القاعدة تنتصر مجددا في اليمن
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 10 أيام
الخميس 18 أكتوبر-تشرين الأول 2007 12:20 ص

مأرب برس – خاص

استسلام جمال البدوي الهارب والمدان بالمشاركة في الهجوم على المدمرة الأميركية “يو اس اس كول” الذي تبناه تنظيم القاعدة ، للسلطات اليمنية بهذه الطريقة " المسرحية " يجعلنا أن نضع العديد من التساؤلات عن السر الذي جعل البدوي وبكل هدوء أن يسلم نفسه طواعية لأجهزة الأمن اليمنية .

وقبل الإعلان عن استسلام الرجل نقل شهود عيان من جيرانه في مدينة عدن أن “البدوي شوهد في منزله منذ يومين” قبل الإعلان رسميا عن اعتقاله في المدينة الساحلية الجنوبية.

وتفيد المصادر أن " جمال البدوي " سلم نفسه عبر وسطاء بينهم وجهاء من القبائل وعناصر إسلامية تخلت عن انتمائها إلى القاعدة في السنوات الماضية.

وأكدت ذات المصادر أن البدوي سلم نفسه بعد مفاوضات استمرت أكثر من 9 أشهر، تنفل خلالها متخفياً بين مناطق عدة منذ فراره، ضمن مجموعة تضم 23 من القاعدة من السجن, واستقر أخيراً في محافظة أبين حيث سلم نفسه، ليلتحق بنحو 9 من رفاقه الفارين ممن سلموا أنفسهم طواعية أيضا .

المشهد " الذي أُعلن عنة رسميا " يؤكد ثمة صفقة تمت بين البدوي والسلطات اليمنية تم بموجبها إعادته الى المعتقل، لكن هذه الصفقة لا تزال طي الكتمان ولم يكشف أي طرف تفاصيلها.

السلطات اليمنية وخلال الفترة الماضية كشفت عن عجزها الكامل في التعامل مع ملف القاعدة في اليمن حيث مثلت عملية " الهروب الكبير" موقفا محرجا لتلك الأجهزة أمام الرأي العام المحلي والعالمي , ولم يرجع ماء وجهها سوى الوساطات القبلية والمشائخية والتي عملت على إرجاع تلك الفلول الهاربة من أعتى السجون اليمنية .

بل لقد حاولت السلطات الأمنية في إستماله الهاربين من تنظيم القاعدة إلى صفوفها أو تحييدهم وأمدت بعضا منهم بالمال والسيارات وممن نالهم ذالك عدد من الهاربين من سجن الأمن السياسي ضمن قائمة الـ23" .

لكن تلك الوسيلة باءت بالفشل في عناصر تحمل " قناعات فكرية " خاصة بها , وتعتقد على أحقيتها وصوابها . البدوي وقبل الإعلان عن إلقاء القبض علية كان قد شهد اجتماعا خاصا في رئاسة الجمهورية وفي ذالك اللقاء تم ألاتفاق على وعود يسعى الطرفان إلى احترام نتائجها في المستقبل القريب .

محاولة السلطات اليمنية التفاوض طيلة الـ" 9" الأشهر الماضية يكشف مدى الضغط الأمريكي على الحكومة اليمنية في إلقاء القبض على البدوي الذي يصنف أنه ضمن أول القوائم ألأمريكية للمطلوبين وقد تم تحديد مكافأة من 5 ملايين دولار للقبض عليه .

بالتأكيد أن من بنود الاتفاق عدم تسليم البدوي للسلطات الأمريكية , ولا يستبعد قيام الأول بتقديم مساعدات في القريب العاجل بعد نجاح مساعي التأثير على البدوي عبر ضغوط قبلية , كما مثلت فترة هروب الرجل وتخفيه طيلة السنوات الماضية سببا في لين قناته وبحثه عن مرحلة من الهدوء والاستقرار النفسي .

 ما لم فتحييد وعزل البدوي عن أجندة القاعدة هدف يمني تسعى أجهزة الأمن الوصول إلية .

