مصر بين ثوار الأمس ومتآمري اليوم
بقلم/ موسى مجرد
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 12 يوماً
الأحد 14 يوليو-تموز 2013 10:30 م

مصر اليوم تشهد تطورات دراماتيكية متلاحقة فالوعي الثوري لدى النخبة السياسية التي تزعمت المشهد خلال ثورة 25 يناير 2011 م  أصبح منقسم على نفسه مستسلم ومشتت في الانتماء والولاءات إما لعمائم المشايخ  أو لعصي العسكر والقادة أو لعقالات ملوك وأمراء النفط ....

فقد طغت لغة الخشب السياسية على كل المُثل والقيم الوطنية فالتعنت والمكابرة أصبحا سيدا الموقف حتى غلبا صوت الوطن فالكل صار ينعت الأخر إما بالمنقلب الفاشي الخائن أو بالمنغلق المتأسلم الفاشل أنقسم هؤلاء وأولئك إلى طرفين :

- الطرف الأول وجهته ميدان رابعة العدوية الذي أصبح ثغراً من ثغور الثورة التي تمثل الشرعية الدستورية المنتخبة في ذات الوقت الذي لازال رموزه يجيدون اللعب بورقة الإسلام ومازالوا يراهنون على أنها الرابح الأكثر جمعاً من أجل لم الشمل على أساس ديني لا وطني لم يُشفع لأخطائهم المتراكمة من قبل رفاق الدرب في الأمس وخصوم اليوم الذين وبطرفة عين سلبوهم نتاج 85 عام من الحُلم والسعي .

 - الطرف الثاني ووجهتهُ ميدان التحرير حيث يمثل المعارضة أو من يطلقون على أنفسهم برجال الطهارة الثورية فيهم من الشباب الثائر والمتحمس ممن يظن نفسهُ بأنهُ الساكن الوحيد في تابوت الثورة والوطن بينما قياداته ليلاً ونهار مبتهجين بأنهم المنقذين المخلصين الأكثر قدرة وحنكه على إدارة البلاد دون سواهم ما فتئ الأعلام الموالي لهم أو المتحالف معهم عن التظليل ونسج الفضائح ضد الطرف الأخر دون الشفافية أو المصداقية الأمر الذي أتى بالمزيد من التناقض والإحباط ؟؟

هكذا يبدوا المشهد السياسي المصري مريب أكثر استقطابا وأكثر حدةً وتعقيد منذ أن قام الجيش بالانحياز إلى طرف دون الأخر تجسد ذلك في تلبية جميع مطالب الطرف الثاني ( التيار الليبرالي العلماني ) كاملة على حساب الطرف الأول ( التيار الإسلامي ) والتي كان أخطرها عزل الرئيس الأخواني المدني المنتخب ديمقراطياً الدكتور / محمد مرسي بمجرد جرة قلم وبطريقة مهينة ومشينه حتى أنهُ لا زال رهن الإقامة الجبرية حتى اللحظة ! ...       

  ولكن ما يبعث على التوجس والخشية هو أن المؤامرة على مصر العروبة لم تتوقف عند هذا الحد وكفى أو أنها خصومة بين الفرقاء السياسيين ( الليبراليين – والإسلاميين ) ولكنها أعمق من ذلك بكثير أو كما وصفها الكاتب / ياسر الزعاترة : ( المسألة أكبر من مرسي ومن الأخوان بل وحتى من مصر نفسها مستقبل العرب جميعهم بات على المحك ) .

فعلاً " إنها المؤامرة التي تدار ضد دول الربيع العربي وبالأخص مصر من وراء الضفة الشرقية المقابلة للبحر الأحمر فمن أبو ظبي والرياض باتت خيوط اللعبة واضحة للعيان دل على ذلك التهافت من قبل ملوك وأمراء الخليج فلم تكن سوى سويعات منذ إعلان بيان إقالة الرئيس المنتخب الدكتور / محمد مرسي وقبل أن يؤدي الرئيس المعين المؤقت / عدلي منصور اليمين الدستورية إلا وبطريقة لم نعهدها من قبل سارع الملك السعودي بمباركة تلك الخطوة وتهنئة الجيش والشعب المصري بذلك الانتصار العظيم على حسب زعمه لنرى بعد ذلك السباق المحموم في منح وصرف مليارات الدولارات للنظام الجديد :

- 6 مليار دولار حسب ما أورد وأعترف بذلك بوق الردح الإعلامي المعروف / د . توفيق عكاشة في برنامجه (مصر اليوم) الذي يذاع في قناة الفراعين التي يملكها ثمناً لحشد الملايين في ميدان التحرير وباقي المحافظات تحت مسمى إسقاط حكم الأخوان !!

