أبناء الجنوب في صنعاء .. والمواقف الصعبة !!
بقلم/ د. عبيد البري
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 24 يوماً
الخميس 05 مايو 2011 07:12 م

برزت "القضية الجنوبية" كنتيجة لحرب 1994م ، وما أعقبها من ممارسات شكلت مثلاً صارخاً لظلم العربي للعربي والمسلم للمسلم والجار للجار والأخ للأخ والقوي للضعيف ، لما جرى من انتهاك للحقوق ، وسلب للحريات ، ونهب للأرض وللثروة ، وتشويه للحقائق ، وتزييف للتاريخ .. فتحولت معاني الود إلى غدر والتسامح إلى حقد ، والشراكة إلى إهانة ومسخاً للهوية .. برزت "القضية الجنوبية" لأنها إرادة شعب ، ولأنها ترتبط بالهوية التي امتدت جذورها في عمق التاريخ ، ولأنها قضية دولة كانت ذات سيادة ، ولها وجودها الإقليمي والعربي والإسلامي والدولي .

كنت أتساءل قبل الحرب : أي وحدة هذه التي مر عليها حوالي 4 سنوات ولم يتم فيها توحيد أهم أدوات الوحدة بين أي دولتين يفترض أنهما شكلتا دولة واحدة ؟! .. فلم يتم ، مثلاً ، توحيد الجيشين أو قوات الأمن ، أو العملة ، أو مناهج الدراسة في كل مستوياتها ، أو شركات الطيران المدني ، أو النقل ، أو الاتصالات ، أو الإعلام ، أوالثقافة ، واستمرت مؤسسات القطاع العام في التجارة والصناعة في الجنوب تعمل بدون تغيير .. لكن تفسير ذلك أصبح واضحاً بعد انتهاء الحرب ! ، فالقيادة الجنوبية كانت قد تركت وراءها الأرض (بكراً) لمن ضل يتربص بها ، وتركت أعمدة اقتصاد الدولة (غنيمة) لمن سال لعابه لها ! .. وكان أول دليل ، بعد الحرب مباشرة ، على (حسن النوايا !) ، هي تلك الحملة الحاقدة لطمس تاريخ الثورة في الجنوب ، بدءاً بنزع أسماء الشهداء من المدارس والشوارع وغيرها .. ومع ذلك ما زلنا نقول وحدة 22 مايو ! .

لقد تابعت باهتمام كل تلك اللقاءات المتسارعة خلال شهر أبريل الماضي ل(أبناء الجنوب في صنعاء) ، التي أخذت مساحة واسعة من التغطية الإعلامية ، وأثارت الكثير من الجدل بين الجنوبيين في الداخل والخارج لاسيما وأنه غير مسموح التلفظ بأي مفهوم جهويّ - شمالي ، جنوبي - بعد الحرب من قبل أي جنوبي بشكل عام ، أو جنوبي في صنعاء بشكل خاص ، لأن ذلك يعد ضرراً بالوحدة النفسية بين الجنوب والشمال !! . وهاهم بعد إستــكانة لمدة 17 عاماً ، يشهرون التسمية الجهوية ، ويبدأون بالحديث عن القضية الجنوبية في شهر أبريل الماضي (فقط!!) ، بعد أن كانت عندهم مرفوضة وأسموها : "مشـــاريع صغيرة" .

يستطيع المتابع معرفة الهدف من تلك اللقاءات من خلال التعرف على الإنتماءات السياسية للمشاركين فيها ومواقعهم الرسمية أو الشرفية في النظام ، وعلى توقيت مثل هذه اللقاءات التكتلية ، وكذلك من خلال تصريحات العناصر الفاعلة فيها والبيانات الصادرة عنها . ففي اللقاء الأخير يوم 28 أبريل المنصرم تحدث د. صالح باصرة في اللقاء قائلا:"عقد هذا اللقاء بعد إبلاغ كل الجهات في صنعاء - سلطة ومعارضة - بهذا الأمر ، وكان الهدف من عقد اللقاء تشكيل كيان شعبي لأبناء الجنوب في صنعاء يوضحون فيه رؤيتهم تجاه القضية الجنوبية.. الجنوبيون ليس وحدهم في ساحة الوضع

الحالي لحلول القضية الجنوبية .. هناك لاعبون محليون وإقليميون ودوليون ، ونطالب الجميع للعمل على تشكيل لجان شعبية لحفظ الأمن والاستقرار في الجنوب" .. وهذا واضح أنه حرصاً على بقاء التحكم بالجنوب من داخل صنعاء ، ولتهميش دور المتواجدين على أرض الجنوب من أبناء الجنوب ، وعلى رأسهم الحراك السلمي .

تلميح د. با صرة أعلاه على أن ما يتم هو بالإتفاق مع النظام ، كان قد أوضحه الشيخ صالح بن فريد في تصريحه عقب اللقاء التحضيري ، و دعوته إلى اللقاء الأول قائلا : "مثلما برزت قضية الحوثي ، فمن باب اَولى أن تبرز قضية الجنوب ، ما لم ، فبكل تأكيد إنها ستعود البراميل وستعود دولة الجنوب ، فلسنا مستعدين لخوض تجربة أخرى لعشرين سنة قد تكون قادمة كما جربنا عشرين سنة ماضية باءت بالفشل ، فلسنا حقل تجارب .. وهذا ما قلته للرئيس وأولاد الشيخ عبدالله بن حسين وقيادات المشترك .. !! وإذا لم نفرض أنفسنا في هذه الظروف والأوقات الحاسمة ، فلن يسمع صوتنا مستقبلاً ولن تقوم لنا قائمة . ومن هذا المنطلق ، وعلى هذا الأساس ، فالدعوة عامة لكل أبناء الجنوب لحضور هذا اللقاء لنكون أو لا نكون" .

