حول إنتخابات 21 فبراير
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 9 أيام
الأحد 12 فبراير-شباط 2012 04:39 م

اليوم وبعد استسلام نظام صالح لمنطق التاريخ والثورة التي لم تعد مجرد رغبة لعدد من الملايين من أبناء الشعب اليمني شماله وجنوبه، شرقه وغربه، بل وحتمية تاريخية تقتضيها قانونيات التطور وسنن التغيير، بعد هذا الاستسلام صار يوم الواحد وعشرين فبراير هو اليوم الشرعي لتشييع نظام صالح إلى مثواه الأخير، قد يقول قائل: لكن المرشح هو نائب الرئيس المخلوع لأكثر من 17 عاما ولو كان فيه ما يصلح للتغيير لكان نافعا أيام كان نائبا، . . .الحقيقة إن هذا القول لا يخلو من الصحة، لكن ما لا يخلو من الصحة أيضا أن صالح لم يكن يعرف المؤسسية ثم إن دستور الجمهورية اليمنية لم يحدد أي صلاحيات لنائب الرئيس سوى إن المادة (124) من الدستور تنص على إنه "للرئيس أن يفـوض نائبـه في بعض اختصاصاتـه"، وحتى لو أن للنائب اختصاصات دستورية واضحة لما سمح له صالح بممارستها.

لا يمكن تقدير أهمية يوم الـ 21 فبراير إلا بقراءة حجم المصيبة التي عانتها اليمن خلال ثلث قرن من الفوضى والتسيب والنهب والسلب والحروب والقمع والتنكيل وسياسة تفكيك الكيانات وتنمية الانقسامات وابتزاز الداخل والخارج في كل شيء، ومن هنا يمكننا القول إن يوم 21 فبراير هو ليس الانتصار النهائي للثورة في اليمن ولكنه يوم الدخول إلى بوابة التغيير الحقيقي، وهذا ما ينبغي أن يدركه الناخب والمنتخب (بفتح التاء والخاء) وإلا فإننا سنكون قد خدعنا أنفسنا وخدعنا غيرنا في ما قد نتصوره.

على إنه لا بد من التعرض هنا لعدد من الحقائق المتصلة بيوم 21 فبراير، وأهميته في التاريخ اليمني الحديث وصلته بعملية التغيير الديمقراطي في اليمن:

الحقيقية الأولى: إنه من حق نشطاء الحراك السلمي الجنوبي وجميع مواطني الجنوب كما من حق كل المواطنين اليمنيين أن يقاطعوا الانتخابات أو أن يشاركوا فيها، لكن مثلما لا يمكن إكراه المواطنين للمشاركة في الانتخابات بالقوة، سيكون من غير المنطقي، سياسيا وأخلاقيا إكراه الناس على المقاطعة، . . .إن المقاطعة عمل سياسي وهو يقوم على إقناع الناس بصوابية المقاطعة ومشروعية مسبباتها، وعندما يلجأ طرف ما إلى فرض قناعاته بالقوة، فإن هذا لا يدل إلا على فشله في إقناع الناس بصوابية توجهه السياسي وعدالة القضية التي يناضل من أجلها، وما زلت على قناعة يقينية أن الكثير من المتسللين إلى صفوف الحراك سيفعلون كل الشرور باسم الحراك، لكن على الحراك أن يعلن براءته ممن يسيئون إليه باسمه، وأن يقنع الناس بمشروعية طرحه ، وعندها لن يكون بحاجة إلى استخدام الإكراه في مواجهة السياسات التي لا يوافق عليها ولا بحاجة إلى التصادم مع من يخالفونه الرأي، ثم إن القضية الجنوبية هي أكبر من أن تلغيها الانتخابات كما لم تلغها كل الانتخابات السابقة، ولا الحروب والدبابات والطيران والغزوات العسكرية.طوال أكثر من عقد ونصف، وفي هذا السياق يمكن أيضا التأكيد على إن رفض الانتخابات هو حق وبالتالي فإنه لن يكون من حق أحد أن يجلب الناخبين بالإكراه والدخول مع الرافضين في تصادمات لا تستحقها انتخابات محسومة النتائج سلفا، وهذه الحقيقة ينبغي أن يدركها شباب الثورة المتحمسين للانتخابات في عدن ومدن الجنوب كما في كل مكان من الأرض اليمنية.

الحقيقة الثانية: إن انتخابات 21 فبراير ليست نهاية الثورة وهي في الحقيقة لم تكن ضمن أجندة الثورة الشبابية السلمية ولئن كان شباب الثورة قد أعلنوا رفضهم للمبادرة الخليجية التي جاءت الانتخابات الرئاسية تنفيذا لها، فإن من حقهم بل ومن واجبهم التمسك بالمنطلقات الأساسية للثورة وهي التمسك بالدولة المدنية والفصل بين السلطات وحل القضية الجنوبية وحق التداول السلمي للسلطة والحكم الرشيد وصيانة الحريات العامة وهو ما يعني حق الثوار في مواصلة مسيرتهم حتى النهاية وعدم النظر إلى الانتخابات وكأنها الغاية من قيام الثورة.

