دروس حرب صعدة
بقلم/ ريما الشامي
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 5 أيام
الإثنين 18 يونيو-حزيران 2007 04:11 م

مأرب برس ـ خاص

تطوي الحرب العبثية في صعدة جولتها الرابعة باتفاق خارج الأطر القانونية والدستورية وبعيدا عن نطاق محيطها الوطني ولا ندري ان كان هذا الاتفاق سيقدم حلول جذرية للحرب ام سيكون مصيره مثل سابقيه مجرد محطة استراحة المحارب لتدشين جولة خامسة جديدة

حرب صعدة التي تضاف الى نكسات اليمن وبعد استمرار مسلسل نزيفها الدامي 4 سنوات لم تفضي الى طرف مهزوم ليكون الطرف الأخر منتصرا بل انتهت الى خسارة اليمن للحرب كطرف مباشر أول وأخير يدفع كلفة استحقاقات الحرب من دماء أبناء الوطن ومن امكانيات الدولة والمقدرات الوطنية و ثمنا باهضا من الاستقرار الاجتماعي وتداعي جدار نسيج الوحدة الوطنية بسبب بث الفتن والصراعات الطائفية التي وظفت في الحرب على أوسع نطاق وفي أبشع استغلال لايراعي أية مصلحة وطنية.

هذه الحرب العبثية التي كشفت عن مستوى الفوضى والانهيار القيمي والمادي والاجتماعي والانساني الذي تعيشه البلاد فانها وضعت اليمنين أمام حقيقة وجود الدولة ومؤسساتها من عدمها على صعيد الواقع العملي وقدمت اجابات شافية عن ماهية النظام والقانون والدستور الحقيقي الذي يحكم اليمن

دروس حرب صعدة شاخصة لكل ذي بصيرة وغير ذي بصيرة و تضعنا جميعا في صورة الوضع الكارثي الذي صار اليه الوطن الذي يتحدد مصيره بناء على مزاج شخصي وقرار فردي لا يعترف بمؤسسات دولة ولا يقيم اعتبارا لدستور أو قانون ويقدم نفسه ويجعل من شخصه بديلا للدستور والنظام والدولة وإمكاناتها التي يسخرها لخدمة رغباته في شن الحروب التي يراها شروطا ضرورية للبقاء والتفرد بالسلطة

حرب صعدة وضعت أمام حكماء اليمن وقواه السياسية والوطنية النقاط على الحروف ازاء أسئلة جوهرية بحجم مصير الثورة والجمهورية وتضحيات الاجيال التي صودرت وصيرت الى أيدي قلة فاسدة سلطت على الشعب لإرهابه وتجويعه من أجل استمرارية الاستبداد وبقاء حكم فردي يعيث في الوطن دمارا و بمقدرات الدولة وجيشها الذي يشن به حروبه العبثية المجهولة الأسباب ثم يدعي احتكار النظام الجمهوري وأحقية توريثه في اطار الأسرة .

هكذا يكون مصير شعب استخف بحاله الاستبداد فوصل طغيانه الى أقصى درجات الإفساد في الأرض ، والاستبداد في وطننا استثنائي على مستوى البشرية بما يمتلكه من خصائص نوعية أطالت عمره وأهلته لحكم اليمن لعقود مضت وتؤهله أيضا للحكم والتوريث لفترات قادمة الى ما شاء الله ، من مؤهلات الاستبداد في اليمن حد اقراره هي ادارة البلاد بالازمات واجادة لعبة الكروت المحروقة واحتراف الحكم بالرقص على رؤؤس الثعابين، ومن ذلك أيضا نجاحه في انتاج دورات الدم والحروب وادراتها تحت ستار الظلام بعيدا عن الأنظار كسياسة إستراتيجية تقوم على التجهيل لتضمن نجاح مشاريع الحروب دائما، وهذه الحرب التي تدور فصولها منذ 4 سنوات في صعدة التي تنتمي لخارطة الجمهورية اليمنية الا أن الشعب والقوى السياسية والاجتماعية في الوطن لا تعلم شيئا عن هويتها ومسبباتها وتداعياتها فضلا عن مآسيها الإنسانية اذ أغلقت المنطقة عن اليمن والعالم وفرض عليها حصارا شمل حتى منع منظمات الإغاثة الإنسانية من دخولها فضلا عن وكالات الأنباء والصحفيين الذين تلقوا تهديدات مباشرة بالقتل أنهم تجرئوا وذهبوا الى صعدة وهنا جزء هاما من عبقرية وجهنمية الاستبداد التي تفسر نجاحاته المستمرة في ادارة دورات العنف والحروب اعتمادا على سياسات التعتيم و حجب المعلومة وتجهيل الرأي العام وتوجيه وسائل الإعلام المحتكرة لوعي الشعب البسيط نحو مايريده قادة الحروب.