وفي ذلك ، كان الشيخ بن فريد صريحاً وواضحاً ، لكننا نستغرب من مقدار تخوفه من عودة البراميل ، ومن معاتبته للنظام أنه مسؤول عن ضياع تجربة عشرين سنة ضاعت من عمره ، ثم يبرر أنه بالركوب على موجة "القضية الجنوبية" من خلال هذه اللقاءات سيفرض وجوده في النظام الجديد القادم !!. ألم يكلفه النظام بالقيام بمهام سلطة الدولة بين القبائل التي ينتمي إليها نيابة عن القانون الغائب خلال 17 سنة فاتت وهو ساكت ؟! .. لماذا تعمد مقارنة القضية الجنوبية بقضية صعدة ؟ هل يوجد أي وجه للشبه بينهما ؟ . ولماذا يريد لجماعة السلطة من الجنوبيين في صنعاء أن تفرض نفسها اليوم من خلال القضية الجنوبية في شهر أبريل المنصرم ، وليس في السنوات الماضية ؟! .

اللافت للإنتباه أيضا ، أن البيان الصادر عن إجتماع 11 أبريل قد لخـص نقاطه ونقله موقع متـميز ومسؤول ، على شبكة الإنترنت هو "المصدر أون لاين" بالشكل التالي : " أعلن قادة بارزون وشخصيات اجتماعية جنوبية ، مقيمة في صنعاء ، الوقوف إلى جانب مطالب الشباب في ساحات الإعتصامات المطالبين بحقهم في التغيير . كما وطالبوا بمحاكمة من تورطوا في أعمال القتل في جميع المحافظات، داعين السلطة والقوى السياسية إلى ضرورة الاعتراف الصريح بالقضية الجنوبية ، وعدم السماح لاستخدام الجنوب ساحة للصراع ، ورفع الظلم عن كافة المعتقلين على ذمة الحراك السلمي، وإطلاق صحيفة الأيام" . فهكذا عـرّفـوهم بصفة ( المقيمين ) !! .. لكن ، لماذا لم يذهبوا رسمياً ، فرادا أو جماعة ، إلى تلك الساحات إذا كان المعتصمون سيستفيدون من ذلك ؟! . وأين المحاكم ياترى؟! .. وإذا كانوا قد أفتكروا القضية الجنوبية عند غياب السلطة ، فلماذا كل هذا الإبتذال أيها (المقيمين) ؟! .

لا أخفي أنه في خلال أبريل المنصرم قد أستحضرتني أبيات شعرية للمرحوم الشاعر الأبي البردوني :

 فـظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري

 يمانيون فـي المنفـــى ومنفـــيون في اليمن

 جنوبـيون فـي صنعـا شماليون فــــي عدن

 وكالأعمام والأخـوال في الإصرار والوهن

 خطى(أكتوبر) انقلبت حــزيرانية الكفـــــن

 تـرقـَّى العار من بيعٍ إلى بيعٍ بلا ثــــــمن

 ومن مستـعمر غــازٍ إلى مستـعمرٍ وطني

ولا يفوتني التذكير بما قاله الشريف حيدر الهبيلي - الذي عقد في منزله أول اجتماع ل(المقيمين) - في اللقاء الأخير 28 أبريل ، بإشارته إلى أن : " البعض أراد تمزيق قوى اللقاء ، وهم من نفس القوى التي مزقت علينا الحراك الجنوبي في اجتماعات العسكرية ولبعوس في يافع الباسلة ، وتحاول اليوم تمزيقه تحت مبرر هوية الجنوب العربي الكاذبة ، وإدعائها أنها قوى الإستقلال ، وهي قوى (الإستهبال) ولا تخدم الجنوب" . هكذا كان رد الهبيلي على أبناء جلدته ، وهو يعرف جيداً أن اجتماعات العسكرية ولبعوس شكلت محطات هامة في مسيرة الحراك السلمي الجنوبي ، وهكذا يستنكر (المبرر) الذي تعمدوا أهله استمالته إلى صفهم به ، كون الجنوب العربي كان ضحية مؤامرة ، و قد يكون ذلك سبباً في وجود الكثير من (المقيمين) كل تلك السنين في صنعاء!!.

أخيراً ،أيها السادة (المقيمين) ، لابد من التأكيد أن الجنوب في أمَسّ الحاجه اليوم لجهود كل أبنائه الجنوبيين ، مجتمعين ، مُجمعِـين ، ومتضامنين ، على أساس مبدأ التصالح والتسامح العظيم .. فهذه المرحلة هي مرحلة تحديد المواقف .. فإما "وطنية" وإما "خيانة" .. ليس هناك نصف وطنية ونصف خيانة ، لأن النصف الخائن لا بد ان يجر النصف الوطني إليه بحكم المصلحة .. وعليكم أن تعلمون أنكم في قلوب أهلكم طالما صدقتموهم وكنتم معهم يد بيد ، ليس ب(المساندة!) التي تقدم للغرباء فقط! .. وليس في محاولات لخطف تضحيات أهلكم .. وليس على حساب مستقبل أحفادكم . فعودوا الى الصواب وأتقوا الله في كرامة الجنوب ، جنوبكم ! .. إن أهلكم في إنتظاركم ، لكن ، قبل فوات الأوان !! .