7يوليو . . . انتصار الوحدة أم الاستبداد ؟
بقلم/ ريما الشامي
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 15 يوماً
الإثنين 09 يوليو-تموز 2007 09:07 ص

مأرب برس ـ خاص

اهداء : الى كل من ناضل لأجل الوحدة ورأها يوما حلما وطريق للحرية والكرامة والحياة


لم تكن حرب صيف 94 لاجل الوحدة مطلقا هذه الحقيقة التي يبدو ان لا خلاف حولها اليوم بعد مرور 13 عاما على تلك الحرب وعلى الأقل البطون الخاوية جوعا والاستبداد السافر الذي يلغي حق شعبا في الحياة ويعيده الى العبودية هي واقع حال يعبر عن نفسه بدون تدخل ويخبرنا بأن مشروع هذه الحرب واهدافها لم تكن الا تجويع شعب وافقاره وتسليط مراكز قوى الفساد على لقمة عيشه ومقدراته لاج ل أن يستبد الطغاة ويستلبوا حريته ويغتصبوا ارادته ومستقبل أجياله.


نتائج حرب صيف 94 تتفاقم أثارها السلبية يوميا في حياة مجتمعنا وشواهد الانهيار في بنية المجتمع تزداد سوءا وسوداوية بالاتجاه الذي يكرس المزيد من عوامل الفرقة والتشرذم بفعل منهج الحرب وقادته الذين لم يفيقوا بعد من نشوة 07/07 ولا زالوا يحكمون الوطن بأليات الحرب ومنطق القوة والقهر الذي ينتج باستمرار المزيد من الظلم والمظالم والضحايا والشروخ التي تضرب جدار الوحدة الوطنية وتضاعف من حالة القهر والاحباط والغليان جراء ممارسات الفساد وسياسات الاستبداد المنهجية القائمة على الاقصاء والاستفراد بالسلطة ونهب الثروات ونشر الظلم وتعميم الفساد ونماذجه السيئة كمنهج للحكم وأسلوب لادارة البلاد  ،وتقدم حكم الفرد كمشروع للسلطة وتوريثها وترسخ قيم الجهل والتخلف كبيئة حاضنة لديمومة الاستبداد .


لا يمكن لنا أن نصف مأساوية الوضع القائم الذي يعيشه مجتمعنا اليمني اليوم بعد صيرورة حال وطننا الى ما هو عليه من واقع اليم يتدهور يوما عن يوم وتصفه المنظمات الدولية بأن البلد تتجه نحو الانهيار الشامل في كافة المجالات باتجاه الانحدارالى مستنقع الفوضى والحروب الداخلية بفعل سيادة الفساد وانعدام ادنى معايير العدالة ومستوبات الحكم الرشيد ، هذا الواقع المتردي الذي جاء كنتيجة طبيعية لحرب صيف 94 التي أجهزت على الوحدة السلمية ومشروعية النظام السياسي القائم على الديمقراطية والحريات والبناء المؤسسي للدولة.


حرب صيف 94 التي أختتمت عامين من أزمة سياسية عصفت بالبلاد أثناء المرحلة الانتقالية كان يفترض أن يتم خلالها استكمال بنى مؤسسات الدولة وفقا للدستور وتنفيذا لاتفاقية الوحدة ولكن بدلا عن ذلك صنعت الأزمة واختمرت عوامل الصرع وشلت أجهزة الدولة ودخلت البلاد مرحلة من الفوضى والاضطرابات والفلتان  ،وكان كل ذلك بسبب المخاوف من فقدان السيطرة الشمولية التي ظلت تمسك بيدها بجميع مفاصل السلطة وتدير الدولة بالتليفون في فترة ما قبل الوحدة ومن ثم فانه خلال الفترة الانتقالية أنضجت آليات الأزمة وتم اللعب بكافة الأوراق والكروت ونجاح تسخيرها باتجاه الوصول الى الحرب ومن ثم تحقيق أهدافها في اعادة الوطن للحكم الفردي من جديد .


