تحويل الجيش اليمني إلى قوات ضاربة بحرية ودفاع ساحلي !!
بقلم/ د.طارق عبدالله الحروي
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 15 يوماً
الإثنين 10 ديسمبر-كانون الأول 2012 04:06 م

-تمتلك اليمن مثلها مثل معظم الدول الواقعة في نطاق حدود المنطقة العربية جيشا نظاميا تقليديا بأصنافه الثلاثة برية جوية بحرية لا يتناسب إلى حد كبير مع احتياجاتها من حيث الكم والكيف، بحيث تتفوق فيها إلى حد كبير جدا القوات البرية عن باقي القوات كسمة بارزة في الجيوش العربية، بغض النظر عن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم القدرات المادية والمعنوية من حيث العدد والتأهيل والإمكانيات والموارد والتفوق والانجاز والخبرات،.... الخ التي تتفاوت وتتباين إلى حد كبير من دولة إلى أخرى.

-وبالرغم من أن التفوق الكبير الحاصل في طبيعة ومستوى ومن ثم حجم القوات البرية اليمنية بالمقارنة بباقي الأصناف كان أمرا له مبرراته في ثنايا ومضامين المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية في الخمسة عقود الماضية، في ضوء وجود العديد من الاعتبارات الرئيسة التي يصعب تجاوزها أو تجاهلها يغلب عليها الطابع الخارجي بشقيه الإقليمي والدولي أكثر منه الداخلي، جراء انضواء شطري البلاد كغيرها من دول المنطقة في سياسية الاستقطاب الثنائية الدولية وارتبط أوضاعهما قلبا وقالبا بطبيعة مقومات الأمن القومي الخليجي والسعودي منه- بوجه خاص- لدرجة حالت حتى بعد دمجهما في كيان سياسي واحد عام 1990م دون وجود أية إمكانية للوقوف بموضوعية وجدية على أية خطوات فرضتها أولويات المصلحة الوطنية العليا تمكنه من ضمان تحقيق مقومات أمنه القومي.

-إلا أنها في نفس الوقت لم تعد تتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة حتى في أبسط شروطها- وفقا- لما أصبحت تفرضه حقائق الجغرافية- السياسية من أولويات لها شأنها لم يعد بالإمكان تجاوزها أو تجاهلها، تتمحور إلى حد كبير حول أهمية لا بل وضرورة تحويل اليمن إلى دولة بحرية مدنية حديثة لها كيان بحري متكامل، باعتباره قد أصبح أمرا ملحا لا بل وضروريا لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، كما أشرنا إليه في الكثير من مقالاتنا المنشورة وقيد النشر والإعداد، سيما عندما يتسنى لنا الخوض في أتون هذا الأمر، باتجاه ضمان تأمين الحدود البحرية وتحقيق الاستفادة القصوى من متغير الإطلالة البحرية على مياه البحرين الأحمر والعربي ضمن إطار إستراتيجية أمنية متكاملة الأبعاد والرؤى والاتجاهات.

-ابتداء بالاستثمار الأقصى لمزايا الموقع الاستراتيجي وامتيازات الحدود البحرية باتجاه الحصول بجدارة على مكانة مرموقة في الاستراتيجيات الدولية والإقليمية- من جهة- والتمكن من إحداث نقلة جذرية نوعية في واقعها كله بالتحول إلى دولة بحرية مدنية حديثة لها شأنها، ومرورا بإحداث حراك نوعي وكمي؛ يستهدف إقليمي الشريط الساحلي والجزر، لإعادة استيطانهما- وفقا- إستراتيجية وطنية طموحة جدا معدة لمثل الغرض بأبعادها العسكرية والسكانية والإسكانية والصناعية والزراعية والسياحية...الخ، وانتهاء بتحقيق أعلى درجة من الاستثمار المنشود للمزايا التي تمتلكها البلاد في هذا النطاق البحري والبري، بما يصب في رفد وتنويع الموارد والإمكانات بما يصب ضمن إطار التنمية الشاملة والمستدامة القادمة.

