادية نفسٌ عفيفة عادلة منقادة لآداب الإيمان ولها براءة من لوثات المشاعر الجاهلية والعصبيات والمطامع ، ثم العقل الجهادي عقلٌ يستأسِر للمنطق ومفاد الوعي السياسي ومدلول الحكمة الموروثة ، وكل غفلة طارئة تليق لها سرعة الإفاقة واليقظة . )

وله (ولا تستطيع القاعدة ادعاء العصمة ، بل كل جماعة يمكن أن تقترف الخطأ فتتوجه لها الموعظة ، إنما خطأ الدماء هو أكبر الخطأ ، وذلك هو سبب الحساسية والتعقيدات الحاصلة ، ومن يؤمن بالله والشرع يتهيب أن يسفك دماً بغير برهان قاطع لا خلاف فيه ، والتقي يشترط على نفسه شرط الالتزام بفتوى كبار علماء الشرع وجمهورهم ولا تغره فتوى شاب ما زال في بداية طريق العلم وينفرد باجتهاده ، ولذلك أشار القرآن الكريم إلى وجود " الراسخين في العلم " أي الذين تعمقوا وتوسعوا وطالت معيشتهم العلمية ، فقال تعالى في أول سورة آل عمران : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) أي العقول ، فهو رسوخ وثبات وتثبت واقتراب من أهل العقل ، وليس هو الاستعجال ومخالفة إجماع المسلمين واعتماد الظنون ، ولو كان القتل قد نال قلة لساغ التأول ربما ، ولكن ضحايا القاعدة قد كثر عددهم ، ومعظمهم من المجاهدين والعلماء والناشطين ضد الاستعمار ، وإحصاء بسيط يوضح أنهم أضعاف عدد جنود الجيش الأميركي الذين قتلتهم القاعدة ، وتوسعت تهمة الخيانة والردة والكفر ، فكيف يستقيم هذا الفهم).