أسلوب الادارة بالأزمات كان متقنا بتميز في خلق تلك الأزمة واختتامها بحرب اذ كان أحد طرفي الأزمة يمتلك حرفية مهنية في هذا المجال مكنته من صناعة عوامل الصراع وانضاجها وتوجيهها بالشكل الذي أوصلها نحو الهدف المرسوم لها من ذلك رعاية أسلوب الاغتيالات والتصفيات الجسدية لشركاء الوحدة واعاقة جهود البناء المؤسسي للدولة بالاضافة الى اجادة استخدامه الورقة الرابحة في تسخير الخصوم لمصلحته عن طريق ضربهم ببعضهم البعض كأوراق وكروت محروقة في استغلال ذكي للأجواء المشحونة الناتجة عن بقايا الحرب الباردة وذلك حد اعتراف الرئيس صالح عشية انتخابات سبتمبر 2006 من أنه استخدم التجمع اليمني للاصلاح بما يمثله من حركة سياسية معتبرة كمجرد ورقة في كسب صراعاته الداخلية مع معارضيه وفي المقابل وجد الطرف الأخر في الأزمة نفسه ضحية ومحصورا ولا يمتلك رؤية مدركة لصيرورة الأوضاع وفهما واعيا بأليات ادراة الأزمة وأهدافها وفي خضم تلك الاجواء المأزومة لم يجد ذلك الشريك كيف يواجه مايحيكه شريكه غير اعتكافات السيد علي سالم البيض المتكررة التي كان يرى فيها رفضا للأزمة السياسية المختلقة كغطاء لتمويه الانقلاب على انجاز مشروع الوحدة السلمي القائم على البناء المؤسسي للدولة وفقا للدستور والتزامات اتفاقية الوحدة هذا الى جانب مواقف وشخصيات من داخل هذا الشريك لعبت أدوارا غاية في السلبية أكتشفت على حقيقتها أثناء الأزمة وفي فترة الحرب .


وهكذا استمرت الأزمة تدار من خلال طرف استطاع أن يمتلك زمام قيادتها وادارة عوامل الصراع وتوجيهها وساعدته ظروف ذاتية وموضوعية في مقابل الطرف الأخر الذي كان يرى أحقية قضيته وسلامة موقفه ورهانه على الموقف الوطني والشعبي المناصر والضاغط في اتجاه عدم التراجع عن الوحدة ومشروعها السياسي الديمقراطي أسلوبا كافيا في مواجهة تلك الأزمة وتوجهاتها الشمولية التي كانت تستهدف الوحدة والديمقراطية ، وعندما كان خطاب الحرب في 27 ابريل 94 تم الإفصاح عن النوايا واتضحت الرؤى وتبينت المواقف فالرئيس صالح أعلن جملته المشهورة : ( الوحدة أو الموت ) ونائبه البيض رد موضحا بأنه ليس صحيحا اطلاق الكلام على عواهنه فليس مقبولا أن تكون الوحدة أو الموت كشعار لخداع الشعب وتزييف الوعي ومن ثم فرض الاستبداد وأعاد تذكير شريكه بمشروع الوحدة السلمي والديمقراطية كرديف ثنائي للوحدة قائلا هو أيضا جملته المشهورة : ( الوحدة والديمقراطية ، وليس الوحدة أو الموت ) وبعد ذلك جاءت الحرب كما هو مرسوم لها وخططها منذ اختيار طريقة تموضع المعسكرات غداة اعلان الوحدة في 22 مايو 90


وكان أن سارت مجريات تلك الحرب كما أراد من فرضها لتوصل أحد طرفيها الى موقف لا يحسد عليه جعلته بمنطقها مدانا بالانفصال ومن ثم تحول مجرى الأزمة والحرب كلية بعيدا عن جوهر الاسباب الحقيقية في الخلاف بين الشريكين على أسلوب ادارة الدولة اما بالمؤسسات أو بالتليفونو تحولت المسألة برمتها الى تهمة الانفصال التي اجيد توظيفها ضد شريك الوحدة في وقت أن الطرف الأخر هو الذي صنع الأزمة وأوصل الأمور الى الحرب . ولازالت هذه التهمة توظف الى اليوم لادانة أي جهد وطني يطالب برد الاعتبار للوحدة ومشروعها السلمي القائم على الديمقراطية والحريات ولبناء المؤسسي للدولة


الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد قبيل الوحدة وانتهت بحرب صيف 94 تكمن الجدوى من تناولها وتحليل جوانبها من ناحية تقييمها بموضوعية وعلمية بما يؤدي الى فهم مخرجاتها ونتائجها الماساوية على واقع حياة شعبنا واستيعاب دروسها وعبرها حتى لانظل أدوات مستخدمة وكروت محروقة تنفذ أجندة الاستبداد ولكي نتجنب الاخطاء القاتلة التي تؤدي يوطننا موارد الهلاك على نحو ماهو معاش اليوم .


