خيارات السودان !
بقلم/ دكتور/محمد لطف الحميري
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر و 11 يوماً
السبت 14 مارس - آذار 2009 05:09 م

من الفاشر بولاية شمال دارفور وأمام حشد من المنددين بالمحكمة الجنائية الدولية شن الرئيس السوداني عمر البشير يوم الأحد هجوما عنيفا على المدعى العام لويس مورينو أوكامبو وقضاة المحكمة والدول التى تساندهم قائلا : كلهم تحت الجزمة ، وأن من يستحق المحاكمة هما المجرمين جورج بوش وأيهود أولمرت عقابا لما رتكباه من فظائع بحق الشعبين العراقي والفلسطيني مؤكدا أن بلاده لا تخشى العقوبات الاقتصادية لأنها تزخر بالموارد الطبيعية أما الدولار الأمريكي فليبلوه وليشربوا ماءه.

هذا الهجوم اللفظي وأقذع منه يمكن أن تسمعه من أي سوداني يشعر أن بلاده تتعرض لمؤامرة استعمارية جعلت رئيسها رمز السيادة الوطنية في دائرة الاتهام وما قد ينجر عن ذلك من فوضى غير خلاقة وزعزعة للاستقرار وتهديد للسلام والوحدة وهذا ربما ما جعل أغلبية الشعب السوداني بأحزابه ومنظماته تقف إلى جانب البشير رغم اختلافها معه ومع حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الكثير من الرؤى وأسلوب إدارة الدولة القائم على احتكار السلطة وملاحقة المعارضين وعلى رأسهم حليفه السابق الدكتور حسن الترابي الذي أطلق سراحة قبل أيام بعد أن قضى شهرين في السجن لكنه ما زال يكرر نفس المواقف التي اعتقل بسببها وهي مطالبة البشير بالرضوخ للمحكمة وتسليم نفسه ليسلم الشعب السوادني من العقوبات ، وهذا رأي ربما تشبث به من اختاروا التخلي عن البشير في هذا الظرف العصيب ذلك أن المبرر لديهم أن الرئيس مدان سياسيا وأن الجرائم المرتكبة في دارفور لم ينفها حتى النظام السوداني نفسه ولكن الاختلاف في عدد الضحايا حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى 10 آلاف قتيل بينما تشير مصادر أخرى ومنظمات إنسانية إلى نحو 400 ألف قتيل من المسلمين وعدد غير معروف من النساء اللائي تعرضن للاغتصاب ، هؤلاء المعارضون الذين قد يصفهم البعض بالخونة والمتطرفين يعيبون على الشعب السوداني والعربي تمسكه بحصانة الرئيس ودفاعه عنها وإسقاط حق الضحايا المسلمين في التقاضي وتجاهل مأساتهم مع أن المنطق الإنساني والقيمي الذي يؤمن به العرب وجبلوا عليه هو الدفاع عن الإنسان واستنكار الجريمة أيا كان مرتكبها .

وبغض النظر عن المساندين للرئيس البشير والمؤيدين لقرار المحكمة الجنائية الدولية فإن السودان اليوم يقف على مفترق طرق حيث تلوح في الأفق بوادر تمزق هذه الدولة العربية الأفريقية المترامية الأطراف والغنية بالثروات إلى دويلات وذلك ما تسعى إليه أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل التي تلقت وعودا من رؤساء حركات سودانية متمردة برفع علمها على أراضي السودان إن هم حققوا ما يطمحون إليه ، أمام هذه الصورة المزعجة لكل العرب الذين يرون قلاعهم تتهاوى الواحدة تلو الأخرى وكثير من زعمائهم يلف مستقبلهم الغموض يمكننا أن نتساءل ما هي الخيارات الممكنة للحفاظ على وحدة السودان وتعليق قرار المحكمة الجنائية الدولية :

يبدو لي أن المسألة متعلقة على الصعيد الداخلي بالرئيس السوداني نفسه وبكبار المسؤولين في الحزب الحاكم والجيش أما على الصعيد الخارجي فهناك الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والصين وروسيا .

فعلى الصعيد الداخلي يتوجب على حزب المؤتمر الوطني الحاكم تبني استراتيجيات وتكتيكات جديدة من شأنها توحيد الجبهة الداخلية وزيادة مساحة الهامش الديمقراطي ورفع القيود عن وسائل الإعلام، وعدم السماح للمتشددين داخل الحزب الحاكم بفرض رؤاهم الرامية.

لفرض حالة الطوارئ كما يتردد بحجة ضبط الأمور لكي لا تستغل المعارضة السياسية والمجموعات المسلحة الوضع لتحقيق مصالحها السياسية والعسكرية ، ذلك أن اللجوء لحالة الطوارئ قد يصطدم بمعارضة قوية من الشريك في الحكم وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان وبالتالي تصبح اتفاقية السلام الموقعة بين الطرفين في مهب الريح والعودة إلى أجواء الحرب. كذلك يتوجب على النظام السوداني تعزيز المؤسسات القضائية لتتمكن من مساءلة المشتبه بارتكابهم جرائم مهما كانت رتبهم ومواقعهم كما أن الإسراع في إيجاد تسوية سلمية للنزاع في دارفور عبر مفاوضات الدوحة سيغير بشكل إيجابي مواقف كثير من الدول وعلى رأسها فرنسا.

أما الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية فهما مطالبين بالوقوف إلى جانب السودان ورئيسه وإقناع المجتمع الدولي بأن تحقيق العدالة الدولية لايعني بأي حال زعزعة الاستقرار والسلام في أي دولة وفي الوقت ذاته فإن غياب العدالة داخل السودان يهدد بشكل حاسم السلام الاجتماعي ويقوض أي مساعي سلمية.

ومن ناحية الصين التي لها استثمارات كبيرة في السودان ويهمها الحفاظ على هذه المصالح وروسيا التي أعلنت غير مرة انزعاجها من مذكرة التوقيف بحق البشير وربما تبحث عن دور يعيدها إلى المنطقة بقوة فهما مطالبتان بأن يكون لهما دور فاعل في مجلس الأمن باتجاه تعليق قرار المحكمة الجنائية الدولية وإن كنت أشك أن يتمترسا ضد رغبات أمريكا فالتاريخ القريب لهاتين الدولتين معروف يوم أكل العراق.

إذا فالكرة بشكل أساسي في ملعب حزب المؤتمر الوطني وقادة الجيش فهما من يقرران مستقبل السودان وعلاقاته بالمجتمع الدولي وربما يكون الحل في انتخابات الرئاسة المقبلة لعام 2009 واختفاء البشير بعدها عن المشهد السياسي ، لأن قرار المحكمة وإن تأجل لأعوام فإنه يضع البلاد في موقف صعب كدولة رئيسها متهم ولا يملك مرونة في تحركاته كما يقول النائب الأول للرئيس السوداني سلفاكير ميار ديت.

M_hemyari_y@yahoo.com