الزنداني في أول مشاريع الفشل
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و يومين
الثلاثاء 22 يوليو-تموز 2008 06:40 ص

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضيلة عظيمة, والقائمون عليها من خير أهل ألأرض وأعلاهم منزلة عند الله وخلقة , ونحن مأمورون بممارسة هذه الفضيلة في حياتنا بكل درجاتها التي أوضحها الشرع وبينتها سنه الرسول ألأكرم .

لكننا عندما نقحم الفضيلة في صراع المواجهة في مجتمع يعج بالعديد من المتناقضات وتعصف به أزمات رمت به في سلة أفقر بلدان العالم , ثم ننادي بمحاربة ظواهر ناتجة عن تداعيات سياسية واقتصادية قادت المجتمع للولوغ في تلك الرذيلة دون أن نعالج الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ذالك أمر يستحق بعض التأمل .

 وعندما يضع القائمون على أمر الفضيلة وهيئتها أنفسهم وكلاء في الأرض للبحث عن المنكر, والخروج أحيانا من طور الستر وإقالة العثرة إلى ساحات التشهير وهتك ستر الرحمن على من سترهم الله بسترة أمر فيه نظر .

المتمعن في أهداف هيئة الفضيلة يجد أنها مسئوليات مناطة بالدولة وأجهزتها , لكن الفساد الذي استشرى في مناحي تلك ألأجهزة عطل الكثير من مهامها , كان الأولى على أجهزة الرقابة المتعددة ابتداء من الرقابة في تلك المؤسسات ومرورا بأجهزة البحث والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وانتهاء بالهيئة العامة لمكافحة الفساد القيام بواجب محاربة الرذيلة بكل صورها .

لقد ركزت الهيئة في إعلانها على جوانب" الرذيلة الأخلاقية " متناسية أن الكثير من تلك الجرائم التي تم التطرق إليها أنها تتم على مرأى ومسمع من الأجهزة ألأمنه وأجهزة الرقابة في الدولة بل وبعضا منها مرخص لها من قبل جهات رسمية , أي أن كل ما ستقوم برفعة الهيئة إلى جهات الاختصاص هو تحصيل حاصل لن يقدم أو يؤخر أمام من ترجو هيئة الفضيلة منهم محاربه تلك المنكرات .

كما نجد أن الجهات التي تؤكد هيئة الفضيلة ألاعتماد عليها في أزلة المنكر هي من تقنن للمنكر في كثير من الأحيان , وسنجد في قادم ألأيام مبررات رسمية للعديد من القضايا التي يراها أصحاب الفضيلة منكرا , هي في نظر آخرين أمور يجب ان نساير فيها العصر وأن ننفتح على العالم " هكذا سيقال " , وستلجأ أجهزة الدولة إلى وضع العديد من المبررات تجاه القضايا التي تسعى الفضيلة لمحاربتها .

هيئة الفضيلة صراع الاحتضار :

قد تكون هيئة ألأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية " هي النموذج " الذي تحاول الفضيلة اليمنية السير على خطاها لكنني أرى أن الوقت جاء متأخرا , لأن ألأولى تكابد في بلد منشأها الأمرين , ولم تعد كما كانت من ذي قبل تحظى بالقبول العام في الشارع السعودي وحتى مؤسسات الدولة , وذالك لوقوعها في بعض الأخطاء البسيطة عمد الإعلام إلى تهويلها وتكبيرها .

ترى هل يظن القائمون على هيئة الفضيلة أن ضغوطهم على الدولة في اليمن سيكون أكثر نجاحا من ضغوط الدول المانحة والدول الغربية بشكل عام خاصة الولايات المتحدة ألأمريكية , وفي ظل التأكيد الرسمي أن اليمن دولة منفتحة على العالم , وعلى حضاراتها وثقافاتها , خاصة والدول لعربية ومن بينها اليمن , تؤكد على أنها لن تسعى إلى تعزيز سلطات دينية داخل المجتمع والدولة , مهما كانت أدوار تلك المؤسسات متواضع .