ومثلما ان الاستبداد الذي يحكم وطننا اليوم مدان ومرفوض من كل فعاليات المجتمع فينبغي بنفس القدر رفض وادانة مسبباته وأليات انتاجه وحرب صيف 94 كانت رافعة الاستبداد التي استندت بها مشروعيته وتجدده ومن هذه النقطة ينبغي التقييم الموضوعي العلمي المنصف لحرب صيف 94 وللأزمة التي انتجتها ليس لاجل أشخاص وانما من أجل رد اعتبار الشعب وحفظ رصيد نضالاته الوطنية التي قدمها لأجل الحرية والكرامة وليس لأجل عودة الاستبداد ، وبما يسهم في توجيه بوصلة الجهود الوطنية وجهتها الصحيحة نحو البحث عن حلول ومعالجات ناجعة لانقاذ الوطن من براثن الاستبداد والفساد و أيضا فانه من ناحية علمية فان دراسة ظاهرة ما كظاهرة الاستبداد والفساد المرتبط بها واللتان نعيشهما معا انما يستدعي بدءا تشخيص الظاهرة والوقوف على جوهرها وحقائقها والظروف التي خلقتها والبيئة التي تنتج اليات حياتها وهذا التشخيص ضروري لوصول لمعالجات ولو على المستوى النظري ابتداءا ، ونحن اليوم نعيش أخطر حالات الاستبداد الذي كشر عن أنيابه منذ اعلان انتصاره في 07/07/94 وهو بكل قوة يشرع نفسه دوريا ويعيد انتاج اليات حياته ويوطد أركانه بثبات ويفرز فساده وسلبياته على حساب مقدرات الوطن وحرية ابنائه ومستقبل الاجيالما يستدعي رؤية وطنية مدركة توفر امكانيات ذاتية وموضوعية لانقاذ الوطن وترسم مشروع الخلاص على ضوء هذه المحددات حتى لا نصل الى مرحلة لن يكون بوسعنا غير التسليم بارداة الاستبداد ومشاريعه كقدرا مقدورا .


ولذا لزم اعادة التأكيد أن تلك الأزمة التي انتجت الحرب لم يكن لكليهما ما يبرره سوى عدم القدرة على استيعاب الوضع الجديد الذي جاءت به وحدة 22 مايو 90 حاملة معها رياح الحرية و الديمقراطية ومشروع بناء النظام السياسي القائم على دولة مؤسسات تحتكم للنظام والقانون وعدم القبول بالتزحزح عن القبضة الشمولية الفردية لصالح مشروع دولة الوحدة فكان المخرج هو خلق الأزمة واختتامها بحرب حسمت جوهر الصراع عندما أعلن النصر بأسم الوحدة ولأجلها في 7/07 وبعد هذا التأريخ بدأت تتكشف حقائق الأزمة والحرب معا وأهدافهما الجوهرية اذ اتضح أن المستهدف الرئيسي والمباشر للأزمة والحرب والطرف المنتصر هو دستور دولة الوحدة الذي يمثل المشروع النظري والقانوني للبناء المؤسسي للدولة وللحقوق والحريات ومجمل مكونات النظام السياسي ، اذ ما ان انتهت الحرب حتى بدأ افراغ دستور الوحدة بسلسلة تعديلات دستورية فرضها الطرف المنتصر بأغلبيته استهدفت الغاء جوهر مضامينه التي تؤسس مشروعية النظام السياسي للبلد والقائم على الديمقراطية والحريات وسيادة القانون والبناء المؤسسي للدولةواستعيض عن الضمانات والحقوق والشروط الدستورية بتوسيع الصلاحيات وتركيز السلطات بشخص فرد أطلقت يده في كل شئ بدون أدنى مسؤلية  ،وترافق مع هذا الافراغ للدستور النزوع نحو الاستئثار والاستبداد بالسلطة والقوة والثروة والانقلاب على الديمقراطيية والحريات والحقوق وتحويلها الى اليات شكلية لتجميل وجه الاستبداد واعادة انتاجه .