وعلى الجانب الأخر ما شهدتة محافظة مأرب صبيحة عيد الفطر المبارك من انتهاك صارخ لحرمة يوم العيد على أيدي قوات الجيش يكشف مدى التخبط الذي تسير فيه أجهزة الأمن اليمنية وتعاملها مع مجريات " تداعيات " مقتل ثلاثة أفراد متهمين بالانتماء إلى تنظيم القاعدة من أبناء القبائل في محافظة مأرب .

هذا التعامل يؤكد مدى الفشل الذريع في التعامل مع تنظيمَ يزداد توسعا .

 إن الأحداث المتلاحقة في مأرب وما سبقها من أحداث " وصلت إلى حد المواجهات المسلحة بين أنصار القاعدة حسب تصنيف الحكومة لها وأجهزة الأمن لينذر بخطورة الوضع الأمني في المحافظة ما لم يتدارك ذالك في القريب العاجل .

ففي الأشهر الماضية تعرضت معسكرات " مأرب " بعد مقتل ثلاثة أفراد من أبنائها متهمون بالانتماء لتنظيم القاعدة للقصف بقذائف الهاون لأكثر من خمس مرات, وتعرض عدد من المراكز الأمنية لهجمات متفرقة .

 لا نستطيع كمراقبين للوضع المحلي أن نصنف هذه الهجمات على أنها هجمات من تنظيم القاعدة أكثر مما هي هجمات يقوم بها " ذوي القتلى " انتقاما لمقتل أبنائهم .

ألدوله وبعد تصفية تلك العناصر في محافظة مأرب عادت للتقرٌب إلى أهاليهم وعرضت عليهم أخذ دياتهم , وهو ما كان محل الرفض القاطع من أبناء القبيلة ,حيث تعهدوا أمام الملأ أن لا بد من ألانتقام والثار لإخوانهم ولو بعد حين .

كما أن المتابع لحراك القاعدة في اليمن يجد ثمة اختراق كل طرف للآخر , يجعلنا نمعن النظر في بعض العلاقات بين الطرفين , فهذا أبو علي الحارثي " بن سنيان الرجل الأول في تنظيم القاعدة ورغم معرفة الدولة بأنه عضو قيادي في ذالك التنظيم , إلا أن علاقته بها كانت ممتازة كما وصفها أحد المشائخ الذين لعبوا أدورا في إقناع العديد من تلك الشخصيات في تسليم نفسها لأجهزة الأمن , فالشيخ أمين العكيمي وفي أحد مقابلاته الصحفية التي كشف فيها العديدمن الأوراق الأمنية يصف تحركات الرجل بأنه " ظل يدخل العاصمة صنعاء ويتجول فيها بعلم الجهات الأمنية لأنة أبدى تعاونا أمنيا كبيرا حسب تعبير الشيخ العكيمي لأكنه لم يكشف عن نوعية ذاك التعاون الذي كان بين الطرفين , وأرجع العكيمي سبب التوتر إلى إصرار الجانب ألأمريكي على إدراج بن سنيان على قائمة المطلوبين أمنيا , ورغم موافقة ألأخير على تسليم نفسه شخصيا للحكومة اليمنية بشرط عدم تسليمه للأمريكان وأن يحصل على ضمانات من بعض المشائخ لكن ذالك الطلب كان محل الرفض من أجهزة الأمن اليمنية , وهو ما أعتبر من بعض المراقبين بأنه قرار غير صائب.

مشهد أخر يلقي بضلالة في التعاون بين أجهزة الأمن وشخصيات القاعدة في اليمن , فهاهو الرجل المسئول عن التخطيط لضرب المدمرة كول، والملقب بـ"أبو عمر الحرازي"، كان يحمل تصريح مرور رسمي "من وزارة الداخلية"، مذيل بتوقيع الوزير السابق "محمد حسين عرب"، يسمح له بالمرور من جميع النقاط دون تفتيش.

لن تجني الحكومة من صراعها مع تنظيم القاعدة باستخدام العنف المفرط أي نتائج ملموسة , مهما كانت " المبررات في استخدام ذالك العنف , فالقضية أولا وأخير هي " قضية قناعات فكرية ليس إلا.