اليمن وفي أكثر من منبر دولي تؤكد قناعاتها بالعولمة , وأنها منفتحة على العالم , لاسيما واليمن تسعى في المنظور القريب الانضمام إلى " منظمة التجارة العالمية " مما يعني أن اليمن ستكون سوقاً مفتوحة لكل ما تنتجه أسواق العالم ومنها الكثير من ألأمور التي لا ترغب في وجودها " هيئة الفضيلة " .

أجهزة النظام في اليمن لن تقدم " مطالب الفضيلة " على التزامات اليمن الدولية , وستحاول أن تثبت أنها أكثر احترما لقضايا العولمة, واقتصاديات السوق العالمية عندها ستبقى الفنادق الراقية مليئة بالخمور وستظل الليالي الحمراء والماجنة يعج روادها في فنادق عدن وفي المدينة السياحية بصنعاء وغيرها من تلك ألأماكن .

إن اليمن تجد نفسها ملزمة بهذا الوجه أو بالأخر في فتح أماكن للعديد من السياح ألأجانب والمسئولين من أصقاع ألأرض للتسلية واللهو وأشياء أخرى ستنظر إليها الهيئة أنها " منكرات يجب إزالتها" ’ وستتحول هيئة الفضيلة إلى شماعة لقضايا صغيرة ستهمش أهدافها التي يحاول القائمون عليها في رسم لوحة " يمن خالي من الرذيلة " .

الزنداني يناضل وحيدا :

المتابع لما يجري يجد أن هيئة الفضيلة لم تكن في لحظة ما محل قبول أو ترحيب بها سواء من التجمع اليمني لإصلاح أو اللقاء المشترك أو حتى المؤتمر الشعبي العام الذي قابلها بهجوم كاسح من أول لحظات الكشف عن هويتها.

 ترى مع من سيحارب الزنداني المنكر في اليمن , هل مع دولة حزبها الحاكم يرفض فكرة تلك الهيئة من أول لحظه , أم مع تيار إسلامي يرفض الاعتراف بها أو حتى أن يتحدث عنها في وسائلة الإعلامية .

أرى أن مهمة الشيخ عبد المجيد الزنداني في قادم ألأيام ستكون أكثر صعوبة , مما يوحي بوأد سريع لمشروعة الذي حاول أن يضفي علية جواً من الإقبال الشعبي وتعدد شخصيات العلماء الإجلاء , خاصة في الحشد الهائل الذي قدر بأكثر من ستة ألف مشارك في حفل تدشينها .

ليس ما أطرحة في هذه العجالة من باب الرفض لمشروع الفضيلة لكن من باب أن الشيخ عبد المجيد الزنداني ورفاقه في هيئة الفضيلة لم يوفقوا في إضافة أعوان فاعلين في الساحة اليمنية للقيام بواجب التعاون على هذا الأمر , ألا يحق لنا أن نتساءل لماذا هذه المغامرة التي لم تحسب خطواتها بدقة , حيث كان الأولى أن تخرج بمشروع أكثر تطور من الصورة الحالية التي يمكن أن نشبهها " كما تقول جماعة التبليغ " قل كلمتك وأمش " وكذالك الفضيلة ستعلن عن المنكر لكن من سيقوم بإزالته .

ترى إذا كانت كل المؤشرات تؤكد أن الجميع " حكومة ومعارضة " غير مقتنعين بمشروع الفضيلة فكيف سيكون مستقبلها .

أنه من غير ألائق عندما نعالج قضايا الرذيلة أن نمارس في محاربتها أدوار " فاشلة ", إن تجربه الاستنساخ لمشروع الفضيلة الذي حضي بتطور جزئي بين النسخة اليمنية والسعودية هو فارق ضئيل وهو أن فضيلة اليمن لن تخاطب ولن تقوم بواجب إنكار المنكر على ألإفراد وإنما المنكر الذي يمكن أن نقول عنه أنه منكر منظم .

كان الأجدر أن يتم تقديم مشاريع تسهم في تفعيل مؤسسات الدولة الحالية بدلا من اللجوء إلى تجربة ستصطدم في الواقع بالعديد من التحديات والعراقيل وعلى رأسها الجهات التي يعول عليها في إنكار ذالك .

الفضيلة محلك سر :

لن تسطيع الفضيلة أن تقدم حلول جذرية لكل ما قالت عنة " أنها ستحاربه وتعمل على إزالته " خاصة في الجانب ألأخلاقي , لأنها لم تعمد إلى أصل المشكلة لتقضي عليها وإنما على ظواهر فساد عامة في المجتمع .