الحقيقة الثالثة: إن الانتخابات قد لا تمثل القطيعة الكلية مع نظام علي عبد الله صالح، لكنها تضع اليوم شرعية جديدة وتنهي وإلى الأبد مرحلة علي عبد الله صالح بكوابيسها ومآسيها ، وهو ما يعني أن على الناخب والمنتخب أن يدركا أن ما ينتظره اليمنيون بعد 21 فبراير هو ليس مجرد استبدال الرئيس برئيس جديد ولكنه استبدال منظومة كاملة من الرؤى والسياسات والتقاليد والثقافات والمصالح والعلاقات بأخرى جديدة تختلف كيا وجوهريا عما قبلها، وهو ما يعني أن التغيير سيبدأ تماما من اليوم التالي للانتخابات وليس قبلها، وعلى المنتخب (بفتح التاء والخاء) الرئيس بالإنابة الذي سيغدو رئيسا منذ 22 فبراير أن يدرك أن المنتظر منه الكثير والكثير بدءا بإرساء دولة المؤسسات التي تأجلت أكثر من نصف قرن، واحترام القوانين ، واحترام حقوق الأفراد والجماعات، والبدء فعلا بكنس مخلفات نظام علي عبد الله صالح والقطيعة معها إلى الأبد وإسدال الستار على تلك المرحلة وتركتها الثقيلة.

الحقيقة الرابعة: إن اليمن اليوم لم تعد تحكم بالدستور والقانون وحدهما بل وبالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية اللتان لهما الأولوية عندما تتعارضان مع الدستور والقانون اليمنيين ومهما يكن رأينا فيهما فقد صارا جزءا من الوصاية الإقليمية والدولية على اليمن، لكن ما ينبغي فهمه هو أن هاتين المرجعيتين لا بد من إنهاء التعامل بهما بسرعة إنجاز الإصلاحات الدستورية والقانونية التي تنقل اليمن من نظام الفرد والعائلة إلى مرحلة دولة النظام والقانون والمؤسسات، ومن نظام الأحادية والمركزية إلى شكل الدولة الذي سيتفق عليه المتحاورون على معالجة تركة صالح وفي مقدمتها القضية الجنوبية التي لم تعد محرمة وليس فيها ما يمس الخطوط الحمراء لأن الخطوط الحمراء ستذهب مع من اخترعها.

سيكون من المهم على مرشح التوافق الوطني أن يبعث بالرسائل التي تولد الشعور لدى مواطني محافظات الجنوب بأن القيادة الجديدة صارت مقتنعة قناعة حقيقية بمشروعية وعدالة القضية الجنوبية وأنها (أي القيادة الجديدة) على استعداد للتعاطي مع القضية الجنوبية على النحو الذي يقدم لها حلا لا بد أن يتماشى مع مصالح وحقوق أبناء المحافظات الجنوبية وبما يلبي قناعاتهم ويحوز رضاهم.

برقيات:

*إذا صح أن شباب الإصلاح هم وراء ما تعرض له شباب الحراك في مدينة كريتر يوم الخميس 9/فبراير فإن قيادة الإصلاح في محافظة عدن تطرح نفسها أما سؤال كبير، هل يستحق الأمر التضحية بأرواح الشباب فقط لمجرد الالتزام الحزبي بنجاح الانتخابات التي هي ناجحة بالمشاركة أو بدونها؟

*تألمت كثيرا وأنا أقرأ خبر تعرض مخيمات شباب التغيير في مدينة عدن للإحراق، لكن نشطاء الحراك كانوا أذكى وأعلى شعورا بالمسئولية عندما أدانوا هذا الحدث وطالبوا بكشف من يقف وراءه، وهو ما يضع إدارة الأمن وقيادة المنطقة الجنوبية في موضع التساؤل وإثبات الجدية.

*يقول الحسين بن منصور الحلاج:

للعلم أهلٌ و للإيمان ترتــــــــيب *** وللعلـــــوم و أْهلِــــــــيها تجاريب

و العلم علمان منبوذ و مكـتســب *** والبحر بحران مركوب و مرهوب

و الدهر يومان مذموم و ممتــدح *** والناس اثنان ممـــنوح و مسـلــوب

فاسَمعْ بقلبك ما يأتــيك عن ثقـــةٍ *** و انظرْ بفهـــــمك فالتمييز موهــوب