حرب صعدة تستدعي من القوى الوطنية والمعارضة على وجه التحديد من موقع الشراكة الوطنية في الحياة السياسية بموجب دستور الجمهورية اليمنية أن تقف إزاء تداعياتها بمسؤولية وطنية واعية ومدركة لكافة التأثيرات والنتائج المترتبة لهذه الحرب على البلاد من كافة الجوانب ما يقتضي الأمر بالضرورة تقييم الحرب ومعطيات الازمة والصراع تقييما موضوعيا منصفا يمكن من خلاله استلهام دروسها وعبرها للوصول إلى صياغة موقف وطن واع ومدرك لمخاطر استمرار نهج الاستبداد وسياساته القائمة على تكرار دورات العنف وانتاج الحروب الدورية المستدامة وكذلك رؤية وطنية موحدةا في رفض التعامل مع سياسات صناعة مراكز القوى وضرب الخصوم والكروت المحروقة التي تستنفذ الجهود الوطنية في صراعات لا طائل منها الا اطالة عمر الاستبداد وتنفيذ أجندته ، وكما يقال رب ضارة نافعة فقد تجسدت في حرب صعدة مختلف آليات وسياسات الاستبداد المعتمدة في حكم الوطن والفرصة ماثلة أمام القوى الوطنية للاستفادة من دروس حرب صعدة حتى لا نظل كروتا ذهبية رابحة في جعبة الاستبداد تنتهي قيمتها وتحرق بعد استيفاء الغرض منها .

أحزاب المعارضة تبنت موقفا مبدئيا من هذه الحرب بغض النظر عن قوته وأساليب التعبير عنه وتفعيله حيث ظلت تدعو لا يقافها والعودة الى مؤسسات الدولة لحل الخلافات الداخلية على قاعدة الاحتكام للدستور كعقد اجتماعي ينظم علاقة السلطة بالمجتمع الى جانب دعوتها لفتح تحقيق في تداعيات الأزمة التي أخرجتها عن الاطر الدستورية والقانونية الى الحرب الى جانب دعوتها السلطة لفك الحصار عن صعدة والسماح لمنظمات الاغاثة بانقاذ منكوبي وضحايا الحرب وكذلك اتاحة المعلومات للشعب للاطلاع على حقائق مايدور في صعدة كجزء من مناطق الوطن و كسر حواجز الحجب والتعتيم وأجواء الغموض التي ساهمت في اطالة أمد الحرب والمعاناة بعيدا عن الرأي العام المحلي المهمش عن قضية وطنية مجهولة الهوية تستنزف الارواح والموارد وتضرب الوحدة الوطنية ، وفي الأونة الأخيرة تزايدت الضغوط الشعبية وبرز دور منظمات المجتمع المدني المطالبة بوقف الحرب التي طال أمدها وكان السيناريو كما هو متوقعا من قبل الذين أشعلوا الحرب بأن يبحثوا عن حلول مسكنة ومهدئات من خارج نطاق البلد وذلك كتكتيك مرحلي يمتص التذمر الشعبي ويقطع الطريق أمام جهود القوى السياسية الوطنية التي قدمت مبادرتها لوقف الحرب ومعالجة أثارها من واقع فهم وادراك لظروف الحرب وبيئتها ومعطياتها ومن ناحية اخرى يعطي هذا التكتيك فرصة للهروب من مسؤلية مواجهة استحقاقات هذه الحرب العبثية والتنصل عن مسؤلية الخراب والقتل والتدمير الذي أنتجته 4 سنوات من عمر حرب مجهولة الهوية ولا مبرر لها ما يؤدي بالضرورة هذا التنصل عن مسؤولية الحرب الى استمرار مسلسل دورات العنف واستمرارية تجدد الحروب المستدامة على طول الوطن وعرضه .

و حتى تعالج حرب صعدة - كأحد دورات العنف والحروب - بشكل جذري ونهائي حاسم ينبغي أن تطرح في إطارها الوطني وتحل على قاعدة الاحتكام للدستور والقانون بمبادرة وطنية تمسك بالتحليل والدراسة بأسباب تجدد دورات العنف وظروف توالد الحروب الداخلية الدورية وعلى أن تكون حرب صعدة في المحك العملي لهذه المبادرة بحيث تنظر في ظروفها ومسبباتها وتعطي رؤى وحلولا ناجعة تضمن معالجة أثار هذه الحرب وتداعياتها وعدم تدشين فصل خامس لها أو تكرار مثيلات لها في مناطق أخرى من الوطن

ولعل المبادرة التي أطلقتها أحزاب المشترك بعد التطورات الكارثية في مسار الحرب جعلت المعارضة تصل الى قناعة وإدراك بخطورة الاستهتار والعبثية الذي تمارسه السلطة في استدعاء وتوظيف المزيد من عوامل الصراع في إدارة الحرب ما يحتم عليها المضي قدما باتجاه بلورة مبادرتها وتفعيلها درءا لتداعيات تلك الحرب ونتائجها الكارثية على مستوى النسيج الاجتماعي ومن ثم وضع الشعب أمام حقائق الفساد الذي يحكمه والحروب المستدامة التي يعيشها ويدفع ثمنها بالوكالة من دماء أبنائه ولقمة عيشه واستقراره الاجتماعي.