الطرف المنتصر في حرب صيف 94 كان يطرح من ضمن تبريرات الأزمة والحرب أهمية توحيد الارادة السياسية ومصدر القرار في السلطة للخروج من الأزمة وانهاء الفوضى وتوجيه الجهود نحو بناء مؤسسات الدولة وتحقيق التنمية ، و بعد الحرب تم الغاء مجلس الرئاسة الجماعي وأعيد مصدر القرار والارادة السياسية الى شخص رئيس الجمهورية ولكن ضدا لكل ما طرح من تحسن الاوضاع وبناء مؤسسات الدولة وتوجيه الجهود نحو التنمية في حالة العودة الى مصدر واحد للسلطة الا ان شيئا من ذلك لم يتحقق مع ان 7 يوليوكانت تمثل فرصة متاحة لاثبات مصداقية ما كان يطرحه الطرف المنتصر خلال الأزمة والحرب ولكن جاءت النتائج عكسية ومخيبة للأمال فرغم العودة للاستفراد بالسلطة والقرار لم تتجه البلد نحو الاصلاحات واستكمال البنية المؤسسية للدولة ونحو جهود التنمية وتحسين المعيشة بل ازدادات الاوضاع سوءا واستفحل الفساد وتدهور الاقتصاد والتعليم والصحة ومختلف الخدمات الأساسية والبنى التحتية للبلد وساءت الاحوال المعيشية لعامة الشعب بفعل الجرعات المتتالية التي وسعت رقعة الفقر والبطالة مقابل ارصدة المفسدين من وراء الاثراء غير المشروع بنهب المال العام و موارد البلد وأصول الدولة وترافق ذلك مع توجه الطرف المنتصر نحو الاجهاز الممنهج كما ذكرنا على دستور دولة الوحدة وافراغ النظام السياسي الذي جاءت به وحدة 22 مايوم من مشروعيته القائمة على الحقوق والحريات ووجه جهوده كذلك نحو تقويض المؤسسات والفعاليات الديمقراطية التي تحققت خلال الفترة الانتقالية وأعيدت البلاد المرحلة الشمولية وتكريس الحكم الفردي كنظام حكم لادارة شئون البلاد بديلا عن النظام الدستوري الذي جاء بموجب وحدة 220 مايو وما ترافق مع هذا النظام الجديد من اعادة احياء وانتاج الياته والسياسات التي كان يعتمدها في الحكم خلال مراحل مضت من ذلك صناعة مراكز قوى الفساد وتغذيتها من المال العام كونها رديفه وقاعدته التي يرتكز عليها في تثبيت أركانه على عرش السلطة والاستبداد بها ومن ثم توريثها وخلال ذلك أيضا كان التوجه منهجي نحو التخلص من أليات الديمقراطية الحقيقية وتحويلها الى اليات عقيمة شكلية تعيد انتاج الأوضاع القائمة


ويبقى أسلوب الادارة بالازمات هو المحدد الفعلي لديناميكية الاستبداد الذي يتجدد بخلقها وادارتها فكان التوجه نحو انتهاج المزيد من سياسات الفساد والنهب والعبث بمقدرات الوطن واباحتها لمراكز القوى التي تلتقي في مصالح مشتركة تنظمها نهب حقوق الشعب وحقوقه وحرياته وواقع شعبنا يحكي الى أي مدى وصلت اليه مصالح الفساد والاستبداد في حياتنا وعلى حساب انسانيتا وكرامتنا حتى توحدت معاناة اليمنين في كل أرجاء الوطن جراء نظام مستبد يحكم بالفساد ويسلط مفسديه ومراكز قواه على حياة الناس و طمأنينتهم و لقمة عيشهم


وثيقة العهد والاتفاق التي مثلت خلاصة الجهود الوطنية التي قدمت معالجات شاملة للخروج من الأزمة و انقاذ الوطن من كارثة الحرب الا ان هذه الوثيقة الوطنية قابلها الطرف المنتصر بالرفض واعتبرها وثيقة خيانة وتأمر رغم أنهصادق عليها قبل الحرب الى جانب القوى السياسية التي صاغتها ، ويبدو أن سر التنصل من هذه الوثيقة و تجريمها بعد الحرب هي أنها قدمت حلولا ناجعة ومعالجات جذرية للأزمة السياسية على أساس بناء مؤسسات دولة لا مركزية تحد من سلطة الفرد ومركزية القرار ولذا فلا يمكن للطرف المنتصر في الحرب أن يقبلها لان الحرب قامت أصلا ضد ما جاءت به الوثيقة فكيف يمكن التنازل عما حققته الحرب بالقوة العسكرية لصالح الاعتراف المبدئي بوثيقة العهد فضلا عن التفكير في محتوياته والحوار حول بنودها فكان موقف تجريم الوثيقة حاسما وجريئا وقطع الشك باليقين .