-على أساس أن اليمن بعد دمج أراضيها أصبحت تحظى بشريط ساحلي طويل جدا يقدر بـ2500 كم2، يغطي المنطقة الممتدة بين محافظة حجة على الحدود اليمنية- السعودية في الجانب الغربي والواقعة على شواطئ مياه البحر الأحمر ومحافظة المهرة على الحدود اليمنية- العمانية في الجانب الشرقي الواقعة على شواطئ مياه البحر العربي ليس هذا فحسب، لا بل وفي ظل استمرار تنامي حالات التغيير الجذرية الايجابية الحاصلة في البيئتين الداخلية والخارجية الحاضنة والمحفزة لهذا المعطى شكلا ومضمونا، بالاستناد إلى كافة المعطيات الظرفية السائدة فيهما والتي بلغت حد الذروة في حالة التوافق الحاصلة بين الإرادة الداخلية بشقها الرسمي وغير الرسمي مع الإرادة الخارجية حول متطلب التغيير، التي مهدت أمامها الطريق واسعا إليه من خلال أول واهم وثيقة تاريخية في المنطقة قاطبة مثلتها (المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة) في مرحلتها الثانية على وجه التحديد.

-ومما لاشك فيه أن هذا الأمر سوف تتضح بعض أهم معالمه الرئيسة- تباعا- عندما يتم إقرار مضامين العقيدة العسكرية الجديدة للمؤسسة الدفاعية الجديدة بهذا الشأن؛ التي سوف تقوم على إعطاء القوة البحرية والدفاع الساحلي مكانة مرموقة ضمن الاستراتيجية العسكرية القادمة- هذا إن لم نقل المحورية- في اتجاه التحول الكامل نحو دولة لها كيان بحري متكامل؛ يغطي كافة المهام الوطنية بهذا الشأن على حساب صنف القوات البرية؛ من خلال إعادة هيكلة وتوزيع القوات المسلحة اليمنية والبرية الحالية منها- بوجه خاص- (أفرادا، أسلحة، عتادا،...) إلى قوات ضاربة بحرية ودفاع ساحلي- بالدرجة الأساس- ضمن استراتيجية عسكرية وطنية طموحة جدا معدة لمثل هذا الغرض سلفا، فضلا عما سوف يترتب على ذلك من تغييرات جذرية في مضمون وشكل الاتفاقيات ومن ثم مجرى الصفقات العسكرية الماضية والحالية والمقبلة.

-سيما أن وحدات برية رمزية مختارة من الجيش وقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة تحت مسميات متعددة تستطيع ملء الفراغ الناشئ المتوقع كقوة برية لها كيانها الذي يعتد به بهذا الشأن، وخاصة في ضوء ما أصبحت عليه ظاهرة الحروب- في وقتنا الحالي- من تغيير نوعي كبير جدا طال كل شئ، بحيث لم يعد هنالك أهمية للجيوش النظامية التقليدية في ضوء بروز ظاهرة حروب العصابات كعنوان أساسي في المشهد العسكري الحالي والتي أصبحت الوحدات الخاصة وغير النظامية هي محور الارتكاز الأساسي فيها- أولا.

-ومن ثم ما يمثله متغير بناء وتطوير الجيوش من استمرار تنامي حالات الإفراط في استنزاف الموارد والإمكانات المتواضعة في هذه البلدان، على الرغم من عدم جدوى هذا الأمر بعدما أصبحت حدود نطاق الدول والشعوب مخترقة إلى حد كبير على كافة المستويات والعسكري والأمني منها- بوجه خاص- سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر- ثانيا- وأهمية لا بل وضرورة أن تتحول المؤسسة العسكرية اليمنية إلى رافد محوري وأساسي من روافد التنمية الشاملة والمستدامة بكل أبعادها، بدلا من بقائها مجرد عبء ثقيل جدا على كاهل البلاد- تبعا- لما تم تناوله من مؤشرات لها شأنها بما تحمله من دلالات ومعاني أوردنا الكثير منها في مقالاتنا المنشورة أو قيد الإعداد والنشر.

-ومن الجدير بالذكر- أيضا- أن أهمية هذا التوجه بل وضرورته- بالدرجة الأساس- لا تبرز في ظل المعطيات الظرفية- الأنفة الذكر- فحسب، بل وأيضا تتعاظم- إلى حد كبير- في ضوء ظهور متغير إعادة هيكلة القوات المسلحة على أسس وطنية تفرضها أولويات المصلحة الوطنية العليا، التي جاءت به الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، بصورة توفر أمام اليمن فرصة ذهبية نادرة لإمكانية إحداث هذه النقلة النوعية في الواقع اليمني بأقل وقت وجهد وتكلفة ممكنة، سيما أن هذا التوجه قد أصبح بالفعل أكثر توافقا وتناغما مع حالات الحراك الرسمية الحادة بهذا الشأن التي تشهدها البلاد منذ ما يزيد من عقد من الزمان وفي العام 2011م تحديدا.

d.tat2010@gmail.com