- 12 مليار دولار قدمت على شكل هبات وقروض وسندات دفع كودائع إلى خزينة البنك المركزي المصري من قبل دولة الأمارات والكويت والمملكة العربية السعودية وهذه ليست إلا البداية حسبما أفاد / عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الأمارات .

18 مليار دولار مجموع ما تم صرفهُ في فتره زمنية قياسية لا تتجاوز الأسبوعين ولطالما أستجدتهم كثيراً الحكومات المصرية المتعاقبة منذ ثورة 25 يناير 2011 م طلباً للدعم والمعونة كقروض بفوائد ولكن دون جدوى تذكر ... 

السؤال .. ؟ الذي يتبادر هنا إلى الذهن يا ترى ما السر وراء صرف كل هذه الأموال المهولة ؟ هل هو حق الأخوة والجوار ؟ أم أنهُ دافع القومية العربية ؟ أم أنهُ الشعور بالذنب والمسئولية تجاه الدماء المصرية الزكية التي أزهقت ؟ بالطبع لا هذا ... ولا ذاك ...

ولكنهُ المبلغ المُقدم ثمناً لتلك المؤامرة ( الصهيو – خليجية ) التي بدأت تتكشف أبعادها والتي تستهدف شعوب المنطقة وفي القلب منها مصر العظيمة أرضاً وإنسان من أجل تحقيق الأهداف التالية : -

* العمل على إفشال مشروع الديمقراطية الوليدة في مصر أهم الأهداف التي حققتها ثورة 25 يناير والتي ألهمت شعوب المنطقة والعالم من خلال دعم الثورة المضادة كخطوة إستباقية ووقائية تقوم بها المملكة العربية السعودية حرصاً منها لمنع تصديرها نحو شعوب الجزيرة العربية والخليج .

* استمرار بقاء السياسة الأمريكية تجاه مصر القائمة على الاحتواء والضغط عبر أدوات عربية خليجية من أجل أكمال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة – كوندليزا رايس – الهادف إلى إخضاع جميع شعوب المنطقة من أجل أمن وبقاء دولة إسرائيل .

* العمل على إضعاف مصر ومنعها من امتلاك مصادر القوة والفعل اللذان يمكنانها من القيام بدورها الريادي والتاريخي في قيادة الأمة العربية واسترداد قرارها الذي سُلب منها لتستفرد به دويلات كانت على هامش التاريخ العربي .

* مصر الضعيفة الغير قوية يعني الاستمرار في إبتزازها وإذلالها إقتصادياً من قبل دول الخليج العربي بالذات عبر عدة وسائل منها على سبيل المثال لا الحصر : منع السياحة الخليجية - سحب الاستثمارات – التهديد بسحب العمالة المصرية والتي تقدر بـ 5 ملايين عامل .  

* نجاح مؤامرة إسقاط نظام ديمقراطي منتخب حقق مكسباً إستراتيجياً وإقتصادياً لدولة الأمارات العربية المتحدة من خلال إلغاء وبشكل رسمي مشروع محور قناة السويس الاستثماري الصناعي الذي كان من الممكن أن يشكل عائد سنوي للاقتصاد القومي المصري يقدر بـ 100 مليار دولار حيث وإفشاله يعني حماية موانئ دبي الحرة من الكساد العظيم الذي كان سيلحق بها في حالة ما أن نجح ذلك المشروع .

خلاصة القول نصيحة :

إلى من أستسلم لقوى التآمر والرجعية ثم يأتي ليدعيّ بالطهارة الثورية - إلى من سعى عامداً إلى عرقلة وتقويض المسّار الشرعي الديمقراطي الوليد ثم أتخذ من اللامبالاة درباً وملاذاً حين أبتهج وأنتظر فرجاً قد جاءهُ على يد العسّكر - إلى من أراد أن ينوب أو يكون البديل للنظام الشرعي القائم دون صندوق الانتخابات – إلى من أراد أن يفرض لونهُ الخاص على العام المتنوع أقول لهم :

إنها مصر العظيمة فلماذا أخترتم هذا المسلك الضيق العنيد ؟ .. هل أخذتكم العزة بالإثم ؟ سندعوا الله أن يزيل الغل من النفوس فمصر الرائدة مصر القائد والمعلم مصر العزة والكرامة لن تبقى ولن تكون دون الشعب بجميع فئاته ومكوناته ... وليحفظ الله مصر وأهلها من كل مكروه .

mmajrad96@yahoo.com