 لذا نجد أن السواد الأعظم من أنصار وأتباع القاعدة هم جماعات إسلامية ومن النوع المتعطش والمندفع في نفس الوقت والغالبية ممن يتم تنسيبهم للتنظيم هم " متدينون غير مثقفين إسلاميا " لكنهم يخضعوا لدورات فكرية مكثفة لاحقة وهو ما أكده لي شخصيا أحد القائمين على تلك البرامج في تنظيم القاعدة حيث كشف " أبو أحمد " كما هو مشهور عنه وأسمه الفعلي - عصام محمود صالح – مصري الجنسية أثناء لقائي به في محافظة الجوفوقد نشرنا تفاصيل هامة عن حياته على صفحات " مأرب برس " وهو أيضا أحد المطلوبين أمنيا كونه أحد الهاربين من سجن الأمن السياسي لكنة لا ينتمي إلى قائمة الـ" 23" . حيث أوضح أن التنظيم يعتمد على إقامة دورت خاصة للمنسبين الجدد , يتم خلالها ضخ مواضيع عدة الهدف منها صياغة حياة فكرية جديدة تكون فيما بعد لمن يحملها " محل ثوابت لا يمكن زعزعتها .

وفي اليمن يمثل كتاب " الطاغوتية في اليمن " هو المرجع الأول الذي يتم تدريسه لمبتدئ المراحل الأولي لمن يم استهدافهم حسب اعترافات بعضا منهم .

الفكر القاعدي يركز كثيرا على قضية " الطاغوت " والحكم بما أنزل الله وهي مواضيع تدرس لهم ويتم إنزالها على الواقع حسب اجتهادهم الفقهي لها , في مقدمات الطواغيت الحكام العرب " فالرئيس على عبد الله صالح في نظرهم هو أحد الطواغيت بل قد قالها إسامة بن لادن في أحد خطاباته واصفا الرئيس بأنة " كافر مرتد " .

القمع في السجون

تعاملت أجهزة الأمن اليمنية مع العديد من عناصر القاعدة في السجون بطرق وحشية وبعيدا عن احترام آدمية الإنسان , ذالك الأسلوب جعل من تلك العناصر أن تحمل في قلوبها حقدا دفينا يؤهلها في قادم الأيام للتخطيط والانتقام وإن لم يكن ذالك الشعور موجودا في أجندتها قبل أن تذوق ويلات العذاب .

عبد العزيز بن جرادان وناجي بن جرادان متهمان بالانتماء لتنظيم القاعدة جمعني بهم لقاء " صحفي " قبل مقتلهم بأقل من شهرين تحدثا لي عن ويلات ما ذاقاه في أقبية سجن الأمن السياسي من تعذيب وقهر نفسي شعرت من حديثيهما مرارة تعتصر في أعماقهما مما تجرعاه من ويلات العذاب , وولدت تلك المعاملات لديهم قناعات فكرية تعزز ما تطرحه القاعدة من مفاهيم مما يجعلهم أكثر إخلاصا لمبادئهم التي بايعوا عليها يوما ما .

تجريه الحوار التي أجرها القاضي الهتار مع الجماعات المتشددة وبالتحديد مع عناصر جماعة الجهاد والقاعدة هي فكرة سليمة , لكن من الخطأ أن نسلم بنتائجها في حوار لأناس يقبعون في السجون ,ولن تكون نتائج الحوار إلا ما يريدها المحاور نفسه لأنهم ممكن أن يوهموا من يقوم بالتحاور معهم بالاقتناع بما يطرح طمعا في الخروج من تلك السجون .

في نظري الشخصي على الجهات الحكومية أن تعمل على توسيع الحوار مع هذه الجماعة والإستعانه بعلماء لا ينتمون للسلطة, فذالك أقرب إلى قلوبهم , فهناك علماء أجلاء ممكن أن يعلبوا دورا هاما في ساحات الحوار معهم.

أجهزة الأمن وخلال السنوات الماضية يحفل أرشيفها الأمني الكثير عن رؤؤس القاعدة في اليمن , وهنا بدلا من حملات القمع الوحشي عليها أن تبذل مساعيها في النظر في قناعات القوم الفكرية , لأنهم إن استطاعوا الوصول إلى تغيير تلك القناعات فستكون تلك الأجهزة قد حققت أول نصر حقيقي على القاعدة ما لم فستظل القاعدة هي التي تحقق النصر في اليمن . 

Mareb2009@hotmail.com

* رئيس تحرير موقع مأرب برس