ان حرب صعدة تطرح أسئلة في غاية الأهمية واجاباتها لا شك في موجودة في ثنايا فصول المعركة وتفاصيلها ولا شك أنه يعيها جيدا قادتها والمسؤلين عن كل هذه الدماء والدمار والخراب في حرب عبثية لا أهداف لها :

* لماذا خرجت الأزمة والقضية بعيدا عن الأطر الدستورية والقانونية ومؤسسات الدولة وتطورت الى حرب تستنزف الدماء والمقدرات الوطنية وتضرب استقرار البلد وأمنه الاجتماعي ويناهز عمرها اليوم العام الرابع ؟

لماذا اندلعت هذه الحرب ؟ وما هي أـسبابها الحقيقية ؟ وما هي أهداف هذه الحرب العبثية المستمرة منذ أربع سنوات ؟ وهل هناك ما يبرر استمرارها كل هذا الوقت ؟ ولماذا كل هذا الدمار والخراب وهل هناك ما يبرره ؟ وما هو تفسير الغموض والتعتيم المحيط بها وحجب المعلومة والحقائق عن شعب يدفع ثمن تكلفتها من أرواح أبنائه ولقمة عيشه واستقراره الاجتماعي ؟ وكيف يمكن فهم نهايتها الغامضة مثلما كانت بدايتها وفصولها الأربعة مجهولة وألغازا محيرة؟

أم يا ترى ان وراء الأكمة ما ورائها وان اتفاق وقف الحرب ليس الا تهيئة لفصل جديد من الحرب؟

وهل سيفلت مسؤليي هذه الحرب من المسألة والحساب لتستمر هذ الحروب العبثية في الشعب إلى مالا نهاية ؟

* ما حقيقية ( التمرد الحوثي ) كطرف مدان في ظل انعدام أدنى شروط العدالة الإنسانية التي تتيح التعرف على وجهة نظر طرفي النزاع؟

هل هو تشيع اثنا عشري ؟ أم ادعاء نبوة ؟ أم انقلاب على النظام الجمهوري ؟ أم هي مخاوف غير مبررة من وجود جهة محتملة تنافس أو تنغص على جهود توريث الحكم ؟

* هل الثورة والجمهورية مهددة بالمخاطر بعد انقضاء ما يقارب الـ" 50 " عاما على قيام النظام الجمهوري؟

وأين يكمن مصدر الخطر على النظام الجمهوري ؟ هل هو من داخل النظام والسلطة أم من خارجها ؟ هل الانقلاب على النظام الجمهوري سيأتي من قبل ( التمرد الحوثي ) ؟ أم من جهة توريث الحكم في اطار أسرة تحتكر السلطة والثروة والجيش و المفاصل الجوهرية لقيادة البلاد ؟

* هل البلد تعيش نظاما جمهوريا ويحكمها دستورا ونظاما وقانونا ؟ أم ان وطننا انتكس الى أسوأ مراحل الاستبداد الذي قامت الثورة للخلاص منه ليعود بثوبه الجديد بحكم فردي يتدثر ظاهريا بالنظام الجمهوري فيما المزاج الشخصي ورغبة الفرد هي التي تحكم وتقرر وتلغي مؤسسات الدولة ودستور البلد وقوانينها؟.

* هل ستظل مناطق الوطن ساحة مفتوحة للحروب الدورية المستدامة ؟ وهل سنفاجأ غدا بتدشين فصلا جديدا للحرب في صعدة أم سنرى صور مكررة أخرى من سيناريوهات حرب صعدة في وسط الوطن أو جنوبه أو شرقه أو غربه ؟

* الا تستطيع المعارضة تكثيف جهودها وتوجيهها باتجاه بث الوعي في أوساط الشعب بما يؤدي الى توحيد موقف وطني رافض لمنهج الاستبداد وسياساته العبثية القائمة على تسليط الفساد على الشعب وتدمير الوطن بتجديد دورات الدم والعنف وانتاج الحروب الدورية وبث الصراعات وتكريس الانقسامات وصناعة الازمات والكروت المحروقة ؟

* ألم يحن الوقت للتفكير جديا وبخطوات عملية يمكن أن تكون بشكل مبادرة وطنية تقف على أسباب تفجر الحروب دوريا وتشخص أوجاع اليمن و للوصول الى حلول جذرية توقف نزيف الدم اليمني المسفوك عبثا بشكل دوري مستمر؟