فلو أغلقت الفضيلة ألف مرقص فسينفتح غيرها , ولو صودر مليون قرص مدمج يحمل مواد مخلة بالأدب فسينسخ غيرها , ولو ُألقى القبض على ألف عاهرة فسوف تأتي أخريات يمارسن نفس الدور .

إن البلد اليوم في أمس الحاجة للقضاء على الأسباب التي أدت لنشوء مثل تلك الظواهر , فكل الجرائم الأخلاقية التي أقلقت مضاجع الزنداني والذارحي يكمن علاجها كليا في اجتثاث الفقر من المجتمع الذي كان سببا في خروج العاهرات إلى الشوارع ربما بعضا منهن أرغمهن على ذالك البحث عن لقمة العيش.

ولهث الشباب وإقبالهم على صور الرذيلة وأفلام العهر فذالك ناتج عن ارتفاع العنوسة " بين الجنسين " في المجتمع نظرا للغلاء الذي منع الكثيرين من الوصول إلى طريق العفة .

اليمن اليوم في أمس الحاجة إلى مشروع فضيلة يطالب بإصلاح اقتصادي وسياسي عاجل للوصول إلى مجتمع خالي من الرذيلة الحقيقية التي ستقودنا إلى ما هو أكبر من منكرات الأخلاق.

فاصل إعلاني :

أن التوقيت الحالي الذي وجد الضوء ألأخضر من جهات عليا في الدولة للإعلان عن هيئة الفضيلة يمنح أطرافا ما في السلطة للخروج من مآزق عدة , قد يكون البحث عن " فاصل إعلاني " شيء جميل بهدف لفت الأنظار إلية بعد مشاهد صراع كانت أكثر عنفا ودموية شهدتها البلاد طيلة ألأشهر الماضية , فلا بأس من وضع ذالك المشهد المسرحي الذي يمكن أن ننشغل بعض الوقت ببعض فصولة , حتى يتسنى البحث عن مسرحية قادمة تكون أكثر تشويقا وإثارة .

الفخ الديني :

السلطة في حاجة ماسة لأي مؤسسات دينية , خاصة وهي تعتبر الورقة الدينية هي الورقة الرابحة في الصراع السياسي القادم بين القوى السياسية , باعتبار أننا على مشارف انتخابات نيابية ترسم ملامحها سحب سوداء قاتمة على قطبي الصراع السياسي في اليمن وهما الحزب الحاكم واللقاء المشترك , وبعد تحذير هيئات دولية من عواقب تأخر البت في اللجنة العليا للانتخابات .

لقد جاهدت السلطة مرارا في الحصول على ولاء العديد من الرموز الدينية, ولقد نجحت في استخراج مبدأ " طاعة ولي ألأمر" الذي قدمته المدرسة السلفية في اليمن والذي أصبح ثقافة يتم تعميمها كمحاضرات ودروس على قطاعات واسعة من المستهدفين.
ستظل هيئة الفضيلة غائبة عن الواقع بمعناه الحقيقي خاصة في ظل وجود العديد من العلماء في اليمن والمنضوين في محور الرفض لهذه الهيئة , لكن تلك المواقف الرافضة لها لم تعلن للملأ بعد , قد يكون احترام الشيخ عبد المجيد الزنداني هو " الحاجز " الذي جعل الكثير من تلك الشخصيات تتحفظ على مواقفها في القريب العاجل على ألأقل , وربما نجد من العلماء من يخرج لنا بتأصيلات شرعيه أخرى حول ذالك الموضوع مخالفة لما طرحة الزنداني .

ختاما :

أتمنى أن تكلل جهود الشيخ وأعوانه بالنجاح , فهم على ثغر من ثغور الإسلام , وموطن من مواطن الحق لا نملك إلا الدعاء لهم , وإن نكون نحن معشر الصحفيين جنودا من جنود الحق في فضح كل رذيلة وكشف كل منكر , لأن ذالك من واجبات الصحافة , ومن لدية غيرة على أمر دينه ووطنه أولا وأخيرا .

* Mareb2009@hotmail.com